قد يبدو تعبير الرئيس
الامريكي (دونالد ترامب)، استعداده للقاء القادة الايرانيين، في أي وقت ودون شروط،
مفاجئا للكثيرين، الذين كانوا ينتظرون خطابا مسترسلا، لما عبرت عنه السياسة
الخارجية الامريكية سابقا، من اطلاق التهديدات على ايران واصدار سلسلة جديدة من
العقوبات عليها، يرفع من ونسق التوتّر القائم بينهما، منذ خروج إيران بقاطرتها الإسلامية
في 11/2/1979، عن سكة العمالة الواضحة، التي كان يسير عليها الشاه المقبور.
فإجابة عن سؤال وجّهه اليه أحد الصحفيين، حول
احتمال عقد لقاء مع نظيره الايراني الشيخ حسن روحاني، في معرض
المؤتمر الصحفي المشترك، الذي جمعه مع
رئيس الوزراء الايطالي (جوزيبي كونتي Giuseppe Conte) في البيت الابيض، قال ترامب: (لا أعرف إذا
كانوا مستعدين لذلك)، مضيفا (افترض بانهم يريدون الالتقاء بي، وأنا مستعد للإلتقاء
بهم متى أرادوا)، وتابع: ( لا شروط مسبقة، إذا أرادوا أن نلتقي سألتقيهم، في أي
وقت يريدون).
ولم يتأخر الردّ عن
العرض الامريكي، والإيرانيون أدرى بما في جعبة البيت الأبيض، فقد جاء على لسان
القائد العام للحرس الثوري اللواء جعفري قوله: (إيران
ليست كوريا الشمالية لكي ترد بالإيجاب على دعوتك لإجراء لقاء، وأعلم أن الشعب
الايراني عززّ دينه وإيمانه، بالإسلام الذي أحياه الأمام الخميني، وهو يختلف
كثيراً عن الشعوب التي تقبل الهيمنة، ولن يسمح ابدا لمسؤوليه بالتفاوض ولقاء
الشيطان الأكبر.)
تعددت ردود الافعال الموجهة الى عرض الرئيس
الامريكي، من مختلف رجال السياسة والمؤسسة العسكرية، وهي جميعها لسان واحد، ومنطق متطابق
في الرّدّ، نابع من ثقافة اسلامية أصيلة، بثّها الامام الخميني بين ابنائه،
فشربوها بعقولهم، واستودعوها قلوبهم مبادئ، لم يحيدوا عنها طوال العقود الاربعة
الماضية، أثبتوا فيها أنهم أوفياء مخلصين لنهجه، في معاداة الاستكبار العالمي، ومن
بين مقالات مفجّر الثورة الاسلامية: (يجب أن يعرف العالم أجمع بأن إيران قد وجدت
طريقها، ولن تدع مواجهة أمريكا حتى القضاء الكامل على جشعها، ومصالحها غير
المشروعة، التي تستهدف إمتصاص دماء المستضعفين في العالم، وسنتحمل جميع الصعاب في
سبيل ذلك، ولن نتراجع قيد أنملة مهما كانت التحديات.
نحن بدأنا بمقارعة
الإستكبار العالمي وخصوصاً أمريكا، بكل قوة وإقتدار، وكلّنا أمل أن يمضي أبناؤنا
والأجيال القادمة، بحمل لواء التوحيد والحرية في العالم، بعد التخلص من هذا الخطر
المحدق، ونحن متيقنون بأن أبناءها سيذوقون حلاوة النصر، إذا ما واصلوا طريقنا،
وقاموا بواجبهم في محاربة أمريكا المجرمة، والتصدي لغطرستها وعنجهيتها.) (صحيفة
الامام )
وطبيعي، أنّ من كانت هيكليّة
ثقافته، مبنيّة على أساس هذا الفكر الثوري، المتبصّر بحقائق الشيطان الأمريكي،
الذي يبذل قصارى جهوده، من أجل السيطرة العالم بأسره، بما فيهم أولئك الذين
يعتقدون انفسهم حلفاءه ومقربين منه، فهو يراهم بنظرة استكباره هم ايضا.
من العيب حقا أن نرى
دول العالم بأسره تقريبا، خانعة صامتة أمام الاستهتار الامريكي، مستسلمة لقراراته
ومواقفه المتطرفة والمنحازة، وفي أحسن حالاتها منددة بها، مستنكرة لها خشية ردود
أفعال شعوبها، ولعل ذلك لا يكون الا بعد موافقة أمريكية، تؤخذ من وراء الكواليس.
ومن العار أيضا أن
تنخرط دول في سياسات الاستكبار الامريكي، بمقدورها أن ترفضها وتعارضها، ولا تخشى
من تبعات قراراتها، وهي التي صنفت من بين الدول الاكثر تقدّما، كاليابان وفرنسا
وبريطانيا والمانيا.
ومن المشين على هذا
العالم المجنيّ عليه أمريكيا، أن لا يقف أمام هذا الجاني الخبيث، ليقول له كفى
جنايات بحق شعوبه، ويحاسبه على كل جرائمه المعلنة والخفيّة، وما خفي منها كان
أعظم.
لقد اصبحت شعوب ودول
العالم تدرك ذلك، لكنها لا تقاوم تلك السياسات العدوانية، وترضى بها خوفا من سوء
العاقبة المتوقعة، وأمريكا بالنسبة الى هؤلاء آلهة المال والاقتصاد، ومعارضتها قد
تؤدي الى نضوب المعين المالي، وجلب القحط الاقتصادي الى بلدانها، وطالما أن ورقة
الاقتصاد العالمي بيد أمريكا، فإن من شأن هذه العقلية، أن تبقى نافذة في عقول
الساسة الخاضعين لها، سواء أكانوا من الدول الصناعية، أم من دول التبعيّة وسوق
الاستهلاك.
والعجيب أن دول
العالم المبتلاة هذه السنوات بدابة الارهاب التكفيري، والعالمة بمصدر نشأته،
باعترافات صنّاعه وفي مقدمتهم أمريكا، لا يعتبرون الممارسات الاقتصادية والسياسية
المسلطة من هذه الدولة على دول بعينها إرهابا، كأنما أصبحت مشرعنة بقوة النفوذ
المالي والاقتصادي الذي تمتلكه أمريكا.
ايران الاسلامية هي
الدولة الوحيدة في هذا العالم، التي فهمت حقيقة أمريكا، وتعاملت معها على ضوئها
بما يجب أن يكون احتياطا، بالسرعة التي يجب أن تكون في ظل تهدياتها التي عرفت بها،
لو بقيت علاقاتها الدبلوماسية قائمة، معتمدة في حركة شبابها الثوري على الله وحده،
في عمله المشهود، المتمثل في احتجاز رهائن السفارة الامريكية بطهران في (4/11/1979
الى 20/1/1981)، والتي رآها من رأى مجازفة مجنونة، كانت في واقع الأمر الصّدّ
الوقائي، الذي حمى الثورة الاسلامية في ايران، من عبث أمريكي محتمل ضدها.
وبرغم كل ردود أفعال
امريكا اليائسة من استجابة ايران، وجميع رؤساءها بما فيهم الأخير ترامب، متيقنون
من عدم انقلابها على مبادئها، وفي مقدمتها اعتبار أمريكا شيطانا أكبر، بما يعينه
ذلك، من استحالة أي نوع من التعامل مع الشيطان، وترامب في تصريحه بقوله: لا أعرف إن
كان الايرانيون مستعدين للقائه. كاذب ومراوغ يحاول إيهام المتوهمين، بإمكانية أن
تصبح امريكا فجأة ملاكا، فتتغير سياساتها 180 درجة، من نقيض الظلم الى مجال العدل.
ايران الاسلامية لن
تمضي في أثر كوريا الشمالية بأي حال من الأحوال، لاختلاف الثقافة والقناعات بينهما،
والأهم هو أسلوب الحكم المؤسساتي، الذي يشكل صمام السياسة الاسلامية الايرانية،
وحافظ مصالحها المشتركة اسلامية ووطنيا، ومحاولات أمريكا اليائسة اقناع بأسلوب
الكذب والخداع، أو اخضاع ايران بتشديد العقوبات على عليها، هي من قبيل حركة
الشيطنة التي عرفت بها أمريكا، وانخدع لها اكثر دول العالم، وإيران أولا وأخيرا لن
تكون كوريا الشمالية، ولن تنخدع بأمنيات الشيطان الكاذبة، ( يعدهم ويمنّيهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً).
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire