vendredi 27 avril 2018

نيرون أمريكا



حدثنا التاريخ قديما عن قصير من قياصرة روما، بلغ به المجون والاستهتار مبلغا، اقدم فيه على احراق عاصمته روما، ووقف على شرفة قصر، متلذذا السنة اللهب، وهي تأكل الاخضر واليابس، وسط أجواء من الفزع والصراخ تتعالى في أرجائها.
نيرون عصرنا لا يعدو سوى الرئيس الامريكي ترامب، الذي خرج علينا بما لم يفضحه سابقوه من سياسات بلاده، واضعا نفسه موضع الصنم المهاب والمعبود المطاع - من استمع الى ناطق فقد عبده - الذي يجب ان لا يتجاوزه احد، تقربا وتوجها وطاعة، وكأني به من فرط استكباره واستعلائه، يرى بقية الناس صنفا وضيعا، يجوز له العبث بهم كيفما أرادت سياسته الرّعناء.
تفتق عقله على قرارات لم يكن ليحدثها غيره، فبناء جدار عازل، على حدود بلاده الجنوبية مع المكسيك، بتمويل من المكسيك نفسها، منعا للهجرة السرية - وهكذا قرر ترامب - يعدّ انتهاكا لحقوق الجوار، واستخفافا بحكومة وشعب المكسيك، وشعوب ما وراءه من أمريكا الوسطى واللاتينية.
ثم لم يلبث أن عبّر عن مكنون سرّه، العاشق للكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين والقدس، بأن أعلن مدينة القدس عاصمة له، متحدّيا العالم بأسره، ومتجاوزا مقررات منظمة الامم المتحدة، وكأني به يعتبرها منتدى تسلية لممثلي بلاده فيها، فلا شيء له اعتبار غير ما يرى بالعين الامريكية.   
أمريكا في عهدها الرئاسي الجديد، بدت في زينة فرعونية متعالية على الجميع، بعد تاريخ حافل بالجرائم والانتهاكات منذ نشأتها الأولى، الى اليوم الذي ستنكسر فيه شوكتها، وتهتز سمعتها، ويطوى بساط عربدتها الى الأبد.
حركة مقاومة الاستكبار (الامبريالية) الامريكي، بدأت في عقر داره، بحركة مطالبة السود بحقوقهم المسلوبة، ومساواتهم بالبيض في (مونتجمري)، بقيادة الزعيم(مارتن لوثر كينغ)، ثم انتشرت ثقافة معاداته ومحاربته خارج امريكا، الى كوبا وامريكا اللاتينية، فكانت الثورة الكوبية، ونضال كاسترو وغيفارا، الذي نذر نفسه ووضع تجربته لأجل مكافحة الامبريالية، ولم تكن شعوب بقية القارات بمعزل عن مبدأ معادات الاستكبار العالمي، وتوصلت سلسلة مواجهته الى يوم انتصار الثورة الاسلامية الايرانية، وقيام نظامها المعادي لأمريكا، ومبادرته السريعة الى الاعلان عن توجهه الواضح، بالوقوف في وجهه والتصدّي له.     
لم يعرف التاريخ المعاصر رجل اصلاح وثورة، اعتبر أمريكا شيطانا أكبر، وأطلق عليها ذلك اللقب، وجعل من ضمن أهداف نظامه التصدي لاستكبارها، وتحدّي سياساتها، سوى الامام الخميني رضوان الله عليه، وتبعه عليه شعبه قوم سلمان المحمّدي، الموعودين ببلوغ أعلى درجات الايمان، في عصر يكاد يفقد فيه الايمان، واعلاء كلمة الله واعزاز دينه، الذين يمثلون حجر الزاوية، في بناء منظومة معاداة الاستكبار العالمي، وتبعهم على ذلك حزب الله لبنان، وانصار الله في اليمن، وبقية فصائل المقاومة العراقية والسورية والفلسطينية.
تشكّل جبهة المقاومة هذه يفزع كل الاعراب الذين فقدوا كل قيمة انسانية ودينية، ويربك حسابات امريكا والغرب أعداء الدين والقيم الانسانية، الأمر الذي جمعهم اليوم على صعيد واحد مع الصهيونية، لتشكيل تحالف الشياطين كبارا واقزاما.
(ذلكم الشيطان يخوّف أولياءه)
من طبع الشيطان أن يستفز أولياءه، ويدفعهم الى هدف يريده، وهذا ما فعله (ترامب) عندما صوّر إيران الإسلامية، على أنها عدوّ، وتمثل خطرا على دويلات الخليج، التي من فرط ضعفها ورعبها ارتمت في احضانه، فأرسى فيها قواعد عسكرية، وادّعى بها حمياتها، ثم مرّت سياسة أسلافه الابتزازية مخفيّة متستّرة، الى أن استلم البيت الابيض، فخرج على العالم بوقاحة لم يعهدها في سابقيه، وبلغة المبتزّ خاطب دويلات الخليج بلغة الأمر قائلا: (لن نستمر في دفع مليارات الدولارات، والمخاطرة بجنودنا دون أن نتلقى مقابلاً لذلك)، مطالبا إياها بالدفع لمواجهة النفوذ الايراني، معتبرا أن خدمات بلاده الامنية والعسكرية والاستخباراتية، كانت ولا تزال ذات أهمّية حيوية، تجدر بتلك الانظمة الاعتراف بفضلها، فلولاها - حسب تصوّره- لم تكن لتبقى أسبوعاً دون الحماية الأمريكية.
مغارة الاربعين حرامي، التي فتحت بابها للرئيس الامريكي بلا عناء يذكر، وبلاده المستفادة هيمنة على العالم، من ابقاء قواعد عسكرية بتلك الدول، من المفروض أن تقوم هو بدفع المال، لقاء بقاءها هناك، مثلما يفعل مع دول أوروبا الشرقية (بلغاريا/ بولندا) ودول أخرى، قبلت اقامة قواعد أمريكية على أراضيها، موهما أنظمة دول الخليج، أنه صاحب الفضل عليهم بحمايتهم، وطالما أننا كعرب مبتلون بحكام لا أهلية لهم، فإن امريكا وحلفاءها من دول الغرب، ستكون أكثر جشعا من قبل واستغلالا.
وبيع الامن الوهمي والحماية لدول الخليج عنوانان استعملتهما أمريكا لبسط نفوذها على المنطقة للحفاظ على تدفق الطاقة اليها والى حلفائها، وعوامل تهديد جدّي لإيران حيث تحاصرها تلك القواعد من كل جانب، ولو قدّر نشوب حرب فإن الاضرار التي ستلحق بالدول الخليجية المستضيفة لها ستكون كبيرة لم يضعها هؤلاء الحكام في حسبانهم استئناسا بعظمة أمريكا وقوتها الجبارة وقدرتها على الحاق الهزيمة بدول مجتمعة، حسب عقيدة الخنوع والتبعية لأمريكا، سياسة غير قابلة للطعن ولا للتغيير، زيادة على ما ظهر من تطبيع عجيب، في تسارع وتيرته، مع الكيان الصهيوني الغاصب لفلسطين والقدس، سيشكل فسيفساء السياسة الخليجية في قادم الايام، وقد تهيأت عناصر الصدام المسلح.
(ترامب) بدا مستخفا ومستهترا بالجميع، فلم يكن لبقا في سلوكه حتى مع حلفائه الكبار، وقد وجه للرئيس الفرنسي ماكرون اهانة، في شكل دعابة ثقيلة، عندما أزاح أمام الكاميرات، قشرة الشعر من على كتفه، معلّقا قائلا: (والآن أصبحت صبيّا مهندما، فلتأكل جيّدا يا صغيري، وأطع والدتك حتى تكبر وتصبح قويّا) غطرسة تبدو في أوج استعلائها، لكن الى أي مدى سوف تبقى؟
الشيطان الاكبر - كما عرّفه الامام الخميني رضوان الله عليه - سيبذل قصارى جهده من أجل أن يبقى الاسلام داخل كتبه، وفي مدوّناته بين الشعوب الاسلامية الاخرى، بعيدا عن دوره ومجالاته، مشوّها بمختلف الاساليب والطرق، وتلك مقدّمات سياسته في الشرق الاوسط، شاهدة على زوره وبهتانه وقلبه للحقائق.
نيرون امريكا لا يختلف كثيرا، في استهتاره ومجونه عن نيرون روما، فكلاهما ينحدران الى اصل خبيث واحد، ويتّفقان في أنهما عنصري فساد في الارض، ومتعطشين للدماء والدمار، واذا ما استمر على سياسته التي اعلنها، ولم تعارضه مؤسسات الحكم في امريكا، فانه سيفتح على أمريكا مشاكل عسيرة الحل، وهو الذي كثّر من حوله الاعداء، فلا يدري من أي جهة ستصاب بلاده، والمستكبرون عادة ما تكون نهايتهم مأساوية.



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire