jeudi 4 octobre 2018

نظام الحجاز بين الغباء والابتزاز




لم تشفع تعابير النظام السعودي عن كامل ولائه لأمريكا، بكافة أشكال العمالة التي عرفها عملاء البشرية، على مدى تاريخهم الأسود، ولا كان استقبال الملك سلمان في قصر حكمه الرئيس الامريكي دونالد ترامب بكامل عائلته وطاقم حكومته، بتلك الحفاوة التي لم يشهدها قصر اليمامة منذ إنشائه، بفتح خزائن أمواله، لحماته الأمريكيين، يغرفون منها ما طابت لهم انفسهم، وكانت الهدايا المقدمة الى ترامب واسرته (زوجته ميلانيا وابنته ماري ايفانكا )، ذهبا ومجوهرات، ونفائس أخرى لم يفصح عنها، مفاجأة مذهلة لهما وغير متوقعة بذلك الحجم، وبتلك القيمة العالية، حتى لترامب نفسه، ما دفع بهذا الأخير استغلال ذلك واستحداث مورد مالي ضخم، من شأنه أن يزيد بلاده عتوّا واستكبارا.
زيارة أسفرت عن ابرام 34 عقدا، بقيمة 380 مليار دولار، من بينها 11 عقد تسليح، بعنوان مواجهة التهديدات الايرانية، ذلك الوهم الذي تعمل على  ابقائه قائما، في عقول حكام الحجاز وحلفاؤهم، حتى يستمر استدرار العطاء السعودي، من خير نفط الحجاز، وموارد الحج والعمرة.
ولم يكن للغزوة الامريكية التي وقعت، أن تكون بذلك الحجم القياسي، لولا مقدّمتها التي قام بها ولي العهد السعودي قبل ذلك، في زيارة له الى أمريكا، بتاريخ 20 مارس 2018، اعتبرت الأطول دبلوماسيا (19 يوما)، والتي مهّد فيها للاستثمار الامريكي المفتوح.
امريكا على عتوّها واستكبارها، كانت على شفا كساد اقتصادي، هدد بدخولها ضمن الدول الصناعية الكبرى، التي تعاني من أزمات، تسببت في تقليص من نموها الاقتصادي، وجدت ضالتها في ولي العهد السعودي، ليفتح لها كنوز العرب في الحجاز، فغنمت منها ما شاء لها أن تغنم، ما مكنها من الخروج من ضائقة الازمة الاقتصادية بلا أضرار تذكر.
هذا الاستسلام الطوعي لأمريكا، دعا الراعي ترامب الى اعتبار النظام السعودي، محضيّة مستباحة العرض والجسد، أو بقرة تحلب كل مرة، وهذه المرة تحوّل الاعتبار الى نوع من الابتزاز، بالأمر المشوب بالتهديد، وقد بلغت وقاحة تصريحه دونما حرج، كأنما أصبح يمتلك رقّ هذا النظام، وجاء تصريحه في شكل تجذير، موجّه الى الملك سلمان، قائلا (إنه لن يبقى في السلطة أسبوعين دون دعم الجيش الأمريكي.)   
وأضاف: (نحن نحمي السعودية، ستقولون إنهم أغنياء، وأنا أحب  الملك سلمان، لكني قلت له: أيها الملك، نحن نحميك، ولا يمكنك البقاء لأسبوعين بدوننا، عليك أن تدفع لجيشك(.(نقلا عن رويترز)
هكذا إذا يبيع ترامب للنظام السعودي وحلفاؤه، وهم التهديد الايراني، بقدرته على حمايته بمن معه من دويلات خليجية، مع أن تلك الدول كانت فيما مضى، مباركة ومرحبة ومطيعة لنظام الشاه السابق، ومشاركة في العدوان عليها مع نظام صدام، ومحرّضة ضدها ال اليوم، فما الذي دعاها الى اتخاذ مثل هذه المواقف العدائية ضد إيران الاسلام؟
لا أعتقد أن الدافع ذاتي أبدا، لعدم توفّر أسبابه، بل لعلّها منتفية تماما بوجود ما يناقضها من مواقف واجراءات، وكل ما هنالك يندرج في اطار الحرب الناعمة، التي تشنّها المنظومة الإستكبارية، بتوابعها في منطقة الخليج، من أجل غرس عقيدة في شعوبها وفي العالم، تدين سلوك إيران المصوّر براغماتيا، مهددا للأمن والسلم العالمي، مع أن إيران لم يصدر منها ما يدعو الى كل هذا التضخيم والتهويل، وبرهنت مرارا وتكرارا، أنها داعية سلام في منطقة الخليج والعالم، حاثة جيرانها الى التعاون من أجل ذلك.
امريكا بيّاعة الوهم قلبت حقيقة إيران من جار موثوق به، يرتبط بشعوب دول الجوار، بوشائج الدين والدم، وحوّلته إعلاميا عدوّا يتهدد خطره الجميع، ولو أن هذه الدول الجارة لإيران فهمت مقاصد أمريكا، الرامية الى عزل ايران عن محيطها، من أجل افشال مشروعها الكبير، في تحرير فلسطين وانهاء هيمنة الكيان الصهيوني على أرضها، لعلموا معاناتها وتضحياتها الجسيمة من اجل ذلك، وهو باب البلاء الذي جاءها منه شر الاستكبار والصهيونية وعملاؤهما.  
وكان على أمريكا أن تدفع أموالا لدول الخليج، التي اقامت عليها قواعدها العسكرية، مقابل تمركزها في الظهران والخبر مثلا، وفي سائر دويلات الخليج، لكن انقلب الحال، واستقوى الطالب وعلى المطلوب، وإذا بترامب يصعّد من لهجته الإستكبارية تجاه محضيّته المفضلة، ليغنم منها مبالغ خيالية، لقاء حماية وهميّة لا أساس لها، وقد تعود بالدمار عليها، في صورة اندلاع حرب، تستهدف فيه تلك القواعد في المقام الأول.
اسلوب الابتزاز أصبح الطريق الذي خطّه ترامب وادارته، في التعامل مع النظام السعودي وأتباعه من دول الخليج، وقد اثمر مئات مليارات الدولارات، التي دخلت الخزانة الامريكية، ليتقوى بها نظامها الإستكباري ويزداد شيطنة في العالم، ولن يكتفي ترامب بما حصل عليه من السعودية، وهو يرى تهافتها في طلب ودّه، وهرولتها القياسية في التعاون مع لقيطه الكيان الصهيوني، وطالما أن الاستجابة السعودية للمطالب المالية المشطة لأمريكا، ماضية بالمقدار الذي تراه سياسة اللصوصية الامريكية، فان المستقبل القاتم لهذا النظام، سيكون مرتبطا بانهيار اقتصاده، نتيجة التفريط في مقدّرات البلاد، مقابل وهم الحماية الكاذب.
أمن الخليج يصنعه أهله، وتحميه دوله وشعوبه، وليس في مقدور أحد غيرهم، ان ينصب نفسه شرطيا حافظا لأمنه، بعدما تبيّن أنه مخادع وغدّار، ويتربص بدوله شرا.      


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire