بعيدا عن كل مزايدة وتضخيم، وتعاملا مع واقع
أصبح اليوم كفلقة القمر في ليلة داجية، يبدو أن القضية الفلسطينية قد أفل نجمها في
سماء الانظمة العربية، وغابت المواقف القديمة التي كانت ترددها زعماؤها، ((لا صلح
ولا تفاوض ولا اعتراف بالكيان الصهيوني))، ولم يبقى من ذلك الذي كان زمن الأحلاف،
سوى شيء من المجاملات والتعابير الباهتة، التي ينطق بها احيانا البعض، ممن بقي فيه
شيء من الحياء، والمبدئيات.
بل لقد استبدلت تلك الشعارات التي كانت تستفز
مشاعرنا حماسة وايمانا، بأن القضية الفلسطينية هي بين أيد لا يمكن أن تتخلى عنها
أو تخذلها، بمبادرات خبيثة جدا، في التطبيع مع الكيان الصهيوني، لتخفّيها عن
المشهد العلني، للسياسات الخارجية لدولنا العربية، وصل أوجه في الاعوام الاخيرة،
الى مستوى التعاون والتحالف والتبادل معه، دون خوف أو وجل من الشعوب التي اكتشفت
متأخرة، أنها آخر من يعلم وآخر من يحسب لها حساب.
ولم يكن الربيع العربية الذي حل بديار بعضنا،
بكاشف الكرب عن القضية الفلسطينية، فما لمسناه الى حد هذا اليوم من شهر رمضان المبارك
الذي من المقترض أن يحسسنا كشعوب عربية مسلمة ببعضنا البعض من حيث الالتزام
بقضايانا المصيرية ومواساة أهلنا في فلسطين بما في الامكان، وهو شهر جهاد وتضحية
وتعاون وايثار، لكن هيهات أن يحصل ذلك، وقد قطع الحبل السرّي لمودّة، كانت لها
مكانة في القلوب والسياسات، ولم يخلو موقعها الا بعد أن ظهرت أعراض التطبيع مع
الكيان الصهيوني.
ربيع عربي كنا نعتقد أنه كفيل بإخراجنا من
دكتاتوريات أنظمة، الى فضاء الحرية الرحب الفسيح، غير أننا بمرور الأيام، اكتشفنا
أنه (ربيع عبريّ) بأتمّ معنى التعبير، حيث بدت عورة التطبيع في أردئ ثوب، وأسوأ
مظهر، مخالف تماما لإرادة شعوبنا العربية، في التشبث بالقضية الفلسطينية، والاستمرار
على نهج معاداة الكيان الصهيوني، والعمل على نصرة أشقائنا في فلسطين بالمستطاع،
فما قدمناه من شهداء، يكفي دليلا على مشترك القضية.
وعوض ذلك بدت انظمتنا أيد خائنة لفلسطين،
فكان النظام المصري ولا يزال مشاركا في حصار قطاع غزة، جنبا الى جنب مع الكيان
الصهيوني، كأنهما توأمان من بطن عاهر، وبلا أدنى حياء - وغالبا ما يغيب الحياء عن صاحب
الحجر – (( الولد للفراش وللعاهر الحجر)).
وبكل أسف وأسى وحزن أجد نفسي مجبرا، على نعي
القضية الفلسطينية، عند البوابة العربية الرسمية، فلم يعد لها أثر يوحي بأنها لا
تزال حية، والأرجح أن جثمانها قد دفنه قوم تبّع (الخليجيون) في قبر منسيّ بلا
مراسم، وصفقة القرن التي أعلنها الشيطان الامريكي ترامب، ستكون عند الامضاء عليها،
خاتمة المطاف لمسار انظمة عربية رديئة السياسة، خيّرت بين مصلحة شعوبها - ظاهرا-
ومصلحة فلسطين فاختارت مصلحتها.
الاستثناء العربي الوحيد الذي نفخر ونعتز به،
هو حبل الوصل المتين الذي لا يزال يربط طلائع شعوبنا، وحركاتها السياسية وفصائل
مقاومتها، التي لا تزال متشبثة بالقضية الفلسطينية، وتعمل بلا كلل ولا ملل، من أجل
إبقائها حية فاعلة، يحدوها أمل كبير في أنه بقي نظام اسلامي، أخذ العهد على نفسه
بأن لا يتنازل عنها، ووفى الى اليوم بالتزامه الكامل بها، هذا النظام هو الجمهورية
الاسلامية الايرانية، التي قدّمت الكثير لفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية،
ولم تدّخر جهدا ولا امكانية، من أجل تطوير اساليب مقاومة العدو الصهيوني، بل إنها
كانت رأس الحربة، التي مزقت اوصال الجماعات الارهابية التكفيرية، في العراق
وسوريا، وأفشلت مخططا غربيا خطيرا، كان يستهدف القضاء على محور المقاومة.
مضت ايران على جراحها الاقتصادية النازفة،
ولم يجدي تكبيل أمريكا لها بمختلف أنواع العقوبات، عن ثنيها عما أخذته على عاتقها
من التزام بتحرير فلسطين، منذ أن أعلنها الامام الخميني رحمه الله مجلجلة ومدوّية،
صمّت آذان العالم، لا مكان لإسرائيل على أرض فلسطين، وهي غدّة سرطانية خبيثة، يجب
أن تزول من المنطقة.
لقد راهن الامام الخميني على الشعوب
الاسلامية ولم يولي لأنظمتها اعتبارا بخصوص القضية الفلسطينية لمعرفته بأنها أنظمة
لا تملك إرادتها، وليس لها قرار سياسي نابع من ذواتها، وقد اثبتت التجارب أنها
كانت ولا تزال تعيش تحت الهيمنة الغربية الامريكية، ومن أجل ذلك دعا الى توخي سبيل
مقاومة هذا العدو بكل الطرق والاساليب المتاحة جماهيريا.
وقد نجح مشروعه اليوم، في الوصول الى مستوى، جعل
دول الغرب بزعامة أمريكا، يحاولون جهدهم إنهاء هذه الحالة، المهددة لكيانهم
اللقيط، ولم يعد هناك مجال للصبر على عيش كيانهم، تحت تهديد تنامي محور المقاومة
المبارك، وسعيهم المكثف والحثيث - منذ أن تولى (ترامب) رئاسة أمريكا - من أجل طيّ
صفحة فلسطين نهائيا، بالاستعانة بعملائهم من دويلات أعراب الخليج التي قامت أساسا
بفضل بريطانيا وأمريكا، وحان الوقت أمريكيّا لكي يوفّي هؤلاء الاشقياء دينهم
للشيطان.
حال القضية الفلسطينية اصبحت واضحة ولا تحتاج
الى من يزيد صورتها وضوحا، فليس على ساحة الفعل الجهادي المقاوم سوى إيران،
ومحورها المقاوم في فلسطين، ولبنان، وسوريا، والعراق، وقريبا سينظم اليهم اليمن
بأنصاره، لتتشكل أمّة حزب الله الغالبون، ويرى العالم سقوط الشيطان الأمريكي،
بقرنيه الوهابي والصهيوني في زماننا هذا، والأمل بتحقق الوعد الالهي معقود على
ذلك، وما النصر الا من عند الله العزيز الحكيم.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire