يقترب النظام الاسلامي في ايران من 40 سنة على قيامه، وهي
سنوات بلوغ الأشدّ،
كما جاء في قوله تعالى: (ولما
بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي
المحسنين) ( سورة يوسف
الآية 22)
ولم يكن من السهل عليه أن يمضي في
طريق بناء دولته، دون معاناة كابدها طوال الفترة الماضية، ومصارعة للقوى المعادية
للإسلام المحمدي الأصيل، بعدما أعلن عن أهدافه الإسلامية منذ البداية، دون خوف أو
مواربة من الغرب وزعيمته أمريكا، المسيطرة على العالم بسياساتها الإستكبارية، والمهيمنة
على إقتصادياته، من أجل انعاش اقتصادها بالتحيّل وفرض الرسوم والضرائب المشطة، والخانقة
والقاتلة لكل روح تحررية تظهر في الشعوب المضطهدة.
نظام تألّف من مؤسسات قيادة، أثبت
علوّ كعبه في مجال الحكم الداخلي، وسياسته الخارجية، اختارته الجماهير الإسلامية
بكل قناعة، اجتمعت فيما بينها لتتكامل وتتعاون، من أجل بناء مستقبل إسلاميّ مشرق
ومتميّز لإيران، تكون فيه نموذج النظام الإسلامي الفريد في تركيبته وأدائها
المتميّز، يقدّمه المؤمنون بنظام ولايته ( ولاية الفقيه)، إلى العالم الإسلامي
خصوصا، والعالم بأسره عموما، على أنه الحلّ لمعضلات الشعوب المتراكمة، والباقية
بلا حل في ظل نظم مدّعية للحرية والديمقراطية، لكنها في الواقع أقرب إلى التعسف
والدكتاتورية، وخنق حريات الشعوب وأقلياتها.
وبقطع النظر عن تسميات هذه
المؤسسات الحكميّة، وتركيبة أعضائها، ومددهم النيابية، ومدى صلاحيات تلك المجالس، وطرق
انتخابها، فإن ما يدعونا الى القول، بأنها بدت على مدى العقود الأربعة الماضية،
ناجحة فيما اجتازته من عقبات عديدة، كانت ستعوقها عن التقدّم، لو أنها لم تكن
مسنودة من الجماهير الايرانية المسلمة، المؤمنة بحقّانية نظامها والفخورة به،
والباذلة معه النفس والنفيس، بما حدا فئات أخرى مثقفة من الشعوب الاسلامية، الى اعتباره
نموذجا اسلاميا أمثلا، لمواجهة التحديات الموضوعة في طريق صحوة شعوبه، والعمل على مناصرته
قلبا وقالبا.
نجاح النظام الاسلامي في ايران بدا
واضحا لا غبار عليه ولا لبس فيه، وأدار اليه اعناق التوّاقين لخدمة الدين الحنيف،
بما يعيد اليه مكانته التي فقدها منذ زمن بعيد، وقد ظهرت آثاره الايجابية بسرعة،
وامتدت الى شعوب اسلامية أخرى، آمنت بجدوى هذا النظام، واقتنعت بحقيقته الاسلامية
ومصداقيته، فلم تمرّ العشرية الأولى، الا وقد سرت منه روح المقاومة الاسلامية الى
فلسطين ولبنان، الجهاد الاسلامي 1982 حزب
الله 1985 حماس 1987 ، والتحقت حركة أنصار الله
بعدهم بقليل 1992 الى منظومة مقاومة الاستكبار والصهيونية.
وان أشد ما يزعج امريكا والصهيونية العالمية هو قيام هذه
الحركات التحررية الاسلامية، وتمكنها من اسباب مواجهة الاعداء ومقارعتهم والانتصار
عليهم، ومن هنا بدأت معادلة الردع وتكافئ ميزان القوى، ورجحانه مستقبلا لصالح قوى
المقاومة، لتحقيق النصر المؤمّل على اعداء الاسلام والانسانية.
لقد بشّر النظام الاسلامي في ايران بيوم قيام المستضعفين،
وانتصارهم على المستكبرين، وهو اليوم الذي سيمنّ الله سبحانه وتعالى فيه على عباده،
بقيام دينهم الحق الذي ارتضاه لهم، وهيمنته على العالم بميزان العدل والحق، ورجوع
البشرية الى التفيّإ بأمنه، وهو الهدف الذي تعمل امريكا وقواها الحليفة جاهدة من
أجل منع حدوثه، ولكن هيهات أن يطفأ نور الله.
وقد اتّسمت السياسة الخراجية الاسلامية الايرانية، بحكمة
قراراتها وثبات نهجها، فلم تتغيّر عن مسارها أبدا، رغم كل الضغوط والحصار
والعقوبات، ولم تتنازل عن قضاياها وأهدافها المعلنة، المزعجة لأمريكا والغرب، وهي
التي لو اعلنت مثلا انها ستتخلى عن قضية فلسطين، لطبّل لها الامريكان والصهاينة،
ولجعلوها قبلة العربان والمسلمين، أكثر مما كانت من قبل، على عهد الشاه المقبور،
وهذه نقطة مهمة في الصراع القائم بين الاستكبار العالمي وايران الاسلامية، يجب أن
تحسب لإيران الاسلامية، ولا يغفل عنها الباحث عن الحقيقة.
ايران المستهدفة من الارهاب التكفيري وهو أحد أدوات امريكا
في مواجهة نموّها واعتدادها، كانت ضحيته في عديد المناسبات وقد اكتوت بناره من جهة
باكستان وافغانستان، لكنها تعاملت مع جرائمه الغادرة، بما تستوجبه حقوق الجوار،
فلم تتوتر العلاقات بينهم، ورضيت ايران ان تعالج تلك الظاهرة الخطيرة، بوسائلها
الخاصة، ودون احراج جيرانها، متحمّلة حماية حدودها، بتفاني وبسالة أبنائها من حرس
الثورة الاسلامية.
وعلى مدى العقود الأربعة الماضية، حاولت ايران جاهدة التقرب
من الدول العربية والاسلامية، والتعبير لها بما يفهمه حكامها عن حسن نية صادقة،
واستعداد للتعاون المثمر بينها، وتمتين أواصر الاخوة المفقودة بمقصدها الاسلامي،
لكنها وجدت نفسها في كثير من الاحيان، في مواجهة السياسة الإستكبارية الامريكية،
التي أوعزت الى عدد منها، توتير العلاقات معها، وقطعها بأعذار لا واقع لها، فهي
الى حد الساعة ضحية إملاءات السياسات
الامريكية على تلك الدّول، ومع ذلك لم تقطع ايران الامل في اقناع تلك الدول، بجدوى
اقامة علاقات أخوية بينها وبينهم، معتمدة في ذلك، على ما قدّمته من جهود وامكانات
وتضحيات، من اجل مكافحة الارهاب الوهابي، المدمر لمكتسبات الدول والشعوب الاسلامية،
وقد نجحت في مشاركة إخوانها في سوريا والعراق حربهما عليه، والحاق الهزيمة به، بعد
تمدده فيهما، الى الحد الذي اصبحت فيه دمشق وبغداد مهددتين بالسقوط، لو لم تسارع
ايران الى مد يد العون اليهما.
وقد اقنعت ايران في دبلوماسيتها الخارجية، وفتح قنوات
الحوار مع دول الغرب، ونجحت في كسب اغلب ملفاتها، ومفاوضات الملف النووي الماراطونية،
شاهدة على حرفيّة اعضاء وفدها، المشاركين في صناعة اتفاق، اغضب الصهاينة وأعراب
الخليج عملاء أمريكا، فعملوا على تخريبه، باستغلال حماقة الرئيس الامريكي الجديد
ترامب، الذي اعلن خروجه منه، دون أن يقنع حلفاءه الاوروبيين بصواب موقفه، فبقوا
على الاتفاق، متحدّين ما سيترتب عليه ذلك من ضمان تنفيذ بنوده، المتعلقة بحقوق ايران
الصناعية والتجارية والمالية.
ايران - حكومة ومؤسسات وشعبا - تمضي في طريق عزتها بكل قوة،
قبلت الرهان على مستقبلها متحدّية كل العوائق، وهي قادرة على تذليلها، مهما
استطالت وكبر منسوبها، طالما أن هناك نظام اسلامي عتيد مؤمن بدوره ومتبصّر بأهدافه
تبنى نهج الاصلاح في الشعب والامة، وتحمّل مسؤولياته في ذلك، ولن يخيّب الله قوما
قالوا ربنا الله ثم استقاموا، ولمن شكك في حقيقة ومصداقية ايران أقول: إيران
الإسلامية قادمة فلا تستعجل النتائج.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire