قد
تصبح عالما متبحّرا في الفقه وأصوله، وعلوم الحديث وفروعه،
والعقيدة ومقالات رؤسائها، فتصبح متميزا فيها، وتنال احترام وتقدير الناس، ويشار إليك
بالبنان، هذا العالم الفلاني الجهبذ، كل هذا ممكن، ولكن أن تكون عالما بكل تلك
العلوم أو حتى ببعضها، ومدركا تمام الإدراك، بكل حركة تقوم بها، أو موقفا تعبّر به
عن وعيك، بواقع شعبك وامتك، فهذا يحتاج الى فطنة ووعي بالواقع الذي تعيش فيه،
وإدراك بالمستجدات الحاصلة أسبابها وعلاجاتها، موطّنا نفسك على الالتزام بقضايا
الامة، والتقيّد بإرادته في تحقيق نتائجها المطلوبة.
لقد عرف أهل الاختصاص الغباء فقالوا:
(يُنظر إلى الغباء باعتباره حالة عقلية، لا ينقصها علم أو دراسة،
وهذا ما يميزها عن الجهل، إلا أن كلا من الجهل والغباء، يؤدي إلى سوء التكيف مع
الواقع، والتصرف في عكس اتجاه المصلحة، وذلك تحت ظروف اختيارية حرة، دون قسر أو
إجبار، فيفقد الإنسان التأقلم مع المعطيات الجديدة، وبالتالي تصدر أفعاله منافية
للمنطق وللمصلحة).
ما أتاه مفتي الجمهورية التونسية الشيخ (عثمان بطيخ)، هو نوع من
الغباء، ويعتبر في حد ذاته مظهرا آخر سيئا، من مظاهر التطبيع مع الكيان الصهيوني،
يرى فيه الشيخ من موقعه الرسمي والديني الحساس أحد أطرافه، ولا يعذره في ذلك، ما
جاء على لسانه فيما بعد، أنه لم يكن على علم بأن الصحفي صهيوني، وان التصريح الذي
ادلى به خاص بالقناة الصهيونية السابعة.
وقد بادرت القناة السابعة الإسرائيلية الى بثه أولا
ثم نشره، على موقعها الرسمي استغلالا، لندوة دولية، حول حوار الأديان والحضارات، من أجل
مجابهة التطرف والإرهاب، كانت قد انتظمت بتونس بداية شهر ماي الجاري، ويكشف
الفيديو بوضوح، شعار القناة الإسرائيلية المكتوب باللغة العبرية.
والقناة السابعة هذه، هي قناة خاصة، تتبع الشبكة
الإعلامية (عروتس شيفع Arutz Sheva)، التي تمثل توجهات
الصهاينة المتطرفين، وتُعرف القناة بأنها صوت المستوطنين في إسرائيل، ويقع مقرها
الرئيسي في مستوطنة (بيت إيل)، التي تَقع شمال شرق (البيرة)، المقامة على الأراضي
الفلسطينية في الضفة الغربية.
الشيخ بطيخ قال للقناة السابعة
الصهيونية، إنه يجب العمل يدا بيد، والتواصل والتعارف على بعضنا البعض، مشيرا إلى
أن تونس أرض السلام والتعايش السلمي، بين كل الأديان، بمعزل عن معتقداتهم، وتابع: (الإنسان يجمع بيننا جميعا)،
معتبرا أن الله كرّم الإنسان (ومن الواجب علينا أن نكرم بعضنا بعضا بغض النظر عن
معتقداتنا). كما
رحّب المفتي التونسي بالوفد الصهيوني، متمنيا له إقامة طيبة في تونس، وللقناة
تحقيق أهدافها، من أجل لمّ الإنسانية جمعاء على كلمة واحدة، هي التعاون والتحاور
والتعارف)
ورب عذر أقبح من ذنب، اقترفه الشيخ بطيخ بهذا
التهافت الرخيص الذي أتى به، وهو في غنى عنه، والظهور فيه بمظهر المصلح، بينما هو
مفسد ومتواطئ - سواء أكان يعلم أم لا - في اطار التطبيع مع الكيان الصهيوني المجرم.
ومن جهة أخرى الجرم الأكبر، يقع على من سمح
بدخول هؤلاء الصهاينة الى تونس، ويتحمل مسؤوليته في جر البلاد، مرحلة بعد أخرى، وخطوة
خطوة، نحو التطبيع الرسميّ، يمرّر بخفية، وبأساليب متنوعة، من الخداع والغش، للشعب
الرافض لأي شكل من أشكال التطبيع مع الكيان الصهيوني، ولأجل هذه التدرّجات نحو
التطبيع لا يزال مجلس نواب الشعب يتجاهل بعضهم سن قانون يجرّم التطبيع مع الكيان
الصهيوني، ويتعمّد البعض الآخر مراكنته بعيدا عن التداول والتشريع، خضوعا لقوى
الاستكبار العالمي، التي لا تزال تؤثر على سياساتنا، وتعمل على دفعنا قدما نحو ما
تراه هي، يتماشى مع سياساتها الداعمة للكيان الصهيوني.
رغم أن القضية الفلسطينية قضية عادلة،
وانها تمس تونس في وجدانها الماضي والحاضر والمستقبل، ويعتبرها الشعب قضيته
الأولى، بعد ان تبناها ثلّة من خيرة أنبائه، ووضعوا انفسهم في موقع الدفاع الحقيقي
والمباشر عن القضية، فاستشهد منهم من استشهد، وبقي من بقي ينتظر، يخرج علينا من
مجتمعنا كل مرة شخص أو أشخاص يتصرفون بأسلوب معاكس يعبّر عن سياسة أصبحت متوخاة
دون علم الشعب المغدور، وهذا منتهى الخيانة له
إذا بين غباء المفتي وخداع
الحكومة، يجد المواطن التونسي الحر الملتزم بمبادئه والوفي لقضايا أمّته، نفسه
ملزما بأن ينهج أسلوبا قويا في استنكاره لما حصل، باعتباره تعدّ صارخ على قيمنا
ومبادئنا، لا يجب السكوت عنه مهما أوجدوا له من تبرير، حتى نؤخذ بالاستهانة، فنجد
العدو الصهيوني قد دخل علينا من كل باب، ويبدو الامر بعد ذلك مألوفا، ولا نجد له
ردّا.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire