تكاد تطوى صفحة معاناة أهالي مدن وبلدات الغوطة
الشرقية بدمشق- كما طويت من قبلها صفحات ارهاب سوداء - بقرب انتهاء إخراج دفعات المسلحين،
من أوكارهم التي كانوا يحتمون بها، ويقصفون منها بمئات القذائف الصاروخية قلب دمشق،
فتسقط بسببها ضحايا من المدنيين غدرا، ويتلاشى بذلك طوق الخطر الي كان يمثله تهديد
هؤلاء الارهابيين، من الطرف الشرقي للعاصمة، في انتظار أن يحسم الأمر في دوما
عسكريا، بعد أن تحركت تعزيزات الجيش السوري وحلفاؤه باتجاهها، وتضاءل فرصة خروج ما
يسمى بجيش الاسلام طوعا.
وتبدو الحالة النفسية السيئة جدا - حسب توثيقات
مصورة - ظاهرة على وجوه الارهابيين المغادرين، والشعور بالانكسار والخذلان
والهزيمة، في قرارة كل واحد منهم، أكبر وأعمق أثرا، وكان من بين ردود افعالهم
اليائسة، منع المدنيين من الخروج، واحتجاز باصات النقل المخصصة لهم بقوة السلاح،
ليستقلوها مع عائلاتهم، تلهفا على النفاذ بجلودهم، في حوادث برهنت على اضطراب
وانهيار معنوياتهم، وخوفهم من البقاء الى ما بعد خروج المدنيين.
وقد تواردت أنباء مؤكدة، أفادت بإقدام مسلّح مغادر من الغوطة الشرقية،
على إطلاق الرصاص على عائلة استضافته، بعد ساعات من وصوله، يوم الاثنين (26/03)، في
قرية (الحويجة) بسهل الغاب، شمال غرب (حماة)، ويبدو ان نقاشا دار بينه وبين افراد تلك
العائلة، عما جرى في الغوطة والانسحاب الذي رأوا فيه خذلانا وخيانة، ما أثار غضبه
فقام بإطلاق نيران سلاحه عليهم فقتل 5 أشخاص وأصاب 4 آخرين.
وفيما يحتدم الاقتتال، بين فصائل الارهاب الدولي، في ريفي ادلب وحلب،
وتشتد المعارك بمختلف الاسلحة الثقيلة، بين ما يسمى (هيئة تحرير الشام)، تحت زعامة (جبهة النصرة) من ناحية، و(جبهة
تحرير سورية) من ناحية اخرى، لليوم الثالث على التوالي، وقد أسفرت عن سقوط أكثر من
1000 قتيل ومئات الجرحى، منذ اندلاع المعارك بينهما قبل أسابيع.
يبدو صراع الارهاب بالوكالة هناك، قابل للاستمرار والتوسع، في مؤشر
جديد يؤكد أن الربيع العربي والثورة السورية، لم يكن لهما وجود على أرض الواقع، كلّ
ما في الأمر، مؤامرة محبكة الخيوط، اشتركت فيها عدد من الدول الكبرى بعملائها في
المنطقة، لتقويض الامن والاستقرار في سوريا، واسقاط نظامها، تمهيدا لإخضاع بديله
لاستسلام مهين للكيان الصهيوني، كمقدمة لخنق مشروع المقاومة في لبنان وفلسطين
وايران، وانهاء وجوده الى غير رجعة، هكذا يمنون أنفسهم الخبيثة، وليتهم يقنعون بأن
دون ذلك المستحيل، فعزائم رجال الله على ساحات المواجهة، ستمسح الارهاب صنيعة الغرب بمكوناته.
وتيرة المصالحات تبدو متسارعة هذه الايام، فلم يبقى من تهديد معتبر للعاصمة
دمشق، سوى (دوما)، التي يستعد مسلحوها للنزول عند شروط النظام وحلفائه، والخروج من
حصار ثبت جدواه، واعطى نتائجه المرجوّة اليوم، لعل اهمها شراء ارواح المخطوفين، وانقاذهم
من عناء وعذابات سجون الارهاب في الغوطة وفي دوما، حيث يرجّح أن هناك آلافا منهم،
أخذوا من طريقهم غرة وغدرا، منهم من كان مسافرا الى منطقته، ومنهم من كان عائدا من
عمله أو ذاهبا اليه، وهي مبادرة ذات قيمة انسانية عالية، راعت ايضا سلامة المدنيين،
الذين اتخذتهم المجموعات الارهابية دروعا بشرية، كلما ضيق حلفاء المقاومة الخناق
عليهم.
وفيما تنخرس أصوات ثورة الخداع، وثوارها المزيفين، لتنكشف زمر الارهاب
المتعدد الجنسيات، التي يسوق لها الاعلام المعادي للمقاومة، على أساس أنها صوت وارادة
الشعب السوري، تتصاعد وتيرة مقاومة المشروع الغربي الصهيوني في سوريا، من طرف أبناء
سوريا الشرفاء، الملتحمين بجيشهم وقيادتهم، مدعومين بالأصدقاء الحقيقيين لهم، من
ايران ولبنان وروسيا، من أجل تطهير بلاد الشام، من جيوب الارهاب، العابثة
بخياراتها حكومة وشعبا، والحاق الهزيمة النهائية، بأبشع أداة دمار، وافساد في
الارض، عرفها تاريخ الانسانية.
وفيما تستعد الباصات الخضر كعادتها - وقد أصبحت منذ مدّة عادة - لإيصال
اخر ارهابيي الغوطة الشرقية بمختلف فصائلهم وانتماءاتهم الاقليمية، يتوقع الإعلان
عن خطوة جديدة لإخراج ارهابيي (جيش الاسلام) من مدينة دوما، حيث لم يعد لهم خيار
آخر، غير اغتنام الفرصة المتاحة لهم، والخروج بأخف الاضرار، مقابل تسليم اسلحتهم
الثقيلة والمتوسطة، والافراج عن آلاف المعتقلين المدنيين الابرياء في معتقلاتهم
بالمدينة.
ومع استمرار حشد المجموعات الارهابية - رغم أنوف
قادتها - في مساحة لا تتجاوز ال750 كلم مربع أفاد ناشطون معارضون من (المرصد
السوري لحقوق الإنسان) بأن قرية واحدة تفصل القوات الحكومية، المتقدمة من
حلب، عن الالتحام بقواتها المتواجدة شرقي (إدلب)، لمحاصرة تجمعات (النصرة) و(داعش)
المتقاتلتين فيما بينهما، في منطقة تشمل نحو 78 قرية، ضمن أرياف حلب وحماة
وإدلب.
ويبدو أن الاصوات التي كانت تغطي بدعاياتها الكاذبة، سوء اعمال هذه
الجماعات الارهابية، قد خفّت نبرتها، من جراء هزائم ادواتها المتلاحقة، وهي اليوم
أقرب منها الى الخرس من الصياح، والاقلام التي كانت تتصدّر بكتاباتها، صحف عار
الاعلام العربي، قد جف حبرها، ولم يعد لها بيان ترسم به الوضع السوري، كما يريد
أعداء سوريا، والمشروع التآمري كله، يكاد يسلم روحه الخبيثة، الى شياطين الانس
المتآمرة سوريا - بلد الممانعة المتبقي وحاضنة المقاومة - فليس بعد ادلب ملجأ للإرهاب
يحتمي به، وقد تقرر أن تكون مقبرته الاخيرة في سوريا، وعلى بقية التبّع ان يستخلصوا الدرس، ويتعظوا مما حصل، ان
بقي لهم عقل.
لا نعتقد أنه وجد
شخص اختلفت فيه الانفس، وتحيرت عقولها، فعرف ما عرف منه بأوجه مختلفة، وجهل ما جهل
منه بدوافع مختلفة، غير الامام علي بن أبي طالب، وحفيده الامام المهدي عليهما السلام،
فكلاهما اشتركا في الظهور والخفاء، والامة الاسلامية على اثارهما جادة، باحثة عن
قبس نور ومستمسك هدى، يجلّي عنها لبس ما خفي منهما، ويرفع حجاب ما ستره المنحرفون
عن نهج الامامة الالهية.
وبما أننا على
أعتاب ذكرى عزيزة علينا، نترقب حلولها بفارغ صبر، لما فيها من فيض إلهي يسبغ علينا
في إحيائها والاحتفال بها، وهي ولادة أمير المؤمنين وسيد الوصيين عليه السلام،
امام الامة الاول بعد نبيّها الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، فإن المقال سيكون
بخصوصه، لبيان بعض ما توصلنا اليه من معرفة بشأنه، وهي لعمري معرفة قاصرة عن شخصه،
وبعيدة عن أداء حقه، خصوصا عندما نقف عند الرواية المنسوبة للنبي صلى الله عليه
وآله وسلم، جاء فيها: ( يا علي لا يعرفك إلا الله وأنا، ولا يعرفني إلا الله وأنت،
ولا يعرف الله إلا انا وأنت) (1) والمقصود بالمعرفة في هذه الرواية، العلم الكامل
الذي يمكن لمخلوق أن يبلغ حدّه، والبشر يتفاوتون فيه بقدر عقولهم ومراتبهم، وعلي
عليه السلام فاقهم علما ومعرفة، مصداق قوله: (لو كشف لي الغطاء، ما ازددت يقينا)
(2)
ولا عجب في شخصية
فذّة عظيمة، أعيت الباحثين بخصوصها، وحيرت عقول المفكرين فيها، هذا ولا يزال قول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشأنه، يتردد في
آذان كل مسلم:(يا علىّ،
مَثَلك في اُمّتى مَثَل المسيح عيسي بن مريم، افترق قومه ثلاث فِرق: فرقة مؤمنون،
وهم الحواريّون، وفرقة عادوه، وهم اليهود، وفرقة غلوا فيه، فخرجوا عن الإيمان،
وإنّ اُمّتى ستفترق فيك ثلاث فرق: فرقة شيعتك، وهم المؤمنون، وفرقة أعداؤك، وهم
الناكثون، وفرقة غَلَوا فيك، وهم الجاحدون السابقون، فأنت يا علىّ وشيعتك في
الجنّة، ومحبّو شيعتك في الجنّة، وعدوّك والغالي فيك في النار. ((3)
ولا تزال
اشاراته وتحذيراته صلى الله عليه وآله وسلم، بشأن لعلي عليه السلام، تتناقلها
اقلام المدوّنين: (يا علىّ ،
إنّ فيك مثلا من عيسي بن مريم، أحبّه قوم، فأفرطوا في حبّه، فهلكوا فيه، وأبغضه
قوم، فأفرطوا في بغضه، فهلكوا فيه، واقتصد فيه قوم، فنجوا.)(4)
ولادته المباركة
في
رجب الأصبّ شهر الله الحرام- وسمّي كذلك لصبوب الرحمة فيه- وفي ليلة الجمعة
الثالثة عشرة من سنة 30 من عام الفيل، وفيداخل بيته الحرام، كانت ولادة علي عليه السلام، في حدث انفرد به وحده، فلم
يشاركه فيه أحد من العالمين، منذ وجد البيت العتيق الى قيام الساعة .
عن يزيد بن قعنب قال: كنت جالسا مع العباس
بن عبد المطلب(رض) بإزاء بيت الله الحرام، إذ أقبلت فاطمة بنت أسد أم أمير
المؤمنين عليه السلام، وكانت حاملا به، وقد أخذها الطلق فقالت: يا رب إني مؤمنة
بك، وبما جاء من عندك من رسل وكتب، واني مصدقة بكلام جدي إبراهيم الخليل، وأنه بنى
البيت العتيق، فبحق الذي بنى هذا البيت، والمولود الذي في بطني، إلا يسرت علي
ولادتي، فرأيت البيت قد انشق عن ظهره، ودخلت فاطمة بنت أسد فيه، وغابت عن أبصارنا،
وعاد الجدار إلى حاله، وأردنا أن نفتح قفل الباب فلم ينفتح، فعلمنا أن ذلك من أمر
الله تعالى، ثم خرجت في اليوم الرابع، وعلى يدها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب
عليه السلام. (5)
وولادته المباركة في داخل الكعبة المشرفة،
مما اجتمع على الاقرار بها، واعتمادها من طرف ثلة من علماء السنة منهم:
الحاكم النيسابوري في مستدركه، حيث قال بعد
ذكر الحديث رقم 6098: قد تواترت الاخبار، أن فاطمة بنت أسد، ولدت أمير المؤمنين
علي بن ابي طالب كرم الله وجهه، في جوف الكعبة// ابن صباغ المالكي في الفصول
المهمة ص 30 // الكنجي الشافعي في كفاية الطالب ص407// الحلبي في السيرة الحلبية
ج1 ص 139 // سبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص ص 113 // كمال الدين ابن طلحة الشافعي
في مطالب السؤول ص 12 // عباس محمود العقاد في عبقرية علي ص43 // الشبلنجي الشافعي
في نور الابصار ص43...
وللشعراء مع علي عليه السلام وقفات بلاغية
- وهو سيد الفصاحة والبلاغة - فقد مدحه على مدى الزمن، جهابذتهم وكبراءهم، فقال
السيد اسماعيل الحميري (103/173هجرية) في تخليد مولده الشريف :
ولــــــدته في حرم الإله وأمنهوالــبيت حيث فناؤه والمسجد
في ليلة غابت نحوس نجومهاوبدت مع القمر المنير الأسعد
ما لف في خرق القوابل مـثلهإلا ابـن آمـنة الـنبي مــحـــمـد (6)
وامتدح الشاعر عبد الباقي العمري(1203/1278
هجرية) أمير المؤمنين عليا عليه السلام، ذاكرا بعض مناقبه، مستفتحا بولادته
الشريفة، في جوف الكعبة المشرفة، فقال:
أنت العليّ الذي فوق العلى رفعا
بــبطن مكة عند البـيت إذ وضعا
وأنـــت نــقطة بــاء مع
توحّدها بها جميع الذي في الذّكر قد جمعا
وأنـــت صنو نـبيّ غير شرعته لأنبــياء إلــه
العــــرش ما شرّعا
وأنـــت أنت الّذي
حطّت له قدم في
موضع يده الرّحمن قد وضعا
وأنــت ركن يجير
المستجير به وأنـت حصن
لمن من دهره فزعا
وأنــــت أنـت الّذي
للقبلتين مع النـّـبي أوّل من صلّى ومـن ركعـا
وأنت أنت الّذي في
نفس مضجعهفـي ليل هجرته قد بات مضطجعا
ما فـرّق الله شيئا
في خــــــليقته من الفـضائل إلّا عنـدك اجـــتمعا
وبــاب خيبر لو
كانــت مسامره كلّ الثّوابت
حتى القطب لانــــقلعا
رجل اقترن اسمه باسم النبي صلى الله عليه
وآله وسلم حقيقة، ولم يقترن به وهما ولا زيفا - كما كان شأن غيره- ولا جاء من
جاء بعد تلك الحقبة الزمنية المهمّة، فألصقه به أدعياء الباطل ومؤسسو الفتن، كفله
صغيرا، وربّاه، وعلّمه، وآخاه المؤاخاتين في مكة وفي المدينة، وقرّبه اليه حتى
جعله كنفسه، وأشركه في أمره، وزوّجه أحبّ الناس اليه، ولازم شخصه منزل الوحي، إلى
أن انتقل صاحبه إلى الرفيق الأعلى، وهو عنه راض، قرير العين به.
ومقابل ذلك الاهتمام والحنو والدنو، لم
يدّخر له عليّ عليه السلام جهدا، فقابل الجميل بالجميل، فاتّبع، وصدّق، وأطاع،
وآزر، وحامى، وجاهد، ونصر، وبذل في سبيل الله تعالى، ما لم يبذله أحد غيره، ولو
اجتمع الثقلان على أنيضاهوا بعضا من جهده
وعطائه، لما أمكن لهم ذلك، فضربته لعمر بن ود العامري يوم الخندق، عبّر عنها النبي
صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: لمبارزة
علي لعمرو بن عبد ود يوم الخندق، أفضل من عبادة الثقلين (8)، فمن ذا الذي
يجرؤ على منافسة خاسرة مسبقا، ومنطقيا لا يقاس التبر بالتبن.
ارتبط مثاله بأهم الأحداث، التي رافقت نمو
شجرة الإسلام المحمدي، وانصهر جهده وعرقه ومعاناته، في وعاء القرب من الله تعالى،
فلم يمضي من الدنيا، حتى ترك عليها بصماته واضحة جليّة للمبصرين، فكان عمليّا،
الصورة المشرقة للإسلام، والمثال الذي لا يضاهى للإنسان الكامل، بعد النبي صلى
الله عليه وآله وسلم.. وكان حقيقا بثناء الله وملائكته ورسوله صلى الله عليه وآله
وسلم، وجديرا بألقاب سيف الله المسلول، والصديق الاكبر، والفاروق الحقيقي، حيدرة
الكرار، وبطل غزوات الاسلام المغوار، إمام الأمة، ومستحفظ الرسالة، ذلك الذي هلك
فيه رجلان.. رجل تحير فيه، فزاغ عن كنه معرفته، ولم يتحمل أن يرى بعينيه طاقة، لم
يحسبها من طاقة البشر فألّهه، ورجل بهت مقامه، وأنكر حقه في قيادة الأمة وإمامتها،
فوضعه دون موضعه الذي خصه الله تعالى به.
مثال الانسان الكامل
علي عليه السلام .. ذلك الإنسان الذي لم يسعه عالمه، فانتشر في
بقية العوالم، يملأها هداية وعلما وإنسانية، اخترق الزمن، فلم يعد يخصه زمان واحد
من الأزمنة، ولو ثنيت له وسادة الحكم،ووجد لعلومه التي كان يختزنها حملة، لشمل الانسانية من فيض معارفه التي
تلقاها من سيده وأستاذه، ما ينتشلها من عوالم الظلم والجهالة، ولئن بخل زمانه
بالصاحب والموالي، الا قليل ممن أعار جمجمته للحق، فان له في كل زمان رجال عرفوا
ولايته، وأقروا بخصاله، فآبوا الى شخصه، وآووا الى عرينه، مؤمنين بأن اللطف
الالهي، قد بسط صراطه، وقام سرادقه، على اتباعه وموالاته.
علي في نظر من يريد التشبيه، ويرغب في
الأمثال، كالوردة الفواحة، التي ملأ أريجها وعطرها المكان، متاح تنشّقها لكل
الأنفس التي تعشق الطيب وتسعى اليه، وتقدر الجمال وتميل له، ولهما مقام بين
جوانحها، ومن لم يستطع أن يستنشق عبق علي عليه السلام، ولا أن يرى مكانه الذي لا
يحتاج الى تأويل، فالعلة في نفسه، التي قصرت عن ادراك الحقائق ..علي عليه السلام
كنسمة الصبح الندية، لا تأتي إلا لمن تعرض لها وطلبها.
لذلك لم يكن غريبا، أن تنهال على علي عليه
السلام صيحات الإكبار والإعجاب، ولا كان مفاجئا أن يقابل شخصه بالحب والود، فأحبه
المؤمن، واتخذه ملاذا بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان له وليا ومولى،
وأعجب به المسيحي إلى حد الاحترام والتقدير، عبر عنهما كثيرون ومنهم الاديب (جورج
جرداق) في كتابه القيم (الامام علي صوت العدالة الانسانية)، والقس (بولس سلامة)،
بقصائد شعرية بديعة، وهاذين المفكرين العبقريين، أنموذجان معبّران حقيقة، عن تجاوز
شخصية الامام علي عليه السلام النطاق الاسلامي، ليظهر في اطاره العالمي باستحقاق،
وفي هذا استفزاز عقل وقلب كل من ابتعد عن علي عليه السلام، أو تجاهله من المسلمين،
إذ لا معنى للتدين الحق، إذا لم يكن من باب هداته، وعليّ عليه السلام منهم،
والتمسك به واتباعه علامة ايمان محض، فهو ثقل القرآن وترجمانه، كما اشار اليه
النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ودعا الى التمسك به إماما مبينا من بعده.
كما لم يكن غريبا أيضا أن يبغضه المنافقون،
والانتهازيون، وجماعات الطابور الخامس، التي بنت جحورها تحت تلة الخداع والغدر
والدهاء، وكان من عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم اليه قوله: والذي فلق الحبة
وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي، أن لا يحبني إلا مؤمن،
ولا يبغضني إلا منافق.
وبين الحب والبغض، ظهر علي عليه السلام لمن
يبصر، أداة تمييز بين هؤلاء وهؤلاء، بين خط ولاية الله تعالى، وخط ولاية الشيطان
الرجيم، طريقان لا ثالث لهما.
طريق علي عليه السلام
من السهل الانتماء إلى أي أحد واتباعه، ومن
اليسير أن يقول شخص أنه يحب إنسانا ما، لكنه ليس بمقدور أي شخص، أن يقول إنه يحب
عليا أو ينتمي إليه، وهو يقتات من خوان ومائدة معاوية، ويدخل دار أبا سفيان بحثا
عن الأمن والإسلام، متجاهلا موارد الامن الحقيقية الكامنة في علي عليه السلام،
فحبّ علي عليه السلام، والانتماء الى خطه، لا يلتقيان مع حب الدنيا وأصحابها،
وولاء علي عليه السلام، لا يتفق مع ولاء من عاداه وحاربه، كائنا من كان، فالقلب
الذي لم يفترش مقام العبودية الحقة لله تعالى، لا يستطيع أن يأتلف عليا ويسع حبه،
ومن هنا قلّ محبو علي وأتباعه، وندر العاملون بسيرته، والسالكون نهجه، لذلك كان
عليه السلام يحذّر الناس، من صعوبة ووعورة سلوك طريق الهدى: أيها الناس لا تستوحشوا
في طريق الهدى لقلّة أهله، فإن الناس اجتمعوا على مائدة، شبعها قصير وجوعها
طويل.(9)
علي طلّق الدنيا ثلاثا لا رجعة فيها، فهل
طلقناها نحن؟ وعليّ وطّن نفسه كل يوم على الرحيل، واستعد للموت استعداد الواثق
الذي أسلم نفسه لله وقدره، فهل وطّنّا أنفسنا للرحيل، وطيبناها للموت، كما كان من
شأن علي عليه السلام طوال حياته، الى اليوم الذي كانت فيه شهادته، مغدورا في بيت
من بيوت الله، وهو قائم بين يدي ربه يصلي؟
طريق علي عليه السلام، هو صراط الله تعالى
المستقيم، الذي ارتضاه للعالمين، طريقا هداية واحد ، وهو النهج الذي سلكه أهل بيته
عليهم السلام من بعده، إذا كنت ترغب حقا في أن تكون من المهتدين، فما عليك إلا أن
تبحث عن ذلك المسلك، وتنخرط فيه بكل ذرة من كيانك، فان فعلت ذلك، فانك ستمضي ما
بقي من عمركفيكنف ولاية علي عليه السلام، وولاية الله تعالى،
وذلك هو الفوز العظيم.
التربية النبوية
شاء الله أن يكون علي عليه السلام مع النبي
صلى الله عليه وآله وسلممنذ ولادته في
بيت أبي طالب عليه السلام، عندما كان مكفولا عنده، ثم لما تزوج من خديجة عليها
السلام سيدة نساء الامة، اختاره ليكون ثالث البيت النبوي المبارك، فنشأ على يدي
أفضل الخلق لم يقارب في شيء جاهلية قريش، مشمولا باصطفاء أراده الله لدينه، وقد
تحدّث علي عليه السلام عن تلك الخاصّية قائلا:
(ولقد علِمتم موضعي من رسول
اللّه بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليدٌ، يضمُّني إلى
صدره، ويكنُفني في فراشه، ويمسُّني جسده، ويُشمُّني عرفه... ولقد كنتُ أتّبعه
اتباع الفصيل إثر اُمِّه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علماً، ويأمرُني بالإقتداء
به، ولقد كان يجاورني في كل سنة بحراء، فأراه ولا يراه غيري، ولم يجمع بيتٌ واحدٌ
يومئذ في الاسلام، غير رسول اللّه، وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي
والرِّسالة، وأشمُّ ريح النبوة) (10)
بدأت الدعوة لدين الله من طرف نبيّه الاعظم
صلى الله عليه وآله وسلم في إطار عشيرته الاقربين فكانت دعوة خاصة كان علي عليه
السلام مشمولا بها فلبى أوّلا بعد خديجة عليه السلام، وبقيا ثلاثتهم يعبدون الله كما
ذكر علي عليه السلام ذلك بقوله: (أنا عبدُ اللّه، وأخو
رسول اللّه، وأنا الصِدّيقُ الأكبر، لا يقولُها بعدي إلا كاذب مفتر، ولقد صلّيتُ
مع رسُول اللّه قبل الناسِ بسبع سِنين، وأنا أوّل مَن صلّى معه.) (11)
قال عفيف الكندي: كنت إمرأً تاجراً
فقدمتُ منى أيام الحج، وكان العباس بن عبد المطلب امرأً تاجراً، فأتيته أبتاع منه
وأبيعه، قال: فبينا نحن، إذ خرج رجلٌ من خباء يصلّي، فقام تجاه الكعبة، ثم خرجت
امرأة قامت تصلّي، وخرج غلام يصلّي معه، فقلت: يا عباس ما هذا الدين، إنّ هذا
الدين ما ندري به؟ فقال: هذا محمّد بن عبد اللّه ،يزعم أنّ اللّه أرسله، وأن كنوز
كسرى وقيصر ستُفتح عليه، وهذه امرأته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن
عمه علي بن أبي طالب، آمن به . (12)
شخصية
فريدة
قربك من علي عليه السلام وحبك له، يجعلاك
تعيش في اطار من الايمان الصادق، قرب يدني منك العمل على منواله، والعزم الراسخ
على التأسّي به، وجعله مثالا صالحا في حياتك، فعليّ أعطى للإسلام كل ما في وسعه،
وقدم من أجل اعلاء كلمته، ما ليس بوسع أحد غيره فعله، وكان طوال حياته مع الفقراء
والمستضعفين والمحتاجين، يبذل لهم ما بذله الله له، دون أن يقبض منه شيئا، حفر
الابار بساعديه، من أجل استصلاح أرضهم، وتوفير لقمة عيشهم، فأنس بتراب الارض على
بدنه، تواضعا منه ورضا، حتى لقبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا تراب، وهذا
صاحبه وتابعه عمار بن ياسر وما أدراك ما عمار، يروي حديثا، في منتهى الدلالة على جانب
من شخصية علي عليه السلام.
عن عمار بن ياسر قال: سمعت رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم يقول لعلي بن أبي طالب: يا علي إن الله عز وجل قد زينك بزينة،
لم يتزين العباد بزينة أحب اليه منها: الزهد في الدنيا، فجعلك لا تنال منها شيئا،
ولا تنال منك شيئا، ووهب لك حب المساكين، ورضوا بك اماما، ورضيت بهم اتباعا، فطوبى
لمن أحبك، وويل لمن أبغضك وكذب عليك، فأما الذين أحبوك وصدقوا فيك، فهم جيرانك في
دارك، ورفقاؤك في قصرك، وأما الذين أبغضوك وكذبوا عليك، فحق على الله أن يوقفهم
موقف الكذابين يوم القيامة.(13)
اقرار المخالفين بعظيم منزلته
حتى اولئك المعدودين ضمن مبغضيه واعدائه،
لم يجدوا بدّا من الاقرار بفضله ومكانته،روى أبان بن عياش، قال سألت الحسن البصري عن علي عليه السلام، فقال: ما
أقول فيه؟ كانت له السابقة، والفضل، والعلم، والحكمة، والفقه، والرأي، والصحبة،
والنجدة، والبلاء، والزهد، والقضاء، والقرابة، إن عليا كان في أمره عليّا، رحم
الله عليّا وصلّى عليه. فقلت: يا أبا سعيد، أتقول: صلّى عليه؟ لغير النّبي؟ فقال:
ترحّم على المسلمين إذا ذكروا، وصلّ على النبي وآله، وعليّ خير آله. فقلت: أهو خير
من حمزة وجعفر؟ قال: نعم. قلت: و خير من فاطمة وابنيها؟ قال: نعم، والله إنه خير
آل محمد كلهم، ومن يشكّ أنه خير منهم، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم:" وأبوهما خير منهما." ولم يجر عليه إسم شرك، ولا شرب خمر، وقد قال
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة عليها السلام: "زوجتك خير أمتي"،
فلو كان في أمته خير منه لاستثناه، ولقد آخى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
بين أصحابه، فآخى بين علي ونفسه، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير الناس
نفسا، وخيرهم أخا. فقلت: يا أبا سعيد فما هذا الذي يقال عنك أنك قلته في علي؟
فقال: يا ابن أخي، أحقن دمي من هؤلاء الجبابرة، ولولا ذلك لشالت بي الخشب. (14)
هذه الرواية، هي شاهد إثبات لما حصل من
إجحاف في حق علي عليه السلام، وحجة إثبات لما تعرض له شخصه وتاريخه من ظلم وحيف،
من طرف جحافل النفاق، التي أجمعت على بغض علي عليه السلام، ومحاربته بكل الوسائل،
متحدية مقالات النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشأنه، غير عابئة بتحذيرات مناوئته.
والحسن البصري لم يصرح بما قال، الا في
محضر شخص وثق فيه، لمعرفته أنه من موالي علي عليه السلام، ولا أدل على ذلك، من أن
أبان آوى عنده سليم بن قيس الهلالي، الفارّ من طلب الحجاج، زمنا من الوقت، فلما
حضرته الوفاة، قاللأبان: إن لك علي حقاً، وقد حضرتني الوفاة يا ابن أخي،
إنه كان من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم كيت وكيت، وأعطاه كتاباً، وهو كتاب
سليم بن قيس الهلالي المشهور. رواه عنه أبان بن عياش لم يروه عنه غيره. (15)
نبذة من علومه
عطاء أمير المؤمنين لله ورسوله صلى الله عليه
وسلم غزير، ومع ذلك انفرد بقوله: سلوني قبل أن تفقدوني.(16)وكان يضرب على صدره ويقول: ان هاهنا لعلما جما، لَوْ أَصَبْتُ لَهُ حَمَلَةً.(17)
بالإضافة الى فضل علي عليه السلام، جهاده الذي حسم
به كل المعارك التي خاضها في سبيل الله، ومنها ما كفى بها الله المؤمنين القتال،
ظهر فضله في كل جيل من الامة الاسلامية، بما تركه من علم ومعرفة، ربا على ما أخفاه
البغضون.
طرائف حكمه كثيرة نقدم منها إحداها:
جاء إلى أمير
المؤمنينعليه السلام ثلاثة رجال يختصمون،
في سبعة عشر بعيراً، أولهم يدعي نصفها، وثانيهم ثلثها، وثالثهم تُسعها، فاحتاروا
في قسمتها، لأن في ذلك سيكون كسراً، أي جزء من بعير. فقال عليه السلام: أترضون أن
أضع بعيراً مني فوقها، وأقسّمها بينكم، قالوا : نعم، فوضع عليه السلام بعيراً بين
الجمال، فصارت ثمانية عشر، فأعطى الأول نصفها، وهي تسعة، وأعطى الثاني ثلثها وهي
ستة، وأعطى الثالث تسعها وهما اثنان، وبقي بعير له. (18)
فسلام على أمير المؤمنين وسيد الوصيين
وقائد الغر المحجلين في ذكرى مولده، جعلنا الله واياكم من خلّص شيعته ومحبّيه،
وحشرنا في وفده مواليه، يوم يعض الظالم على يديه ويقول يا ليتني اتخذت مع الرسول
سبيلا. (19)
المر اجع
1 – صحيفة الابرار/
الميرزا محمد تقي الجزء الأول حديث 447 ، مدينة المعاجز/ هاشم البحراني ج2ص69،
الذريعة/ آغا برزك الطهراني ج21 حديث 5038
2 – مستدرك سفينة البحار/ الشيخ
حسين علي النمازي الشاهرودي ج5 ص163.
لا اقصد من اطلاق صفة صعاليك هنا، على ان من عنيتهم أنهم
فقراء ومشردين، لا يملكون شيئا من حطام الدنيا، ولكن اردت أن انعتهم بها، من جهة سوء
المنشأ وعاقبة المنقلب، للخبثالباطن فيهم،
وعمالتهم البادية أوّلا وآخرا، لمن عرفها ولمن جهلها وملن تجاهلها، فتاريخنا مليء باعشاش
الزنابير أينما انتشروا على ارضنا من المحيط الى الخليج، قد وطّنوا حياتهم في خدمة
أعداء الامة، فملأوها بالعمالة لهم، وبالمؤامرات فيما بينهم وما دونهم، ولو قدروا
على ما فوقهم لفعلوا، ولكن هيهات انى للقزم أن يصبح عملاقا.
كانت تسمى قديما تسمّى مجموعة امارات بساحل عمان حيث
كانت تابعة تاريخيا وجغرافيا لعمان، سيطر عليها ردحا من الدهر المستعمرون
البرتغاليون ثم الت الى بريطانيا في منتصف القرن التاسع عشر، وتحديدا سنة 1853، حيثتم توقيع المرحلة الأولى
مناتفاقية شاملةمعالبريطانيين،
لإعادة السلام البحري
- حسب زعمهم- والتخلص من النزاعات القبلية الناشبة من حين لأخر
بين قبائل الساحل العماني، مقابل اتفاق بعدم التدخل في الشؤون الداخلية
لمختلفالإمارات،وقد تمت مراجعة شروط هذه الهدنة، على مدى الثلاثين
سنة التالية، الأمر الذي أدى إلى توافق نسبي بين زعماء القبائل، الذين كانوا
يتطلعون إلى إقامة الإمارات المتصالحة، وفي سنة
1892، تم تعديل الهدنة
الأبدية، وأصبحت الإمارات المتصالحة، خاضعة لحمايةالحكومة البريطانية،
بما في ذلك الشؤون الخارجية والدفاع، وقد استمر الاستعمار
البريطاني في الإمارات، قرابة المئة والخمسين
عاما، ليتحول الى حالة أخرى عام. 1971
منحت بريطانيا استقلالا مشروطا للإمارات، قد روعيت فيه مصالحها،
مع بقائها تحت حمايتها، وتظاهرات يوم اعلان استقلالها بالخروج من قواعدها، لكنها
واقعا بقيت في تلك القواعد تظاهرا بدور الحامي لها من التهديدات الخارجية، وحتى التدخل
لقمع أي حركة شعبية معارضة إن وجدت، وقواعدها كالاتي:
قاعدة الشارقة وقد عقدت اتفاقيتها مع شيخ الشارقة سلطان صقر.
قاعدة ابو ظبي وعقدت اتفاقيتها مع شيخ ابو ظبي شخبوط بن سلطان
بن زايد.
اتفاقية بناء مطار في كلبا، ابرمتها بريطانيا مع الشيخ سعيد بن
حمد.
اتفاقية مطار دبي ابرمت مع الشيخ سعيد بن مكتوم.
وتتمتع القوات الأميركية هناك، بعناصر مختلفة من التسهيلات
العسكرية، في عدد من المواقع الإماراتية، كقاعدة الظافرة الجوية بأبو ظبي، ومطار
الفجيرة الدولي، وعدد من الموانئ البحرية، كميناء زايد، ومينائي رشيد، وجبل علي
بدبي، وميناء الفجيرة.
يتواجد في الإمارات حوالي 500 عسكري أميركي - واعتقد أن العدد
أكبر بكثير نظرا للكطبع التآمري الذي عليه حكام الامارات – بكامل اعتدتهم، وكانت
فرنسا قد افتتحت قاعدة عسكرية لها في أبو ظبي العاصمة سنة 2009، ضمن خطة لم تكتمل
للانتشار العسكري في الخليج، وتعتبر تلك القاعدة هي الأولى لفرنسا خارج أفريقيا،
التي يوجد لباريس فيها وجود عسكري ضخم
وكان الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح قد منح شركة (موانئ دبي
العالمية) في عام 2008 حق إدارة ميناء عدن، وموانئ أخرى، لمائة عام قادمة، لكن
بعد الثورة اليمنية وخلع صالح، قرر مجلس إدارة مؤسسة خليج عدن، إلغاء اتفاقية
تأجير ميناء عدن لشركة (موانئ دبي)، باعتبارها مجحفة بحق اليمن، وان ابرام تلك
الصفقة لم يكن نزيها.
كانت حجة إلغاء الاتفاقية
منطقية: إذ كيف تقوم الامارات بتطوير وإدارة ميناء، يعتبر أحد اكبر منافسي موانئها،
إلا إن كانت ستستحوذ عليه، وتبطئ من إيقاع ووتيرة العمل به، ضماناً لتفوق موانيها،
ولم يطل الامر بإلغاء الاتفاقية، حيث عادت الامارات من جديد، بثوبها العدواني
الوقح، وانخرطت في عاصفة النظام السعودي، شريكة معه في جرائمه، وفي نفس الوقت منافسة
له على يرجوه من هيمنة على مقدرات اليمن الباطنية، وخصوصا استغلال موانئه التي
أخرجت منها، بعد ان وضعت يدها على موانئ القرن الافريقي (بربرة - الصومال) (عصب - ايريتريا)
وميناء (جيبوتي)، لتعود الإمارات مجدداً لميناء (عدن)، تحت غطاء (إعادة الشرعية)
وأي مسخرة يريدون اعادتها، وفرضها على شعب رفضها بكل مكوناته.
واليوم بعد مرور ثلاث سنوات من العدوان السافر، أصبحت الإمارات تسيطر
على موانئ جنوب اليمن، من (المكلاّ) شرقاً وحتى (عدن) غرباً، إلى الموانئ الغربية
للبلاد، فيما تستمر المساعي عسكريا، للسيطرة على مينائي (المخا) و(الحُديدة).
لم يكن صعبا على أي منصف، ان يكتشف مخططات الامارات،
طالما لم تشمله باقة العطف الاماراتي السخيّة، حيث لا أعتقد أن عاقلا ما، يؤمن بأن
ما يجري على ارض اليمن، هو في مصلحة اليمنيين، بل العكس تماما، فأطماع العابثين
باليمن، تريد ارجاعه الى مربع العمالة والتبعية الاول، الذي خرج منه بثورته التي
يراد اجهاضها، ولا اعتقد أن هؤلاء المعتدين سيفلحون يوما في ما أرادوه.
صعاليك هؤلاء الامراء أولا واخيرا، تاريخهم وحاضرهم
يثبتان ذلك، ووصمة عار في جبين شعوبهم، وهذه الحالة تريح ادارتهم الغربية (امريكا
بريطانيا وفرنسا)، وتجعلهم يطمئنون على مصالحهم ومشاريعهم اطمئنانا تاما، كما
المثل: اسمعت لو ناديت حيا لكن لا حياة لمن تنادي، وهي مضمونة بشعوب خاضعة خانعة
ذليلة بلا ارادة، وأمراء وصلوا بصعلكتهم حد الفضيحة.
مرت ثلاث سنوات على العدوان الذي شنه حكام الحجاز، تآمرا على
الشعب اليمني وخياراته الثورية، بالتحالف مع الدول التي لا تزال تتاجر بشعوبها
وتستهين بأرواح جنودها المشاركة في عاصفة الحزم التي شارك فيها - على
ضعف اليمن - الى جانب نظام الاعراب الاشد كفرا في الحجاز (السعودية) كل من البحرين،
والكويت، والإمارات، والمغرب، والسودان، والأردن، ومصر، وقطر- التي
انسحبت أخيرا من التحالف لخلاف دب معها- عاصفة التي كان من المفترض أن تستمر ثلاثة
أشهر فقط، حسب تصريحات الناطق الرسمي للتحالف آنذاك، أحمد عسيري،لم نجد لها حزما يذكر، سوى صب
حمم طائراتها المعتدية على رؤوس أهلنا في اليمن، نساء ورجالا وأطفالا، شيبا وشبابا،
في كل بقعة من أرض اليمن، مدرسة كانت أم مشفى، سوقا كان ام مسجدا، وحيّا سكنيا كان
أم مصنعا، رمزا دينيا كان أم وطنيا لا فرق، لا يهمّ طالما أن الهدف الغير معلن، هو
اخضاع الشعب اليمن للعمالة الخليجية، وسحب بساط ثورته الى الوراء، ليعود كما كان قبل
2011.
عدوان سافر بكل المقاييس، بلغ عدد القتلى من بداية الحملة (
26/03/2015إلى 10 أكتوبر/تشرين الأول2017)4125 مدنيا على الأقل، وعدد الجرحى 7207،
حسب مكتب المفوض السامي الأممي لحقوق الإنسان، أصيب أغلبهم في غارات التحالف
الجوية، قتل من قتل منهم، وتحول الى أشلاء متناثرة، تقشعرّ منها القلوب الرحيمة، وأحرق
من أحرق منهم، بفعل الصواريخ والقنابل المحرمة دوليا، التي قضت على أسر بأكملها،
انهدت عليها بيوتها، فانطمرت تحت انقاض بيوتها البسيطة المتواضعة، والتي شأن بيوت
أغلب أهلنا في اليمن، في عدوان سافر، فضح خبث معدن حكام نشأوا أولا واستقووا في
بداية وجودهم ببريطانيا، وعاشوا تحت ماخور حمايتها، الى ـن استلمت أمريكا الظعينة،
وقد تعرّت تماما من أي قيمة دينية وانسانية.
عدوان تذرع بما لم يكن له عند اليمنيين حساب ولا اعتبار، فحكومة
هادي فقدت شرعيتها، بانتهاء آجال عمرها، ومحاولة فرضها على الشعب اليمني، بشن
عدوان همجيّ استضعفه، باستقوائه من الغرب بزعامة أمريكا، التي صوت أخيرا مجلس
شيوخها، برفض فرض حضر على مبيعات الاسلحة على حكام الحجاز
الاف الغارات التي شنت
على اليمن، استهدفت فيه كل شيء، فلم تستثني شيئا، واستحلّت واستباحت ارض وسماء
وبحر اليمن، وفرضت عليه حصارا خانقا، ينذر بمجاعة واوبئة كارثية، وكلما ردّ اليمنيون
بمقاومتهم الباسلة على العدوان، تعالت صيحات الاستنكار من جانب المعتدين وحلفائهم
ومحرضيهم، ومن رضي بأن يكون في طابور النفاق العربي، المتودد للباطل واهله.
عدوان وتدخل سافر في الشأن اليمني الداخلي، متعارض مع ميثاق
جامعة الدول العربية والامم المتحدة، بحجج واهية تماما، أسقط زيف الغرب، المنادي
باحترام حقوق الانسان، في دول استهدفوها بدعاياتهم لإزعاجها، وخلق أجواء مضطربة
فيها، لتحويل استقرارها وامنها وتعايش شعوبها، الى صراعات طائفية من شأنها أن
تضعفها، وتغير انظمتها لتصبح في خدمة اهدافهم الاستكبارية في العالم.
لقد
تمكن الشعب اليمني، وليس الحوثيين وحدهم، كما يحلو لمزيفي الحقائق، حصر المقاومة
فيهم، وفي الجيش اليمني، كانقلابيين على الشرعية حسب زعمهم، من الصمود في وجه
العاصفة بعتوّ طائراتها، ومواجهتها بعزيمة رجال اليمن المعروفين، بأنهم أهل صبر
وبأس، في رد أي عدوان عليهم، وها هي صواريخ الجيش اليمني البالستية، تنهال على
مواقع حساسة من بلد العاصفة، فتقوم دنيا المعتدين ولا تقعد، موجهين الاتهام
كالعادة الى ايران بتسليح اليمنيين، في ادّعاء يعيدنا الى محاولة سابقة من السنة
الماضية، اتهمت فيها مندوبة
الولايات المتحدة الدائمة في الأمم المتحدة (نيكي هايلي)، إيران بتزويد الحوثيين
في اليمن بالصواريخ، لشن هجمات ضد السعودية، وعرضت (هايلي) للصحفيين بقايا صاروخ
بالستي، انطلق من اليمن باتجاه السعودية، ضرب مطار العاصمة الرياض. وردت ايران في
الحين، بان تلك التصريحات غير مسؤولة واستفزازية، لا تقوم على دليل حقيقي، ولا
اساس لها من الصحة.
وهذه المرة ليست
ككل مرة، حيث امطرت المقاومة اليمنية أهدافا منتخبة في (السعودية)، أثارت موجة من
ردود الافعال المتباينة، بين الاستنكار والتنديد والادانة، رغم الادعاء بان
الصواريخ السبعة وقع اسقاطها، ولم تخلف ضحايا سوى شخص واحد، بينما يصم المتجمع
الدولي آذانه ويشيح بأبصاره، عن آلاف غارات طائرات تحالف العدوان، على جميع المحافظات
اليمنية، من الشمال الى الجنوب، مخلفة أكثر من 10
آلاف قتيل، وأكثر من خمسين ألف جريح، ونزوح ثلاثة ملايين شخص داخل اليمن، بالإضافة
إلى تفشي الأوبئة والأمراض، في مختلف المحافظات اليمنية، ناهيك عن افتقار 22 مليون
شخص، من إجمالي السكان البالغ تعدادهم 27مليون نسمة، إلى أبسط مقومات الحياة،
تقوم دنيا الباطل ولا تقعد، من أجل رد فعل ودفاع مشروع عن النفس، عبر به
اليمنيون، بوقوفهم في وجه عدوان متعدد الجنسيات -مدعوما غربيا وصهيونيا بالأسلحة
والخبرات والمعلومات- أنهم أهل صمود وصبر، شهد لهم به ماضيهم، ويشهد به حاضرهم،
وسيشهد به مستقبلهم.
لم تتأخر ادارة ترامب كعادتها، عن إدانة صلية الصواريخ، التي
أطلقها الجيش اليمني، مدعوما بلجانه الشعبية، على لسان المتحدثة الرسمية باسم
وزارة الخارجية الأمريكية (هيذر نويرت).
فهل يعقل أن تكون اليمن كلها بمحافظاتها وسكانها حوثية،
ونحن نعرف أن الحوثيين موطنهم صعدة وعمران، اللتين دمرتهما طائرات العدوان منذ
البداية، ولا تزال تغير على اطلالها، تصطاد اشباح من قتلوا هناك؟
لقد بات من المؤكد، غرق النظام السعودي في مستنقع
العدوان على اليمن، وقد بدأ اصوات غربية تستنكر ما حدث ويحدث هناك، فقد تبرّع ولي
العهد السعودي في ختام زيارته
لبريطانيا، بمبلغ 100 مليون دولار، بعنوان مساعدة
الدول الفقيرة، بينما قدم الملك سلمان وابنه الى أمريكا، من اموال الحج والنفط، ما
يقارب 700 مليار دولار، وهي البلد الأغنى في العالم،(7000 مرة ضعف المبلغ المقدم
للفقراء)، وتعليقا على ذلك كتبت صحيفة (الغارديان) اللندنية احدى افتتاحياتها، تحت
عنوان: (صفقة المساعدات لا تعوض عن القتلى اليمنيين)واصفة اياها بأنها عار، قائلة إنه لا يغطي على دور السعودية القيادي في حرب اليمن، وتدعو
الحكومة البريطانية إلى بذل المزيد لإنهاء الأزمة.، أقول إن ثلاثي الغرب امريكا وبريطانيا
وفرنسا، لو أمسك عن ابرام صفقات الاسلحة والصواريخ والذخائر، التي تدك بها يوميا مدن
اليمن وتفتك بشعبه، وامتنع عن تزويد تحالف العدوان بشحناتها، بما فيها القنابل
العنقودية المحرمة دوليا، والفاتكة بأطفال اليمن لانتهى العدوان وطويت صفحاته.
وكالعادة لم
تتخلف الحكومة التونسية، المصطفة في طابور النفاق والعمالة، عن استنكار العدوان
على (السعودية) من طرف الحوثيين، معبرة عن تضامنها الكامل معها، دون ادنى تحفظ،
متناسية حقوق الشعب اليمني المهدورة، من جراء عدوان منحط سافر، بين انظمة مستكبرة،
وأخرى عميلة لها، وثالثة تقتات من طدأ شرار أهل الارض من أعراب الحجاز.
هكذا حال أنظمة العرب هذا الزمن وقوف مع الباطل ومناوئة أهل
الحق، والاستجداء الرخيص على حساب شعب يمني بأكمله، فمتى تستفيق الشعوب لتقويم
اعوجاج حكوماته، وارجاعها الى سواء السبيل، وهذا ليس من السهل على شعوب اختارت
الدّعة والتفريط في القيم والمبادئ.