mercredi 28 février 2018

حكام أذلاء وفوق ذلك هم عملاء



            (حكام كهؤلاء وشعوب تشبههم بئس الحاكم والمحكوم)
بعد اتفاق كامب ديفيد المذل، الذي سهر وأمضى عليه النظام المصري، في عهد المقبور السادات، جاء اتفاق وادي عربة، الذي سهر وأمضى عليه نظام الاردن، ومقبوره الملك حسين، ثم ظهر ما كان قد مضى مراكنة، من تطبيع في الكواليس، بين دويلات الخليج والكيان الصهيوني، فاذا به يصل الى حد اعتبار (اسرائيل) صديقتهم، ومحل ثقتهم وجديرة بالتعامل معها على جميع المستويات، حتى الامنية والعسكرية، وإحلال ايران الاسلامية محل العداوة بدلا منها، بل وأكثر من ذلك، كاحتمال تحالف يقوم بينهم على أساس عدوان محتمل عليها، وما خفي من هذه السلوكيات الوقحة والتصرفات المنحطة كان أعظم.
وقد وصل التطبيع مع الكيان الصهيوني هذه السنوات، بما أصبح يهدد القضية الفلسطينية، ويستهدف حقوق الشعب الفلسطيني من أساسها، في استعادة ارضه المغتصبة، وحرية شعب مناضل أبيّ، بدأت الانظمة العربية بقسم من نخبها تتراجع وتتخلى عنه، بصورة خبيثة وماكرة.
ووصلت شعوبنا الى ما وصلت اليه من خروج عن مسار معاداة الكيان الصهيوني، بحيث أنها لم تعد تكترث لعمليات التطبيع المتكررة والمتزايدة، من طرف شخصيات فنية وثقافية وسياسية واقتصادية، بسبب عدم الالتزام الفعلي والجدي بقضية فلسطين والوفاء لها، وبدافع آخر تمثل في سياسات التغريب التعليمية والتربوية التي تنتهجها الانظمة، ابعادا متعمدا لأجيالنا، عن العيش مع القضية الفلسطينية، والتفاعل مع موجبات بقائها حية في الانفس، نصب اعيننا لا تفارقنا أبدا، لو قدّر لها أن تأخذ مكانها في حياتنا.
لقد تمكن الغرب من اخضاع حكامنا، وتقييد سياساتهم، على النحو الذي يراه يخدم مصالحه، وكانت صدقاته عليهم تجري على نحو طاعتهم وامتثالهم لأوامره، حتى لو كانت في غير صالح شعوبهم، فما نشهده في هذه السنوات العجاف، يعتبر هرولة نحو تطبيع لا مبرر له، مع كيان اغتصب الارض والمقدسات، ولا يزال يمارس اجرامه بحق شعبنا الفلسطيني، غير عابئ بمن حوله، ولا مكترث للمنظمات الدولة، وقراراتها التي بقيت حبرا على ورق.
فوجئنا هذه الايام بخبر يدعو الى رثاء حال الامة العربية، فمصر مصر التي تمتلك اكثر من 67 تريليون قدم مكعب من الغاز في حقولها الغازية البحرية والبرية، والتي كانت تصدّر الغاز في عهد الرئيس المخلوع حسني مبارك  للكيان الغاصب بـ 70 سنتا للمليون وحدة حرارية، في الوقت الذي كانت فيه تكلفة إنتاجه تصل إلى 2.65 دولار، بما معناه تصدير خاسر تماما في عائداته.

ومصر التي حققت 10 اكتشافات للغاز خلال العامين الماضيين، لشركات (شلShell Oil Company) الهولندية البريطانية الامريكية، و(إينىENI - Ente (Nazionale Idrocarburi الإيطالية، و)بى بىBP ( Oil industry company البريطانية، وضعتها بين الدول المنتجة للغاز  ، أصبحت اليوم زبونا أولا، في شراء الغاز الفلسطيني اللبناني، فقد أعلنت شركة (ديليك delek group) الصهيونية، الأسبوع الماضي، عن توقيع اتفاقية لتوريد 64 مليار متر مكعب من الغاز، إلى شركة (دولفينوس هولدنج( Dolphinus Holding

المصرية، على مدى 15 سنوات، بقيمة 20 مليار دولار.
ولم تتأخر الاردن عن مصر، وهما توأما التطبيع الغير شقيقتين، فقد وقعت الشركة الصهيونية في 2014 مع شركة (نوبل انرجي Noble Energy)، المشغلة لحقل (ليفاثيان Leviathan gas field) للغاز الطبيعي، قبالة سواحل فلسطين، مذكرة تفاهم، يتم بموجبها توريد الغاز الطبيعي للأردن، للسنوات الـ15 المقبلة.
وخصصت الحكومة الأردنية ضمن موازنة 2018، نحو 1.5 مليون دينار (2.1 مليون دولار) لتنفيذ خط الغاز مع الكيان الصهيوني، وبحسب الموازنة العامة، بأنها سترتفع إلى 3 ملايين دينار ( 4.2 ملايين دولار) في 2019، و6 ملايين دينار (8.4 ملايين دولار) في عام 2020.
لقد كان الاجدر بالأردن شراء الغاز من قطر، عوض شرائه من كيان غصب الارض والمقدسات والعرض، وإمداداته من قطر أضمن من الكيان الغاصب، ولكن ماذا يمكن القول في حكام اظهروا مزيدا من العمالة والخضوع لإملاءات الغرب، بما يقطع عن شعوبهم بارقة امل في صلاح حالهم.
وبين هذه الانظمة المتهالكة اقتصاديا وسياسيا وأخلاقيا، تعيش الشعوب العربية والاسلامية حالة من التيه في البحث عن ذاتها، وهي اليوم بالرغم نضالات كوكبة من طلائعها الثورية، من أجل كبح جماح التطبيع مع العدو الصهيوني، تبقى بعيدة عن نوال مبتغاها، في اعتماد قانون يجرّم التطبيع معه، مهما كان نوعه وتحت أي عنوان كان، وهذا المطلب هو الخط الاحمر الذي يعسر على هؤلاء العملاء اجتيازه، ففيه قبض سلطانهم وزوال حكمهم (نعمة الغرب عليهم).
وطالما اننا اليوم نعيش في عصر غلب عليه مظهر التّصهين، فإن ما سيأتي به من اشكال تطبيع رسمية، سيجعل الشعوب تزداد يأسا، من صلاح حال ساستها، الغرقى في سوء ادارة بلدانهم، بعد انخراطهم في طريق عمالة يصعب عليهم العودة منها، وقد أسلموا رقابهم للاستكبار الصهيونية يحركونهم كالدّمى. 

mardi 27 février 2018

تتباكون على ارهابيي الغوطة ولا تبكون على اليمن




في مشهد تمثيلي طغى عليه الغباء والإستغباء، تكرر مرارا في سوريا، كلما ضاقت السبل بالإرهاب ومروجيه، تفنن اعلام التبعية والعار، في اظاهر الجيش السوري وحلفائه بمظهر الارهاب القاتل للمدنيين، بينما هو في الحقيقة محارب له، وقد بدأ في استئصاله من على الاراضي السورية، ونجح خلال سنتين الاخيرتين في حصره بقيّته، في بؤر محصورة محكوم عليها عسكريا بالفناء.
هذا الاعلام الرخيص، الواقف اليوم مع الباطل بدعاويه، ومع الوهم بترّهاته، لا يجد غضاضة في تصرّفه المنحرف، وهو في نفس الوقت يصم أذنه، ويشيح بنظره عن مأساة شعب حقيقية، موافقة لسياسة الاستكبار والصهيونية - عدوّي الاسلام والمسلمين - التي أملت على الاعراب الاشد كفرا ونفاقا، شن حرب ضروس، على شعب رفض التبعية، وقرر الابتعاد عن سياسة رديئة، خاضعة متملقة، بائعة لقسم من أراضيه، ( نجران جيزان عسيران)، وخوض ثورة صادقة في شعاراتها وأهدافها، من شأنها أن تعيد اليمن الى مجده، وتقطع دابر العابثين به.
إعلام يرى الوهم فيسوّقه على أنه حقيقة ويغضّ الطّرف عن حرب إبادة شعب يمني مظلوم فيصمت على ما يجري هناك من قصف متواصل للمدنيين، نشارف الشهر المقبل على تمام الثلاث سنوات، من دمار بناه التحتية، بمدارسها ومشافيها ومؤسساتها ومساجدها وأحيائها، بما فيها من بشر وحيوان وشجر، حتى كأنهم يريدون طمس معالم اليمن كلها، تاريخا وحاضرا ومستقبلا.
تحالف الاجرام العربي الجاهلي، يستبيح هؤلاء الابرياء، فلا قيمة لهم لديه، ثم يغري بالمال الفاسد، طغم وطواقم الاعلام العربي، على التحريض ضد سوريا، جيشا أبيّا باسلا، ونظاما رفض الاستسلام للعدو الصهيوني، وبقي وفيا لقضية فلسطين، لم ينفصل عنها قيد انملة، وكان على مدى تاريخه، المأوى لفصائل شعبه المقاوم.
المشاهد المأسوية الحقيقية للشعبين السوري واليمني تمرّ كأنها حلم مراهق بلا اثر، ويصنّف جعار من جعر من ضباع الارهاب، على انه انتهاك صريح لحقوق الانسان، يجب أن يؤخذ كذريعة، لإدانة الجيش العربي السوري وحلفاءه على الجبهة السورية، وادانة انصار الله وحلفاءهم على الجبهة اليمنية، فلا اطفال الشعب السوري، المعرضون يوميا لإرهاب الجماعات التكفيرية المسلحة، التي عادة ما تلجأ الى اتخاذهم مع ذويهم دروعا بشرية، يحتمون بها من صولات رجال الله، ولا أطفال اليمن المظلوم الذين يعيشون تحت قصف طائرات الجبن والغدر، بصواريخها الامريكية والبريطانية والصهيونية الفتاكة، يجدون من اعلام الخزي والعار والمذلة والسقوط، قلما أو صوتا ينطق ببنت شفة حق.
شهادة الزور الاعلامي ليست جديدة، فكما نشأ اعلامنا كلبا مطيعا لأنظمة التبعية والعمالة والفساد، سيبقى كذلك لأن ما بالطبع لا يتطبّع، ومن كان على تلك النشأة والعادة، فلا يتوقع منه، غير ما فيه من صدأ تاريخه الملوث بالعار والشّنار، فبئس الطبع وبئس الصاحب.
شعب سوري تشهد بلاده دمارا فاق دمار الحرب العالمية الثانية، وتشرّد ملايين من ابنائه في الداخل والخارج، وقتل أطفاله ونسائه وأحراره، وتدني معيشته، وشعب يمني تشهد بلاده انتهاكا لم يعرف من قبل عدوان مثله، يعاد تدمير المدمّر فيه، فتقتل أسر بأكملها وتنهدّ عليها بيوتها البسيطة، أو تقصف سيارات نقلها فتحترق بمن فيها، في صور ومشاهد تقشعر منها الابدان، وترتجف لها القلوب الحيّة، وتتضامن لأجلها الانفس المحترمة، شعب تتهدده اليوم آفات ثلاثة:
-         آفة القصف بصواريخ الطائرات المتعددة الجنسيات ومنها الصهيونية
-         آفة المجاعة التي باتت على أبواب كل بيت يمني بسبب الحصار الجائر المطبق على ميناء الحديدة أهم الموانئ اليمنية.
-         آفة الاوبئة التي حلّت بارض اليمن، ومنها وباء الكوليرا، الذي فتك بألاف الارواح، وسيتضاعف ذلك العدد اضعافا، في صورة بقاء هذا المجتمع الدولي جامدا، لا يحرك ساكنا ازاء ما يجري هناك، من اعتداء صارخ على المدنيين.
الموقف المشرّف الوحيد الذي أفق له احتراما وأثمّنه، في كلتا الحالتين السورية واليمنية، هو موقف ايران الاسلامية، التي اثبتت مبدئيتها فيهما، ووقوفها الى جانب قضايا الشعوب المحقة، غير عابئة بما يروّجه أعداؤها من دعايات مغرضة ومظللة، وهي اليوم شريكة في قطع دابر الارهاب في سوريا والعراق، ومتضامنة مع قضية الشعب اليمني العادلة، في وقف العدوان السافر عليه، فهي صواته الذي لم يهدأ في إظهار مظلوميته الى يوم نصره.   
لقد احزنني اليوم بعمق مشهد طفل يمني، يبدو أنه هو الاخر جريح، يخاطب أخاه الميت بجانبه، في مشهد تتفطر منه القلوب أسا وحزنا، ويتحسر له كل حر يتمنى أن تنتهي هذه المظلمة، ويتمكن أهلنا في اليمن وسوريا، أن يتخلصوا من العدوان والارهاب المتحالفين عليهم، وسينتهي العدوان حتما، وسيفشل المعتدون مهما أجمعوا من أمرهم، فعاقبة الظلم دائما الخسران المبين، وسينصر الله المظلوم ولو بعد حين.

lundi 26 février 2018

ما يتباكاه الارهاب في الغوطة يرجع صداه الغرب




بين مفوضية الامم المتحدة لحقوق الانسان، والصليب الاحمر الدولي في هذه الايام، تناغم في تصريحات الناطقين باسمهما، تصب جميعها في حملة المغالطات التي بداها الغرب - وهاتين المنظمتين من صنعه وادواته – منذ بدأ في تنفيذ مؤامرته على سوريا، فبعد ان ضاقت مساحة قضم الشام وتخريبها، على الارهاب الدولي المتعدد الجنسيات، التي بدأت في التمدد سنة 2011  اصبحت هذه الايام انفاسهم معدودة، في مناطق محصورة يصعب عليهم ان يخرجوا منها بالقوة، أو يعيدوا كرة انتشارهم من جديد، وبالتالي اوشكت مؤامرتهم على ( التراق) وقد رآها الغرب في حشرجتها الأخيرة، لم يجد بدا من القيام بعملية انقاذ لعله يبقي على وضع عسكري متراوح في الغوطة تضمن له هدنة دائمة تبقي على أمل اسقاط دمشق انطلاقا منها، لكن هيهات أن يرى الارهاب المتبقي فيها بصيص أمل يعطيهم حق البقاء، فالجيش العربي السوري وحلفاؤه، لم يصلوا الى هذه النتائج ضد الارهاب، الا بعد خاضوا معارك شرسة بيقين الواثق بالنصر، وقيادتهم لن تتراجع عن استكمال بسط نفوذهم على جميع المناطق التي دخلها اعداء الانسانية.
مفوضية حقوق الانسان فتحت عينها الغربية المتآمرة، مستأنسة بتقارير مضللة لأصحاب الخوذ البيضاء التابعين للأمم المتحدة، ومغالطاتهم المتكررة بشأن الاوضاع في مناطق وجودهم وتحركهم، بما يتماشى مع رغبة الغرب، في بلوغ الغاية من وكلائه في الغوطة الشرقية، وبقية المناطق التي لا يزال الارهاب محاصرا فيها.

لقد كشفت منظمة (أطباء سويديون لحقوق الإنسان (SWEDRHR خداع ما يسمى بـ(الخوذ البيضاء): من يسمّون أنفسهم منقذين وطوعيين، لم ينقذوا الأطفال السوريين بل على العكس، قاموا بقتلهم، لأجل تصوير مقاطع إعلامية قريبة لتصديق دعاويهم الكاذبة، فبعد أن قامت المنظمة المذكورة بتدقيق المقاطع المسجلة، التي تظهر معاناة أطفال سوريين نتيجة (هجوم كيميائي مفترض)، توصل الخبراء السويديون إلى أن المنقذين ( الخوذ البيضاء) قاموا بحقن الطفل ب(الأدرينالين) في منطقة القلب، بواسطة حقنة ذات إبرة طويلة، مع العلم أن الإسعاف الأولي لمصابي الهجوم الكيميائي لا يتم بتلك الطريقة.
وورقة اتهام الجيش السوري باستخدام الغاز الكيماوي، لا تزال تنتقل بين ايدي امريكا وحلفائها الغربيين، الذين يبحثون لها عن طريق يركّب الادانة، ولو بلغت نسبة الوهم فيها 99% ، فلم يعد للمتآمرين مجال للعب أوسع نطاقا، مثلما كان الامر من قبل.
اصوات الاستنكار والتحريض هذه المرة كما في كل مرة، صدرت من بريطانيا وفرنسا وأمريكا، رأس الحربة في المؤامرة على سوريا، ما دفعها بعد التحريض الى تقديم مشروع قرار في مجلس الامن ، بطالب بوقف القتال في الغوطة، وقد اجهضه الروس بفيتو في جلسة التصويت له.
ويبدو أن التباكي الآتي من غوطة دمشق، بلغ الارهابي اللبناني سمير جعجع - وهي ليست بعيدة عنه وارهابيوها اخوانه في الاجرام، فلم يتمالك عن رفع عقيرته هو الآخر بالصياح، مطالبا بتدخل عسكري لفائدة أدوات رؤسائه الغربيين، وهو وكيلهم المعتمد في لبنان.
وعبّرت ممثلة وزارة الخارجية الامريكية (هيذر نويرت Heather Nauert ) بقولها: (الولايات المتحدة قلقة جدا بسبب الوضع قرب دمشق في الغوطة الشرقية، وفقا للأنباء التي تردنا)
وجاء في تعابير بريطانية، أن الغوطة أصبحت منطقة موت، وان قصف المدنيين لا يمنع الارهاب، ولم يتخلف صوت فرنسا عن سابقيه، فقد تداخلت الاصوات الصارخة بالنّاحبة الى التمازج، في ايصال فكرة لم تعد تنطلي على المطلعين حقيقة، على ما جرى في سوريا وما حلب عما يحاولون تهويله ببعيدة.
وقد ردّ الناطق الرسمي باسم الرئاسة الروسية (دميتري بيسكوفDmitry Peskov ) على ذلك التباكي والصراخ بالقول: إن المسئولية عن الوضع في الغوطة الشرقية يتحملها من يدعم الإرهابيين، الذين ما زالوا متواجدين هناك حتى الآن. وروسيا وسوريا وإيران ليست ضمن هذه المجموعة، إذ تخوض هي بالذات صراعا بريا صعبا ضد الإرهابيين في سوريا.
تناغم في الفعل ورد الفعل، يحكي تلازما في مسار غربي صهيوني، مصرّ على الحاق أكبر قدر ممكن من الضرر بسوريا شعبا وارضا ونظاما، قد انكشف منذ مدة ولم يعد بإمكانه أن يستعمل لغة الثورة الوهمية، بعد ان ظهرت على المؤامرة بصمات الصهاينة الواضحة، في امداد الارهابيين بمختلف انواع الاسلحة، ومعالجة أعداد كبيرة من جرحاهم.
وطنيو سوريا اجتمعوا وراء جيشهم وقيادتهم، يدا واحدة ضد استهداف بلادهم، نتيجة اصرارها على اختيار عزة البقاء في محور مقاومة العدو الصهيوني، فهي العقبة الوحيدة التي بقيت صامدة أمام مخطط الشرق الاوسط الجديد الذي تريد امريكا والغرب جعل الكيان الصهيوني متحكما فيه، وقوة ضاربة ينحني ويخضع لها الجميع، هذا الاجتماع الذي نشهده هذه الفترة من الزمن، سيكون له الاثر في تحقيق النصر النهائي على الارهاب وحلفائه.  
وكلما اقترب الجيش العربي السوري وحلفاءه من انهاء مؤامرة الغرب، وقطع دابر عملاء وحلفاء الصهاينة، كلما ارتفع منسوب الشكوى والانين في الطرف المقابل، وموعد مأتمهم قريب بحول الله تعالى.

وتبقى ايران الاسلامية وفيّة للقضية الفلسطينية




منذ ان اعلنها الامام الخميني رضوان الله عليه قضيته المركزية، ودعا شعبه المسلم الى تبنيها، والعمل في اطارها، وعلى اساس استراتيجية تحريرها، بدا العد العكسي لتخليص فلسطين من الغدة السرطانية الكيان الصهيوني، فتأسست فصائل المقاومة في لبنان وفلسطين، من وحي الثورة الاسلامية في ايران، واثارها الثقافية، ومقالاتها التي تصب كلها في خانة الاسلام المحمدي الاصيل، ونصرة مستضعفي العالم، بقطع النظر عن عقائدهم.
وباعتبار ان صناعة الكيان الصهيوني متعلقة بالغرب، وزعيمتيه عجوز الاستعمار بريطانيا وربيبتها امريكا، فانهما بمعية حلفائهما، باشروا نشر حملة تشكيك في صدق نوايا ايران، بشان مشاريعها الاسلامية التي أعلنتها، والهادفة لمصلحة المسلمين، وتخليصهم من هيمنة القوى الاستكبارية الغربية، ومذلة التفوق الصهيوني، واحتلال مقدساتنا في فلسطين، فحركت اذنابها في البلاد العربية والاسلامية، من اجل وضع حاجز بينها وبين اخوتها في الاسلام العظيم، وتعطيل التفاعل الايجابي معها، وكان لذلك المسعى الخبيث أثر سلبي في بطئ تفاعل الشعوب مع مشروع التحرير الكبير، بما أحيط من دعايات مغرضة وقلب حقائق.
لكن القيادة الايرانية لم تيأس من تحقيق هدفها المنشود، في رؤية فلسطين حرة من قيدها الصهيوني الخبيث، طالما انها اخلصت نواياها لله سبحانه وتعالى، فتوجهت اليه ورغبت فيما عنده وعملت بمقتضاه، مؤمنة بانها رغم تضحياتها الجسام، وصعوبة الوصول الى هدفها، سوف يأتيها المدد والتوفيق والنصر، ولم يتأخر التأييد والتسديد الالهي عن قوم سلمان المحمدي، فذلك وعده الذي وعده للامة الاسلامية منذ اول نشوئها، بان الايمان سيناله رجال من فارس.
وبمباشرة ايران الاسلام بناء مشروع المقاومة لكبح التمدد الصهيوني، بدأ عهد جديد من مقاومته، بالجدّية التي يجب أن تكون، غير من مقالة الجيش الذي لا يقهر، وحوله الى مجرد جيش عادي، لا يملك من القوة ما يجعله يتفوق على غيره، بغير الدعاية المبالغ فيها، وعقلية عربية مستسلمة لإرادة الغرب، لم ترتقي الى ازالة الوهم الصهيوني، ومواجهته بلا عقد بإيمان راسخ، بان الاسلام منتصر ومعه المسلمون.
بظهور جبهة المقاومة في لبنان، وخوضها اشرس المعارك مع قوات الاحتلال الصهيوني، وتحقيقها انتصارين في 2000 و2006،  وبظهور جبهة المقاومة في فلسطين وتصديها لعدوانين شرسين على قطاع غزة ثبت مشروع ايران الاسلامية في تحرير فلسطين من طريق وحيد وهو طريق المقاومة فما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة، وبالمقابل ثبت عقم المفاوضات، وفشل حل الدولتين التي رعاها الغرب بزعامة امريكا، ولم تقدم للشعب الفلسطيني سوى مزيد من الذل في تعامل السلطة الفلسطينية، التي لم تقطع مع الاحتلال في مجال التعامل الامني، وقضم صهيوني متواصل للأراضي الفلسطينية، لبناء مزيد من المستوطنات.
وأخيرا بدأت الحقائق تظهر واذا بالشعب الفلسطيني ومقاومته يجدان نفسيهما في وضع منفرد عن بقية الدول العربية التي لم يبقى لها ما تقدمه لهما سوى شيء من التعاطف والتأييد المعنوي الذي لا يغيّر شيئا من واقعه المأسوي، وإذا ايران الاسلامية وحدها الى جانبهم بمخططها الذي ارادته في المقاومة، وقد ثبت يقينا لفلسطين شعبا ومقاومة، صدقها نحو اخوتها، جعلهم رقما هاما في معادلة المواجهة والتحرير، فعبروا اكثر من مرة على جزيل شكرهم وامتنانهم بما قدمته من واجب، دفعا للقضية الفلسطينية قدما، نحو تحقيق الانجاز المنشود، وهو تحرير الاراضي المحتلة، وتخليصها من أبشع احتلال عرفته البشرية.
وقد جاءت تصريحات (يحي السنوار) القائد العام لحركة حماس، متضمنة اعترافا واضحا لا غبار عليه، بالدور الاسلامي الايراني في دعم المقاومة الفلسطينية منذ أن أنشأت، تدرج في نسق متصاعد، لتزداد قوة وثباتا، بتواصل اللواء قاسم سليماني بفصائل المقاومة الفلسطينية وإعلانه الصريح بأن الحرس الثوري الايراني، على استعداد لوضع كافة امكانياته في خدمة المقاومة، حتى تحقيق النصر على عدو صهيوني، ثبت أنه لا يفهم لغة أخرى غير القوة.
وفي المقابل تعرّت عورة المطبعين مع العدو الصهيوني، سواء كانوا حكومات او مؤسسات،  فإذا هم مصطفّين الى جانبه، معبّرين كل بحسب مساهمته في خذلان شعب شقيق، تكالب عليه جميع اعدائه، حتى اولئك الذين اعتقد انهم من بني جنسه ودينه، تركوه وحيدا، الا ما رحم ربي من أحرار، لا تعدمها شعوبنا العربية.
عقلية معاداة ايران لا يبقى على أثرها وفي حظوظها سوى من خبثت سريرته وتلوث عقله بالدعاية الغربية الصهيونية، ويكفي هؤلاء سقوطا، أنهم ماضون في خدمة مؤامرتهما، في تفريق الامة، والحيلولة بينها وبين أهدافها، وهذا ما يجب علينا كسر جبهته، بفرض مشاريع قوانين تجرّم التطبيع مع العدو الصهيوني، وهذا اضعف الايمان، تجاه اخواننا الفلسطينيين.     


اعتراف من العيار الثقيل




في مقابلة تلفزية لمحطة
LCP، القناة البرلمانية الفرنسية، صرح وزير الخارجية الفرنسي (رولان دوماس)، بما خفي عن كثير من العرب والمسلمين، لعل الذي اخفياه عنهم هما، عدم قدرتهم على الخروج من قمقم الانتماء المذهبي والسياسي، الذين حالا دون اقرارهم بحقيقة ما جرى في سوريا، ولا تزال فصوله تجري على أرضها، فتكا بالمدنيين الأبرياء، ودمارا بممتلكاتهم، وعبثا بخياراتهم العقائدية والسياسية، حربا خبيثة المقاصد، انتهكت جميع المعاهدات والاتفاقات الدولية، محوّلة بلد أقدم الحضارات على وجه الارض، الى مرتع لعصابات الارهاب المؤسسة بإيعاز غربي.
لقد صرح الوزير الفرنسي السابق، انه عندما كان في زيارة رسمية الى بريطانيا، التقى بعدد من المسؤولين البريطانيين وبعضهم أصدقاءه، أخبروه بان يقع التحضير لشيء ما في سوريا، وطلبوا منه أن يمارس من موقعه، الضغط على الجانب الفرنسي للمشاركة في ذلك الاعداد، لكنه رفض عرضهم، ولم يوله ما أولاه المسؤولون البريطانيون، الذين انخرطوا في الحرب على سوريا، بكل ثقلهم الاستخباري والتنظيمي.
لقد كان يمتلك مقدارا من الانسانية والصدق، أهّلاه لينطق بما لا يزال يتجاهله عرب العمالة، وأحزاب وحكومات النفاق الديني والسياسي، فعبّر عن وضع لم يتقبله كمسؤول سياسي لبلد غربي، يمتلك حق الفيتو في مجلس الامن الدولي، وله شيء من الاستقلالية في قراراته عن بريطانيا، التي ينظر اليها الفرنسيون بعين فيها شيء من الازدراء.
من أهم ما قاله الوزير، ان العملية الجارية في سورية معقدة، تم التخطيط لها من بعيد، بهدف تدمير سوريا.
ولما سأله مقدم البرنامج متعجبا: لأي هدف؟
قال: الهدف بسيط وهو تدمير سوريا، باعتبارها معادية للكيان الصهيوني، وتشكل حلقة هامة في جبهة مقاومة العدو الصهيوني، وكل من صنف على هذا الاساس سيتعرض للمهاجمة والاعتداء. 
وقد عمل اللوبي الصهيوني على الاضرار ب(رولان دوماس)، فلفقوا له تهم الاختلاس وتلقي الرشاوى، وحاولوا ادانته، الا انه اثبت راءته مما نسب اليه، بعد سجالات قضائية  متعددة، ثم انه بعد ان خلص منها، قام برفع دعوى ضد رئيسه ( نيكولا ساركوزي)، واعضاء حلف الناتو، بتهمة قتل المدنيين، وتدمير البنية التحتية لليبيا.
هذا الفيديو يسجل افادة تاريخية لرجل سياسة فرنسي حر، رفض التآمر على شعوب، كانت بلاده قد الحقت ايما ضرر بسوريا، بعد اتفاقية سايكس بيكو واحتلالها لها، فلم يرضى أن ينخرط فيما اعتمدته بريطانيا وامريكا كسياسة عدائية لسوريا ومحور المقاومة، نقدمه دليلا لمن لا يزال يرى فيما يجري في سوريا ثورة، لعله يثوب الى رشده وينهي ادعاء من ادعى الوقوف الى جانب الشعب السوري بينما هو في الواقع في خندق اعدائه يامل في اسقاط نظام قال لا للتطبيع مع الكيان الصهيوني بأي شكل ولو كان بسيطا.
اذا الحرب التي يخوضها التحالف الدولي، هي بالأساس في صالح الكيان الصهيوني، وتهدف الى انهاء النظام السوري، واستبداله بنظام عميل، يقبل اجراء اتفاق سلام مع العدو، كما فعل ذلك النظام المصري والاردني.
لقد بيّن الوزير الفرنسي دوماس بكل بساطة، ما خفي غت البعض وتعامى عنه البعض الاخر، ولم يبقى على هؤلاء سوى الانتباه لما يجري، لأنه مؤامرة غربية وكيد صهيوني، ومراجعة مواقفهم قبل أن يجدوا أنفسهم في خانة المتآمرين، ولا صمت بعد ذلك، لأن الساكت عن الحق شيطان أخرس.  

الثورة الاسلامية في إيران ثبات مبادئ وتألّق مستقبل

  
ثورة إسلامية عصماء، يراها المؤمنون ماضية
بعين الله، فيلهجون لها بالدعاء صباحا ومساء
من رحم ثورة الحسين بن علي عليهما السلام، خرجت للناس ميمونة مباركة، ومن مدرسته نالت كسبها، ومن قيامه المبارك ضد الظلم والتحريف، استلهمت قيمها ومبادئها، التي خرج وضحّى من أجلها، تضحية فريدة في أحداثها ومضامينها.
 هي ثورة ليست ككل الثورات، فقد تميزت عليها بأن مثلها الأعلى، هو أبو عبد الله الحسين عليه السلام، وقيمه الاسلامية التي خرج على طاغية زمانه من أجلها، وقام بثورته في مواجهة الظلم والاستبداد والتحريف، ومدرسته التي أسسها بحركته المباركة، هي قطعا أعظم مدرسة فداء تحدّث عنها التاريخ، لأن أساسها كان الإصلاح، وعنه وعن بقية أهل بيته عليهم السلام، وأصحابه رضوان الله عليهم، نسج الشعب الايراني المسلم على منوال قيامهم ضد الظلم، ومطالبهم العادلة في الحرية والعزة.
ذلك أن إيران كانت قبل الثورة، يعيش شعبها تحت حكم اسرة بهلوي الاستبدادية، ارتكبت بحقه مظالم، وتجاوزات وانتهاكات عديدة، وصلت الى حد المساس بقيم الدين الاسلامي، والاستهانة بأحكامه، ومحاولة تعطيلها، والى حد التضييق على مراجع وعلماء البلاد، ومحاربة دعوتهم الاصلاحية، في وجه الفساد والظلم، التي كانت بدافع الغيرة على الدين، وثقة الشعب الايراني المسلم بهم، عاملان انصهرا في مشروع ثورة اسلامية مباركة، اخبر عنها غيب الله تعالى في محكم تنزيله.
الثورة الاسلامية في إيران إمداد غيبي
بشارتها وحي إلهيّ، وبيانها نبويّ، أخبرا بقيامها، وإن لم يحددا زمانها الا أن تحديد اصحابها وموطنهم أغنتنا عن بقية التفاصيل، التي حددتها إرادة الشعب الايراني، فجاءت مطابقة لإرادة الله سبحانه وتعالى، فكانت ثورة نموذجية في جميع مراحلها، منفردة بفضل قدوتها على جميع الثورات، ولو لم يكن الامام الحسين عليه السلام، ونهضته المباركة لما كانت، فهي كما قال قائدها ومحرك جذوتها، الامام الخميني قدس سره، من ذلك الفيض الإلهيّ، ومشتقة من تلك الحركة الربّانية ( إن كل ما لدينا هو من عاشوراء). (1) 
عندما نزل الوحي المقدّس على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذكر قوم، اختارهم ليكونوا حملة دينه، وأنصار شريعته، (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (2)لم يكن أحد ممن سمع تلاوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يدرك حقيقة الآية وبعدها الغيبي، حتى بعد استفسارهم عن معناها، وتبيّنهم مقصدها.  
عن أبي هريرة قال: تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية (وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ ) فقالوا: يا رسول الله من هؤلاء الذين إن تولينا استبدلوا بنا ثم لا يكونون أمثالنا؟ فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على منكب سلمان ثم قال: ( هذا وقومه، والذي نفسي بيده، لو كان الايمان منوطاً بالثريا، لتناوله رجال من فارس ) (3)
هي عشرة الفجر الإلهي، الذي عاشته ايران الإسلام، بشارة الوحي، وبلاغ النبوة في قوم سلمان الفارسي (المحمدي)، الذي احبه الله سبحانه، وابلغ نبيه الاكرم صلى الله عليه واله بانه يحبه، لكن من جحد مقامه، وانكر منزلته، لم يكن له ان يرد ما اعلنه رسول الله صلى الله عليه واله، على الملا من الصحابة: (سلمان منا اهل البيت) (4).
ودون مواربة يمكن القول، فإن أهل فارس حفظوا الدين قديما، بحرصهم عليه وانتقالهم الى أصقاع الأرض، طلبا لعلومه، فظهر منهم الحفاظ والفقهاء والمفسرون وغيرهم، ما عزز بقاءه، وأعطاه نفسا قويا، جعله يستمر في أداء رسالته، ويقوم في الاجيال المتعاقبة، ويحفظونه في هذا العصر، بهذه الثورة الباركة، التي أسفرت عن قيام نظام اسلامي، بعد استفتاء شعبي مشهود، قال فيه الشعب الايراني كلمة: نعم للإسلام، وما الثورة في اساسها وتفاصيلها، سوى ثورة اسلامية أصيلة.
ايران بلد حضارة وقيم انسانية، تجذرت منذ آلاف السنين، وازدادت تألقا وقيمة في العصر الاسلامي، حيث اسهم الايرانيون في خدمة الدين بمختلف علومه، فبرز منهم مئات كبار علماء الاسلام، بحيث انفردوا بميزة عرفها كل باحث في هذا الشأن، وهي امتلاكهم لناصية العلوم الاسلامية (فقه، حديث، تفسير، فلسفة، طب).
ايران قبل الثورة الاسلامية
كانت ايران قبل الثورة، تعيش تحت سلطة غاشمة، معتدية على المقدسات والحقوق، غير آبهة بمصالح وطنها وشعبها، عميلة للغرب (بريطانيا وأمريكا)، لا ترى حرجا في تنفيذ رغباته، ورعاية مصالحه على حساب مصالح الشعب الايراني، الذي عانى كثيرا من تلك السياسات الظالمة.
وقد أوجد هذا الظلم قطيعة بين السلطة والشعب وتزايد الغضب الشعبي بسبب إمعان الشاه ونظامه في تبعية عمياء للغرب واسرائيل، مما جعل خيرات البلاد عرضة للنهب واستلاب قرارها، كما شكلت محاولاته طمس هويتها الإسلامية، وقد عبر الإمام الخميني قدس سره عن ذلك بقوله: ( إنّ معظم مصائبنا من امريكا ومن إسرائيل، التي هي جزء لا يتجزأ من أمريكا، وإن هؤلاء النواب والوزراء هم عملاء لأمريكا، والا فلماذا لا يقفون بثبات ويتصدون للطغيان الأمريكي) (5)
عندما نشرت صحيفة (كيهان) شبه الرسمية في ايلول 1961م قراراً لرئيس الوزراء (أسد الله علم) تناول فيه بالتعديل قانون المجالس المحلية، وأهم ما في التعديل، هو انه ألغى القسم على القرآن الكريم، عند التشريع لتلك المجالس، على أن يحل محله، أي كتاب سماوي آخر معترف به، كما ألغى شرط الإسلام على المرشحين، مما اعتبره الامام الخميني (تبييتاً لمؤامرة ضد القرآن وتعاليمه ونية لإزاحته عن سدة القيادة والحكم والاستعاضة عنه بالكذب والأنظمة الضالة، فهاهم وقد الغوا شرط الإسلام، من قائمة الشروط الضرورية للمرشحين والناخبين). (6)
كانت هذه الخطوة سبباً في تفجير الموقف في قم، وظهور شخص روح الله الخميني على مسرح الأحداث لأول مرة، ومنذ ذلك الحين، بدأ مسيرته العلنية في معارضة الشاه وأدوات حكمه الظالمة، فاجتمع علماء الحوزة العاملون، والسائرون على خط الامام الخميني، في بيت آية الله حائري بقم المقدسة، وأرسلوا برقية احتجاج إلى الشاه، ثم بعد أن رد الشاه بأنه احال الأمر إلى رئيس الوزراء، اجتمعوا مرة أخرى، وقرروا إرسال برقية بعث بها روح
الله الخميني إلى رئيس الوزراء، محذراً ومهدداً من مغبة مخالفة الدستور والإسلام، وجاء نص البرقية التي كتبها الامام: (أحب أن اذكركم بأن علماء إيران الاعلام، والمراكز الدينية، وسائر المسلمين، لن يسكتوا عما يخالف الإسلام، ولن يعترفوا باي أمر يخالف الإسلام، بحول وقوة من الله تعالى).(7)

ومن خلال خطب الامام الخميني، ودروسه التي كان يلقيها على تلامذته، من فضلا ء وعرفاء الحوزة، ظهر عزمه على مقارعة الشاه ونظامه بكل السبل المتاحة، فقد عبر عن ذلك بقوله سنة 1961 (..من العار أن نسكت على هذه الأوضاع، ونبدي جبناً أمام
الظالمين والمارقين، الذين يريدون النيل من كرامة الدين والقرآن، وشريعة الإسلام الخالدة... انهضوا للثورة والجهاد، فنحن لا نريد الحياة في ظل المجرمين)(8). 
المدرسة الفيضية شرارة الثورة الاسلامية
تصريحات وخطب قوية، مثلت قيمة الاسلام وعمقه وغايته، فضح من خلالها الامام الخميني، مؤامرات الشاه بحق ايران، مقدسات وشعبا وارضا، ما اربكه ودفعه إلى إرسال جلاوزته للهجوم على المدرسة (الفيضية)، فقتل وجرح خلالها العديد من طلاب الحوزة، بالرصاص والقي بعضهم من على سطح المدرسة العالية ما أدّى الى استشهادهم يوم 26 شوال 1382،  واعتبرت هذه الحادثة الأليمة، الشرارة الأولى للثورة الاسلامية، بقيادة الامام الخميني، حيث حضر عصر عاشوراء سنة 1383 الى المدرسة، التي سجلت تواجدا جماهيريا غفيرا، امتلأت به صحونها، وامتدّ الى مدرسة دار الشفاء، وصحن حرم السيد فاطمة المعصومة، وساحة أستانة، وهناك بين جماهيره القى خطابا تاريخيا هاما، هاجم فيه النظام البلهلوي وأمريكا واسرائيل، والذي على اثره قامت قوات الشاه باعتقاله وايداعه السجن، فاندلعت بسبب ذلك انتفاضة 12 محرم ( 15 خرداد)، التي قال بشأنها الامام الخميني قدس سره: (في الحقيقة ان انتصار الثاني والعشرين من (بهمن) عام 1357 هجري شمسي، (11 شباط 1979 ميلادي) انما هو نتيجة لانتفاضة الخامس عشر من (خرداد) عام 1342 (5 حزيران 1963 ميلادي).
ونظرا لما يمثله الامام الخميني من خطر على نظامه أقدم الشاه على نفي الامام الخميني الى خارج ايران، كانت له خلالها ثلاث محطات ( تركيا 1964  العراق 1965فرنسا 1978 ) لم ينقطع فيها عن شعبه، وكان يرسل خطاباته اليهم، بواسطة المخلصين من أبناء الشعب، ونخبه الذين الفتوا حوله، مما جعل الثورة تزداد زخما يوما بعد آخر، وترتفع وتيرتها بعد سقوط الشهداء، من ابناء الشعب الذي قرر أن ينتفض، ويواجه أدوات نظام الشاه القمعية، ويتبع ارشادات ونصائح وتعليمات قائده الامام روح الله الموسوي الخميني.  
لقد شهدت الفترة الواقعة بين 1963 و 1978 حدة الصراع، وتصاعد المواجهة بين الحوزة وعلماءها العاملين من جهة، والشاه وسلطته الغاشمة من جهة أخرى، وتخلل هذا الصراع، المزيد من الاعتقالات والتعذيب في السجون والنفي والإبعاد، إلى ممارسات القمع لمؤيدي الثورة، والسائرين في ركب الإمام الخميني، وقد تبلورت خلال هذه الفترة، الخطوط الأساسية التي حكمت مسيرة المعارضة للشاه، ومقارعة حكمه العداء للاستعمار، لاسيما أمريكا، التي أضحت تدخلاتها مفضوحة في الشؤون الإيرانية، وفي توجيه سياسة الحكم عند الشاه وحكومته، والعداء لإسرائيل، على أساس انها من نتاج الغرب الاستعماري، وخطرها قائم ليس على الدول العربية فحسب، إنما على الدول الإسلامية عامة.
  وللإمام الخميني في هذا الخصوص، بيان كثير في خطبه، التي لا تكاد تخلو من شرح للشعب الايراني والامة الاسلامية، عن الاسباب الكامنة وراء ضرر وتخلف وشقائهم، نوجز منه قوله: (إن معظم مصائبنا من أمريكا ومن إسرائيل، وإن شقاءنا هو بسبب تدخل الأجانب في مقدراتنا وشؤوننا، فهم الذين ينهبون ثرواتنا الطبيعية الهائلة، وان سيطرة عملاء الاستعمار على مقادير الشعب الإيراني، هي التي أدت إلى خلق مشاكل ومخاطر حادة، وقد عمدت السلطة العميلة، إلى التحالف مع إسرائيل ضد الدول العربية والإسلامية، وتسعى لمحو أسس القرآن الكريم، وتعاليم الإسلام التحررية.(9)
القضية الفلسطينية الحاضرة أولا
لم يبعد انشغال الشعب الإيراني بأوضاعه الداخلية المتردية، وانشغال قادته في الثورة بالمواجهة مع الشاه، عن الهم الإسلامي العام، الذي لم يغب عن اهتمامات الإمام الخميني والشعب الإيراني، فكان لفلسطين ولبنان، ووحدة العالم الإسلامي وقضاياه، حضور مستمر في خطبه، وكانت شعاراتها تتردد على السنة المتظاهرين في شوارع طهران، وبرزت دعوة الإمام الخميني عام 1968، ومناشدته جميع المسلمين مناصرة القضية الفلسطينية، ودعم صفوف ثورتها، من ذلك مثلا، المظاهرات التي خرجت في طهران عام 1964، عقب نفي الإمام الى خارج إيران، مطالبة قطع العلاقات مع إسرائيل، متحدية عناصر (السافاك) وقوى الامن القمعية، بإشعال النار في مكاتب شركة العال الاسرائيلية، ومهاجمة مكاتب العلاقات الثقافية الأمريكية، وتطور بعد ذلك الأمر، الى تفجير مراكز المصالح الأمريكية في إيران عام 1972، أثناء وجود الرئيس الامريكي (نيكسون) في طهران.
وفاء ايران بما التزمت به من دعم للقضية الفلسطينية، مستمر ومتواصل باعتراف فصائل المقاومة الفلسطينية، الى غاية تحقيق هدف تحرير كامل الارض من النهر الى البحر، والنظام الاسلامي في ايران، لا يؤمن بما يدور في عقول ساسة الانظمة العربية والاسلامية، من القبول بحلّ الدولتين، في مسار تفاوضي أثبت عقمه وفشله، ويعتقد أنه يجب انهاء الكيان الغاصب تماما، وبسبب هذا الموقف الصادق والجريء، حوربت ايران الاسلام منذ 39 سنة من وجودها، وتحارب اليوم لنفس السبب، ويخطط أعداؤها للإيقاع بها، لكن هيهات أن يطفأ حلف الشيطان نور الله .
يوم الله والانتصار العظيم
في أوج الثورة الشعبية العارمة، لم يرضى الامام الخميني البقاء في منفاه الأخير (بنوفل لوشاتو) (Neauphle-Le-Château) بضاحية (باريس)، فقرر الرجوع الى بلده، متحديا الغرب وأدواته الحاكمة في ايران، رغم التحذيرات والنصائح التي وجهت اليه، بعدم الاقدام على تلك الخطوة، صونا لحياته، لكنه رغم تلك التحذيرات الجدّية، اصرّ على العودة، ليكون قريبا من أبنائه الثائرين طلبا للحق، واصلاح ما أفسده نظام الشاه، متقاسما معهم نتائج الثورة ومواجهة أعدائها، فكانت عودته بمثابة التحول الكبير، وأعطى حلوله بين أبناء شعبه، زخما ثوريا ودفعا معنويا الى مجاهدة اعداء الاسلام وايران، جهادا لم يكن ليبلغ ذلك المستوى من التضحية، لولا حضوره المبارك، وما اكتساه من قيمة روحية بالغة، سارعت في إسقاط نظام عميل مستبد ظالم، رغم محاولات أمريكا اليائسة والبائسة، وكان يوما مشهودا استحق أن يطلق عليه (يوم الله).
لقد سجلت عشرة الفجر المباركة 1 الى 11/2/1979، (

دبلوماسية تجب الاشادة بها



قد لا يجد المتابع للحركة الدبلوماسية الايرانية، في المؤتمرات والمحادثات الدولية، عناء في استخلاص العبرة من نتائجها، في الشؤون الخارجية خصوصا، وفي احتواء الازمات الطارئة، ومعالجة المؤامرات التي عادة ما يلجئ اليها اعداؤها، باختلاف مشاربهم واهدافهم، في الداخل عموما، رغم صعوبة المهام وكثرة التحديات وتكالب الأعداء عليها، فمنذ انتصار الثورة الاسلامية سنة 1979، والنظام الاسلامي في ايران، في حركة دائبة لم تهدأ، تعمل على كسر أطواق عزل صنعها الاستكبار والصهيونية العالميين، بمنتهى حرفية رجال السياسة قوم سلمان المحمدي، التي عرفوا بها ماضيا وحاضرا، وبعد 39 سنة من كفاح ومقاومة، وتحدي اغلب العقبات التي اعترضت طريق نهضتها وتخطيها باقتدار، والعقوبات الجائرة المسلطة على نظامها، ما اثبت فعلا انه جدير باللقب الاسلامي، وملتزم بعوده التي قطعها على نفسه، لم يحد عنها يوما، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، التي تعتبر ايران الاسلامية طوق نجاة مشروع بقاء ونماء مقاومتها، من مؤامرات انهائها، بعد افتضاح المتآمرين عليها، من أنظمة عربية واسلامية، كانت فيما مضى تدعي نصرة الفلسطينيين وقضيتهم، وتأكد اليوم انها تريد بإصرار غريب وأدها، وانهاء وجودها الى الأبد
ويعزو نجاح الدبلوماسية الايرانية الى عاملين مهمين اثنين، اولهما اعتماد المنطق الاسلامي في التعامل والتعاطي الايجابي مع جميع القضايا المتعلقة بالشأن الاسلامي، والثاني حسن اختيار الشخص المناسب في المكان المناسب، ديمقراطيا (شورويّا) في تركيبة النظام، من حيث كفاءته، وقدرته على أداء تكليفه على أحسن وجه، وبكفاءة عالية حققت الدبلوماسية الاسلامية الايرانية انتصارات معتبرة، في اغلب ملفاتها المطروحة للحل، وخرجت من مفاوضاتها التي خاضتها، بإقناع الاطراف المقابلة بصواب حججها وصدق دعاويها، وهذا ما اظهرته مفاوضات الملف النووي مع الدول 5+1  الاخيرة، والتي كسرت عنجهية الغرب في اصراره على اثبات ما كان يروجه، من دعوى سعي ايران لامتلاك سلاح نووي، من خلال برنامجها السلمي، واجبرته على الاقتناع بسلمية برنامجها، فلم يجد بدا من الاقرار به والامضاء عليه.
تفوق ايراني جديد، ظهر به وزير الخارجية محمد جواد ظريف في مؤتمر الامن بميونخ، والذي اثبت جدارة بقيادة دبلوماسية بلاده، في مواجهة اعدائها، فبدا في مداخلته  بسيماء الطمأنينة والعزة، متحدثا بلغة انقليزية متقنة، ومعبرا بلسانه عن موقف بلاده من التهريج، الذي جاء به رئيس وزراء الكيان الصهيوني، قائلا:(لقد تسنى لكم مشاهدة سيرك هزلي هذا الصباح لا يستحق حتى الرد عليه). قاصدا بذلك طريقة استجداء ناتنياهو رئيس وزراء العدو الصهيوني في مداخلته بتلك الطريقة، التي رفع  فيها بيده قطعة معدنية، قال انها لطائرة من دون طيار ايرانية، خرقت اجواء فلسطين المحتلة، محاولا استعطاف الغرب، الذي لا يزال يأمل بقاء كيانه الغاصب على أرض فلسطين، ليكون محل فتنة وارهاب للعالمين العربي والاسلامي، وعامل زعزعة للأمن هناك
وبمقارنة بسيطة فيما وصلنا اليه لحد الان، يتبين لنا الفرق الكبير بين زمنين من حياة هذا الكيان، زمن استعلائه وتفوقه على دول وجيوش عربية، لم تعتمد الأسباب العملية الصحيحة لمواجهته، وفنون الحرب والاعداد لها، فانكسرت وانهزمت، ليس هذا فقط، وانما فرّطت في اراض عربية اخرى بهزائم احزنت شعوبها، وبين زمن، اعتمد رجاله رجال الله، اسلوب ومنهج المقاومة والاعداد، فاحدث توازنا في القوى، وانتصر في حربي 2000 و2006  صادّا عدوانين كبيرين على لبنان، وملقنا الحيش الصهيوني درسا قاسيا في الحرب، سيكون اقسى في المستقبل القريب، إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا. 
محمد جواد ظريف بدا ظريفا، وانيقا ومتميزا، وتكلم بلسان الواثق، بينما بدا رئيس وزراء العدو بائسا تبدو الكآبة على وجهه، يكاد يبكي في مظهر مفاجئ، سيكون اكثر بؤسا للصهاينة مستقبلا، ان لم يرحلوا من تلقاء انفسهم من فلسطين كل فلسطين.
وتستمر الدبلوماسية الاسلامية الايرانية في التفوق، وأداؤها في الاقناع، وتحقيق النتائج المرجوّة من حركتها ونشاطها، رغم تعدد ملفاتها وتوسّع نطاقها ، ويزداد أعداؤها خيبة وفشلا في مواجهتها، مهما اجتهدوا في الايقاع بها متناسين أن هناك قوة عظيمة تقف معها وتسندها بألطاف لا يعلمها سواه، انه الله الذي شاءت قدرته، أن يكون لقوم سلمان مكانة وحظوة لديه، جعلته ينيطهم ميثاق اعزاز دينه، واعلاء كلماته التامّات، ( لو تعلق الايمان بالثريا لناله رجال من فارس) وهذا ما سيزداد ظهورا في قادم الزمن.