mercredi 30 mai 2018

الوجه القبيح للثورة السورية




كثيرا ما صدع رؤوسنا ادعياء ثورات الربيع العربي، بحقانية الثورة السورية، وحتمية نجاحها في اسقاط النظام السوري، ومصدر الدعاية هذه هي جماعة الاخوان، التي لا تزال تحمل ارث الحقد على النظام السوري والوقيعة فيه، منذ أحداث حماه، التي حاولوا جهدهم أن يروجوا لها، على اساس انهم ضحاياها، بينما ثبت عكس ذلك.
مع بداية الاحداث بتونس، لم يتبادر الى اذهاننا، ان الاختيار وقع عليها لتكون  نموذجا سهلا وبسيطا، تستدرج اليه الشعوب المستهدفة بالتغيير حقيقة، وكان الهدف الذي خطط له صناع هذا الحريق المدمر - كما اصبح مكشوفا بعد ذلك – سوريا، باعتبارها العقبة الوحيدة المتبقية من دول المواجهة مع العدو الصهيوني، التي بقيت وفيّة للقضية المركزية للامة العربية والاسلامية، فلسطين، والمتحملة نظاما وشعبا، أعباء ملايين الفلسطينيين المقيمين على ارضها، كاملي الحقوق في العيش الكريم والتعليم والتشغيل والملكية، وهذا المخطط الغربي يستهدفها اولا، ليقيم على انقاضها نظاما طائفيا أمويا، منغمسا في الحقد والعداء لأهل بيت النبي صلى الله عليه واله وسلم، وقد بدا منطق قياداتهم من امثال المقبور (زهران علوش) نابعا من ثقافة اقصائية وهابية - وهو الذي شرب فكرهم من شيوخهم دون واسطة - لا ترى لهؤلاء المواطنين السوريين مكانا داخل سوريا، حتى قبورهم ومقاماتهم، اصبحت تحت طائلة التدمير والعبث، بالاستهداف التحريضي الخطابي، الموجه ضد الطائفة الشيعية - اتباع أهل البيت عليهم السلام - ورموزها الدينية والتاريخية، كمقام السيدة زينب بنت علي وفاطمة عليهم السلام، وكان شعارهم المرفوع الذي ردده قادة الارهاب ك(زهران علوش)، مخاطبين عقيلة السادة الهاشميين (سترحلين كما سيرحل بشار).
منطق طائفي ركّب عنوانا في بداية الاحداث، وسرعان ما بدأت الجماعات الارهابية بتنفيذه، فطوقت منطقة السيدة زينب بريف دمشق من كل الجهات، بعدما هربت اليها العوائل الشيعية المقيمة حولها في: (الذيابية، والحجيرة، وغربة، وبيت سحم، وببيلا، وسيدي المقداد، والحسينية والبحدلية)، نافذة بجلودها من حالة الفوضى والتهديد، من خلال الشعارات الطائفية المرفوعة، وكان الهدف الظاهر آنذاك تدمير مقامها الشريف، تأيّدت بكتاباتهم على الجدران ونداءاتهم المتكررة، والدليل على ذلك، تدميرهم لكل معلم ديني يخص أتباع أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فدمّروا مقام السيدة سكينة بنت الحسين عليه السلام في (داريا) بريف دمشق، بعدما استولى الارهابيون على منطقة (داريّا)، ودمّر مقام الصحابي الجليل حجر بن عدي الكندي رضوان الله عليه ب(عدرا) ونبش قبره،  ولم يسلم مقام الصحابي الجليل عمار بن ياسر، وأويس القرني رضوان الله عليهما في (الرّقة)، من تدمير ودنيس خوارج العصر
استهداف ظهر في أقبح صورة وأوحش وجه، كشف بما لا يدع مجالا للشك، ان ما جرى ويجري على الساحة السورية، ليس سوى مؤامرة خبيثة ماكرة، تستهدف تغيير الاوضاع فيها لصالح الكيان الصهيوني الغاصب، تغييرا طائفيا خبيثا، أخذ شكله الديني المزيف .
وقد تجند لتنفيذ هذا المخطط الخطير، شراذم وهابيّة من افاق الارض، سخرت لهم دول الخليج اموالا طائلة، وسخّرت لهم دول الغرب وعلى رأسهم امريكا، امكانات عسكرية ضخمة، وفوقها مكّنتهم اجهزة استخباراتها بالمعلومات والاحداثيات والتوجيهات، والتنظيم اللازم، لهزم الجيش السوري واسقاط نظامه، وهذه امنية مشتركة بين هؤلاء المتحالفين ضد سوريا الصمود والمقاومة، عمل عليها معهم الكيان الصهيوني، من خلال تزويده تلك الجماعات الارهابية، بمختلف أنواع الاسلحة والذخائر، وإسنادها لهم في كثير من الحالات، بقصف مواقع الجيش السوري، بالمدفعية والصواريخ والطائرات.  
امام هذا التهديد الكبير، المحدق بشريحة معتبرة من الشعب السوري، المتعايش والمتجانس بمختلف طوائفه قبل الاحداث، وبعد سلسلة اعمال القتل التي بدأت تستهدف الاقلية الشيعية والطائفة العلوية، وبموافقة من الحكومة السورية، بدا حزب الله في الدخول الى الساحة السورية، ليكون رديفا للجيش العربي السوري، ويقاسمه واجب انقاذ البلاد من محرقة الارهاب الوهابي، فكانت القصير (2013) البوابة التي بدا منها انحسار دابته المتوحشة الى هذه الايام التي تخلصت فيها العاصمة دمشق من اخر بؤره السوداء في الغوطتين الشرقية والغربية ،وبذلك انتهى زمن الحلم الوهابي الزهراني في اقامة دولة اموية جديدة - بعنوانها الحقيق الإسلام الأمريكي - لم تخفي نيتها الشريرة، في اقتفاء اثار طلقاء النبي صلى الله عليه واله وسلم، في اعمالهم الاجرامية بحق اهل بيته عليهم السلام
وطبيعي ان تلبي  الجمهورية الاسلامية في ايران نداء الحكومة السورية، في المساعدة على التخلص من هذه المؤامرة، فقدّمت لسوريا والعراق ما يمليه عليها واجب الدين والجوار والانسانية، واسهمت بدورها في اسقاط المشروع التكفيري الوهابي الغربي الصهيوني، بعملائه اعراب الخليج، وهذا الشرف لحق بكل من انضوى تحت جبهة المقاومة، وقدّم ما في وسعه، من أجل اسقاط وافشال مشروع الغرب، في تحويل سوريا من حلف الرجولة والاباء والمبادئ، الى حلف العمالة والخضوع والتبعيّة.
انزعاج امريكا بدا واضحا، من خلال اعمالها العدوانية عسكريا ودبلوماسيا، وسقوط مشروعها في سوريا يبشرنا بسقوط بقية مشاريعها في المنطقة، وأهمّها على الاطلاق تثبيت الكيان الصهيوني بكل الوسائل، وهذا ما سيحبطه أيضا محور المقاومة بزعامة إيران الاسلامية، فقد بات تحرير فلسطين قاب قوسين أو ادنى، طالما وجد رجال أسود بالنهار رهابنة بالليل.



lundi 28 mai 2018

فلسطين والقدس الحاضر الأول في السياسة الايرانية




بعيدا عن كل مزايدة وتضخيم، وتعاملا مع واقع أصبح اليوم كفلقة القمر في ليلة داجية، يبدو أن القضية الفلسطينية قد أفل نجمها في سماء الانظمة العربية، وغابت المواقف القديمة التي كانت ترددها زعماؤها، ((لا صلح ولا تفاوض ولا اعتراف بالكيان الصهيوني))، ولم يبقى من ذلك الذي كان زمن الأحلاف، سوى شيء من المجاملات والتعابير الباهتة، التي ينطق بها احيانا البعض، ممن بقي فيه شيء من الحياء، والمبدئيات.
بل لقد استبدلت تلك الشعارات التي كانت تستفز مشاعرنا حماسة وايمانا، بأن القضية الفلسطينية هي بين أيد لا يمكن أن تتخلى عنها أو تخذلها، بمبادرات خبيثة جدا، في التطبيع مع الكيان الصهيوني، لتخفّيها عن المشهد العلني، للسياسات الخارجية لدولنا العربية، وصل أوجه في الاعوام الاخيرة، الى مستوى التعاون والتحالف والتبادل معه، دون خوف أو وجل من الشعوب التي اكتشفت متأخرة، أنها آخر من يعلم وآخر من يحسب لها حساب.
ولم يكن الربيع العربية الذي حل بديار بعضنا، بكاشف الكرب عن القضية الفلسطينية، فما لمسناه الى حد هذا اليوم من شهر رمضان المبارك الذي من المقترض أن يحسسنا كشعوب عربية مسلمة ببعضنا البعض من حيث الالتزام بقضايانا المصيرية ومواساة أهلنا في فلسطين بما في الامكان، وهو شهر جهاد وتضحية وتعاون وايثار، لكن هيهات أن يحصل ذلك، وقد قطع الحبل السرّي لمودّة، كانت لها مكانة في القلوب والسياسات، ولم يخلو موقعها الا بعد أن ظهرت أعراض التطبيع مع الكيان الصهيوني.  
ربيع عربي كنا نعتقد أنه كفيل بإخراجنا من دكتاتوريات أنظمة، الى فضاء الحرية الرحب الفسيح، غير أننا بمرور الأيام، اكتشفنا أنه (ربيع عبريّ) بأتمّ معنى التعبير، حيث بدت عورة التطبيع في أردئ ثوب، وأسوأ مظهر، مخالف تماما لإرادة شعوبنا العربية، في التشبث بالقضية الفلسطينية، والاستمرار على نهج معاداة الكيان الصهيوني، والعمل على نصرة أشقائنا في فلسطين بالمستطاع، فما قدمناه من شهداء، يكفي دليلا على مشترك القضية.
وعوض ذلك بدت انظمتنا أيد خائنة لفلسطين، فكان النظام المصري ولا يزال مشاركا في حصار قطاع غزة، جنبا الى جنب مع الكيان الصهيوني، كأنهما توأمان من بطن عاهر، وبلا أدنى حياء - وغالبا ما يغيب الحياء عن صاحب الحجر – (( الولد للفراش وللعاهر الحجر)).
وبكل أسف وأسى وحزن أجد نفسي مجبرا، على نعي القضية الفلسطينية، عند البوابة العربية الرسمية، فلم يعد لها أثر يوحي بأنها لا تزال حية، والأرجح أن جثمانها قد دفنه قوم تبّع (الخليجيون) في قبر منسيّ بلا مراسم، وصفقة القرن التي أعلنها الشيطان الامريكي ترامب، ستكون عند الامضاء عليها، خاتمة المطاف لمسار انظمة عربية رديئة السياسة، خيّرت بين مصلحة شعوبها - ظاهرا- ومصلحة فلسطين فاختارت مصلحتها.
الاستثناء العربي الوحيد الذي نفخر ونعتز به، هو حبل الوصل المتين الذي لا يزال يربط طلائع شعوبنا، وحركاتها السياسية وفصائل مقاومتها، التي لا تزال متشبثة بالقضية الفلسطينية، وتعمل بلا كلل ولا ملل، من أجل إبقائها حية فاعلة، يحدوها أمل كبير في أنه بقي نظام اسلامي، أخذ العهد على نفسه بأن لا يتنازل عنها، ووفى الى اليوم بالتزامه الكامل بها، هذا النظام هو الجمهورية الاسلامية الايرانية، التي قدّمت الكثير لفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية، ولم تدّخر جهدا ولا امكانية، من أجل تطوير اساليب مقاومة العدو الصهيوني، بل إنها كانت رأس الحربة، التي مزقت اوصال الجماعات الارهابية التكفيرية، في العراق وسوريا، وأفشلت مخططا غربيا خطيرا، كان يستهدف القضاء على محور المقاومة.
مضت ايران على جراحها الاقتصادية النازفة، ولم يجدي تكبيل أمريكا لها بمختلف أنواع العقوبات، عن ثنيها عما أخذته على عاتقها من التزام بتحرير فلسطين، منذ أن أعلنها الامام الخميني رحمه الله مجلجلة ومدوّية، صمّت آذان العالم، لا مكان لإسرائيل على أرض فلسطين، وهي غدّة سرطانية خبيثة، يجب أن تزول من المنطقة.
لقد راهن الامام الخميني على الشعوب الاسلامية ولم يولي لأنظمتها اعتبارا بخصوص القضية الفلسطينية لمعرفته بأنها أنظمة لا تملك إرادتها، وليس لها قرار سياسي نابع من ذواتها، وقد اثبتت التجارب أنها كانت ولا تزال تعيش تحت الهيمنة الغربية الامريكية، ومن أجل ذلك دعا الى توخي سبيل مقاومة هذا العدو بكل الطرق والاساليب المتاحة جماهيريا.
وقد نجح مشروعه اليوم، في الوصول الى مستوى، جعل دول الغرب بزعامة أمريكا، يحاولون جهدهم إنهاء هذه الحالة، المهددة لكيانهم اللقيط، ولم يعد هناك مجال للصبر على عيش كيانهم، تحت تهديد تنامي محور المقاومة المبارك، وسعيهم المكثف والحثيث - منذ أن تولى (ترامب) رئاسة أمريكا - من أجل طيّ صفحة فلسطين نهائيا، بالاستعانة بعملائهم من دويلات أعراب الخليج التي قامت أساسا بفضل بريطانيا وأمريكا، وحان الوقت أمريكيّا لكي يوفّي هؤلاء الاشقياء دينهم للشيطان.
حال القضية الفلسطينية اصبحت واضحة ولا تحتاج الى من يزيد صورتها وضوحا، فليس على ساحة الفعل الجهادي المقاوم سوى إيران، ومحورها المقاوم في فلسطين، ولبنان، وسوريا، والعراق، وقريبا سينظم اليهم اليمن بأنصاره، لتتشكل أمّة حزب الله الغالبون، ويرى العالم سقوط الشيطان الأمريكي، بقرنيه الوهابي والصهيوني في زماننا هذا، والأمل بتحقق الوعد الالهي معقود على ذلك، وما النصر الا من عند الله العزيز الحكيم.

samedi 19 mai 2018

شهر رمضان شهر الانابة والتوبة



بسم الله الرحمان الرحيم
قال تعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ( (1)
  (( يا عَلِيُّ يا عَظيمُ، يا غَفُورُ يا رَحيمُ، اَنْتَ الرَّبُّ الْعَظيمُ الَّذي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ وَهُوَ السَّميعُ الْبَصيرُ وَهذا شَهْرٌ عَظَّمْتَهُ وَكَرَّمْتَهْ، وَشَرَّفْتَهُ وَفَضَّلْتَهُ عَلَى الشُّهُورِ، وَهُوَ الشَّهْرُ الَّذي فَرَضْتَ صِيامَهُ عَلَيَّ، وَهُوَ شَهْرُ رَمَضانَ، الَّذي اَنْزَلْتَ فيهِ الْقُرْآنَ، هُدىً لِلنّاسِ وَبَيِّنات مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانَ، وَجَعَلْتَ فيهِ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، وَجَعَلْتَها خَيْراً مِنْ اَلْفِ شَهْر، فَيا ذَا الْمَنِّ وَلا يُمَنُّ عَلَيْكَ، منّ
عَلَيَّ بِفَكاكِ رَقَبَتي مِنَ النّارِ فيمَنْ تَمُنَّ عَلَيْهِ، وَأدْخِلْنِي الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِكَ يا اَرْحَمَ الرّاحِمينَ((.

نبارك لجميع المؤمنين في أنحاء العالم، حلول شهر رمضان، شهر الصيام والقيام، وسائر أعمال التقرب من الله سبحانه، ففي مقدمه  خير وبركة، وفي أيامه بركة وفي لياليه بركة، وجميعه خير وبركة، والله أسأل أن يجعلنا وإياكم ومن صيّامه وقيّامه، في لياليه وايامه، ويتقبل منا فيه سائر اعمالنا، ويجزل لنا فيه العطاء بطهارة البدن وصفاء الروح لديه، ويختم لنا في عشر أواخره، وليالي قدره بالعتق من النار، فيمن شاءت قدرته أن يعتق من عباده الصالحين، ويبلغنا القادم في صحة وعافية منه، إنه لطيف لما يشاء.
شعيرة الصوم، عبادة لم يختصّ بها الإسلام وحده، وانما فرضها الله سبحانه أيضا في الامم السابقة ( كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم)، وقد تكون مختلفة من حيث عدد أيامها وموقعها في السنة، عما شرّعه بالنسبة لنا كمسلمين، الا أن في الآية دلالة على وقوعه قبل الاسلام، ويعتبر صوم شهر رمضان عموما، الفريضة ثانية التي أمر بها المولى سبحانه وتعالى نبيّه الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك في السنة الثانية من الهجرة النبوية المباركة، حاثّا المسلمين على حسن أدائه، والإستنان بسنّته فيه، استقبالا ومرافقة ووداعا.
شهر القرآن
تميّز شهر رمضان عن بقية الشهور، بنزول القرآن في ليلة مباركة فيه، عظّمها الله سبحانه وتعالى، فجعلها خير من ألف شهر، وهي إحدى ليالي القدر التي نلتمسها مع بقية المسلمين، عسى الله أن يوفّقنا اليها بلطفه ومنّه.
وبما ان القرآن هو دستور الاسلام وشريعته الخاتمة، فإنه من باب أولى أن يكون مبسوطا بين أيدينا تلاوة وتعهّدا وتدبّرا، ومن الغبن إهماله والتقصير بحقه، كما جاء في قوله تعالى: (
وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا ). (2)
وجدير بالتنويه والاشادة، الجهود التي تبذلها الجمهورية الاسلامية الايرانية، من أجل أن يكون القرآن متعهّدا في ايران، مقدّمة في التعامل معه، نموذجا راقيا لمسلمي العالم، حتى يحذون حذوها، إحياء له في البيوت والمساجد، وفي المدارس والمعاهد والجامعات، فشمل المرافق المدنية، والمؤسسات العسكرية، حيث يولى القرآن بمجالسه المتميّزة، عناية فائقة لافتة لاهتمام بقية الشعوب، ومثلجة لصدور قوم مؤمنين.
إن عودة مجتمعاتنا الى مناهل القرآن، ومنابع الذّكر الالهيّ، في هذا الزمن المتأخّر عن عصر النبوّة، هي من أولويات علمائنا ومثقفينا، في تفعيل هذه الميزة، المليئة خير وبركة، وعليه يجب أن نؤسس ونشجع على تعهد كتاب الله، ونجعله نصب أعيننا، ونركزه في عمق حياتنا الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، ليملأها بأنوار حكمته وبصائر دعوته.
كلمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخصوص الشهر الكريم
عن النّبي  صلى الله عليه وآله وسلم انّه كان إذا رأى هلال شهر رجب قال:  اَللّـهُمَّ بارِكْ لَنا في رَجَب وشَعْبانَ، وبَلِّغْنا شَهْرَ رَمَضانَ، واَعِنّا عَلَى الصِّيامِ وَالْقِيامِ وَحِفْظِ اللِّسانِ، وَغَضِّ الْبَصَرِ، َ ولا تَجْعَلْ حَظَّنا مِنْهُ الْجُوعَ وَالْعَطَشَ.
وفي إحدى خطب الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في استقبال شهر رمضان قوله:

(أيّها الناس إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة، شهر هو عند الله أفضل الشهور، وأيّامه أفضل الأيّام، ولياليه أفضل اللّيالي، وساعاته أفضل السّاعات، هو شهر دعيتم فيه إلى ضيافة الله، وجعلتم فيه من أهل كرامة الله، أنفاسكم فيه تسبيح، ونومكم فيه عبادة، وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب.
فسلوا الله ربّكم بنيّات صادقة، وقلوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه، وتلاوة كتابه، فانَّ الشقيَّ من حرم غفران الله في هذا الشهر العظيم، واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه، وتصدَّقوا على فقرائكم ومساكينكم ووقّروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، واحفظوا ألسنتكم، وغضّوا عمّا لا يحلُّ النّظر إليه أبصاركم، وعمّا لا يحلُّ الاستماع إليه أسماعكم، وتحنّنوا على أيتام النّاس يتحنّن على أيتامكم، وتوبوا إلى الله من ذنوبكم. وارفعوا إليه أيديكم بالدّعاء في أوقات صلواتكم، فإنّها أفضل السّاعات، ينظر الله عزَّ وجلَّ فيها بالرَّحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيّهم إذا نادوه، ويستجيب لهم إذا دعوه.
أيّها النّاس إنَّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم، ففكّوها باستغفاركم، وظهوركم ثقيلة من أوزاركم، فخفّفوا عنها بطول سجودكم، واعلموا أنَّ الله تعالى ذكره، أقسم بعزَّته أن لا يعذِّب المصلّين والسّاجدين، وأن لا يروّعهم بالنّار،  يوم يقوم النّاس لربّ العالمين.
أيّها النّاس من فطّر منكم صائماً مؤمناً في هذا الشّهر، كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه،  قيل: يا رسول الله وليس كلّنا يقدر على ذلك، فقال عليه السّلام: اتّقوا النار ولو بشقّ تمرة، اتّقوا النار ولو بشربة من ماء(...(3)
كلمات الائمة الهداة عليهم السلام عن شهر رمضان
جملة آداب الصيام ذكرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وتعهدها بالتطبيق والتذكير أئمة الهدى عليهم السلام، ليبقى شهر الصيام منهل أدب وخلق كريم، ومدرسة تطبيق، للسيطرة على النفس وهواها، إنماء لملكة الصّبر فيها، والتوكل على الله لديها، فكانت كلماتهم نصائح بيّنت حقيقة الصوم، وأظهرته كما يجب أن يكون على أحسن حال، يستفيد منه كل ساع الى الله.
عن الإمام جعفر بن محمد الصادق ( عليه السلام ) قَالَ : (إِذَا صُمْتَ فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ، وَ بَصَرُكَ، َ وشَعْرُكَ، وَجِلْدُكَ، ـ وَعَدَّدَ أَشْيَاءَ غَيْرَ هَذَه وَقَالَ : ـ لَا يَكُونُ يَوْمُ صَوْمِكَ كَيَوْمِ فِطْرِكَ ( .( 4)

روي عن رسول الله ( صلى الله عليه و آله ) أنهُ قَالَ : ( إِنَّ مَنْ تَمَسَّكَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ بِسِتِّ خِصَالٍ غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذُنُوبَهُ :أَنْ يَحْفَظَ دِينَهُ، وَيَصُونَ نَفْسَهُ، وَيَصِلَ رَحِمَهُ، وَلَا يُؤْذِيَ جَارَهُ، ويَرْعَى إِخْوَانَهُ، وَيَخْزُنَ لِسَانَهُ، أَمَّا الصِّيَامُ فَلَا يَعْلَمُ ثَوَابَ عَامِلِهِ إِلَّا اللَّهُ ( . (5)
عَنْ الإمام جعفر بن محمد الصَّادق ( عليه السَّلام ) وهو يُوصِي وُلْدَهُ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ : (... فَاجْهَدُوا أَنْفُسَكُمْ، فَإِنَّ فِيهِ تُقَسَّمُ الْأَرْزَاقُ، وَ تُكْتَبُ الْآجَالُ، وَ فِيهِ يُكْتَبُ وَفْدُ اللَّهِ الَّذِينَ يَفِدُونَ إِلَيْهِ، وَ فِيهِ لَيْلَةٌ الْعَمَلُ فِيهَا خَيْرٌ مِنَ الْعَمَلِ فِي أَلْفِ شَهْرٍ ) .(6 )
آداب الصيام
كما أشار اليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والائمة الهداة عليهم السلام، فإن للصيام آدابا تجب مراعاتها، ليصحّ من الصائم صيامه، فيتقبله الله تعالى منه بأحسن القبول، اذا لا يختصر الصوم على الامتناع عن الاكل والشرب، وتجنب بقيّة الشهوات المباحة في غير الصيام، فذلك عمل بلا فائدة ولا قيمة (كم من صائم ليس له من صيامه إلّا الجوع والظمأ، وكم من قائم ليس له من قيامه إلا السهر والعناء..) (7)، بل يتعدى ذلك ليشمل الجوانب المعنويّة في نفس الانسان وحياته، فيصون لسانه عن الغيبة والنميمة والفسوق، وعقله عن ارتكاب المعاصي الخفية كالظنون السيئة الآثمة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (8).

ولا يخلو الصيام الكامل من تعهّد للأقارب والجيران، واهتمام بالشأن الاسلامي العام، فمن لم يهتمّ بأمور المسلمين فليس منهم، ولعل أبلغ صورة أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابلاغها لنا في علاقة المؤمنين بعضهم ببعض، ما جاء في حديثه: (مثل المؤمنين في توادّهم وتراحمهم كمثل الجسد، إذا اشتكى عضو منه، تداعى سائره بالحمى والسهر) (9 (  
ثواب الصيام
أخبرنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم مجملا أن لكل عمل عباديّ شرّعه الاسلام جزاء وثوابا، الا أن الصوم وحده أفرده المولى اليه وجعل جزاءه مخصوصا به وحده، فقد جاء في حديث قدسي: (الصيام لي وأنا اجزي به) (10)، فلا أحد من ملائكته ورسله عليهم السلام باستطاعته أن يقدّر قيمته ويعتبر ثوابه، وفي هذا ما فيه من دلالة، على قيمة هذه العبادة ذات المضامين العالية في الادب والسلوك، ومن الغبن وقلة تدبير الحياة أن يفرّط المؤمن في شعيرة الصيام فلا يوليها الأهمية التي أولاها لها مشرّعها، وأعدّ لمتعهدها ما بقي مستورا.  
الامام الخميني قدس سره يعلّمنا أداب تلبية ضيافة الله في شهره
إن للإمام الخميني تقدست أسراره، في الآداب المعنوية للصوم، كما في الصلاة والحج، إشارات وبيانات، مستلهمة من فيض معرفة، اكتسبها من علوم ومعارف وآداب أجداده الطاهرين، ففي الصوم نختصر من إضاءاته قوله:
(ومنذ لحظة تلبية هذه الدعوة الكريمة (لصوم شهر رمضان)، ينبغي التحلي بالآداب والاخلاق، التي تجعلنا اهلا لنيل رحمة وعناية الله تبارك وتعالى، فالصوم لا يعني الامساك عن الطعام والشراب فحسب، بل ينبغي التمسّك بأحكام الله تعالى، والعمل بالواجبات، واجتناب المعاصي ايضا، فحاولوا ان لا يكون صومكم مقرونا باقتراف الذنوب، وفيما عدا ذلك، وعلى فرض ان صيامكم كان صحيحا من الناحية الشرعية، فانه لن يقبل ولا يرفع الى الله تعالى، لان ارتفاع الاعمال الى الله سبحانه وقبولها لديه جل وعلا، يختلف كثيرا عن صحتها الشرعية.

أما الذنوب والمعاصي، فهي تشمل الغيبة، والتهمة، والاساءة، والحقد، والبهتان، والاستهزاء، وبث التفرقة، والفتنة، والنفاق، وغيرها من المساوئ والرذائل، وينبغي ان يشتمل الصوم جميع جوارح الانسان، وان يحفظ الصائم لسانه، ويغض عما لا يحل النظر اليه بصره، وعما لا يحل الاستماع اليه سمعه، من ذكر عيوب الاخرين، او الكلام البذيء، وتتبع عورات الاخرين، فضلا عن الالتزام بجميع الاحكام والمعايير الشرعية والاخلاقية، واجتناب الاعمال المحرّمة، والابتعاد عن المعصية والفسوق.

انّ أهمية الابتعاد عن هذه الأنواع من المعاصي والذنوب، تنسحب على الساحة السياسية ايضا، وان الاشخاص والتيارات والتكتلات والاحزاب السياسية، التي تنعدم الاخلاق فيها، فإنها تتّهم منافسيها بسرعة وبسهولة، بالأكاذيب والافتراءات والغيبة والنميمة والاغواء السياسي، وغيرها من المعاصي والذنوب، التي لها صبغة سياسية، ولا هدف لها الا السيطرة، وكسب السلطة والسمعة، على حساب انتهاك كل مبادئ واسس الايمان والقيم الاخلاقية( .
إشارات وتلميحات وتنبيهات الامام القائد دام ظله
كما إنّ للإمام الخامنئي توجيهات وارشادات بخصوص شهر رمضان المعظم، فيرى فيه مجالا أوسع لتنمية ملكة التقوى لدى الفرد المسلم فيقول:
(الثمرة الأساسية لشهر رمضان هي التقوى؛ قال تعالى : (لعلكم تتقون). معني التقوي ما قاله الشاعر: (اليد التي تمسك لجام نفسها). أحياناً قد يكون بمقدورنا الإمساك بلجام الآخرين. لكن الفخر كل الفخر أن نمسك لجام أنفسنا، وأن نسيطر على توحّشها و تهوّرها. التقوى تعني مراقبة الذات في مسيرتها على الصراط الإلهي المستقيم.) (11)
ويرى الإمام الخامنئي في شهر الصيام، دورة تدريبية في تربية وتهذيب النفس، فيعبّر عن ذلك بأسلوب العالم المربّي لأبنائه بقوله: (شهر رمضان شهر كامل من حبس الشهوات البشرية والإنسانية يوميا، هذه الرياضة وهذا التمرين طوال شهر كامل، هي في الحقيقة علاج لألم بشري كبير، - فتجاوزات النفس وطغيانها، هي التي تتسبّب في جعل أيامنا وأيام الآخرين أياماً عسيرة ــ فهي تساهم في التغلّب على هوى النفس، وشهواتها، وبعدم الاستجابة لأطماع أنفسنا ورغباتها.) (12)
إنّ للصوم فوائد وآثار
إنّ للصوم آثارا اجتماعية هامة، تكمن في أن احدى غايات فرض الصوم على جميع المسلمين المكلفين، رفعهم عن وضاعة الدنيا ومتاعها وشهواتها، الى مستوى يشعر فيه الغنيّ بما يعانيه البائس الفقير من جوع، فيدرك تلك الحالة من الاحتياج ويتلمّس نتيجتها بنفس، فيبادر الى تقديم ما في وسعه من مواساة، وقد جاء في الحديث، ان هشام ابن الحكم سأل الإمام الصادق (ع) عن علة الصوم والحكمة من تشريعه؟ فقال (ع): (إنما فرض الله الصيام، ليستوي به الغني والفقير، وذلك ان الغني لم يكن ليجد مسّ الجوع، فيرحم الفقير، وان الغني كلما اراد شيئاً قدر عليه، فأراد الله تعالى ان يسوّي بين خلقه، وان يُذيق الغني مسّ الجوع والألم، ليرقّ على الضعيف ويرحم الجائع .) (13)
وفوق هذا يجد المؤمن من أثر الصوم، في آخر اليوم من صيامه ضعفا، يتجلى في صلواته قبل الافطار، ينتابه فيه شعور بوهن جسمه، في قيامه وركوعه وسجوده، وفي سائر أعمال حياته، فيرى نفسه على حقيقتها من الضعف، محتاجة الى خالقها، لتستمدّ منه العون والمساعدة، فالصوم وسيلة العبد المطيع، للعبور الى مقام العبودية الحقة.
ومن الطبيعي أن يكون للصوم أثرا في نفس الصائم، وفوائد تظهر على بدنه، ولعل حديث (صوموا تصحوا) (14) في دلالته على أن للصوم فوائد بدنية، دون الفوائد الروحية.
ذلك أن في الصّوم راحة للمعدة، وتجديدا لنشاطها، وقد دلّت الابحاث الطبية الغذائية على سلامة وصواب هذا الامر الالهي وما اضمنه من مزايا مريحة للجهاز الهضمي، وللكبد والكلى، من أجل الاستمرار في حسن اداء وظائفها، في سائر الايام والشهور، وللصيام أيضا مدعاة لحرق المواد الدهنية الزائدة في الجسم، والتخلص منها وسلبية بقائها.  
 نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا لحسن ضيافته في شهره الكريم، ويعيننا عليه بحسن أدائه، يتقبّل منا فيه الصيام والقيام، وسائر الاعمال بأحسن قبول، ويختم لنا فيه بالعتق من النيران، فيمن يعتق من عباده المقبولين عنده، ويغمّدنا وجميع أمّتنا الاسلامية بالرحمة والرضوان، والنصر على أعدائنا في كل ميدان، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.  
المراجع
1 – سورة البقرة الآية 183
2  – سورة الفرقان الآية 30
3 – من لا يحضره الفقيه ج2ص108
4 – الكافي للكليني ج 4 ص 64
5 – مستدرك وسائل الشيعة للشيخ النوري ج 7 ص 370
6 – الكافي للكليني ج 4 ص 66
8 -  سورة الحجرات الآية13
9 - الفيض الكاشاني، المحجة البيضاء، ج3، ص357
10 – وسائل الشيعة ج10 ص400
11 –  من خطبة صلاة عيد الفطر السعيد الأولى في الأول من شوال 1432هـ
12 – من خطاب الإمام الخامنئي دام ظله في مسؤولي النظام والعاملين فيه21/07/2013
13 – علل الشرائع للصدوق
14 – مستدرك الوسائل لمحمّد تقي النوري الطبرسي





jeudi 17 mai 2018

في الذكرى السبعين للنكبة



15/5/1948 تاريخ لفّ فلسطين بمظلومية لم يعرف مثلها قسوة، استهدفها الانكليز استجابة لمنظومتهم الصهيونية المهيمنة على سياسة العرش البريطاني، وكان المقصود أشمل منها، ليصل الى عمق الرباط الاسلامي، الذي يفترض أن يجمع المسلمين دولا وشعوبا، على أساس المبادئ التي جاء بها دينهم، وأهمها الاخوة والوحدة الاسلامية، والمصير المشترك.
بدأ قضم الاراضي الفلسطينية قبل هذا التاريخ بفترة، في تمهيد سريّ، أفضى الى إقامة مستوطنات مغلقة خاصة باليهود، بعد استيلائهم على مساحاتها بطرق مختلفة، غلب عليها التحيّل والعنف، وقد شهدت سنوات ما قبل اعلان قيام الكيان الصهيوني، أعمال قتل وتدمير وتشريد، تعرض لها مئات آلاف الفلسطينيين، تحوّل فيها جذاذ الآفاق الصهاينة الى أصحاب الأرض، وأصحاب الارض الى لاجئين مشردين لا يملكون حقا.
وكان الدعم البريطاني لعصابات الصهاينة في تلك الفترات كافيا لصنع الفارق، بين شعب فقير لا موارد له ولا امكانات، وبين جماعات صهيونية مدرّبة ومجهّزة ومؤطّرة، قد وفّرت لها شريكتها بريطانيا، كل وسائل الهيمنة والتمكين، ومنذ ذلك التاريخ والشعب الفلسطيني ينزف دما وذكريات أليمة، مع حصار مطبق على بقية الضفة والقطاع،  يبحث بين أهله وذويه عمن يرفع عنه المصيبة ويواسيه، فلا يجد من الدول العربية في عمومها غير التسويف والخداع.
لكنه بعد انتكاساتي سنة 48و67 ، وما تلاها من تجاهل وتفريط في القضية الفلسطينية، آمن الشعب الفلسطيني بحقيقة تقول، أنه لا غنى عن دوره الاساس في مقاومة المحتل، وبإمكانه أن يكون رقما صعبا، في مواجهة الكيان الغاصب، طالما أنه مؤمن بحقوقه المشروعة، وأن روح المقاومة لا تزال تتوقد في خيرة شبابه.
حركة فتح الفلسطينية، تعتبر أولى الحركات المسلحة، المقاومة للاحتلال الصهيوني لأراضي فلسطين، تأسست سنة 1965، وخاضت مواجهات عديدة مع العدوّ، لكنها خرجت سنة 1993 من إطار العمل الجهادي المسلح، وجناحها (كتائب شهداء الاقصى)، بعد امضاء الحركة اتفاقية سلام مع العدو الصهيوني، ليس هذا فقط، وانما تحوّلت حركة فتح الى سلطة فلسطينية، استعانت بها الجهات الامنية والعسكرية في الكيان الصهيوني، في توفير معلومات خاصة بقيادات ومواقع مقاومة، وفي مقدمة أولوياتها حماس والجهاد، تمهيدا لضرب فصائلها.
نشأة الحركات الاسلامية الفلسطينية
بدأت الحركة الجهادية الاسلامية في فلسطين مبكّرا، وتحت مسميات متعددة، كحركة (المرابطون على أرض الإسراء) و(حركة الكفاح الإسلامي)، وكان من الضروري تطوير هيكليتها، لتصبح في شكل تنظيمات مقاومة مسلحة، تمتلك قيادة سياسية لها وزنها على الساحة، واطارا عاما يسمح لها بالانتشار داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة، وحمل قضيتها دبلوماسيا واعلاميا خارجها.
وطبيعي أن يكون للثورة الاسلامية في ايران (11/2/1979)، أثر جيّد ومهمّ، في تكوين الحركات الجهادية على أرض فلسطين، خاصة وأنها كانت قد تبنّت في أولويات شعاراتها الاسلامية، مسألة تحرير فلسطين، فأسس الشهيد فتحي الشقاقي، بمعية ثلة من الشباب الفلسطيني الثوري، المتأثر بثقافة الثورة الاسلامية في ايران، حركة الجهاد الاسلامي، في 1/11/1981، وتأسس بعد ذلك جناحها العسكري (سرايا القدس)  
فتأسست حركة حماس في 6/12/1987، على يدي الشيخ الشهيد أحمد ياسين، وذراعها العسكري (كتائب الشهيد عز الدين القسام)، وهي تعتبر كبرى حركات المقاومة الاسلامية، ولها حضور جهادي كبير، في ساحة مواجهة العدوّ الصهيوني، واستطاعت بمعيّة شقيقتها الجهاد الاسلامي، وبقية الفصائل في فلسطين، ايقاف عربدة وغطرسة الالة العسكرية الصهيونية، وتكبيدها خسائر فادحة نتيجة اعتداءاتها، وترجيح معادلة المقاومة، وتقديمها في أجلى صورة، للطريق الواجب سلوكه، في مواجهة عدوّ لا يفهم غير لغة القوة.
انحراف فتح وتخليها عن خيار المقاومة المسلحة، وتحولها الى سلطة فلسطينية، ودخولها في مسارات تفاوض عقيمة مع العدوّ الصهيوني، خضوعا لإرادة أمريكا والغرب، ضيع على المقاومة الفلسطينية، فرصة العمل الجهادي المشترك، ووحدة الصف الفلسطيني، ومنح للعدو مجالا أكبر للمناورة، في تضييع حقوق الشعب الفلسطيني، في استعادة كامل أرضه، وعودة مهجّريه منها اليها.   
لقد تبين منذ مؤتمر (مدريد/اسبانيا) 30/10/1991 وما بعده، ومفاوضات (أوسلو/النرويج) 13/9/ 1993 وما بعدها، أنه لا مجال للحديث عن إمكانية تحقيق طموحات وآمال الشعب الفلسطيني، في استعادة السيادة على ارضه المحتلة، وقد بدت سنوات المسارات التفاوضية عجافا، لم تجلب للقضية الفلسطينية سوى مزيد من التنازلات، وضياع الحقوق المشروعة.
فما عرفه الغرب بزعامة امريكا، عن إيران الاسلامية، ومشروعها الحقيقي والجاد في تحرير كل  فلسطين، جعله يستحث الكيان الصهيوني على الانسحاب من سيناء، على ثلاث مراحل بدأت في 26 مايو 1979، وانتهت في 19 نوفمبر 1979، بعد أن أمضى المقبور السادات معاهدة السلام في 26 مارس 1979.
لقد كان المخطط الغربي الصهيوني، يقضي بتحييد دول محور المواجهة مع الكيان الصهيوني الاربعة وهي، مصر، سوريا، الاردن، ولبنان، فحيّدت مصر في عهد السادات، وحيّدت الاردن في عهد المقبور حسين، في 26 أكتوبر 1994 ، حيث تم التوقيع على معاهدة استسلام، خلال حفل أقيم في وادي عربة المحتلّ.
ومع تنامي محور المقاومة، الذي شكّلت لبنان واجهته الهامة، بتأسيس حزب الله سنة 1985، وقيامه بعمليات عسكرية نوعية، مهدت لانتصارين كبيرين، سنتي 2000 و2006 على الجيش الصهيوني، الذي كان يعرف بالجيش الذي لا يقهر، واستحالة أن تستجيب القيادة في سوريا للاستدراج الغربي، ولا للتهديد الصهيوني، بدأ فصل جديد من المؤامرة على المنطقة، بإدخال الارهاب الوهابي التكفيري، كأداة اخضاع وتفتيت وتشتيت جهود كل من لبنان وسوريا، في مواجهة محتملة مع العدو الصهيوني، وتحويلها وصرفها عن هدفها الذي تأسست من أجله، وكان لا بدّ من التصدّي لآفة ارهاب، مكنت لها أمريكا وحلفاؤها من التواجد ميدانيا، على اراضي كل من لبنان وسوريا والعراق، لكنه بجهود هذا المحور المبارك، المؤلف من ايران وفصائل المقاومة في تلك البلدان، أمكن تحقيق انتصار كبير على الارهاب، الذي كان يأمل الغرب منه، الإبقاء عليه كعنصر تهديد، وعدم استقرار للمنطقة فترة طويلة، وبالتالي مزيد ضياع القضية الفلسطينية.
صفقة القرن التي تريد أمريكا فرضها بكل الوسائل بدأها الرئيس الامريكي بإعلان نقل سفارة بلاده الى القدس المحتلة، والبدء في اجراءات تنفيذ قراره الى يوم نقلها، في تاريخ يتوافق مع الذكرى السبعين لقيام الكيان الغاصب، لم يكن عملا دبلوماسيا حكيما، وانما كان محاولة منه لرفع المعنويات المنهارة، لكيان بدا غريبا منذ تأسيسه، وشكل حالة شاذة في هذا العالم، ما كان لها أن تكون وتبقى، لولا الدعم والاسناد الغير محدود لدول الغرب.
وبفضل الله تعالى ناصر عباده المستضعفين، وجهود الجمهورية الاسلامية الايرانية، في بناء ودعم محور مقاومة، اعتمدته منذ بداية قيامها كنظام اسلامي بكل امكانياتها، رغم كل العراقيل والعقبات التي وضعت في طريقها، من حصار وعقوبات جائرة، لم تثنها عن المضيّ في ما عزمت عليه، وقد بلغنا اليوم زمن رشد الشعب الفلسطيني، وانتفاضته المباركة مسيرة العودة، التي قدّم فيها مئات من أبنائه شهداء وجرحى عزّلا، أمام إجرام آلة عسكرية صهيونية لا تعرف الرحمة، معبّرا عن رفضه واسقاطه للصفقة الامريكية الصهيونية.
إذا نحن اليوم على اعتاب فصل جديد من المقاومة ومواجهة الاعداء المتكالبين على فلسطين، غربا منحازا واعراب متأمرين، وسلطة فلسطينية لم يعد لها دور غير الخضوع أو الصمت، وتدو كلمة الشعب الفلسطيني لحد الان هي الفيصل في ملفّه، وزمامها بيده وكلمته قالتها جماهيره، ورددتها نخب الجماهير العربية، واتخذت منها طريقا الى مقاومة مؤامرات اعدائها، ولن يطول زمن مشاهدة فلسطين والقدس، تعود الى احضان الامة الاسلامية، في يوم عظيم مشهود، بفضل المقاومة ولا شيء غير المقاومة.