lundi 26 février 2018

الثورة الاسلامية في إيران ثبات مبادئ وتألّق مستقبل

  
ثورة إسلامية عصماء، يراها المؤمنون ماضية
بعين الله، فيلهجون لها بالدعاء صباحا ومساء
من رحم ثورة الحسين بن علي عليهما السلام، خرجت للناس ميمونة مباركة، ومن مدرسته نالت كسبها، ومن قيامه المبارك ضد الظلم والتحريف، استلهمت قيمها ومبادئها، التي خرج وضحّى من أجلها، تضحية فريدة في أحداثها ومضامينها.
 هي ثورة ليست ككل الثورات، فقد تميزت عليها بأن مثلها الأعلى، هو أبو عبد الله الحسين عليه السلام، وقيمه الاسلامية التي خرج على طاغية زمانه من أجلها، وقام بثورته في مواجهة الظلم والاستبداد والتحريف، ومدرسته التي أسسها بحركته المباركة، هي قطعا أعظم مدرسة فداء تحدّث عنها التاريخ، لأن أساسها كان الإصلاح، وعنه وعن بقية أهل بيته عليهم السلام، وأصحابه رضوان الله عليهم، نسج الشعب الايراني المسلم على منوال قيامهم ضد الظلم، ومطالبهم العادلة في الحرية والعزة.
ذلك أن إيران كانت قبل الثورة، يعيش شعبها تحت حكم اسرة بهلوي الاستبدادية، ارتكبت بحقه مظالم، وتجاوزات وانتهاكات عديدة، وصلت الى حد المساس بقيم الدين الاسلامي، والاستهانة بأحكامه، ومحاولة تعطيلها، والى حد التضييق على مراجع وعلماء البلاد، ومحاربة دعوتهم الاصلاحية، في وجه الفساد والظلم، التي كانت بدافع الغيرة على الدين، وثقة الشعب الايراني المسلم بهم، عاملان انصهرا في مشروع ثورة اسلامية مباركة، اخبر عنها غيب الله تعالى في محكم تنزيله.
الثورة الاسلامية في إيران إمداد غيبي
بشارتها وحي إلهيّ، وبيانها نبويّ، أخبرا بقيامها، وإن لم يحددا زمانها الا أن تحديد اصحابها وموطنهم أغنتنا عن بقية التفاصيل، التي حددتها إرادة الشعب الايراني، فجاءت مطابقة لإرادة الله سبحانه وتعالى، فكانت ثورة نموذجية في جميع مراحلها، منفردة بفضل قدوتها على جميع الثورات، ولو لم يكن الامام الحسين عليه السلام، ونهضته المباركة لما كانت، فهي كما قال قائدها ومحرك جذوتها، الامام الخميني قدس سره، من ذلك الفيض الإلهيّ، ومشتقة من تلك الحركة الربّانية ( إن كل ما لدينا هو من عاشوراء). (1) 
عندما نزل الوحي المقدّس على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذكر قوم، اختارهم ليكونوا حملة دينه، وأنصار شريعته، (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (2)لم يكن أحد ممن سمع تلاوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يدرك حقيقة الآية وبعدها الغيبي، حتى بعد استفسارهم عن معناها، وتبيّنهم مقصدها.  
عن أبي هريرة قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية (وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) فقالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونون أمثالنا؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكب سلمان ثم قال: ( هذا وقومه، والذي نفسي بيده، لو كان الايمان منوطاً بالثريا، لتناوله رجال من فارس ) (3)
هي عشرة الفجر الإلهي، الذي عاشته ايران الإسلام، بشارة الوحي، وبلاغ النبوة في قوم سلمان الفارسي (المحمدي)، الذي احبه الله سبحانه، وابلغ نبيه الاكرم صلى الله عليه واله بانه يحبه، لكن من جحد مقامه، وانكر منزلته، لم يكن له ان يرد ما اعلنه رسول الله صلى الله عليه واله، على الملا من الصحابة: (سلمان منا اهل البيت) (4).
ودون مواربة يمكن القول، فإن أهل فارس حفظوا الدين قديما، بحرصهم عليه وانتقالهم الى أصقاع الأرض، طلبا لعلومه، فظهر منهم الحفاظ والفقهاء والمفسرون وغيرهم، ما عزز بقاءه، وأعطاه نفسا قويا، جعله يستمر في أداء رسالته، ويقوم في الاجيال المتعاقبة، ويحفظونه في هذا العصر، بهذه الثورة الباركة، التي أسفرت عن قيام نظام اسلامي، بعد استفتاء شعبي مشهود، قال فيه الشعب الايراني كلمة: نعم للإسلام، وما الثورة في اساسها وتفاصيلها، سوى ثورة اسلامية أصيلة.
ايران بلد حضارة وقيم انسانية، تجذرت منذ آلاف السنين، وازدادت تألقا وقيمة في العصر الاسلامي، حيث اسهم الايرانيون في خدمة الدين بمختلف علومه، فبرز منهم مئات كبار علماء الاسلام، بحيث انفردوا بميزة عرفها كل باحث في هذا الشأن، وهي امتلاكهم لناصية العلوم الاسلامية (فقه، حديث، تفسير، فلسفة، طب).
ايران قبل الثورة الاسلامية
كانت ايران قبل الثورة، تعيش تحت سلطة غاشمة، معتدية على المقدسات والحقوق، غير آبهة بمصالح وطنها وشعبها، عميلة للغرب (بريطانيا وأمريكا)، لا ترى حرجا في تنفيذ رغباته، ورعاية مصالحه على حساب مصالح الشعب الايراني، الذي عانى كثيرا من تلك السياسات الظالمة.
وقد أوجد هذا الظلم قطيعة بين السلطة والشعب وتزايد الغضب الشعبي بسبب إمعان الشاه ونظامه في تبعية عمياء للغرب واسرائيل، مما جعل خيرات البلاد عرضة للنهب واستلاب قرارها، كما شكلت محاولاته طمس هويتها الإسلامية، وقد عبر الإمام الخميني قدس سره عن ذلك بقوله: ( إنّ معظم مصائبنا من امريكا ومن إسرائيل، التي هي جزء لا يتجزأ من أمريكا، وإن هؤلاء النواب والوزراء هم عملاء لأمريكا، والا فلماذا لا يقفون بثبات ويتصدون للطغيان الأمريكي) (5)
عندما نشرت صحيفة (كيهان) شبه الرسمية في ايلول 1961م قراراً لرئيس الوزراء (أسد الله علم) تناول فيه بالتعديل قانون المجالس المحلية، وأهم ما في التعديل، هو انه ألغى القسم على القرآن الكريم، عند التشريع لتلك المجالس، على أن يحل محله، أي كتاب سماوي آخر معترف به، كما ألغى شرط الإسلام على المرشحين، مما اعتبره الامام الخميني (تبييتاً لمؤامرة ضد القرآن وتعاليمه ونية لإزاحته عن سدة القيادة والحكم والاستعاضة عنه بالكذب والأنظمة الضالة، فهاهم وقد الغوا شرط الإسلام، من قائمة الشروط الضرورية للمرشحين والناخبين). (6)
كانت هذه الخطوة سبباً في تفجير الموقف في قم، وظهور شخص روح الله الخميني على مسرح الأحداث لأول مرة، ومنذ ذلك الحين، بدأ مسيرته العلنية في معارضة الشاه وأدوات حكمه الظالمة، فاجتمع علماء الحوزة العاملون، والسائرون على خط الامام الخميني، في بيت آية الله حائري بقم المقدسة، وأرسلوا برقية احتجاج إلى الشاه، ثم بعد أن رد الشاه بأنه احال الأمر إلى رئيس الوزراء، اجتمعوا مرة أخرى، وقرروا إرسال برقية بعث بها روح
الله الخميني إلى رئيس الوزراء، محذراً ومهدداً من مغبة مخالفة الدستور والإسلام، وجاء نص البرقية التي كتبها الامام: (أحب أن اذكركم بأن علماء إيران الاعلام، والمراكز الدينية، وسائر المسلمين، لن يسكتوا عما يخالف الإسلام، ولن يعترفوا باي أمر يخالف الإسلام، بحول وقوة من الله تعالى).(7)

ومن خلال خطب الامام الخميني، ودروسه التي كان يلقيها على تلامذته، من فضلا ء وعرفاء الحوزة، ظهر عزمه على مقارعة الشاه ونظامه بكل السبل المتاحة، فقد عبر عن ذلك بقوله سنة 1961 (..من العار أن نسكت على هذه الأوضاع، ونبدي جبناً أمام
الظالمين والمارقين، الذين يريدون النيل من كرامة الدين والقرآن، وشريعة الإسلام الخالدة... انهضوا للثورة والجهاد، فنحن لا نريد الحياة في ظل المجرمين)(8). 
المدرسة الفيضية شرارة الثورة الاسلامية
تصريحات وخطب قوية، مثلت قيمة الاسلام وعمقه وغايته، فضح من خلالها الامام الخميني، مؤامرات الشاه بحق ايران، مقدسات وشعبا وارضا، ما اربكه ودفعه إلى إرسال جلاوزته للهجوم على المدرسة (الفيضية)، فقتل وجرح خلالها العديد من طلاب الحوزة، بالرصاص والقي بعضهم من على سطح المدرسة العالية ما أدّى الى استشهادهم يوم 26 شوال 1382،  واعتبرت هذه الحادثة الأليمة، الشرارة الأولى للثورة الاسلامية، بقيادة الامام الخميني، حيث حضر عصر عاشوراء سنة 1383 الى المدرسة، التي سجلت تواجدا جماهيريا غفيرا، امتلأت به صحونها، وامتدّ الى مدرسة دار الشفاء، وصحن حرم السيد فاطمة المعصومة، وساحة أستانة، وهناك بين جماهيره القى خطابا تاريخيا هاما، هاجم فيه النظام البلهلوي وأمريكا واسرائيل، والذي على اثره قامت قوات الشاه باعتقاله وايداعه السجن، فاندلعت بسبب ذلك انتفاضة 12 محرم ( 15 خرداد)، التي قال بشأنها الامام الخميني قدس سره: (في الحقيقة ان انتصار الثاني والعشرين من (بهمن) عام 1357 هجري شمسي، (11 شباط 1979 ميلادي) انما هو نتيجة لانتفاضة الخامس عشر من (خرداد) عام 1342 (5 حزيران 1963 ميلادي).
ونظرا لما يمثله الامام الخميني من خطر على نظامه أقدم الشاه على نفي الامام الخميني الى خارج ايران، كانت له خلالها ثلاث محطات ( تركيا 1964  العراق 1965فرنسا 1978 ) لم ينقطع فيها عن شعبه، وكان يرسل خطاباته اليهم، بواسطة المخلصين من أبناء الشعب، ونخبه الذين الفتوا حوله، مما جعل الثورة تزداد زخما يوما بعد آخر، وترتفع وتيرتها بعد سقوط الشهداء، من ابناء الشعب الذي قرر أن ينتفض، ويواجه أدوات نظام الشاه القمعية، ويتبع ارشادات ونصائح وتعليمات قائده الامام روح الله الموسوي الخميني.  
لقد شهدت الفترة الواقعة بين 1963 و 1978 حدة الصراع، وتصاعد المواجهة بين الحوزة وعلماءها العاملين من جهة، والشاه وسلطته الغاشمة من جهة أخرى، وتخلل هذا الصراع، المزيد من الاعتقالات والتعذيب في السجون والنفي والإبعاد، إلى ممارسات القمع لمؤيدي الثورة، والسائرين في ركب الإمام الخميني، وقد تبلورت خلال هذه الفترة، الخطوط الأساسية التي حكمت مسيرة المعارضة للشاه، ومقارعة حكمه العداء للاستعمار، لاسيما أمريكا، التي أضحت تدخلاتها مفضوحة في الشؤون الإيرانية، وفي توجيه سياسة الحكم عند الشاه وحكومته، والعداء لإسرائيل، على أساس انها من نتاج الغرب الاستعماري، وخطرها قائم ليس على الدول العربية فحسب، إنما على الدول الإسلامية عامة.
  وللإمام الخميني في هذا الخصوص، بيان كثير في خطبه، التي لا تكاد تخلو من شرح للشعب الايراني والامة الاسلامية، عن الاسباب الكامنة وراء ضرر وتخلف وشقائهم، نوجز منه قوله: (إن معظم مصائبنا من أمريكا ومن إسرائيل، وإن شقاءنا هو بسبب تدخل الأجانب في مقدراتنا وشؤوننا، فهم الذين ينهبون ثرواتنا الطبيعية الهائلة، وان سيطرة عملاء الاستعمار على مقادير الشعب الإيراني، هي التي أدت إلى خلق مشاكل ومخاطر حادة، وقد عمدت السلطة العميلة، إلى التحالف مع إسرائيل ضد الدول العربية والإسلامية، وتسعى لمحو أسس القرآن الكريم، وتعاليم الإسلام التحررية.(9)
القضية الفلسطينية الحاضرة أولا
لم يبعد انشغال الشعب الإيراني بأوضاعه الداخلية المتردية، وانشغال قادته في الثورة بالمواجهة مع الشاه، عن الهم الإسلامي العام، الذي لم يغب عن اهتمامات الإمام الخميني والشعب الإيراني، فكان لفلسطين ولبنان، ووحدة العالم الإسلامي وقضاياه، حضور مستمر في خطبه، وكانت شعاراتها تتردد على السنة المتظاهرين في شوارع طهران، وبرزت دعوة الإمام الخميني عام 1968، ومناشدته جميع المسلمين مناصرة القضية الفلسطينية، ودعم صفوف ثورتها، من ذلك مثلا، المظاهرات التي خرجت في طهران عام 1964، عقب نفي الإمام الى خارج إيران، مطالبة قطع العلاقات مع إسرائيل، متحدية عناصر (السافاك) وقوى الامن القمعية، بإشعال النار في مكاتب شركة العال الاسرائيلية، ومهاجمة مكاتب العلاقات الثقافية الأمريكية، وتطور بعد ذلك الأمر، الى تفجير مراكز المصالح الأمريكية في إيران عام 1972، أثناء وجود الرئيس الامريكي (نيكسون) في طهران.
وفاء ايران بما التزمت به من دعم للقضية الفلسطينية، مستمر ومتواصل باعتراف فصائل المقاومة الفلسطينية، الى غاية تحقيق هدف تحرير كامل الارض من النهر الى البحر، والنظام الاسلامي في ايران، لا يؤمن بما يدور في عقول ساسة الانظمة العربية والاسلامية، من القبول بحلّ الدولتين، في مسار تفاوضي أثبت عقمه وفشله، ويعتقد أنه يجب انهاء الكيان الغاصب تماما، وبسبب هذا الموقف الصادق والجريء، حوربت ايران الاسلام منذ 39 سنة من وجودها، وتحارب اليوم لنفس السبب، ويخطط أعداؤها للإيقاع بها، لكن هيهات أن يطفأ حلف الشيطان نور الله .
يوم الله والانتصار العظيم
في أوج الثورة الشعبية العارمة، لم يرضى الامام الخميني البقاء في منفاه الأخير (بنوفل لوشاتو) (Neauphle-Le-Château) بضاحية (باريس)، فقرر الرجوع الى بلده، متحديا الغرب وأدواته الحاكمة في ايران، رغم التحذيرات والنصائح التي وجهت اليه، بعدم الاقدام على تلك الخطوة، صونا لحياته، لكنه رغم تلك التحذيرات الجدّية، اصرّ على العودة، ليكون قريبا من أبنائه الثائرين طلبا للحق، واصلاح ما أفسده نظام الشاه، متقاسما معهم نتائج الثورة ومواجهة أعدائها، فكانت عودته بمثابة التحول الكبير، وأعطى حلوله بين أبناء شعبه، زخما ثوريا ودفعا معنويا الى مجاهدة اعداء الاسلام وايران، جهادا لم يكن ليبلغ ذلك المستوى من التضحية، لولا حضوره المبارك، وما اكتساه من قيمة روحية بالغة، سارعت في إسقاط نظام عميل مستبد ظالم، رغم محاولات أمريكا اليائسة والبائسة، وكان يوما مشهودا استحق أن يطلق عليه (يوم الله).
لقد سجلت عشرة الفجر المباركة 1 الى 11/2/1979، (

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire