dimanche 28 octobre 2018

من أحق بالشيطنة ودعم الارهاب؟



وسط عالم سياسة مريض بداء التّبعية والعمالة، للقوى الإستكبارية المهيمنة عليه، افتقد المصداقية مع نفسه ومع شعوبه، كان منتظرا أن تتصاعد وتيرة الحملات الدعائية المغرضة، ضد الجمهورية الاسلامية الايرانية، في ظل فشل التدابير العدائية المتخذة لمواجهتها، من طرف أمريكا شيطانة العالم بلا منازع، وزعيمة الاستكبار العالمي وحلفاؤها،  وضآلة ما حققته من نتائج، ففي كل نجاح للسياسة الخارجية الايرانية، وتوفّق في التقدّم بمشاريعها التحررية، المقاومة للاستكبار الامريكي والغربي، والتمدد الصهيوني في منطقة الشرق الأوسط، وفعالية في قطع دابر الارهاب التكفيري من سوريا والعراق ولبنان، مشروع أمريكا مصدر الارهاب الحقيقي، لا يجد أعداء ايران بعد كل فشل يمنون به، سوى اسلوب التحريض عليها، بمختلف أساليب الكذب لعلّهم يتمكنون من تشويه ايران، واقناع العالم بما يروّجونه ضدها من باطل، ليستمرّ التحريض ضد إيران، في أشكاله المتنوعة، السياسية والاقتصادية والاعلامية، على أمل الخروج من مواجهتهم الحالية مع ايران بشيء، يرفع عنهم الفشل الذي لازم مؤامراتهم، ويستبدل خيباتهم التي سئموا من جني محاصيلها الضحلة.  
وفي هذا السياق انطلقت في المنامة ( البحرين) فعاليات مؤتمر (حوار المنامة IISS لقمّة الأمن الاقليمي الرابع عشر) أيام 26 و27 و28 /10/2018 والذي نظمته وزارة خارجية البحرين، بالتعاون مع المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، بمشاركة أكثر من 50 وزيراً، بين خارجية ودفاع، إضافة إلى كبار المسؤولين السياسيين والعسكريين، الذين يمثلون 25 دولة، من مختلف أنحاء الشرق الأوسط وأفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية.
وطبيعي أن لا تغيب أمريكا عن أشغال كهذه، وهي التي تدعم كل عمل من شأنه أن يستهدف ايران الاسلامية مباشرة أو عبر وسائلها المتعددة، ونظرا لأهمية ما تريد البناء عليه في مواجهة ايران مشاريعها التحررية فقد شارك وزير الدفاع الأمريكي (جيمس ماتيس James Mattis )، ولم تغب بريطانيا زعيمة الاستعمار، وصاحبة الفضل في تأسيس نظام البحرين، فحضر وزير الدفاع البريطاني (غافين ويليامسون Gavin Williamson)، مرفوقا بوزير الدولة البريطاني لشؤون الشرق الأوسط، (أليستر بيرت  Alister Burt) ، وقادة من وزارة الدفاع البريطانية.
اجمعت الكلمات الملقاة من القادة السياسيين والعسكريين، في مداولات المؤتمر، وان اختلفت لغاتها، على نسبة تهديد الامن في المنطقة الى ايران، بل وذهبت الى ابعد من ذلك، بالادعاء أن إيران الاسلامية، هي راعية وناشرة الارهاب في الشرق الاوسط ، في مغالطة أصبحت اليوم مفضوحة ومكشوفة، ووحدة هذا الخطاب الدّعائي مبنيّ على تعريف الارهاب، عند هؤلاء الذين تكلموا بلسان الكيان الصهيوني، ونيابة عنه 100%، فالفلسطيني  يعتبر ارهابيا عند هؤلاء، طالما هو منخرط في حركة الجهاد الاسلامي أو حماس أو غيرها من قوى شعبه التحررية، واللبناني الذي استجاب لواجب الدفاع عن بلاده، من الغزو الصهيوني، واجتياح ارضه مرارا وتكرارا، فلم يسعه غير الإنخراط في حزب الله، لدفع الإنتهاكات المتكررة عليه،في نظر هؤلاء ارهابيا طالما هو واقف بقوة، في مواجهة الارهاب الحقيقي، الذي يستهدف أمنه من الكيان الصهيوني. كأنما لسان حالهم يقول: إن مقاومة الاستكبار والصهيونية تعتبر ارهابا، بمنطق الاستكبار والصهيونية، ولا مجال لتحجيم المقاومة، دورا وأداء وشعبية، الا بالدعاية الكاذبة، المشوهة لحقيقتها وأهدافها،  والانتصارين الكبرين، الذين سجلهما حزب الله، في  2000 و2006 ، أثبتا أنه بإمكان الشعوب أن تنتفض وتتحرر، وتحقق ما عجزت عنه جيوش عربية، قالوا لنا حينها أنها جاءت لتحرير فلسطين، فزادت من مأساتها.
لم تختلف الكلمات وزراء خارجية الامارات عن نظيريه البحراني والسعودي في استهداف ايران، فأنور قرقاش قال  إن بلاده تقف ضد توريد الأسلحة من إيران إلى التنظيمات الإرهابية في اليمن ولبنان.
وفي نفس السياق قال خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة وزير الخارجية البحريني، إنه من غير الممكن تحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، في ظل طموح الهيمنة الإيرانية، القائم على التدخل في شؤون الآخرين. وأضاف: إن التدخل الإيراني لا يزال أمراً قائماً، في كل من العراق ولبنان.مشيرا إلى أن ميليشيات حزب الله المدعومة من طهران تعمل على زعزعة استقرار لبنان.
بينما جاء على لسان عادل الجبير وزير الخارجية السعودي، أن ثورة الخميني أطلقت العنان للتطرف والإرهاب في المنطقة، مشيراً إلى أن الشرق الأوسط ما زال يدفع ثمنها حتى اليوم. وتابع الجبير قائلاً: نتعامل مع رؤيتين في الشرق الأوسط.. رؤية سعودية مستنيرة وأخرى إيرانية ظلامية. مؤكداً أن إيران أكبر راعٍ للإرهاب بالمنطقة.
ويبدو أن المستنير في السياسة السعودية، كما الأمح اليه عادل الجبير، هو الاصطفاف وراء امريكا والغرب، في تثبيت الكيان الصهيوني على ارض فلسطين نهائيا، باعتماد مبادرة السلام التي أطلقتها الجامعة العربية في عام 2002، بينما يكون الظلامي حسب السياسة نفسها، في موقف ايران الاسلامية، الداعية الى إزالة الكيان الغاصب من على كامل ارض فلسطين، والثابتة على موقفها منذ انتصار ثورتها الاسلامية، وقد عجز اعداؤها بما أوتوا من امكانات، عن ثنيها عن نشر سياساتها التحررية، وبث روح المقاومة في أنفس طلائع الامة الاسلامية، وهذا ما أفزع الاستكبار وعملاؤه.
ايران لم تكن في عصرها الثوري الجديد مهيمنة على جيرانها، بل كانت ضحية مؤامراتهم الى اليوم، حيث تبقى أكبرها العدوان الصدّامي العراقي عليها، وتبقى القواعد العسكرية الامريكية والبريطانية الفرنسية، المنتشرة في دويلات الخليج - وخصصا في البحرين على ضئالة مساحتها - هي التهديد الحقيقي للأمن في المنطقة، وما لا يجب أن تنسى، التصريحات التي أدلى بها ولي العهد ووزير الدفاع السعودي ابن سلمان في 2 /5/ 2017 ضد ايران التي قال فيها (ان هدفنا هو نقل المعركة الى داخل ايران)، ومن يملك زمام نقل وتحويل الارهاب، يبدو منطقيا هو الراعي له والمتحكم في مجاميعه.
شيطنة ايران الاسلامية، ونسبتها الى الارهاب ظلما، والادّعاء عليها بتهديد امن واستقرار المنطقة، منطق صهيوني مغاير لحقيقة ايران، التي مثلما وقفت قديما الى جانب شعب البوسنة في حرب البلقان، واسهمت في انقاذه من الابادة الصربية، وقفت ولا تزال تقف الى جانب الشعب الفلسطيني واللبناني، في مواجهة العدو الصهيوني، ووقف تغوّله وانهاء اعتداءاته المتكررة على الشعب الفلسطيني، واللبناني والسوري، هي نفسها إيران التي تناصر بمفردها الشعب اليمني، في محنته الانسانية التي يعاني منها، بسبب عدوان التحالف السعودي الاماراتي الامريكي الصهيوني الظالم عليه، هذه هي ايران بمبادئها الاسلامية، التي تحرّم عليها الظلم والعدوان، وهؤلاء هم أعداؤها من غرب وصهاينة وأعراب، بما أظهروه من نزعات عدوان وفساد في الارض،  فمن أحقّ بالشيطنة ونشر الارهاب والفوضى؟ إجابة تبحث عن عقل مفكر بصير، وليس عقلا جامدا أصمّ.    


samedi 27 octobre 2018

سلطنة عمان من التطبيع السري الى العلني



ضحك علينا الغرب بدوله الاستعمارية، منذ أن احتل بلداننا، الى أن غيّر طريقته في معاملتنا من استعمار استيطاني، الى استعمار ثقافي واقتصادي، بداية من منتصف القرن الماضي، فقام بإعداد من يمثّله ويقوم مقامه في حماية مصالحه، فنصّب علينا حكاما أعانهم على الضهور كزعماء، ركّبهم على الحركات شعوبنا التحررية، انتخبهم من بني ثقافته المعادية للإسلام، فظهروا قادة لها، تزويرا التاريخ كفاح آبائنا وأجدادنا للاستعمار، وكانوا بحق أدواته القابضة على خناق شعوبنا، يذهبون بهم الى التّيه يمنة ويسرة، وفي نفس الوقت دعاة لنهجه الليبرالي، الذي يقدّس طغيان الرأسمال، أيّا كانت نسبته ومخططاته، ومتنفذيه في البلاد العربية والاسلامية.
على مدى نصف قرن، كان أغلبهم هؤلاء الأدعياء أدواته المفضلة في تنفيذ إرادته، كل بحسب نسبته الاستعمارية، فرنكونوني أو كومنويلث (فرنسي أو أنقليزي )، استقوى الغرب بهم على حساب شعوبنا، فبقيت متخلّفة أسيرة القمع والظلم، المسلط عليها من طرف هؤلاء العملاء، لم تتقدم فيه شعوبنا، بالمعنى الصحيح للتطور العلمي والتكنولوجي، وبقيت خاضعة لسلطان الغرب، تأتمر بأوامره، وتمضي على قرارته التي لا تقيم وزنا لمصالح الشعوب.
خلال تلك الحقبة من الزمن، لم تكن تلك العلاقات ظاهرة وواضحة، الا من خلال المخططات الفاشلة التي تنفذها تلك الحكومات
قبل مفتتح القرن الجديد كان تطبيع حكام العرب مع الكيان الصهيوني مسالة تعبير ولاء مبدئيّ للغرب وخروجا عن ارادة الشعوب - التي وضعت قضية فلسطين ضمن أهدافها في تحريرها-  بعنوان الديمقراطيات المزيفة، فمرت اغلب علاقاتهم في خفاء ابقاها في طي الكتمان، نظرا لشدة معارضة الشعوب لها، فأقيمت مكاتب علاقات بينها وبين الكيان، في مقابل تسهيلات وهبات وقروض غربية، تشجيعا لتلك الدول، وكان لتونس نصيبها من التطبيع السياسي والامني، رغم العدوان الذي أقدم عليه هذا الكيان الصهيوني، لما اصطلح عليها ب(الساق الخشبية) بإرسال طائراته الحربية، الى جهة حمام الشط بالعاصمة فجر 1/10/1985، فقصف موقعا مدنيا، استضاف فيه الشعب التونسي إخوانه الفلسطينيين المبعدين من بيروت، امتزج فيه الدم التونسي بالدم الفلسطيني.
وتتابعت انظمة العمالة والتبعية لأمريكا والغرب، في سلسلة تنازل للكيان الصهيوني، وصلت الى حد الاعتراف به، واقامة علاقات دبلوماسية معه، وبمرور الزمن ارتفع عدد هذه الدول، ما حفز البقية المترددة في قبول مقترحات الغرب، في تليين التطبيع، وتمريره بسلاسة الدهاء الغربي، المحتسب لكل شاردة وواردة لهذا المخطط الخبيث، الذي استدرج المنتفعين منه من طابور أدعياء الثقافة والفن، للذهاب الى فلسطين المحتلة، ومشاركة الكيان الصهيوني احتفالاته وملتقياته وندواته، بعنوان التبادل الثقافي والفني والجامعي.
لتختتم هذه المرحلة الخبيثة، بتبادل الزيارات على اعلى مستوى سياسي وأمني، كانت دول خليجية مختتمة مرحلتها الأخيرة، في مقدمتها السعودية والبحرين والامارات، ومن كان يرى مفاجأة، في استقبال سلطنة عمان لرئيس الوزراء الصهيوني - الذي صرح على صفحته بتويتر بان زيارته تمت يوم الخميس 25/ 10/2018، بعد اتصالات مكثفة وطويلة مع الجانب العماني - فهو مخطئ في تقديره، لأنّ السلطان قابوس الذي عرفناه باعتدالية مواقفه، واستقلالية سياساته ظاهرا، عما تجتمع عليه اغلب دول مجلس التعاون الخليجي، ما كان له أن يخرج عن طوع الدول الغربية، الحاكمة في المنطقة، وهو الذي ما كان له ان ينقلب على ابيه ويأخذ منه زمام الحكم، دون موافقة امريكا وبريطانيا، وسياسته في عمومها، وان بدت متوازنة فيما بدا للكثيرين، ومستقلة نسبيا على بقية دول مجلس التعاون الخليجي، ومحصّلها يهدف الى احداث تميّز، يعمل على ظهور عمان بمظهر النظام المعتدل، الذي يستعمله الأمريكان والأنقليز، منصة للمناورات السياسية، أو صمام أمان نسبيّ، يستعمل للحيلولة دون تأجج أو تأزيم الاوضاع بين دول الخليج وإيران.
ومن قرا تاريخ السلطان قابوس، حصلت لديه قناعة بانه منفذ  لا غير، لأوامر دولتي الاستكبار العالمي (امريكا وبريطانيا)، ومسهّل مخططاتهما في الخليج الفارسي، فعندما قامت ثورة ظفار، وعجز والده الملك سعيد بن تيمور عن انهائها، حدث انقلاب ملكي غير دموي في 23 يوليو 1970،  أطاح فيه قابوس بن سعيد بأبيه، ثم نفاه الى بريطانيا فمات بها بعد سنتين.
وثورة ظفار - الاقليم الجنوبي لسلطنة عمان - 1965/1975 يسارية امتدّت عشر سنوات، فزع منها الغرب، فأوعز الى قابوس بتسلم الحكم بالقوة من والده، مهما كلّف الامر، كما اعطى الغرب نفسه الضوء الاخضر لنظام الشاه في ايران، بالتدخل العسكري في إقليم ظفار، وإنهاء الثورة اليسارية هناك، وكانت قد شكلت تهديدا جديا، لمصالح أمريكا والغرب في المنطقة.
ما يراد اظهاره من عمان اليوم، هو ما كان ماضيا في الخفاء بالأمس، وعبّر عنه رئيس وزراء الكيان الصهيوني، بالاتصالات المكثفة الطويلة، مشيرا الى تطبيع كائن مع الصهاينة، منذ أمد ليس بالقصير، تبدو فيه السلطنة، قطبا لتمرير مرحلة جديدة ومتقدمة، من التطبيع السياسي مع الكيان الصهيوني، لم تجرؤ عليه قبلها سوى مصر والاردن، وهكذا تتعرى دولة أخرى من الدول العربية، فتكشف عما خفي من أوراق سياساتها، في ظل صمت شعوب، تريد حكوماتها جرها بخبث الى بيت الطاعة الصهيو أمريكي.
ان استهداف الانظمة العربية للقضية الفلسطينية، في عملية تصفية ماكرة، تنفّذ بأوامر أمريكية غربية، ستخرج من بقي منهم صوريّا مساندا بلسانه، جامدا في أفعاله، ليكلمنا يوما ما واعتقد أنه قريب الحلول بلسان عبريّ، أو قل بالأحرى بلسان صهيوني، لتبقى ايران وحدها وبمفردها اليوم، وفيّة للقضية الفلسطينية، مضحية من أجلها، ثابتة على مبدأ تحرير الارض من النهر الى البحر، وليبقى العميل عميلا، وان تظاهر بالصلاح والاعتدال، والوفيّ وفيّا ومبدئيا، ولو بلغت تضحياته عنان السماء، فبئس العملاء وطوبى للأوفياء، وغدا يتميّز الخبيث من الطيب.    

jeudi 25 octobre 2018

الغرب وعملاؤه عبثا ومتاجرة بحقوق الانسان



الغرب الذي تبجح علينا طويلا، متفاخرا بتقدمه في مجال الحقوق الفردية والحريات، بعد ان جعلها شعارا مقدما في دعاياته، مسيطرا بها على عقول اتباعه والمتأثرين بثقافته وفكره الليبرالي، الذي لا يقيم وزنا للعقائد الدينية، وكل فكر يناقض فكره، خرج علينا في هذا الزمن، ليظهر على طرف نقيض من ذلك، فوقعت ضحية جشعه الكبير شعوب مستضعفة كالشعب اليمني، ذنبه الوحيد أنه شعب مبدئي استهدفت أرضه، لأهميتها الاستراتيجية، و ثرواتها الطبيعية، فلم يرضخ لضغوطه، ولم ينحني لعقوباته وتهديداته تحت أي ظرف، فسلّط عليه كلابه المتوحشة، يهاجمونه بأنياب حادة، قد سنّها وأمضاها لهم، بصفقات الاسلحة التي تلقّوها منه، مقابل مئات مليارات الدولارات، دون اهتمام لما سيسفر عنه استعمالاتها العدوانية من ضحايا مدنيين، ما كان لهم ان يسقطوا بسببها، لولا ذلك الطمع الذي رسم سياسة دول الغرب المصنعة للسلاح، وعلى راسها أمريكا، مع كل الاحترام والتقدير للبقية الباقية من شعوبه، التي وقفت وقفة شرف ضد سياسات حكوماتها، معترضة لها وفاضحة لخفاياها.
 ان المدنية الغربية في تهورها الصناعي الحالي، لا يمكنها ان تحجب ما يجب أن يكون عليه الانسان، بحضارته التي تميزها أخلاقه، وتعطيها انسانيته بفطرتها السليمة في حسن المعاملة، طابعها الذي يجب أن تكون عليه، من اعتبار يراعي قيمة الانسان كمخلوق، أيا كان جنسه أو لونه أو مكانته، فالقيم الانسانية هي التي تصنع الحضارة، وليس المدنية الزائفة. 

تأخّر تأسيس مجلس حقوق الانسان  United Nations Human Rights Council، التابع للجمعية العامة للأمم المتحدة حتى سنة 2006، عن الميثاق العالمي لحقوق الانسان Universal Declaration of Human Rights سنة 1948، يقدم لنا دليلا قاطعا، على أن ما يجري في المحافل الدّولية، من سنّ قوانين وانشاء مؤسسات، لا يعدو كونه ذر رماد على عيون شعوب العالم، التي طالما عانت من انتهاكات تعرّض لها أفرادها أو أقلّياتها، من حكوماتها المنضوية تحت تلك المنظمات، والممضية على قوانينها ومواثيقها، والملزمة بها قانونيا وأخلاقيا، والمخالفة لها تماما بالجرم المشهود.
الأمثلة على انتهاك دول بعينها لحقوق الانسان، رغم ادّعائها الدفاع عنه، أكثر من أن تعدّ، تأتي في مقدّمتها أمريكا بتاريخها الاسود، الحافل بالتجاوزات والجرائم، في داخل أمريكا وخارجها، ولا شيء يمنعها من التمادي في ذلك السلوك، وهي التي تربعت على عرش استكبارها على بقية العالم، تريد فرض حكمها على دوله، كبيرها وصغيرها على حد سواء، وقد أعلنت في 20 حزيران يوليو من هذه السنة، انسحابها رسميا من مجلس حقوق الإنسان، بسبب ما اعتبرته انحيازا لإسرائيل، وقد صرّحت مندوبتها (نيكي هيلي)، واصفة المجلس بأنه منظمة منافقة وأنانية وتستهزأ بحقوق الإنسان. وأعتقد أنها تقصد حقوق الانسان الامريكي أولا، والصهيوني ثانيا، والغربي ثالثا وأخيرا، أما بقية شعوب العالم، فلا حظ لهم في حقوق الانسان بالمنظور الأمريكي.
إنّ المتابع للتقارير الامريكية السنوية عن حقوق الانسان في العالم، وتدخلاتها السافرة في الشؤون الداخلية، لعدد من الدول المصنّفة عندها عدوّة، كإيران الاسلامية، والصين الشعبية، وروسيا الاتحادية، وفينزويلا البوليفارية، تؤكد فبركة تلك التقارير، واعطائها بعدا دعائيا، ومنحا سياسيا، يتماشى مع مخططاتها العدوانية، التي تعمل من أجل الاضرار بسمعة تلك الدول، واعطاء صورة مغلوطة في تقاريرها عنها،  لا تتفق مع واقع حقوق الانسان فيها.
وعندما تنتقد أمريكا ما تعتبره انتهاكا أو إخلالا لحقوق الانسان، من وجهة نظرها - التي لم يتصب يوما حقيقة- فهي تحاول اضافة الى تمرير سياساتها الإستكبارية، الى إعطاء نفسها الحق في انتقاد غيرها، من أجل مزيد من الهيمنة والسيطرة على العالم.
زعيمة الاستكبار العالمي لم تجد معارضا حقيقيا، ومتصدّيا صلبا لسياساتها، سوى الجمهورية الاسلامية الايرانية، التي قطعت معها جميع العلاقات السياسية والاقتصادية والعسكرية، التي كانت على عهد الشاه المقبور، والتي كان لها فيها امتيازات التدخل في الشؤون الداخلية لإيران، مع ما أعطيت لجنودها وموظفيها الجواسيس من حصانة، تمنع عنهم تبعات جرائمهم.
وتعتبر ايران الاسلام الدولة الوحيدة في العالم، التي لا تقيم علاقات مع امريكا، على أساس تاريخها الأسود، ومؤامراتها التي حاكتها ضد الشعب الإيراني، وبقية شعوب المنطقة، فمنذ أن هوجم وكر جاسوسيتها في طهران، ذات يوم يعتز به أبناء الثورة الاسلامية ( 4/11/1979)، قطع النظام الاسلامي، بقيادة الامام الخميني رضوان الله عليه، مؤسس الثورة الاسلامية وصانع مجد وعزة الشعب الايراني، يد أمريكا من داخل بلاده فلم يعد لها دور مباشر فيها، يسمح لها بحرية الحركة والتصرف، وبذلك أمن قاعدته الداخلية من مؤامراتها الخطيرة.
ان من اوضح الادلة على عبثية أمريكا ودول الغرب والساعين في ركابهم والخاضعين لإملاءاتهم سياسة الكيل بمكيالين التي تمارسها الدول الاستكبارية المشار اليها في مختلف القضايا المتعلقة خصوصا بحقوق الانسان والانتهاكات الواقعة عليه، واستحقاقات الشعوب وضياع مطلبها بخصوصها، بسبب ازدواجية المواقف وانحياز تلك الدول الى جانب الباطل وقواه العدوانية المنتهكة لكل تلك الحقوق على مرأى ومسمع من العالم ولا حياة لمن تنادي.
ومن مفارقات هذا الزمن أن تقوم قائمة أمريكا وحلفائها من أجل اختفاء صحفي سعودي داخل قنصلية بلاده ومقتله داخلها بطريقة بشعة ولا ياتي الاعتراف بالجريمة الا بعد مقايضة مع النظام السعودي درجت عليها أمريكا، لطي صفحتها، ولا يتأخر اردوغان (المسلم) عن صفقة المقايضة فينال بدوره مقابل السكوت عما جرى على  أرض بلاده، وهي مهزلة في تاريخ تركيا الحديثة تضاف الى ما تقترفه نظامها بحق سوريا نظاما وشعبا ومقدّرات.
وبالعين الامريكية والغربية تتحول حقوق الانسان الى مصلحة تقاس بمقياس المقابل والمصلحة، وبما سيعود بالنفع الماديّ على، مثل الشعب اليمني الذي لا يُرى بالمنظار الامريكي والغربي، ولا يحسب له حساب لدى دول التبعية والعمالة العربية.
أليس عجيبا أن يهتمّ بسعوديّ مهما كانت وظيفته أومكانته، قتل من طرف أزلام نظامه غدرا- رغم أنه بقي وفيا له الى آخر يوم في حياته، فمسالة معارضته له فيها نظر، ولمقتله سبب خفيّ آخر لا يهمّنا - ولا يهتمّ بشعب يمني يباد بالقصف والحصار، والتجويع والاوبئة، من طرف نفس القاتل وحلفه المعتدي، مفارقة قد لا تبدو عجيبة، عند الغرب المتاجر بحقوق الانسان حينا، والمنتهك لها احيانا أخرى.
هذا هو الغرب كما نراه اليوم، عاريا من كل ادّعاء بحماية حقوق الانسان، ما يؤشر على عدم أهليّته في القيام بذلك، فكيف لمتحيّل على تلك القيم أن يحميها بعد انتهاكها، وهذا هو اردوغان الذي وعد باتخاذ موقف حازم من الجريمة، فبدا متكلّفا في خطابه متلكئا، قد احتفظ بما رآه وسيلة ضغط على النظام السعودي، لإجباره على دفع ما ينعش به ليرته المنهارة أمام العملات الاخرى، وقد عودنا على الحديث عن الاسلام بمفهومه الأردوغاني، ونسي في هذه القضية أن يتذكر حكمه البات فيها ( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا) لهؤلاء جميعا أقول كفى ضحكا على ذقون الناس.    




lundi 22 octobre 2018

اليوم خاشقجي ومن غدا؟



بعد ان سدت افاق الكذب أمام النظام السعودي، في محاولات مرتبكة حمقاء بائسة، للتنصل من تبعات جريمة قتل الصحفي جمال خاشقجي - والسؤال المحير الذي لم يجد له احد جوابا مقنعا ما هو سبب قتله  بهذه الطريقة البشعة - جاء الاعتراف من النظام  الموغل في بلاد العرب والمسلمين فسادا، والاعتراف كما هو معروف سيد الادلة، على مبلغ النزوع الى الجريمة، الذي طغى على سلوك هذا النظام القائم اولا واخر،ا على نزعة العدوان، توسّمت فيه عجوز الاستعمار بريطانيا، بأن يكون وسيلة خبيثة لمشروعها المعادي للإسلام والمسلمين، باسم اسلام متطرّف بتطرّف مؤسسه ابن عبد الوهاب، دعيّ العلم بالقرآن والسنة، فأعانته على الاستقواء بالسلاح والمال، باسطا هيمنته على قبائل الجزيرة العربية، بالقتل والترويع، والبطش الشديد الذي انتهجه، لسرعة سيطرته عليهم.
ولا يخفى أن هدف بريطانيا وقتها، كان السيطرة عن طريق هؤلاء، على اهم مقدسات المسلمين (مكة والمدينة) قبل ان تسلّم للصهاينة بعد ذلك فلسطين، ولا يخفى أن الهدف كان فصل المغرب العربي عن مشرقه، بعد تقسيم سايكس بيكو، ما اضعف حظوظ الشعوب العربية في الوحدة، وبناء مستقبل  مستقل في مخططاته واعتماده عن اعدائه
نظام تأسس على دماء وجماجم المسلمين، زاد نهمه فامتد بطشه ليفتك باليمنيين مرارا عديدة، ويحتل ثلاثا من محافظاتهم ( نجران وجبزان وعسيران) ويستمر في عدوانه الذي شنه عليهم، منذ ما يزيد على ثلاث سنوات، امتثالا لأوامر اسياده الامريكان، في اخضاع الشعب اليمني، وقتل ثورته الساعية الى تخليصه من العملاء من دول الجوار، والخونة والمرتزقة من الداخل. 
ومتوقع من نظام حكم متخلف عن نظم الحكم في العالم، حيث لا برلمان منتخب، ولا دستور مشرّع، ولا انتخابات منذ أن نشأ، ولا حرية تعبير مضمونة لديه حتى لو كان المنتقد من أقرب المقربين للنظام، ولا حتى ابسط الحقوق التي نالها غير اهل الحجاز من شعوب العالم، ان تصدر منه تصرفات رعناء، دلت منه على تخلف غريب عن هذا العصر، فقيمة الانسان عنده وصلت الى مستوى متدنّ جدا، لم يجرؤ عليه نظام حكم ظالم غيره، انفرد بهذه المعرة، فأوفى فيها بكل الخروقات القانونية، التي خجل التاريخ من ذكرها قبلا، وكان هو من اعاد تكرار وقائعها وتثبيتها، بالتفصيل الذي لم يهمل شاردة ولا واردة منها، فاستحق لقب مبيد العرب والمسلمين ومجحف حقوقهم عن جدارة، وله في هذا المجال باع طويل لا يحسده عليه حتى البريطانيون انفسهم، من يعتبرون أساس تكوينه وقيامه، والامريكان الذين يراهم النظام السعودي حماة ملكه ودوام سلطانه .
خاشقجي غالط نفسه قبل ان يذهب برجليه الى قنصلية بلاده واثقا، ولم يحسب اي حساب لما قد يحصل له، ولعله نسي ان يحتاط من امر خفيّ، دعا ابن سلمان الى اتخاذ قرار تصفيته، على طريقته الوحشية، فذهب سره معه، مع انه لم يعد يخفى سر، من ادعياء المعارضة المصطنعة أمثاله، من جماعة جماعة الفنادق 5 نجوم.
وقد تكون دعوات المظلومين المغدورين، من الجيش السوري وقواته الرديفة قد استجيبت، فلقي خاشقجي حتفه، بمثل ما غرّد به على (تويتر) مؤيدا للارهاب الوهابي التكفيري، الذي اقدم مرارا على اعدام اسراه منهم، وقطع رؤوسهم تشفيا، فاذا بنهايته أشد مما لقيه الشهداء الابطال الاشاوس المدافعين عن سوريا، ومحور مقاومة الاستكبار والصهيونية، وتبدو الحكمة النبوية في هذا الخصوص مناسبة للقول : (من أعان ظالما على ظلمه سلطه الله عليه)
ومن حمّى التعاليق الرسمية، وردود الافعال العالية النبرة، التي تراوحت بين الاستنكار والتنديد، في بداية الحادثة، فان مواقف الدول الغربية، وعلى راسها امريكا، مضافا اليها تركيا، مسرح الجريمة الفظيعة، قد خبى لهيب دعوتها، بعد ان استوت طبخة (بامبيو) وزير الخارجية الامريكي في الرياض، فبدت ردة الفعل من هؤلاء خافتة باهتة، بعد الاعتراف الرسمي من النظام السعودي، بأن خاشقجي قتل داخل القنصلية، برواية شبيهة بتلك التي تداولها المؤرخون عن مقتل سعد بن عبادة، نقلوها نقل المحتمل وقوعها ولم يحققوها، مستدلّين برواية نسبوها الى الجن بقتله، رغم بعدها عن الحقيقة القائلة بان الرجل اغتيل، وهو في طريقه الى الشام، من طرف السلطة القائمة.
جماعة النظام السعودي تصرفوا في القاتل، فلم ينسبوه الى الجن، واستعاضوا عنه بخطأ بعض ممن اوفدهم ابن سلمان لتصفيته، دعاهم بعد فقالوا أن اكثر صراخه وصياحه الى كتم  أنفاسه وهم لا يشعرون.
بما أن خاشقجي ضحية ذلك الخطأ، كان لا بد من مسح اثاره وتداعياته بضحايا آخرين- وهو أسلوب الطغاة دائما- فقد أصدر الديوان الملكي أمرا صوريا تمويهيا، بإقالة هؤلاء المتورطين من مهامهم، فيما ترى ببصائر العارفين بجملة الخزعبلات السياسية، ترقية لهم الى مهام اخرى، لا تقل بشاعة عن سابقتها، في ظل نظام لا يفقه في حرمة النفس البشرية شيئا، ولا من دين اسلامي جاء لإحيائها، محذرا من خطورة الاستهانة بها أو الإعتداء عليها.
قال تعالى: من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما احيا الناس جميعا      . 
آلة القتل السعودية الوهابية ماضية في طريقها قائمة بدورها بسرعة من يريد تعجيل حتفه انهاء وجوده ولئن كان لأهلنا في اليمن النصيب الأوفى من ضحاياه، وهم محتسبون عند الله شهداء أبرار، فإن فرق الاغتيال الممولة من مملكة الشر والفساد في الارض، ستواصل مهامها في الاغتيال في اي بقعة كانت، فلم يعد الأمر موقوفا على السفارات، وانما تتلقى هي الأوامر والاشعارات - فقد لا يقع غير خاشقجي في المصيدة مستقبلا - وفق الأوامر التي تصدر اليها من الديوان الملكي، تحت غطاء أمريكي أعلنها بصراحة أنه يقبض لقاء سكوته بإهدار حقوق الشعوب المظلومة، كما فعلها مع الكيان الصهيوني، حماية له باستخدام الفيتو، لمنع ادانته دوليا، وتحميله تبعات جرائمه بحق الشعب الفلسطيني.
ما يؤاخذ عليه النظام التركي نزوله عند الرغبة الامريكية، في تسوية القضية على نار هادئة من التفاهمات المالية والاقتصادية، فما يهم (أردوغان) هو ما سيجنيه من العملية بعد دخول (بامبيو) على الخط، ويستمر عبث الحكومات بأفرادها وشعوبها جملة وتفصيلا.
هذا خاشقجي قد رحل تاركا وراءه تساؤلات، قد يفصح عنها مستقبلا، لكن السؤال المطروح اليوم على من سيكون الدور غدا؟ وكيف ستكون الطريقة؟ وكم ثمن السكوت الامريكي والغربي؟




jeudi 18 octobre 2018

عندما يستنفر الغرب من أجل شخص ولا يأبه لشعب



من مفارقات هذا الزمن البائس، وأهله الهيامى على وجوههم تحت تأثير الاعلام الصهيوني، قد تقاذفتهم منه أهواء العابثين، أن تقوم الدنيا - وهي الدنيا التي يحركها الغرب عادة -  فيقام وزن لشخص ويعطى له اعتبار، لتدلي كل وسيلة اعلامية عالمية او محلّية بدلوها من أجل معرفة مصير اختفائه، بعد دخوله قنصلية بلاده في استنبول التركية، وهي حال جمال أحمد حمزة خاشقجي (13/10/1959//2/10/2018)، الصحفي والإعلامي السعودي، المدافع عن انتهاكات بلاده في سوريا والعراق واليمن والبحرين، والذي يرى في ايران ومحور مقاومتها للاستكبار العالمي، وقاعدته المتقدمة في منطقتنا اسرائيل، أعداء ألدّاء تجب محاربهم بلا هوادة، وبكل الطرق المتاحة.
وفي المقابل، تلوذ الدول والشخصيات السياسية ذاتها بالصمت، إزاء ما يحصل من انتهاكات جماعية بحق دول وشعوب بعينها، فلا يقام وزن لمظلومية الشعب اليمني ومعاناته اليومية، من جرّاء العدوان الذي يتعرض له منذ ثلاث سنوات ونصف، من قوى التحالف الاعرابي الامريكي الصهيوني، والذي يخلّف في كل غارة ضحايا كثر، يستوي فيها مصير الاطفال والنساء والشيوخ، مع ذوي الإحتياجات والمرضى والجرحى بالمستشفيات، المستهدفة هي مع بقية المرافق المدنية في المدن والقرى اليمنية، هذا واعداد الضحايا موثقة لدى المنظمات الحقوقية الغير حكومية، وبالاطلاع عليها تتعالى صرخات من بقي فيه ضمير في هذا العالم، بأن الشعب اليمني قد دخل منذ مدة، في دائرة المجاعة والوباء، وأصبحت مخاطرهما القاتلة، تشمل ما يربو على 17 مليون يمني، انقطع عنهم الغذاء والدواء، وحتى الماء الصالح للشراب، بمفعول الحصار الجائر الخانق، الذي تفرضه قوى العدوان السعودي والاماراتي وحلفائهما، برا وبحرا وجوا، من أجل اخضاع وتركيع أهلنا في اليمن، ووضعهم تحت مشيئة القوى الغربية والصهيونية، التي تسعى بواسطة عملائها في المنطقة، الى السيطرة على باب المندب الاستراتيجي خدمة لمصالحها.
عار على أدعياء حماية حقوق الانسان أن ينكبّوا كالذباب على قضية شخص - لا اقول بلا أهمية مع وجود ما هو أهمّ منه - ولا يؤبه الى المعاناة اليومية للشعب اليمني المظلوم، وخسائره المدنية الفادحة، التي يسفر عليها العدوان الممنهج عليه، والتي تعدّ ضمن جرائم الحرب التي تنصّ عليها المعاهدات الدولية التي اقرتها الجمعية سنة 1946 بعد ضمها اتفاقيات لاهاي لسنة 1899 ، وسنة 1907،وميثاق محكمة نورمبرگNuremberg العسكرية الدولية  لسنة 1945 ومعاهدة فرساي لعام 1919، واتفاق لندن لعام1945م، واتفاقيات جينيف لعام 1949.
ويزداد قبح وجه الغرب كل يوم، بانكشاف مدى تناقض دعواته، التي يطلقها رنانة بدعاوى حقوق الانسان، ثم سرعان ما يناقضها بدوسه عليها، وفي أخف الحالات وطأة، سكوته عما يرتكب من جرائم بحق الانسانية في مناطق مختلفة من العالم، وأغلبها تنفّذ بإيعاز منه وبوسائله التي مكنها لعملائه..
خاشقجي لم تشفع له مواقفه الداعمة لعدوانية نظامه السعودي، ولا اخذت بعين الاعتبار لدى ولي العهد الذي قرر التخلّص منه بأنكى من الاسلوب الاجرامي الوهابي الداعشي، ويبدو أن سرّا ما كان وراء اتخاذ قرار تصفيته، ببشاعة نظام شهد له العالم بالسوء والتاريخ الأسود الذي يره في غيره.
عجب أن يستنفر العالم الغربي ومن ورائه اتباعه من أجل اختفاء ومقتل شخص داخل قنصلية بلاده تقطيعا بالمناشير اربا إربا، ولا يقام وزن لشعب يمني بأكمله، استهدفته قوى العمالة في المنطقة، تنفيذا لمخطط غربي صهيوني، يريد أن يحول بين التحوّل الثوري لشعب، قرر أن يخرج من دائرة التبعية والخضوع، الى دائرة الاستقلال والحرية والعزة والكرامة، رافعا شعار  التحدّي لأعداء الاسلام، معلنا بكل وضوح موقفه المعادي لهم.
وباعتبار حالة النفاق السياسي، التي عرفت بها انظمة واحزاب كثيرة، في عالمنا العربي والاسلامي، فإن صمتها اليوم - بعد تنديدها سابقا على الردّ الذي قامت به قوات الجيش اليمني بقصف العاصمة الرياض ومجاراة الرواية السعودية الكاذبة باستهداف مكة استدرارا لعواطف المسلمين- يعتبر في باب بيع الذمة وإماتة الضمير، بالسكوت عن انتهاكات قوى العدوان المجتمعة على العبث باليمن، أرضا وشعبا ومقدرات ومستقبلا.
ويبدو أن جذوة جريمة قتل خاشقجي قد بدأت بالخمود، والتسويات التي قام بها النظام السعودي كفيلة بانهاء توقدها في عالم السياسة الاعلام نهائيا، وأكباش الفداء حاضرة لطيّها، مع ما أتاحه هذا النظام لشراء سكوت الدول المستنكرة للجريمة، وما استنكارها الا لأجل نيل نصيب غير مفروض من الحادثة، التي عادة ما يحسن استغلالها عالم النفاق السياسي الغربي، في ظل نظام متخلّف أحمق وأرعن، في تصرفاته المتخلّفة عن ركب الحضارة.
لقد وجد لخاشقجي من يتبنى قضية اختفائها ومقتله على الأرجح وبالطريقة البشعة التي رجحها الأمن والمخابرات التركيين، ولم يوجد من أنظمة العرب من يتبنى قضية الشعب اليمني، بل وجد منهم من تطوّع شرّا، بانخراطه في سلك قوى العدوان، مقابل أموال وعروض اقتصادية سعودية وإمراتية لتلك الدول، بما يعطي دليلا واضحا، على أن القيم الدينية والانسانية لم يعد لها اعتبار، في عالم المادة الطاغية اليوم، الذي وصل بدوله الأمر الى اسقاط المبادئ، وبيع الذمم والضمائر، واماتة الكرامة والوطنية، بالخضوع لهوى دول سافرة في بغيها وعدوانها، لا يشك في تخلّفها، الا من امتدّت أياديه الآثمة لنيل ما أفاضته عليها.
قضية خاشقجي سوف تطوى بما يفي بحسابات دول الغرب المادّية، وهو بحد ذاته لا وزن له عندهم في واقع الأمر، وانما استغلت من الباب الذي يدخل منه الغرب عادة للحصول على منافع له، لتبقى قضية الشعب اليمني عالقة في عالم فقد الانسانية، وانخرط في عالم التوحّش من أجل مصلحة أسياده، على أنّه بعزيمة أحرار اليمن وإيمانهم الخالص بالله وثقتهم في أنه معهم ولسوف ينصرهم ولو بعد حين، يبقى هذا الامل بمقداره الكبير قائما، الى ان تنتكس اعلام العدوان، وترتفع شارة النًّصر في أرجاء اليمن السعيد، الذي يرفض دوما أن يكون تعيسا برجاله واحراره.                

vendredi 12 octobre 2018

اين انتم من لغتكم يا عرب؟



من المؤسف ان نصطدم بعديد الاشخاص في مجتمعاتنا، ممن اختاروا طوعا، ان يكون خطابهم مزيجا لغة، طغت عليها اللغة الفرنسية، وبألفاظ لم تدفعهم حاجة اليها، مع وجود ما يقابلها بالعربية ودون عناء.
وبقصي المعضلة، يبدو الامر متعلقا بعقلية تبعية، خالية من الوطنية تماما، ولا حتى من احترام خصوصيات الأصل والدين والوطن، كأننا لا زلنا نرزح تحت نير الاستعمار الثقافي – ونحن من نعتقد أننا تحررنا من الاستعمار الاستيطاني - بعد ان بسط علينا الاستعمار الاقتصادي رداءه، فغمرنا جميعا بوحشة البقاء تحته، لمن بقي فيه احساس بمصير هذا الشعب وامته.
المتفرنسون في تونس - كثر طنينهم في العاصمة على وجه الخصوص- تسمعهم يجهدون انفسهم على ان تكون كلماتهم الفرنسية، دالة على انهم من اهل العلم والثقافة، لكنهم في الواقع ابعد ما يكونون عنهما، بل هم دخلاء عليهما، ومجتازون لحدودهما خلسة، وبدون مستمسك معترف به، لدى اهل العلم والثقافة الحقيقيين، اما المزيفين فلا يهمنا من امر زيفهم واقنعتهم المصطنعة شيئا، لان وزنهم في واقع الامر لا شيء، ولا تأثير لديهم في المجتمع متمظهرون فقط.
اللغة العربية خذلها أهلها أولا، بسهولة انفصالهم عنها، واستهانتهم بها، وقد نعاها من قبل الشاعر الكبير حافظ ابراهيم  بقصيدة اكثر من رائعة
رَجَعْتُ لنفْسِي فاتَّهمتُ حَصاتِي وناديْتُ قَوْمِي فاحْتَسَبْتُ حياتِي
 رَمَوني بعُقمٍ في الشَّبابِ وليتَني عَقِمتُ فلم أجزَعْ لقَولِ عِداتي
 وَلَدتُ ولمَّا لم أجِدْ لعرائسي رِجالاً وأَكفاءً وَأَدْتُ بناتِي
 وسِعتُ كِتابَ اللهِ لَفظاً وغاية ً وما ضِقْتُ عن آيٍ به وعِظاتِ
 فكيف أضِيقُ اليومَ عن وَصفِ آلة ٍ وتَنْسِيقِ أسماءٍ لمُخْترَعاتِ
 أنا البحر في أحشائه الدر كامن فهل ساءلوا الغواص عن صدفاتي
 فيا وَيحَكُم أبلى وتَبلى مَحاسِني ومنْكمْ وإنْ عَزَّ الدّواءُ أساتِي
 فلا تَكِلُوني للزّمانِ فإنّني أخافُ عليكم أن تَحينَ وَفاتي
أرى لرِجالِ الغَربِ عِزّاً ومَنعَة ً وكم عَزَّ أقوامٌ بعِزِّ لُغاتِ
أتَوْا أهلَهُم بالمُعجِزاتِ تَفَنُّناً فيا ليتَكُمْ تأتونَ بالكلِمَاتِ
أيُطرِبُكُم من جانِبِ الغَربِ ناعِبٌ يُنادي بِوَأدي في رَبيعِ حَياتي
ولو تَزْجُرونَ الطَّيرَ يوماً عَلِمتُمُ بما تحتَه مِنْ عَثْرَة ٍ وشَتاتِ
سقَى اللهُ في بَطْنِ الجزِيرة ِ أَعْظُماً يَعِزُّ عليها أن تلينَ قَناتِي
حَفِظْنَ وِدادِي في البِلى وحَفِظْتُه لهُنّ بقلبٍ دائمِ الحَسَراتِ
وفاخَرْتُ أَهلَ الغَرْبِ والشرقُ مُطْرِقٌ حَياءً بتلكَ الأَعْظُمِ النَّخِراتِ
أرى كلَّ يومٍ بالجَرائِدِ مَزْلَقاً مِنَ القبرِ يدنينِي بغيرِ أناة
وأسمَعُ للكُتّابِ في مِصرَ ضَجّة ً فأعلَمُ أنّ الصَّائحِين نُعاتي
أَيهجُرنِي قومِي-عفا الله عنهمُ إلى لغة  لمْ تتّصلِ برواة
سَرَتْ لُوثَة ُ الافْرَنجِ فيها كمَا سَرَى لُعابُ الأفاعي في مَسيلِ فُراتِ
فجاءَتْ كثَوْبٍ ضَمَّ سبعين رُقْعة ً مشكَّلة َ الأَلوانِ مُختلفاتِ
إلى مَعشَرِ الكُتّابِ والجَمعُ حافِلٌ بَسَطْتُ رجائِي بَعدَ بَسْطِ شَكاتِي
فإمّا حَياة ٌ تبعثُ المَيْتَ في البِلى وتُنبِتُ في تلك الرُّمُوسِ رُفاتي
وإمّا مَماتٌ لا قيامَة َ بَعدَهُ مماتٌ لَعَمْرِي لمْ يُقَسْ بمماتِ

مرض استعمال اللغة الفرنسية في تونس، ومحاولات تغليبها على العربية، يحتاج الى دعوة صادقة لكل وطني، بالإقلاع عن استعمال هذه اللغة، على الأقل في التخاطب فيما بينهم، تعزيزا للغة الأم العربية في الحضور المجتمعي الكامل، والتخاطب بين اهلها بما يرفع من شانها، ويحيي الفاظها وكلماتها الرائعة، الاكثر تعبيرا وعمقا وتأثيرا من بقية اللغات، ولو كانت هناك لغة افضل عند الله من العربية، لأنزال بها خاتمة وحيه، وجعلها منطوق قرآنه، وخصها بكونها لغة اهل الجنة، فهل بعد هذا مندوحة لمتذرع ببقائه على اسلوب الهجانة اللغوي، الذي تشمئز منه كل نفس ابية ترفضه اصالتها ولغتها وتراثها ودينها؟
اعتقد انه بحق ان الاوان لنعتز بلغتنا، وهي التي اعتز بها وافتخر من غير العرب، من الشخصيات التي لم يتّسعها إطارها فانطلقت خارجه تزداد تألقا وتميزا.
هذه وزيرة خارجية النمسا قد اختارت في كلمتها ان تتحدث باللغة العربية، وهي التي كان بإمكانها ان تخاطب الدورة 73 من الجمعية العامة للأمم المتحدة بلغتها النمساوية، تعظيما لشان اللغة العربية، وتذكيرا بانها لغة حضارة وتاريخ عريق، فجاءت شهادتها صادمة لأولئك الذين خرجوا من لغتهم، خروج العبد الابق، فأصبح يردد خليطا غير متجانس كالببغاء، ولو قدروا على التعبير الكامل بلغة غيرها، لما ترددوا في تركها، لكن خانتهم قلة زادهم منها، فاختلجوا بينها وبين ما التمسوه من غيرها، اختلاج المريض اليائس، حتى صار الذي يتناهى اليه ذلك الحوار مشمئزا، من وضاعة المنطق، ورداءة النطق، وانحطاط العقول الخارجة عن اطارها اللغوي، الى مجال يركس صاحبه في مستنقع اللا وعي، وغياب الادراك بخطورة ما التجأ اليه من تعبير
وطبيعي ان هذا الخطاب في التمني بالإقلاع عن هذه العقدة من النقص، لا يعني العملاء ولا ذوي العقول المريضة بالفرنكوفونية، تبع الاستعمار ومقيمه العام بتونس، ولا اولئك الحالمين بانه بإمكانهم ان ينفردوا بتقليدهم، فيظهروا حملة حضارة غربية ودعاة لغة من لغاتها.
صحيح انه من تعلم لغة قوم أمة شرهم، ولكن لا يجب ان تطغى تلك اللغة على لسان متعلمها، فيدخلها في تفاصيل حياته، فتكون علامة يعرف بها، بل يجب عليه حتى في حال اتقانها ان يتصرف فيها بما يفيد نفسه ومجتمعه، بالاطلاع على ما كتب بها، من تاريخ وادب وتراث قوم، وان يستعملها في التخاطب مع أهلها وقومها، لا أن يرقى ذلك الى مستوى منافسة اللغة الام، وخنق مجالها في العقل واللسان.
من لطائف نصائح الشهيد السيد حسين بهشتي: تعلموا اللغة العربية فإنها لغة القرآن، وتعلموا الفارسية فإنها لغة الثورة.
وقد طلعت علينا مرارا شخصيات عالمية خاطبتنا بلغتنا مخاطبة معرفة وادراك بقيمتها، بما يعطينا دفعا معنويا قويا للتحرك من أجل اسنادها وافساح المجال لها لتأخذ مكانها الطبيعي في حياتنا، من غير منافسة للغة لها وهي في حماها، فهل سيعي أولئك العرب أنه بتركهم للغتهم سيجدون أنفسهم في نهاية المطاف خارج الاطارين العربي والفرنسي، لا لهؤلاء ولا لهؤلاء.




mardi 9 octobre 2018

الإرهاب أمريكي اوّلا وأخيرا



لم يختلف الناس في تحديد مفهوم الإرهاب لغة، فقد عُرّف بالتخويف والافزاع، الذي يصدر عن شخص أو جماعة أو دولة، من أجل بلوغ غاية، يراد تحصيلها بذلك الأسلوب، استضعافا للمستهدف، سواء كان شخصا أو أقلّية أو منظمة أو دولة، وعرّفوه بكافة اشكاله، واكتوى منهم بحرّ ناره، وبقناعة تامة، كانت طلائع الشعوب الثورية، ترى الإرهاب الأخطر هو الإرهاب المنظم، إرهاب الدول، التي تقابل عادة دعاة التغيير في شعوبها، باستعماله اسلوبا مجديا لقمع حركتهم.
والارهاب الذي نعنيه هنا، ويعتبر الأكثر خطورة، هو الذي صنعه الغرب بزعامة أمريكا، وأطلقوه على البلاد العربية والإسلامية، ليؤدي دوره في تشويه الإسلام المحمدي الأصيل أوّلا، فيرى في أسوأ مظاهره الوحشية المتخلّفة تنفيرا للناس من الدين الحنيف، وتدميرا لأمن ومقدّرات شعوبه ثانيا، فتزداد حاجة تلك الشعوب الى الغرب، في استيراد أبسط مستلزمات معيشته، وإخضاعا لدولها ثالثا، لتكون في خدمة القوى الغربية وزيادة هيمنتها الاقتصادية والمالية.
 وبدخول الإعلام كطرف مموّه في تعريف الارهاب، ورميه على محاربيه - وما حققه الاعلام في هذا المجال بسيطرته على العقول فاق سيطرة الجيوش - خالطا فيما قدّمه للعالم، المجرم مع الضحيّة، ساعيا الى قلب حقيقة مصدره، بتبرئة امريكا والغرب منه، ومحاولة تثبيت أنهم بصدد محاربته - كما أوهموا العالم بتحالفهم الكاذب - تبدو الحقيقة بعيدة عن متناول الناس، بعدما أنس أغلبهم بالتزييف الإعلامي للإرهاب، رضا منهم بما قدّمه لهم من كذب وخداع، وغالبية وسائل الاعلام في الدول، تستقي من صنّاع الارهاب وادعياء محاربته.
عندما يتحدث الصهيوني (افخاي ادرعي)، الناطق باسم جيش الارهاب والعدوان عن الارهاب، فينسبه الى حركات المقاومة الاسلامية، كحركة حماس وحزب الله والجهاد، على أساس أنها نسخ مستلهمة من الثورة الاسلامية الايرانية، وامتداد للفكر الثوري الذي وضع أساسه الامام الخميني رضوان الله عليه، من أجل صحوة الأمّة الاسلامية، واجتماعها في جبهة واحدة لنيل حقوقها المسلوبة، ندرك جيّدا ما يرمي اليه هذا الصهيوني من مغالطة......
من دون تفصيل لمقالته، كأنه بذلك قد وضع اصبعه على بيت الداء، الذي أصبح يهدد أمن العالم، بينما نجد أن السياسة الامريكية منذ ان تبنّت الكيان الصهيوني، تكفّلت بالدفاع عنه بكل قوة سياسيا في جميع المحافل الدّولية، وعسكريا بتقديم أحدث الاسلحة اليه، ومشاركته في تعاون عسكري فريد من نوعه، يفوق تعهدات أمريكا في حلف الناتو، ما أتاح لهذا الكيان العنصري، مجالا للعربدة والاستهتار بالقرارات الدولية، فلم يقم وزنا لشيء منها.
إدّعاء الساسة الأمريكيين بأن إيران هي مصرف الارهاب، مردود على أدعيائه، فجميع حركات التحرر التي تدعمها ايران علنا وتفتخر بذلك، كجميع حركات المقاومة الفلسطينية واللبنانية واليمنية، المصنّفة امريكيا إرهابية، والمدرجة ضمن الجماعات الارهابية، الخارجة عن طوعها بعد تأسيسها، واطلاق مجاميعها على الشرق الأوسط، ليس بإمكانه أن يغيّر من واقع حركات المقاومة في شيء، بل زاد من وعي الشعوب المستهدفة من مخططات امريكا، التي تسعى الى اشاعة الفوضى وانعدام الامن في المنطقة، لمصلحة الكيان الصهيوني.
محاولة امريكا والغرب قلب حقيقة المقاومة، وتحويلها الى حالة ارهاب، بينما هي الطريق الأمثل لتحرير الشعوب الواقعة تحت نير الاحتلال، وسبيل خلاصها النهائي منه، لن يمنع قوى المقاومة وراعيتهم الجمهورية الاسلامية الإيرانية، من مواصلة نهجهم التحرري من هيمنة أمريكا، وأدواتها الخبيثة في المنطقة، الإرهاب التكفيري، والإرهاب الصهيوني، وعملاؤها في المنطقة، والنجاحات التي حققها محور المقاومة، في دحر الارهاب الوهابي التكفيري، من العراق وسوريا، وقطع يده من لبنان، وتحقيق معادلة تفوّق المقاومة الفعليّ على جيش الارهاب الصهيوني، اربك حسابات أمريكا وأسقط مشروعها في شرق أوسط جديد، يهيمن بمقتضاه الكيان الصهيوني على المنطقة، فيصبح الحاكم المطلق لها المالك المتصرّف فيها.
كان على أمريكا، لو كانت ادارتها تملك شيئا من المصداقية، أن تعترف بمصدر الارهاب ومن يقف وراءه، مع أن تلك الحقيقة لم تعد خافية اليوم على طالبها، ومحاولتها التنصّل من تبعاتها، لن تتجاوز تعطيل انتشارها الى حين، ولم يكن مفاجئا ان ينشر موقع (جلوبال ريسيرش Global Research) الأمريكي، مقطع فيديو لوزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون، تعترف فيه بأن أمريكا هي التي صنعت تنظيمالقاعدة (وموّلته، عندما كانت الحرب السوفيتية الأفغانية في أوجها، موضحة ذلك بقولها: إنّ الذين نحاربهم الآن هم من قمنا بتمويلهم منذ 20 عاماً..) وقد علّق الناشر على الموقع بقوله: إن من يتظاهرون بقيادة حرب عالمية ضد الإرهاب، هم الإرهابيون الفعليون.
وأضافت كلينتون بكل وقاحة: (دعنا نستخدم هؤلاء المجاهدين، الذين أتينا بهم من أماكن عدة، وعلى رأسها السعودية، لهزيمة الإتحاد السوفيتي.) هذا ولم تذكر في اعترافها، التاريخ الذي توقفت فيه الولايات المتحدة الأمريكية، عن تمويل تنظيم القاعدة، لزعزعة استقرار الدّول التي صنّفتها عدوّة لها.
وتبريرا لذلك التأسيس قالت: (احتل السوفييت أفغانستان، ولم نكن نرغب أن يسيطروا على وسط آسيا، فبدأنا العمل.. أخذ الرئيس ريجان  Reaganوالكونجرس قرارا، بضرورة عقد صفقة مع المجاهدين.) وقد لفت الموقع إلى أن حلف الناتو يستخدم تنظيم (داعش ) الإرهابي الآن - وهو نسخة متطابقة في الفكر الوهابي وتكفيره - لتحقيق مصالحه ومصالح إسرائيل.
تأسيس تبجّحت به كلينتون قائلة: (ما حدث بعد الاستعانة بالمجاهدين كان مدهشاً، فقد تراجع السوفييت وانهزموا في أفغانستان، وخسروا بلايين الدولارات، وأدى ذلك إلى إنهيار الإتحاد السوفيتي.)
إنّ الدّارس لتاريخ نشأة أمريكا، مرورا بكافة مراحله، يدرك مدى تجذّر وتأصّل النزعة العدوانية لهذا الكيان، القائم على الظلم والاستبداد وانتهاك الحقوق الانسانية ونقض المعاهدات الدولية، بعقلية الاستكبار الطاغية على سياساته، وكل ما يقال عن أمريكا اليوم - برمزية تمثال حريتها - من أبواق التطبيل والاطراء، تملّقا وخوفا من غضبها، ووقوعهم تحت طائلة عقوباتها، لذلك فان من عرف حقيقة أمريكا بعدما تعرّت لديه، لا يتردد في الحكم عليها حكما باتا، أنها رأس الارهاب الدّولي، إرهاب أحمق لا يمكن أن يستمر، وسيعود بالوبال على أهله.
نتيجة الظلم المسلط على ايران محسومة مسبقا، فما اقدمت عليه امريكا من اجراءات عدوانية لم تغيّر شيئا من توجّه ايران نحو اهدافها، بل وسرّعت في تقريبها اليها، فلم تفلح اجراءاتها الارهابية في تغيير مسارها في الوقوف بكل قناعة، الى جانب الشعوب المستضعفة، من طرف أمريكا وقواها الإستكبارية والصهيونية، وقد بدأ العدّ التنازلي لأفول نجم آفة العصر، وخلاص الشعوب من شرورها.