samedi 19 mai 2018

شهر رمضان شهر الانابة والتوبة



بسم الله الرحمان الرحيم
قال تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ( (1)
  (( يا عَلِيُّ يا عَظيمُ، يا غَفُورُ يا رَحيمُ، اَنْتَ الرَّبُّ الْعَظيمُ الَّذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّميعُ الْبَصيرُ وَهذا شَهْرٌ عَظَّمْتَهُ وَكَرَّمْتَهْ، وَشَرَّفْتَهُ وَفَضَّلْتَهُ عَلَى الشُّهُورِ، وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذي فَرَضْتَ صِيامَهُ عَلَيَّ، وَهُوَ شَهْرُ رَمَضانَ، الَّذي اَنْزَلْتَ فيهِ الْقُرْآنَ، هُدىً لِلنّاسِ وَبَيِّنات مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانَ، وَجَعَلْتَ فيهِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَجَعَلْتَها خَيْراً مِنْ اَلْفِ شَهْر، فَيا ذَا الْمَنِّ وَلا يُمَنُّ عَلَيْكَ، منّ
عَلَيَّ بِفَكاكِ رَقَبَتي مِنَ النّارِ فيمَنْ تَمُنَّ عَلَيْهِ، وَأدْخِلْنِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ((.

نبارك لجميع المؤمنين في أنحاء العالم، حلول شهر رمضان، شهر الصيام والقيام، وسائر أعمال التقرب من الله سبحانه، ففي مقدمه  خير وبركة، وفي أيامه بركة وفي لياليه بركة، وجميعه خير وبركة، والله أسأل أن يجعلنا وإياكم ومن صيّامه وقيّامه، في لياليه وايامه، ويتقبل منا فيه سائر اعمالنا، ويجزل لنا فيه العطاء بطهارة البدن وصفاء الروح لديه، ويختم لنا في عشر أواخره، وليالي قدره بالعتق من النار، فيمن شاءت قدرته أن يعتق من عباده الصالحين، ويبلغنا القادم في صحة وعافية منه، إنه لطيف لما يشاء.
شعيرة الصوم، عبادة لم يختصّ بها الإسلام وحده، وانما فرضها الله سبحانه أيضا في الامم السابقة ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم)، وقد تكون مختلفة من حيث عدد أيامها وموقعها في السنة، عما شرّعه بالنسبة لنا كمسلمين، الا أن في الآية دلالة على وقوعه قبل الاسلام، ويعتبر صوم شهر رمضان عموما، الفريضة ثانية التي أمر بها المولى سبحانه وتعالى نبيّه الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك في السنة الثانية من الهجرة النبوية المباركة، حاثّا المسلمين على حسن أدائه، والإستنان بسنّته فيه، استقبالا ومرافقة ووداعا.
شهر القرآن
تميّز شهر رمضان عن بقية الشهور، بنزول القرآن في ليلة مباركة فيه، عظّمها الله سبحانه وتعالى، فجعلها خير من ألف شهر، وهي إحدى ليالي القدر التي نلتمسها مع بقية المسلمين، عسى الله أن يوفّقنا اليها بلطفه ومنّه.
وبما ان القرآن هو دستور الاسلام وشريعته الخاتمة، فإنه من باب أولى أن يكون مبسوطا بين أيدينا تلاوة وتعهّدا وتدبّرا، ومن الغبن إهماله والتقصير بحقه، كما جاء في قوله تعالى: (
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ). (2)
وجدير بالتنويه والاشادة، الجهود التي تبذلها الجمهورية الاسلامية الايرانية، من أجل أن يكون القرآن متعهّدا في ايران، مقدّمة في التعامل معه، نموذجا راقيا لمسلمي العالم، حتى يحذون حذوها، إحياء له في البيوت والمساجد، وفي المدارس والمعاهد والجامعات، فشمل المرافق المدنية، والمؤسسات العسكرية، حيث يولى القرآن بمجالسه المتميّزة، عناية فائقة لافتة لاهتمام بقية الشعوب، ومثلجة لصدور قوم مؤمنين.
إن عودة مجتمعاتنا الى مناهل القرآن، ومنابع الذّكر الالهيّ، في هذا الزمن المتأخّر عن عصر النبوّة، هي من أولويات علمائنا ومثقفينا، في تفعيل هذه الميزة، المليئة خير وبركة، وعليه يجب أن نؤسس ونشجع على تعهد كتاب الله، ونجعله نصب أعيننا، ونركزه في عمق حياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ليملأها بأنوار حكمته وبصائر دعوته.
كلمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخصوص الشهر الكريم
عن النّبي  صلى الله عليه وآله وسلم انّه كان إذا رأى هلال شهر رجب قال:  اَللّـهُمَّ بارِكْ لَنا في رَجَب وشَعْبانَ، وبَلِّغْنا شَهْرَ رَمَضانَ، واَعِنّا عَلَى الصِّيامِ وَالْقِيامِ وَحِفْظِ اللِّسانِ، وَغَضِّ الْبَصَرِ، َ ولا تَجْعَلْ حَظَّنا مِنْهُ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ.
وفي إحدى خطب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في استقبال شهر رمضان قوله:

(أيّها الناس إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل اللّيالي، وساعاته أفضل السّاعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب.
فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة، وقلوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه، وتلاوة كتابه، فانَّ الشقيَّ من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدَّقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضّوا عمّا لا يحلُّ النّظر إليه أبصاركم، وعمّا لا يحلُّ الاستماع إليه أسماعكم، وتحنّنوا على أيتام النّاس يتحنّن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم. وارفعوا إليه أيديكم بالدّعاء في أوقات صلواتكم، فإنّها أفضل السّاعات، ينظر الله عزَّ وجلَّ فيها بالرَّحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيّهم إذا نادوه، ويستجيب لهم إذا دعوه.
أيّها النّاس إنَّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم، ففكّوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم، فخفّفوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أنَّ الله تعالى ذكره، أقسم بعزَّته أن لا يعذِّب المصلّين والسّاجدين، وأن لا يروّعهم بالنّار،  يوم يقوم النّاس لربّ العالمين.
أيّها النّاس من فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشّهر، كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه،  قيل: يا رسول الله وليس كلّنا يقدر على ذلك، فقال عليه السّلام: اتّقوا النار ولو بشقّ تمرة، اتّقوا النار ولو بشربة من ماء(...(3)
كلمات الائمة الهداة عليهم السلام عن شهر رمضان
جملة آداب الصيام ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتعهدها بالتطبيق والتذكير أئمة الهدى عليهم السلام، ليبقى شهر الصيام منهل أدب وخلق كريم، ومدرسة تطبيق، للسيطرة على النفس وهواها، إنماء لملكة الصّبر فيها، والتوكل على الله لديها، فكانت كلماتهم نصائح بيّنت حقيقة الصوم، وأظهرته كما يجب أن يكون على أحسن حال، يستفيد منه كل ساع الى الله.
عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) قَالَ : (إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ، وَ بَصَرُكَ، َ وشَعْرُكَ، وَجِلْدُكَ، ـ وَعَدَّدَ أَشْيَاءَ غَيْرَ هَذَه وَقَالَ : ـ لَا يَكُونُ يَوْمُ صَوْمِكَ كَيَوْمِ فِطْرِكَ ( .( 4)

روي عن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) أنهُ قَالَ : ( إِنَّ مَنْ تَمَسَّكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِسِتِّ خِصَالٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ :أَنْ يَحْفَظَ دِينَهُ، وَيَصُونَ نَفْسَهُ، وَيَصِلَ رَحِمَهُ، وَلَا يُؤْذِيَ جَارَهُ، ويَرْعَى إِخْوَانَهُ، وَيَخْزُنَ لِسَانَهُ، أَمَّا الصِّيَامُ فَلَا يَعْلَمُ ثَوَابَ عَامِلِهِ إِلَّا اللَّهُ ( . (5)
عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصَّادق ( عليه السَّلام ) وهو يُوصِي وُلْدَهُ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ : (... فَاجْهَدُوا أَنْفُسَكُمْ، فَإِنَّ فِيهِ تُقَسَّمُ الْأَرْزَاقُ، وَ تُكْتَبُ الْآجَالُ، وَ فِيهِ يُكْتَبُ وَفْدُ اللَّهِ الَّذِينَ يَفِدُونَ إِلَيْهِ، وَ فِيهِ لَيْلَةٌ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ ) .(6 )
آداب الصيام
كما أشار اليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والائمة الهداة عليهم السلام، فإن للصيام آدابا تجب مراعاتها، ليصحّ من الصائم صيامه، فيتقبله الله تعالى منه بأحسن القبول، اذا لا يختصر الصوم على الامتناع عن الاكل والشرب، وتجنب بقيّة الشهوات المباحة في غير الصيام، فذلك عمل بلا فائدة ولا قيمة (كم من صائم ليس له من صيامه إلّا الجوع والظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والعناء..) (7)، بل يتعدى ذلك ليشمل الجوانب المعنويّة في نفس الانسان وحياته، فيصون لسانه عن الغيبة والنميمة والفسوق، وعقله عن ارتكاب المعاصي الخفية كالظنون السيئة الآثمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (8).

ولا يخلو الصيام الكامل من تعهّد للأقارب والجيران، واهتمام بالشأن الاسلامي العام، فمن لم يهتمّ بأمور المسلمين فليس منهم، ولعل أبلغ صورة أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابلاغها لنا في علاقة المؤمنين بعضهم ببعض، ما جاء في حديثه: (مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو منه، تداعى سائره بالحمى والسهر) (9 (  
ثواب الصيام
أخبرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجملا أن لكل عمل عباديّ شرّعه الاسلام جزاء وثوابا، الا أن الصوم وحده أفرده المولى اليه وجعل جزاءه مخصوصا به وحده، فقد جاء في حديث قدسي: (الصيام لي وأنا اجزي به) (10)، فلا أحد من ملائكته ورسله عليهم السلام باستطاعته أن يقدّر قيمته ويعتبر ثوابه، وفي هذا ما فيه من دلالة، على قيمة هذه العبادة ذات المضامين العالية في الادب والسلوك، ومن الغبن وقلة تدبير الحياة أن يفرّط المؤمن في شعيرة الصيام فلا يوليها الأهمية التي أولاها لها مشرّعها، وأعدّ لمتعهدها ما بقي مستورا.  
الامام الخميني قدس سره يعلّمنا أداب تلبية ضيافة الله في شهره
إن للإمام الخميني تقدست أسراره، في الآداب المعنوية للصوم، كما في الصلاة والحج، إشارات وبيانات، مستلهمة من فيض معرفة، اكتسبها من علوم ومعارف وآداب أجداده الطاهرين، ففي الصوم نختصر من إضاءاته قوله:
(ومنذ لحظة تلبية هذه الدعوة الكريمة (لصوم شهر رمضان)، ينبغي التحلي بالآداب والاخلاق، التي تجعلنا اهلا لنيل رحمة وعناية الله تبارك وتعالى، فالصوم لا يعني الامساك عن الطعام والشراب فحسب، بل ينبغي التمسّك بأحكام الله تعالى، والعمل بالواجبات، واجتناب المعاصي ايضا، فحاولوا ان لا يكون صومكم مقرونا باقتراف الذنوب، وفيما عدا ذلك، وعلى فرض ان صيامكم كان صحيحا من الناحية الشرعية، فانه لن يقبل ولا يرفع الى الله تعالى، لان ارتفاع الاعمال الى الله سبحانه وقبولها لديه جل وعلا، يختلف كثيرا عن صحتها الشرعية.

أما الذنوب والمعاصي، فهي تشمل الغيبة، والتهمة، والاساءة، والحقد، والبهتان، والاستهزاء، وبث التفرقة، والفتنة، والنفاق، وغيرها من المساوئ والرذائل، وينبغي ان يشتمل الصوم جميع جوارح الانسان، وان يحفظ الصائم لسانه، ويغض عما لا يحل النظر اليه بصره، وعما لا يحل الاستماع اليه سمعه، من ذكر عيوب الاخرين، او الكلام البذيء، وتتبع عورات الاخرين، فضلا عن الالتزام بجميع الاحكام والمعايير الشرعية والاخلاقية، واجتناب الاعمال المحرّمة، والابتعاد عن المعصية والفسوق.

انّ أهمية الابتعاد عن هذه الأنواع من المعاصي والذنوب، تنسحب على الساحة السياسية ايضا، وان الاشخاص والتيارات والتكتلات والاحزاب السياسية، التي تنعدم الاخلاق فيها، فإنها تتّهم منافسيها بسرعة وبسهولة، بالأكاذيب والافتراءات والغيبة والنميمة والاغواء السياسي، وغيرها من المعاصي والذنوب، التي لها صبغة سياسية، ولا هدف لها الا السيطرة، وكسب السلطة والسمعة، على حساب انتهاك كل مبادئ واسس الايمان والقيم الاخلاقية( .
إشارات وتلميحات وتنبيهات الامام القائد دام ظله
كما إنّ للإمام الخامنئي توجيهات وارشادات بخصوص شهر رمضان المعظم، فيرى فيه مجالا أوسع لتنمية ملكة التقوى لدى الفرد المسلم فيقول:
(الثمرة الأساسية لشهر رمضان هي التقوى؛ قال تعالى : (لعلكم تتقون). معني التقوي ما قاله الشاعر: (اليد التي تمسك لجام نفسها). أحياناً قد يكون بمقدورنا الإمساك بلجام الآخرين. لكن الفخر كل الفخر أن نمسك لجام أنفسنا، وأن نسيطر على توحّشها و تهوّرها. التقوى تعني مراقبة الذات في مسيرتها على الصراط الإلهي المستقيم.) (11)
ويرى الإمام الخامنئي في شهر الصيام، دورة تدريبية في تربية وتهذيب النفس، فيعبّر عن ذلك بأسلوب العالم المربّي لأبنائه بقوله: (شهر رمضان شهر كامل من حبس الشهوات البشرية والإنسانية يوميا، هذه الرياضة وهذا التمرين طوال شهر كامل، هي في الحقيقة علاج لألم بشري كبير، - فتجاوزات النفس وطغيانها، هي التي تتسبّب في جعل أيامنا وأيام الآخرين أياماً عسيرة ــ فهي تساهم في التغلّب على هوى النفس، وشهواتها، وبعدم الاستجابة لأطماع أنفسنا ورغباتها.) (12)
إنّ للصوم فوائد وآثار
إنّ للصوم آثارا اجتماعية هامة، تكمن في أن احدى غايات فرض الصوم على جميع المسلمين المكلفين، رفعهم عن وضاعة الدنيا ومتاعها وشهواتها، الى مستوى يشعر فيه الغنيّ بما يعانيه البائس الفقير من جوع، فيدرك تلك الحالة من الاحتياج ويتلمّس نتيجتها بنفس، فيبادر الى تقديم ما في وسعه من مواساة، وقد جاء في الحديث، ان هشام ابن الحكم سأل الإمام الصادق (ع) عن علة الصوم والحكمة من تشريعه؟ فقال (ع): (إنما فرض الله الصيام، ليستوي به الغني والفقير، وذلك ان الغني لم يكن ليجد مسّ الجوع، فيرحم الفقير، وان الغني كلما اراد شيئاً قدر عليه، فأراد الله تعالى ان يسوّي بين خلقه، وان يُذيق الغني مسّ الجوع والألم، ليرقّ على الضعيف ويرحم الجائع .) (13)
وفوق هذا يجد المؤمن من أثر الصوم، في آخر اليوم من صيامه ضعفا، يتجلى في صلواته قبل الافطار، ينتابه فيه شعور بوهن جسمه، في قيامه وركوعه وسجوده، وفي سائر أعمال حياته، فيرى نفسه على حقيقتها من الضعف، محتاجة الى خالقها، لتستمدّ منه العون والمساعدة، فالصوم وسيلة العبد المطيع، للعبور الى مقام العبودية الحقة.
ومن الطبيعي أن يكون للصوم أثرا في نفس الصائم، وفوائد تظهر على بدنه، ولعل حديث (صوموا تصحوا) (14) في دلالته على أن للصوم فوائد بدنية، دون الفوائد الروحية.
ذلك أن في الصّوم راحة للمعدة، وتجديدا لنشاطها، وقد دلّت الابحاث الطبية الغذائية على سلامة وصواب هذا الامر الالهي وما اضمنه من مزايا مريحة للجهاز الهضمي، وللكبد والكلى، من أجل الاستمرار في حسن اداء وظائفها، في سائر الايام والشهور، وللصيام أيضا مدعاة لحرق المواد الدهنية الزائدة في الجسم، والتخلص منها وسلبية بقائها.  
 نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لحسن ضيافته في شهره الكريم، ويعيننا عليه بحسن أدائه، يتقبّل منا فيه الصيام والقيام، وسائر الاعمال بأحسن قبول، ويختم لنا فيه بالعتق من النيران، فيمن يعتق من عباده المقبولين عنده، ويغمّدنا وجميع أمّتنا الاسلامية بالرحمة والرضوان، والنصر على أعدائنا في كل ميدان، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.  
المراجع
1 – سورة البقرة الآية 183
2  – سورة الفرقان الآية 30
3 – من لا يحضره الفقيه ج2ص108
4 – الكافي للكليني ج 4 ص 64
5 – مستدرك وسائل الشيعة للشيخ النوري ج 7 ص 370
6 – الكافي للكليني ج 4 ص 66
8 -  سورة الحجرات الآية13
9 - الفيض الكاشاني، المحجة البيضاء، ج3، ص357
10 – وسائل الشيعة ج10 ص400
11 –  من خطبة صلاة عيد الفطر السعيد الأولى في الأول من شوال 1432هـ
12 – من خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في مسؤولي النظام والعاملين فيه21/07/2013
13 – علل الشرائع للصدوق
14 – مستدرك الوسائل لمحمّد تقي النوري الطبرسي





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire