(قد يقال عن اجراءاتها أنها تشجيع للسياحة الدينية في بلادنا، ويراه اللائذون
بكنيس الغريبة عذرا فيما أقدموا عليه،
لكنه واقعا سلوك تشمئز منه نفوس أحرار تونس، ويعتبرونه عارا آخر يكتب في سجلّ
النظام الحالي، وحلقة تواصل بين ما مضى من زمن استجداء الغرب، وما قد يأتي من زمن
استجداء الصهيونية.)
انقطعت زيارة اليهود
للغريبة بعد الثورة، ولم تعد الى سالف حركتها الا منذ سنة، بعد ان كانت في العهدين
السابقين، تولى لها استعدادات امنية وعسكرية كبيرة، خصوصا بعد حادث الاعتداء
بشاحنة في جزيرة جربة سنة 2002، والذي أسفر
عن سقوط ضحايا، وتضرر قطاع السياحة بسببه.
وبما ان نسبة من
اليهود القادمين الى تونس، هم من صهاينة الكيان، فان اعتبار جنسيتهم، وما تعنيه من
تطبيع مع الكيان الصهيوني، جعل الحكومة التونسية، تغض الطرف عن جوازات سفرهم،
ومصدر قدومهم، وهذه دلالة اخرى، تعطى لمن مازال يأمل، في ان تقدم الحكومة على
اتخاذ قرار، يستثني قبول السياح القادمين من فلسطين المحتلة، احتراما لمبدأ قداسة
القضية الفلسطينية، ومركزيتها بين قضايا الأمة الإسلامية، ورفض أي شكل من اشكال
التطبيع، مع كيان عدواني عنصري غاصب، وعدو ارتكب بحقنا افظع الجرائم داخل فلسطين
المحتلة وخارجها، واذا تناست حكومتنا جريمة اغتيال ابو جهاد، وقصف حمام الشط
بالضاحية الجنوبية للعاصمة، وإغتيال المهندس محمد الزواري بصفاقس، وتورط تونسيين
في هذه الجريمة، عبر جمعيات ومؤسسات ثقافية، وإعلامية تخفي وراءها انشطة تجسسية واستخبارية
خطيرة، فإن جبهة مناصرة المقاومة والقضية الفلسطينية، ستبقى يقظة وحيّة، في
استحضار جرائم العدو الصهيوني، ومن يمت اليه بصلة، حتى لو كان تطبيعا، في شكل حضور
اجتماعات مشبوهة كما حصل في الجمعية البرلمانية للإتحاد من أجل المتوسط، والتي يجب
على نواب الشعب التونسي، أن يتخذوا منها موقفا صريحا، لأنها بوابة تطبيع خبيثة،
تستدرج ضعاف النفوس من نواب، ما كان لهم أن يتواجدوا في المجال السياسي، لو كان
هناك وعي كاف في المواطنين الذين انتخبوهم.
ولكي لا يمر حدث رفض
قانون تجريم التطبيع مع الكيان الصهيوني، دون التطرق اليه، لابد من مقاربة بين
الحدثين، لتعلقهما ببعض، فتكون الفكرة فيما يجري اوضح، ولا تعطي مجالا للتبرير
والتأويل، من باب تقديم المصلحة على المبدأ، ويرى اهل النظر والبصيرة، ان في
سياستنا الخارجية، املاءات لا يمكن تجاوزها، تبعا لسياسة القوى الكبرى، المهيمنة
على العالم، خصوصا الدول التي وضعت رقبتها، في قلادة اسر المديونية، وفقدت توازنها
الاقتصادي، ونزلت اسهمه، الى حد الركود والجمود الخطير، الذي ستكون له انعكاسات
سلبية، مؤثرة على المؤشر العام للنمو ببلادنا.
ما دعاني للكتابة
هنا، التفاتي إلى ظاهرة الاهتمام اللافت الغير مبرر، والمثير للغرابة، لطقوس الغريبة
اليهودية، التي أولاها الإعلام الرسمي (قنوات تلفزية) أهمية بتغطية أحداثها،
وإعادة عرضها، وتهافت للحضور إليها، كوكبة من الرسميين ببلادنا، تقدّمهم رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي أشرف برفقة وفد وزاري،
متكون من وزير الثقافة، ووزيرة السياحة، ووزير الشؤون الدينية، بالإضافة الى وزير
الداخلية، على انطلاق مراسم الزيارة، تعبيرا يحمل في مضمونه إشارات ماكرة،
لا أشك في أن أطرافا فاعلة، على مستوى السياسة العالمية، ستنظر إليها بعين رضا الصهيونية
العالمية، والتفضيل والدعم والتزكية، في سلم تزكية هؤلاء المسؤولين، ودعم بقائهم
في الحكم.
وبينما يخوض أشقاءنا الفلسطينيون،
نضالهم المرير، وبمختلف الاساليب الممكنة، فيقدمون ما في وسعهم فعله من مقاومة
للمحتلّ الصهيوني، ويخوض أهلنا في غزة مسيرات العودة السلمية التي تواجهها القوات
الصهيونية برصاص القنص، ناشرين لواء التضحية والفداء، فيسقط الشهداء والجرحى على
أرض فلسطين، وتروي دمائهم الطاهرة تربتها العزيزة، تنزل مقابلهم حكومتنا ولفيف من مسؤولينا
أسفل سافلين، فيقدمون على المشاركة في طقوس يهودية، تتواجد فيها أعداد من الصهاينة،
قدموا من فلسطين المحتلة، بلا ادنى واعز أخلاقي، أو احترام لإرادة الشعب التونسي، الذي
عرف منذ بداية محنة الشعب الفلسطيني، بمناصرة قضيته، وتبنّيها في سياسة بلاده في
المحافل الدولية، وتقديم كوكبة من خيرة أبنائه، شهداء على طريق تحرير فلسطين.
ويمضي التطبيع في نسق تصاعدي، فقد سجلت هذه السنة، زيادة
في عدد الوافدين اليهود، من بينهم أعداد أخرى من الصهاينة، قادمين من الكيان
الغاصب لفلسطين، وبجوازات سفر صهيونية، بلغ اجمالي القادمين 6000 شخص، فأين
حكومتنا من خيارات شعبها وإرادته؟ وأين ذهب دينها الذي تدّعيه، وهي تتودد لأعداء
فلسطين والامة الاسلامية، وقد نهيت عنه، وأمرت عكسه، قال تعالى : (لا
تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو
أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيّدهم بروح
منه...)
أن تحتفل الطائفة اليهودية بطقوسها في تونس، وفق ما
عرفت به تاريخيا دون زيادة، هو حق مشروع لها، يكفله الدستور الجديد، يجب أن يبقى
في اطاره الوطني، ولا يتعداه الى أن يصبح ذريعة، تتخذ منها الصهيونية العالمية،
قضية أخرى في التملّك والاستحقاق الكاذب.
تودّد يرى بعين الملتزمين دينيا وأخلاقيا وإنسانيا
بالقضية الفلسطينية، عمل سخيف، يدعو الى الشفقة لحال ساسة بلادنا، الذين غرقوا في
سلبية برامجهم وتراكم مشاكلهم، ولم يعد لهم سبيل ينتهجوه، غير السقوط في أجواء
كنيس الغريبة، لعله يمنحهم طوق نجاة ما، ولكن هيهات أن ينالوا من وراء ذلك شيئا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire