أيّا كانت الجهة التي نفّذت الإعتداء الأخير،
الذي تعرض له الرئيس الفنزويلي (نيكولاس مادورو)، في محاولة خطيرة لإغتياله
(5/8/2018)، فإن الذي خطط له وأوعز بتنفيذه، سواء أكانت حكومة لبوليفيا أم غيرها، جهة
واحدة معلومة، من السذاجة أن يتجاهلها أحد في هذا العالم، لا من جهة تاريخها، الحافل
بالجرائم والإعتداءات والإغتيالات، ولا من جهة أهدافها الواضحة، في استغلال واستعباد
الشعوب، ولا من جهة ملفاتها التآمريّة شديدة السّواد، التي رسمت الصورة الحقيقية للبيت
الأبيض الأمريكي، ليظهر بمظهره الجدير به، موشحا بسلسة جرائم سوداء دبّرت بليل،
بحق شخصيات ودول، لم تستطع سياساتها الإستكبارية لها حولا ولا طولا، بغير هذه الأساليب
المنحطّة في الغدر والإجرام.
لم يكن أشد على زعيمة الإستكبار العالمي في أواسط
القرن الماضي، من بداية وعي الشعوب، وجهودها المبذولة من أجل استقلالها وحريتها، وانتشار
الفكر الثوري الماركسي بين نخب وشعوب العالم، وخصوصا في جنوب القارة الأمريكية،
حيث اعتبرته تهديدا لمنظومتها الإمبريالية، وباشرت مكافحته بكل الطرق، خصوصا بعد
سقوط عميلها في كوبا (باتيستا)، وانتصار الحزب الشيوعي الكوبي بزعامة (فيديل
كاسترو)، فحاولت مرارا اغتيال كاسترو، ومحاولات أخرى لاغتيال رفيقه غيفارا، الذي
قرر أن يخرج من كوبا، متنازلا عن دوره في الحكومة الثورية الكوبية، ليبدأ رحلته
الشهيرة الى افريقيا عبر بالجزائر ومصر، عارضا فيها خدماته لتحرير الشعوب، الرّازحة
تحت الهيمنة الغربية في القارة السمراء، ومر بتجربة غير ناجحة في الكونغو، وبعد
اغتيال الزعيم الكونغولي باتريس لومومبا، وتعرضه للمطاردة من قبل عملاء المخابرات
الأمريكية، قرر العودة الى أمريكا اللاتينية، وفيها واصل نضاله المسلح متنقلا، الى
أن طالته أيدي الغدر الامريكي بتاريخ 9/10/1967 في بوليفيا.
تختلف عمليات اغتيال الشخصيات المستهدفة، من
اجهزة الاستخبارات الامريكية، بحسب الفرص المتاحة لعملائها، وتتفق كلها في أسلوب
الغدر الذي يغلب على نهاية كل عملية، وسجلاتها جميعا مندرجة في مكاتب الوكالة،
بمستوى السرّية التي تتطلبها كل شخصية، وبعد مرور 70 عاما على نشأتها (18/9/1947) تبدو
بما حملته من أوزار ثقيلة اليد القذرة التي توكل اليها عادو مهام التخطيط والاشراف
على جميع الجرائم السياسية بحق انظمة وشخصيات ترى بالعين الامريكية المجرمة بحجم
الخطر على النظام الامريكي ومصالحه في العالم، ومن الطريف هنا ان نذكر أن الرئيس
الكوبي فيديل كاسترو قد تعرض الى ما يقارب عشرات محاولات الاغتيال المتتابعة من
اجل تصفيته باعتباره يمثل خطر قريبا من حدود امريكا بسياساته المعادية لها.
وكالة المخابرات المركزية الامريكية، وكما نسب
اليها - وهو أقل ما يمكن نسبته مقارنة بإمكانياتها وفروعها وعملائها وقواعدها
السرية والمعلنة - نفذت خلال 70 عاما، 80 محاولة للإطاحة بالحكومات التي تراها أمريكا،
لا تستجيب لإرادتها السياسية، وتمتنع عن الخضوع لإملاءاتها، وفي جميع القارات امتد
نشاطها الخبيث، من كوبا سنوات الحرب الباردة، الى ايران
الاسلامية منذ انتصار ثورتها، وقطع اليد الأمريكية منها، وتواصل بعد ذلك الى افغانستان والعراق، وما
زال متواصلا في البلاد العربية، بأشكال ومظاهر مختلفة.
نتذكر جيدا تغلغل الامريكي المعادي لحركات
التحرر في امريكا اللاتينية، والتي اطلقت عليها امريكا عملية (كوندور) والتي بدأت
سنة 1968، والتي أسفرت عن تحطيم المعارضة السياسية اليسارية في كل من الارجنتين
وتشيلي وباراجواي وبوليفيا والبرازيل، بتقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي
للعسكر، في قمع اليسار بوحشية، ونظرا لطبيعة تلك العمليات السرية، فان أقل ارقام
لضحايا القمع، من الشخصيات القيادية اليسارية في تلك البلدان، تشير الى أكثر من
60.000 ضحية، من قادة اتحادات العمال والفلاحين والطلبة، ومنتسبي سلك التعليم،
وسائر طبقة المثقفين، الذين اشتبه بانضمامهم الى ثورة مسلحة.
إن الجهود التي تبذلها وكالة المخابرات المركزية والموساد،
لتنفيذ ثورة مخملية(ملونة) في إيران غير مجدية ومآلها الفشل. هذا ما قاله المنظر
الاميركي في جامعة هارفارد (استيفن لندمن)، وجاء في تغريدتين على موقع
(تويتر)، واحدة للرئيس الأمريكي (دونالد ترامب)، والثانية لرئيس الوزراء الصهيوني
(ناتنياهو)، تصريحين منفصلين عبرا فيهما عن فرح واستبشار، بما شهدته ايران من
اضطرابات في الآونة الاخيرة، ضمّنت تعابيرهما تأييدهما لما جرى، ما رجّح تورط
وكالة المخابرات الامريكية والموساد الصهيوني، في اذكاء تلك الحركات الاحتجاجية
المعزولة، بهدف تقويض الامن والاستقرار في ايران، وهي أهداف مدرجة، ضمن جدول
أولويات التدخل الخارجي لهاذين الجهازين الخطيرين، ليس على ايران فقط، وانما على
دول العالم المتمردة، على منظومة الاستعباد الامريكي الصهيوني.
لن تتوقف اجهزة الاستخبارات الامريكية وحلفاؤها، عن تصفية
معارضي سياسة بلادها، ولذلك تأسست، ويبقى على ايران المستهدفة ومحورها المقاوم، ان
تتخذ ما يلزم من إجراءات لتفادي الايقاع بها، وأعتقد أن ما هو مطلوب في هذا الاطار
تحقق، فقد تكسرت أمواج الفتنة على شاطئ ولائي إيراني، يفرض بسياساته الاسلامية جزر
الاستكبار الامريكي، ولا يقبل مدّ الى عمقها الداخلي، وهكذا تبقى ايران قلعة صامدة
عصية على أمريكا .
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire