mardi 1 mai 2018

منقذ البشرية الامام المهدي عليه السلام



لقد جاءت الرسالات السماوية، منذ بعثة آدم عليه السلام، الى خاتم الانبياء والمرسلين، ابي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، لتبشر بيوم يتحقق فيه وعد الله، و يتم نوره ولو كره المشركون والكافرون والمنافقون، وبما أن القرآن الكريم هو آخر الرسالات، وخاتمها وصفوتها، فهو معنيّ أكثر من سابقيه، بالإشارة الى ذلك اليوم الموعود، الذي تتخلص فيه الأرض ومن عليها - بعد طول معاناة - من الظلم، ويستتب فيها الأمن والعدل، وتقام شريعة الله نقية من كل شائبة، وتحيا سنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم واحكام دينه بعد اندراسهما، ولو لم يكن ذلك الايمان قائما في عقيدة المسلمين، لما كان للإسلام معنى ولا لمفاهيمه قيمة، وهو الذي أصبح اليوم محاصرا ومحاربا ومشوها، فهما وتطبيقا عند الكثيرين.
لقد أنبأنا القرآن الكريم، بأن الاسلام كرسالة خاتمة، كان معتقدا لدى الانبياء السابقين مجملا، وعنصر غيب مأمورين بالإيمان به والاخبار بقرب ظهوره، وكونه من المحتمات الواقعة في آخر الزمان، ونتيجة لحركة الاصلاح والخير والتقوى، التي سلكها خلّص البشرية، لتكون الارض بما فيها تحت طائلة أحكامهم الالهية، ولا شيء غيرها. قال تعالى: ( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون.) (1)
والايمان بيوم الخلاص أو اليوم الموعود، ليس حكرا على الشرائع السماوية، فحتى النظريات المستوحاة من الفلاسفة والمفكرين، (كجمهورية افلاطون، والمدينة الفاضلة للفارابي، والكومنتيرن الشيوعية اللينينية) تعتقد بيوم تتم فيه فكرتها، وتقوم الدول والمجتمعات على قوانينها، ولعل ذلك الايمان نابع من الاحساس بشحنة الامل، التي تدفع معتقد الفكرة قدما في الزمن، للعمل بلا كلل لنشرها والسعي الى اقامتها.

ونظرية دولة العدل الالهي، ومجتمع السلام الحق، جاء بها القرآن الكريم، وبشّر بها الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم مصرحا بتفاصيلها، التي لم يصلنا منها، الا ما نجا من براثن الطواغيت والظالمين، الذين كانوا يضيقون ذرعا بتلك النظرية، ويرون فيها خطرا محدقا يهدد عروشهم، فيسعون بكل جهدهم لطمسها وتمييعها، بل فيهم من سعى الى الصاق ذلك اللقب بنفسه تمويها، كالمهدي العباسي( 775) والهادي(785) والمهتدي(869) والقائم (1031) وقد كان أول ملوك الفاطميين ملقبا بالمهدي(934 من الهجرة النبوية)، أما من ظهر يحمل لقب المهدي في شتى أنحاء البلاد الاسلامية، فكثيرون جدا، وذلك عائد لإيمان المسلمين الراسخ، بأن المهدي حقيقة واقعة لا محالة، وان الهداية دور رباني متحقق الوقوع، وتسمية الأبناء به، يأتي تيمّنا وتفاءلا وتوقّعا لعقيدة مترسخة، متواصلة فيهم عبر العصور.
يقول الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره الشريف، في بحثه حول لمهدي: ( إنّ فكرة المهدي بوصفه القائد المنتظر، لتغيير العالم الى الأفضل، قد جاءت في أحاديث الرسول الأعظم عموما، وفي روايات أئمة أهل البيت خصوصا، وأكدت في نصوص كثيرة، بدرجة لا يمكن أن يرقى اليها الشك، ولقد أحصي أربعمائة حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، من طرق اخوتنا أهل السنة ، كما أحصي مجموع الاخبار الواردة في الامام المهدي من طرق الشيعة، فكان أكثر من ستة آلاف رواية، هذا رقم احصائي كبير، لا يتوفر نظيره في كثير من قضايا الاسلام البديهية، التي لا يشك فيها المسلم عادة.) (2)

ان احاديث مخصوصة ومعنيّة بإخبار غيبي، بلغت تلك الكثرة في ورودها، لهي دليل على صحة الشخصية المنتظرة، خصوصا وهي ذات محوريّة توافق منطقي بين فريقين من المسلمين، تجمعهم أصول وفروع كثيرة وقضايا مشتركة، أهمها على الاطلاق هذا الامل الذي نحن بصدده، والذي يجمعنا الى غد أفضل، ومستقبل يكتنفه العدل والامن، تحت قيادة فذة مقتدرة، تجمع المسلمين والبشرية قاطبة على قانون إلهيّ واحد، وأحكام صحيحة ثابتة، تماما كما جاء بها الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وأنزلت عليه أول مرة.
الحديث:
1 - عن أبي سعيد الخدري قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهدي مني، أجلي الجبهة أقنى الانف، يملأ الارض قسطا و عدلا، كما ملئت جورا و ظلما، يملك سبع سنين . ) (3)
2 - عن عبد الله بن مسعود قال كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم، اذ مر فتية من بني هاشم، كأن وجوههم المصابيح، فبكى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قلت ما يبكيك يا رسول الله ؟ فقال إنّا أهل بيت قد اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وانه سيصيب أهل بيتي قتل وتطريد وتشريد في البلاد، حتى يتيح الله لنا راية تجيئ من المشرق، من يهزّها يهزّ، ومن يشاقها يشاقّ، ثم يخرج عليهم رجل من أهل بيتي، اسمه كاسمي، وخلقه كخلقي، تؤوب اليه أمتي، كما تؤوب الطير الى أوكارها، فيملأ الأرض عدلا كما ملئت جورا.) ( (4 وحتى نبسط النظرية أكثر نقول:
لاشك بأن كل المسلمين يدركون، أن الشريعة بما تحتويه من قرآن وسنة، تحتاج الى من يحركها ويضعها موضعها في الامة، حتى يمكنها من اداء دورها، وهذا الادراك نابع من وجهتين، الاولى وجهة عقلية، وتعتمد على الادلة المنطقية، في بيان وجوب القائم على أي شريعة، لتتمكن من التحقق والاستمرار، ومن دون ذلك لا يمكن لها أن تستمر، وأن تجد حظها. والثانية وجهة دينية شرعية، فرضتها النصوص الكثيرة الصريحة، والمشيرة الى كون اليوم الموعود، الذي بشرت به رسالة الله تعالى، سيكون نتيجة اعداد الهي، يتمثل في تهيئة القائد، وتمكينه من يوم خلاص الامة من أعدائها، ومغتصبي خيراتها، ومفرقي دينها، واستخلاص اعونه وأنصاره من سواد الامة.
ان نظرية الامامة التي طرحها ائمة أهل البيت الاثني عشر عليهم السلام، الذين بشر بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، والذي مرّ اخباره بهم مطموسا مغيّبا، فلم يصلنا عبر أكثر الرواة، غير عددهم، وكونهم من قريش، هذا عند اخوتنا من أهل السنة، هي أول الخيط الذي أخذنا بطرفه، والذي يجب على كل مؤمن أن يأخذ به، لان الاسلام الذي جاء به النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم دين كامل متكامل. ويطلق عليها الولاية، فهي من مشمولات الخالق تعالى، وله وحده حق التعيين والاختيار لها. قال تعالى مخاطبا رسوله: ( ليس لك من الامر شيء)(5) فإذا كان صلى الله عليه وآله وسلم ليس له من الامر شيء، فكيف يكون لعامة الناس؟
ولما كان الحكم منبثقا منه سبحانه، راجعا إليه بالنظر، فان الحكومة الاسلامية لا بد أن تكون من نفس النسيج، راجعة إليه قانونا وتعيينا، إن تنكب المسلمين عن الامامة الاهية إلى الامامة البشرية، قد أدى إلى إنحراف الحاكمية عن المسار المسطر لها، و تعطيل أحكام الله تعالى، الواحدة تلو الأخرى، فانهدمت نتيجة ذلك أعمدة الدين، و انفصمت عراه، بحيث أصبح الحق باطلا، و الباطل حقا، و تبعا لذلك لم يعد للدين أهمية و لا قيمة عند حكام المسلمين، و عوض أن يكون أساسا للحياة، ونهجا يمضون عليه، أصبح هامشيا وعنوانا ومطية لكل من هب ودب، فسعى لركوبه الظالم والجاهل والمنافق، وحتى الكافر أصبح له رأي فيه، يريد من خلاله تطويع الاسلام حسب رؤيته، كما تحاول الولايات المتحدة الامريكية أن تفعل ذلك الآن.
إن من ضمن الغيب الذي يجب على المسلم أن يؤمن به كما في قوله تعالى ( ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ...) (6)هو الاعتقاد الراسخ الذي لا يزحزحه شيء، بأن الله تعالى سيأذن في يوم قادم علمه عنده، بإتمام نوره و تطبيق شريعته الخاتمة، وإن من أسباب مجيء ذلك اليوم سببان رئيسيان هما:

الاول : من قبله تعالى : و هي الهداية و الهادي الموكل بها، قال تعالى : ( إنما أنت منذر و لكل قوم هاد )(7) و قال جلّ من قائل: (إهدنا الصراط المستقيم صراط الذين أنعمت عليهم )(8) و قال أيضا: (اولئك الذين هداهم الله فبهداهم اقتده ) (9).
و لا شك أن الله تعالى عندما خاطبنا عن الذين أنعم عليهم و هداهم، قد أشار في مضمون الآيات إلى أشخاص بعينهم، و كلف رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بالإبلاغ عنهم، و اظهارهم على الملا من الناس، وإلا كان المعنى فضفاضا لا فائدة منه، وتعالى الله عن ذلك علوا كبيرا، لذلك ينصرف اعتقادنا، إلى أن الله قد حدد دور الهداية والهادي، وعين أصحابها، و كلف رسوله صلى الله عليه وآله وسلم بإبلاغ ذلك للناس، وعلى الناس أن يختاروا، إما طريق الذين أنعم عليهم، وإما طريق الشيطان قال تعالى: (وهديناه السبيل إما شاكرا وإما كافورا ) (10).
 وقد ارشدنا الله تعالى إلى أتباع الصادقين، عندما قال: ( يا أيها اللذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين ) (11) ليس على سبيل المجاز أو التعميم، بل على سبيل الحقيقة و التخصيص، نظرا لعدم شمولية وتمام الصدق في أنفس الناس، فهو نسبيّ فيهم، وهو كما نعلم ليس مظهرا، حتى يكون دليلا على  أصحابه فيتبعهم الناس، وإنما هو جوهر وجبلّة، لا يعلم أصحابها الا الله سبحانه، كما أن النفاق بما حوى من مساوئ، لا يعلمهم إلا هو، لذلك خاطب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم قائلا: ( وممن حولك من الاعراب ومن أهل المدنية منافقون مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم). (12)
إذا نخلص إلى القول، بأن الهداية لطف إلهيّ، جعله الله تعالى استمرارا لرحمته وعنايته كالنبوة، بل هو إمتداد لها، في دور الحفظ والهداية، ممثلا في شخص الامام
الثاني: من الناس وهم المعنيون بالامتثال للأمر والاتباع، منهم نواة إقامة الدين، وفيهم الجماهير المؤمنة، والعاملة لذلك الهدف، والساعية نحو دينها وإمامها وخالقها، فإذا توفر هذا الجانب، فإن المولى تعالى سيحقق لنا رغبتنا ويبلّغنا غايتنا.
آيات الوعد الالهي الدالة بالمعنى على الامام المهدي عليه السلام:
1 - قال تعالى :  (ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الارض فنجعلهم ائمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الارض.) القصص الآية5 و6 
أخرجها الحافظ الحسكاني والقندوزي الحنفيان
2 – (ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الارض يرثها عبادي الصالحون.) سورة الانبياء الآية 105 // أخرجها سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ص 510 
3 – (هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.) سورة التوبة الاية33 // ينابيع المودة ص510 
4 – (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله لا أن يتم نوره ولو كره الكافرون.) "سورة التوبة الآية 32 // ينابيع المودة ص114 
5 – (فاذا جاء وعد أولاهما بعثنا عليكم عبادا لنا اولي بأس شديد فجاسوا خلال الديار وكان وعدا مفعولا*ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بـأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا.)سورة الاسراء الآيتين 5و6 // اخرجها البحراني في تفسير البرهان ج2 ص406 و407 
6 – (وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني ولا يشركون بي شيئا ومن كفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون.) سورة النور الاية55 // مجمع البيان للطبرسي ج7ص268
وقد فسرها الشيخ الطبرسي في مجمع بيانه بقوله:
(و المروي عن أهل البيت عليه السلام: أنها في المهدي من آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وروى العياشي بإسناده عن علي بن الحسين عليه السلام أنه قرأ الآية، وقال: هم والله شيعتنا أهل البيت، يفعل الله ذلك بهم على يدي رجل منا، وهو مهدي هذه الأمة، وهو الذي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم، حتى يلي رجل من عترتي، اسمه اسمي، يملأ الأرض عدلا وقسطا كما ملئت ظلما وجورا ". وروي مثل ذلك عن أبي جعفر محمد الباقر عليه السلام، وأبي عبد الله جعفر الصادق عليه السلام. فعلى هذا يكون المراد ب‍ (الذين آمنوا وعملوا الصالحات): النبي وأهل بيته، صلوات الرحمن عليهم.
وتضمنت الآية البشارة لهم بالإستخلاف، والتمكّن في البلاد، وارتفاع الخوف عنهم، عند قيام المهدي عليه السلام منهم، ويكون المراد بقوله (كما استخلف الذين من قبلهم) هو أن جعل الصالح للخلاف خليفة مثل آدم، وداود، وسليمان عليه السلام، ويدل على ذلك قوله: (إني جاعل في الأرض خليفة)، و(يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض)، وقوله (فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناه ملكا عظيما). وعلى هذا إجماع العترة الطاهرة، وإجماعهم حجة، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم : " إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله، وعترتي أهل بيتي، لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ". وأيضا فإن التمكين في الأرض على الإطلاق، لم يتّفق فيما مضى، فهو منتظر لأن الله عز اسمه، لا يخلف وعده.
 ولقائل أن يقول: طالما أن الامامة لطف فأين هو الامام الآن كي نتبعه ؟ السؤال في حد ذاته عملي و وجيه، إلا أن السائل نسي نفسه ومجتمعه ومحيطه، ونسي أيضا كلام ربه، قال تعالى: ( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا الله ما بقوم حتى يغير ما بأنفسهم) (13) وكما كنت أشير إلى أن الامامة لطف، فإن اللطف الالهي لا ينقطع، تماما كالشمس التي لا ينقطع أثرها على كوكب الارض، مهما حالت عوامل الغبار والسحاب دونها، والمهدي عليه السلام أوضح من الشمس، وغيبته أجلى من السحاب، غير أن كل من لم يدرك حقيقة الامامة الربانية، لا يمكنه بأي حال من الاحوال يفهم حقيقة المنقذ و المخلص، الذي على يديه سيتم نور الله، ويقام دينه، بحيث لا يبقى على وجه الارض دين غير الاسلام الحق، و هدي أئمة أهل بيت النبوة وموضع الرسالة، ومهبط الوحي، ومختلف الملائكة عليهم السلام، وغيبة الامام عليه الاسلام أو حضوره، هو نتيجة حركة المجتمع المسلم، وكد المؤمنين فيه، وإن قلّوا .
أما الاتباع والاقتداء، فإن خط الامامة موجود على مر الزمن، محكوم بمجموعة القوانين التي سنها الائمة عليهم السلام، مستمدة من روح القرآن وتعاليمه ضابطة لدور القيادة . لم يفت ثلة الايمان عبر التاريخ الطويل، من أن تنهل من فيض الامامة الصافي، وتلجأ اليها اقتداء بهديهم واتباعا لسيرتهم، في أزمنة كان غيرهم، يعيش في ظلمات بعضها فوق بعض
و نا أبحث عن إجابة لسؤال يتعلق بطول عمر الامام المهدي عليه السلام، بادرني الحديث الذي يقول : ( لو لم يبق في عمر هذه الدنيا إلا يوم واحد، لطوله الله تعالى، حتى يخرج رجلا من أهل بيتي، يملأ الارض قسطا وعدلا كما ملئت ظلما وجورا .) (14)
إن الذي يمكنه أن يغير سنته في إطالة يوم، يمكنه أن يغيّرها في إطالة عمر شخص ما لمصلحة، كمثل يومنا الذي نعده 24 ساعة، سيتغير يوم القيامة، الى يوم مقداره خمسون الف سنة مما نعد في الدنيا، كما أن الذي سلب النار خاصية الاحراق، وجعلها بردا و سلاما،  وفلق البحر الى جدارين من ماء، وشق فيه طريقا بلا حائل، وعرج بالرسول الاعظم، في فضاءات ليس فيها ما يحتاجه البشر من هواء، للبقاء على قيد الحياة وإن الذي غيّب أهل الكهف ثلاثمائة سنة، هو الذي غيب سيدنا الخضر عليه السلام آلافا من السنين، وهو نفسه من بيده عمر الامام المهدي عليه السلام وميقات خروجه، فخرق السنن الالهية كما ظهر ممكن، من أجل إظهار المعاجز لأصحابها، وطالما أن الامام المهدي هو آخر الائمة الهداة عليهم السلام، فإن عمره محكوم بالطول، حتى يظهر الله تعالى به دينه الحق،  ولا التفات لمن تكلم بلا حجة في شأن المنقذ، و اتخذ من الشك دينا ومنهج حياة. 
أحاديث الامام المهدي عند جمهور المسلمين
لم يشذ عدد من علماء جمهور المسلمين، عن قاعدة الاعتراف بالحق، والإصداع بالصواب، فأخرجوا روايات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، التي تتحدث عن الامام المهدي، و أفردوا لها بابا، بل منهم من أخرج كتابا خصصه بالمسألة نذكر منهم : جلال الدين السيوطي / الهدف الوردي في أخار المهدي //
ابن حجر العقلاني / القول المختصر في علامات المهدي المنتظر //يوسف بن يحي الدمشقي / عقد الدرر في أخبار الامام المنتظر //الكنجي الشافعي / البيان في أخبار صاحب الزمان.
أما العلماء الذين أخرجوا الروايات التي تنبئ بظهوره فهم عديدون منهم
مسلم النيسابوري، أشار الى الشخص، ولم يشر الى اسمه – الترمذي في سننه ج4 ص565 – ابن ماجه في سننه ج2 ص368 من كتاب الفتن أبو داود في سننه ج 4 ص107 . النسائي - البيهقي – الطبراني في معجمه ص566 – ابن حجر- سليمان القندوزي الحنفي في ينابيع المودة- والحاكم في مستدركه د4 ص557 كفاية الطالب ص486 –الحاوي للفتاوي ج2 ص58.-البرهان في علامات المهدي ص94 كنز العمال للمتقي الهندي ج14 ص264 . لبيان في أخبار صاحب الزمان ص479 ، العقائد الاسلامية للسيد سابق.
وكما كنا أشرنا، فقد بلغت أحاديث الامام المهدي من الكثرة، عند أغلب الفرق الاسلامية، ما حمل بعضهم على  أفراد كتاب مخصوص للبحث فيها، و قد أشرنا إلى بعضهم، من اخوتنا من أهل السنة، و منهم من أفراد لها بابا في مؤلّفه، و منهم حفاظ أخرجوا الروايات في أبواب الملاحم و الفتن و أشراط الساعة من مدوناتهم، و كلهم متسالمون على صحة ورودها عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، أما أتباع أهل البيت عليهم السلام، فإن عددا من العلماء الافذاذ قد ألف كتبا عن الامام المهدي عليه السلام، وهي عديدة، فضلا عن إخراج الروايات العديدة الصحيحة السند القطيعة الدلالة على صحة الدعوى .
لم يمكنني حصر التآليف الخاصة بالإمام المهدي عليه السلام، لكني أشير على سبيل الذكر منها كتاب : بحث حول المهدي للشهيد محمد باقر الصدر// موسوعة الامام المهدي(تاريخ الغيبة الصغرى – تاريخ الغيبة الكبرى- علامات ما بعد الظهور.)/ السيد محمد الصدر// يوم الخلاص للشيخ /على الكوراني //منتخب الاثر في احوال المنتظر  /الشيخ لطف الله الصافي الكلبايكاني // الامامة وقائم القيامة  / الدكتور مصطفى غالب.

أما اولئك الذين أنكروا الامام المهدي، فإنهم لم يبنوا نكرانهم على قاعدة صحيحة، بحيث إنهم حاولوا بعدم إعترافهم بشخص الامام المهدي عليه السلام، إيقاع أتباعهم في الانكار، وإبعادهم عن معرفة واقع وحقيقة الامامة الالهية، و يمكنني القول بأن عقيدة المهدي عليه السلام، هي من المسائل المجمع عليها بين المسلمين في القرون الاولى، ولم يشذ عن ذلك الاجماع أحد منهم، ولم يظهر منكر للروايات المتحدثة عن الامام المهدي، إلا في العصور المتأخرة، حيث كثرت الفرق والمذاهب، وأدلى في الدين كل بدلوه، وكان للحكام دور رئيس في بذر التشكيك.
ولما كانت الامامة الالهية أصل لإمامة المهدي عليه السلام، فان القائلين بعدم النص بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قد وقعوا في اشكال وحدة القيادة في نهاية المطاف، ولم يعد لمبدا الشورى الذي اعتمدوه في اختيار القائد أساس وواقع، فلم يسعهم غير انكار حقيقة الامام المهدي، هربا من انكشاف بطلان اختيار الناس بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم .
وبمقارنة بسيطة، نرى أن المسلمين القائلين بمبدأ التنصيص الالهي على الامام بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، قد احتجوا بما عندهم من آثار، وعند مخالفيهم، من أن الائمة عددهم اثني عشر اماما تماما كما أخبر بذلك النبي  صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة كلُّهم من قريش) (15) وما بيّنه الامام علي بقوله: إنّ الأئمة من قريش غُرسوا في هذا البطن من هاشم، لا تصلح على سواهم ولا يصلح الولاة من غيرهم. (16)
عدّتهم كعدد نقباء بني اسرائيل، أولهم الامام علي بن أبي طالب عليه السلام، وآخرهم الامام المهدي عليه السلام، واذا صح الامام الاول والامام الاخير، ترتّب عليه منطقيا صحة بقية الائمة، وبطلت امامة السقيفة وما تلاها من دكتاتوريات كانت أساسها الاول، لم تجن على المسلمين غير والويلات والنكبات، وضياع للكرامة والشرف والدين، والدليل ما نحن فيه الآن من ضياع للحكومة والقيادة والفكر، والناس بين لا مبال وتائه لا يدري أين يؤخذ به، ولا ماذا ينتظره.
الامامة رأس الدين وسنامه وعزه، به يراعى ويقوم، ومن دونه يتلاشى ويزول، هي القائم عليه حفظا وتطبيقا، وعليه فإنها لابد أن تكون من جنس التشريع، وضمن قوانينه، وليست خارجة عنه. ان الآيات التي تناولت الحكم والحاكمية عديدة، والروايات التي تحدثت عن الامارة والقيادة تفسيرا وتحديدا كثيرة، بما لا يدع مجالا للشك، ان ذلك المنصب الهام والخطير غير منسي ولا متروك، بل هو حاضر في كلام الله تعالى، وفي حديث رسوله الكريم صلى الله عليه وآله وسلم. وتعالى الله ورسوله من أن يغفلا عن أساس بقاء الدين واستمراره، وكيف يكون العكس والامامة صنو النبوة وفرعها المنحدر منها، بل إنها ربيبة الوحي ونتاجها وأثر بقائها، فإبراهيم مثلا كان نبيا ورسولا ثم اماما. قال تعالى: (اني جاعلك للناس اماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين.) (15)

الامامة وظيفة الهية رفيعة الشأن، وعهد منه تعالى لصفوته من خلقه، مستثنى منها بالنص كل من ظلم ، والظلم متعدد الأوجه، أسوأه الشرك بالله تعالى (ان الشرك لظلم عظيم). والشرك صفة باطنة لا يعلمها الا الله تعالى، لذلك كان التعيين من قبله أحق وأولى، لأنه الاعلم بالأصلح، ومن تتوفر فيه شروط العفة والتقوى والصدق، وكل المكارم الباطنة التي لا يدركها الا من يعلم السر وأخفى ، ومن يعلم خائنة الاعين وما تخفي الصدور.

وعليه فان مواصلة الاصرار على القول، بان الله تعالى فوض لعباده اختيار الامام، ضرب من الجحود، والتقول على الله بالبهتان والزور، ونسبة النقص في دين الله وشريعته باعتماد نظرية الغاصبين للإمامة، تحت مبررات كاذبة، سقطت لبطلانها، وافتضحت بمرور الزمن، عند امتحان الادلة، ووقوف الحق ببراهينه التي انقضت كاهل الباطل، والحق احق ان يتّبع.
اذا فمسألة الامام المهدي جزء لا يتجزأ من الامامة العامة، بما اشتملت عليه من نصوص تنوعت وتعددت، منها ما هو قرآني ومنها ما هو نبوي، ومنها ما هو عقلي ومنها ما هو تاريخي متصل بالأمم السابقة، وينتهي الى ما أحصي على الغاصبين للإمامة من أخطاء وتجاوزات في مقابل النص، بلغت الحد الذي لا يمكن معه القبول بدعوى امامة السقيفة، وحرية اختيار البعض دون البعض الآخر بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
يتميّز اتباع ائمة الهدى من أهل بيت المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم، أنهم أصحاب عدّة الائمة الأطهار عليهم السلام، وقد تقلدوا وظائفهم الالهية الواحد تلو الآخر، وقدموا للدين من رعاية وحفظ، ما جعله يستمر في الزمن واحيال الأمة، رغم كل العوائق والعراقيل التي حفت به وبالمؤمنين من أهله، وإيمان المسلمين الشيعة الامامية الإثني عشرية بالإمام الثاني عشر، اسما وصفات وشخصا، دلّ على يقينهم بما في أيديهم من نصوص، تثبت مشروعية الامامة الالهيّة، وأسماء صفوة أهلها، وخاتمهم محمد بن الحسن المهدي عجل الله فرجه، المولود في 15 شعبان سنة 255 هجرية، والذي غاب غيبة صغرى بدأت سنة 260 هجرية، واستمرت حتى سنة 329 هجرية، تناوب عليها على التوالي أربعة سفراء، من ثقات وأمناء علماء الشيعة، هم: ( عثمان بن سعيد العمري/ محمد بن عثمان العمري/ علي بن محمد السمري/ الحسين بن روح) رضوان الله عليهم، تلتها غيبة كبرى، بدأت من سنة 329 تاريخ وفاة السفير الرابع، الى أن يأذن الله تعالى له بالخروج، فيمكّن له دينه الي ارتضى له، ويبدله من بعد خوفه أمنا.
المراجع:
1 – سورة الانبياء الآية 105
2 – بحث حول المهدي الشهيد محمد باقر الصدر ص63
3 – سنن أبي داود ج 2 ص 422 و الحاكم في المستدرك ج 4 ص 557
4 – دلائل الامامة محمد بن جرير بن رستم الطبري ص 235
5 – سورة ال عمران الآية 128
6 – سورة البقرة الآيتين 2و3
7 – سورة الرعد الآية 7
8 – سورة الفاتحة الآيتين 6و7
9 – سورة الانعام الآية 90
10 – سورة الانسان الآية 3
11 – سورة التوبة الآية 119
12 – سورة التوبة الآية 101
13 – سورة الرعد الآية 11
14 – سنن أبي داود ح 4282 // سنن الترمذي ح 2345
15 - مسلم ج3 ص 1453 ح1821 بباب الناس تبع لقريش من كتاب الإمارة // البخاري ج4 ص 165 كتاب الأحكام. // سنن أبي داود  ج3 ص 106 كتاب المهدي// مسند أحمد ج5  ص 86 ـ 90 و 92 ـ 101 و 106 ـ 108//كنز العمال  للمتقي الهندي ج13 ص 26 ـ 27// حلية الأولياء لأبي نعيم ج4 ص 333.
16 – نهج البلاغة الخطبة 142
15 – سورة البقرة الآية 121






Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire