samedi 1 septembre 2018

حركة النهضة بين الإرادة والمُراد


حركة النهضة بين الإرادة والمُراد
عندما كنا منتسبين لحركة الإتجاه الإسلامي - ونحن ثلة من الشباب المتوقد حماسة لاجل الاسلام- كانت الساحة الوطنية خالية من أي عمل إسلامي سياسي، ولم يكن فيها  سابقا سوى الحركات اليسارية والقومية، وبما أن بداية نشاة وتأسيسها، كان يستوجب فكرا إسلاميا شموليا، يستجيب لمتطلبات العصر، وإشكالات مجتمعاته، في الاعتقاد بان الدين لا شان له بسياسة ولا إقتصاد، وحتى جوانب من المسائل الإجتماعية لا يرى له فيها موقف معتبر - كما يعتقده اللائكيون ومعهم بعض أدعياء الإسلام - سببه تغييب متعمد للإسلام عصور طويلة، جعلت منه دينا قاصرا عن الإستجابة لأغلب متطلبات الحياة البشرية، والحال أن الإسلام جاء لأجل إصلاح ما أفسده الناس منها جميعها.
لقد كانت بداية الحركة الاسلامية محتشمة، وتكاد تنحصر في التبليغ المسجدي، بإقامة الدروس والمحاضرات، ولم تكن لها فعالية في الجامعة التونسية ولا وجود معتبر، إلا بعدما انفتحت قياداتها على الفكر الإسلامي الشيعي، وقرأوا مع طلائعهم المثقفة، مؤلفات شيعية متنوعة، في مقدمتها كتابات الشهيدين محمد باقر الصدر، ومرتضى مطهري، التي مكنتهم بعد استيعاب افكارهما في مجالات الاقتصاد، والرد على المذهبين الاقتصاديين الراسمالي الديمقراطي، والاشتراكي الشيوعي، والتغلب على منتسبيه في مناظرات طالبية، شهدتها المجاميع الطالبية، مكنت الاسلاميين من اكتساح الساحة الطلابية، وترجيح كفة الاسلاميين فيها..
جميع من عاصر تلك الفترة الحساسة، من ظهور الطلائع الاسلامية، المؤمنة بحتمية قيام النظام الاسلامي، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا، يدرك فضل الفكر الشيعي على الحركة، في تمكنه وسيطرته شبه الكلية على الساحة الطالبية.
في الفترة التي تلت انتصار الثورة الاسلامية في ايران، وقيام نظامها، كانت كل المؤشرات توحي، بان الحركة قد اختارت السير على نهج الثورة الاسلامية، وكان اندفاع عدد من قياداتها يؤشر الى ذلك، من خلال تعابير وكتابات، اعطت للقراء ذلك اللانطباع، فعلى سبيل المثال، كتب احدهم في مجلة المعرفة، مقالا بعنوان: (الرسول ينتخب ايران للقيادة)
لكنه ولاسباب مختلفة، بعدت مسافة الانتماء الاختياري، ليتحول بسرعة الى حالة من الغربة، لتوجه قيادة الحركة، ويبدو ان  النفس التيمي  الوهابي قد سجل حضوره فاصطبغت ثقافة الجماعة بنزعة معاداة الشيعة وبدات مطبوعات الباكستاني احسان الهي ظهير الدعائية ضد الشيعة تظهر وتوزع بين افرادهم ...
يمكن اعتبار حركة الاتجاه الاسلامي، الام الإسلامية التي تفرعت منها تيارات عقائدية وفكرية أواخر السبعينات وبداية الثمانينات، كجماعة اليسار الاسلامي في شخص مفكرها الدكتور حميدة النيفر بالعاصمة، والشيعة في شخص داعيتها الشيخ مبارك بعداش بقابس، وحزب التحرير في شخص داعيته محمد سعيد بقابس.
لكن عقلية الهيمنة واحتكار الساحة، والخوف من تزايد انسلاخ المنتسبين على حركة الاتجاه  الاسلامي، وأنانية عدم تقاسم الوجود على الساحة، والاعتقاد بأحقية الاحتكار بعامل السبق، خصوصا بعد تنازلها عن اسمها التاسيسي الى حركة النهضة، استجابة لطلب النظام في تغيير الاسم، عندما أستدرجت من طرفه، الى تقديم طلب تأشيرة حزب سياسي، وكانت الغاية خبيثة في جس نبض شعبيتها في الانتخابات البرلمانية ووقوف النظام على حقيقة حجمها، ونسب مناصريها التقريبية ومدى تاثيرهم على محيطهم، وشكلت نتائج الانتخابات صدمة للنظام البورقيبي، جعله يبادر لتزويرها أوّلا، وينقلب على نفسه في اعتبارها حزبا سياسيا، له الحق في ممارسة نشاطه العلني في البلاد، بعد قبول ملفه، ومنعرجا أمنيا خطيرا، سلكه النظام في تعامله مع قيادات ومنتسبي حركة النهضة، بشنّه حملة اعتقالات ومحاكمات صورية، كانت تهدف تقزيمها، وخلق حالة من الخوف الشعبي من الانتساب اليها.
قبل ذلك كان هناك استياء من خروج عدد من اعضاء ومنتسبي الحركة من العمل في صلبها الى فضاءات اخرى، وكان للشيعة نصيب منها، اغاظ الشيخ راشد وجماعته معتبرا إياه طعنا في الظهر، ودعاه الى تصريح مسجل ردّا على سؤال من أحد أعضائه، تعلّق بظهور الشيعة في تونس، فيه تهديد بالتصدي للمد الشيعي في تونس.
وزاد الشيخ المحامي عبد الفتاح مورو على ذلك بالقول، انّ الحركة - وهو أحد أركان تمثيلها - نبهت النظام البورقيبي الى خطورة الشيعة، كاشفا من مضمون كلامه علاقة ما بالنظام، لا يعلم طبيعتها ودرجة تعاملها معه سواه، أو من ارتبط بنشاطاته على ذلك الملفّ.
من هنا يتبين لنا مدى الشّحن الذي تعبأت به قلوب كبار قادة حركة النهضة، والذي بقيت آثاره الى الآن، تظهر من حين لآخر بأشكال مختلفة، من التحريض السياسي والامني ضد الشيعة، وتكفيرهم بالاستعانة بالجناح الوهابي في الحركة، ومعاداة الجمهورية الاسلامية في إيران بشكل متخفّ وآخر معلن، كالادعاء بانها تقتل السنة في سوريا - بينما هي تقدم خدمات جليلة سيذكرها التاريخ في محاربة الارهاب التكفيري- وتحميلها مسؤولية الاشراف ورعاية المدّ الشيعي في تونس والبلاد العربية، رغم خلوّ يدها من مستمسكات ذلك الادّعاء، وتعرّيه من الحقيقة، وتفنّده بالقول، انّ المدّ الشيعي ليس سوى اجتهادات أشخاص، بعد سلسة بحوث جادّة، أخذت بأعناقهم من خلالها، نصوص معتبرة - من صحاح ومدونات أهل السّنة أنفسهم - فرضت نفسها عليهم باتباع التشيع لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، في حركة شخصية لا علاقة لإيران بها، واتهام فيه مغالطة كبرى، يستوي في ميزانه الدعائي، باتهام النظام البورقيبي بأن حركة النهضة خمينيون.
واليوم يبدو أن السلطة وحب الرئاسة - مهما كانت الوجهة والنتائج - قد حملت الجناح المتطرف والاقصائي في حركة النهضة، الى عقد اتفاق تفاهم مبدئي مع السعوديين من اجل تحقيق هدفين،  الأول حماية أنفسهم من العدو الأخطر الامارات العربية، وما تخططه ضدهم على الساحة التونسية، والثاني مجاراة النظام السعودي في حملته الافريقية، التي صرح بها ولي عهده محمد بن سلمان، بالتصدي للفكر الاسلامي الشيعي ورمزه الأوّل ايران، ويعتقد السعوديون أنهم بأموال البترول والحج، بإمكانهم أن ينجحوا في وقف المدّ الشيعي، ولو بقتل المدنيين الشيعة في مناسباتهم وتجمعاتهم بدم بارد، كما وقع ذلك في (زاريا) بنيجيريا ..
اتفاقية تبدو صعبة التنفيذ في تونس لسببن، الاول قانوني وتشريعي حيث يضمن الدستور التونسي الباب الأول من مبادئه الأساسية العامة: الفصل السادس (الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدسات.. تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح، وبحماية المقدّسات، ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير، والتحريض على الكراهية والعنف، وبالتصدي لها.)
كما جاء في الباب الثاني من الحقوق والحريات: الفصل 21 (المواطنون والمواطنات متساوون في الحقوق والواجبات، وهم سواء أمام القانون من غير تمييز. تضمن الدولة للمواطنين والمواطنات، الحقوق والحريات الفردية والعامّة، وتهيئ لهم أسباب العيش الكريم.) وهي حقوق مكفولة لكل تونسي، بمقتضى الدستور الجديد للبلاد، بقطع النظر عن معتقده وفكره وعليه يصعب فعل شيء بهذا الصدد يكبل حرية أي منهم الفكرية او العقائدية.
والثاني اخلاقي ودبلوماسي، لا يجيز قطع علاقات مع دولة، لم تتسبب لتونس في ضرر، ولم تكن حشرت نفسها في الشأن الداخلي للبلاد، ومع انعدام الاخلاق والالتزام بالمواثيق الدبلوماسية، قد تصطنع مسرحية لا لون لها ولا طعم، وقد تفوح رائحتها السعودية، استجابة لرغبتها في الاساءة الى ايران وتشويه صورتها، ودفع حسن نوياها بالسوء والادعاء الباطل، كما فعلت ذلك من قبل دول عربية كالمغرب والسودان  
هذا راي الجناح الوهابي في حركة النهضة، وما قد يسقط في شراك تنفيذه بشكل أو بآخر، لكن هل ينزل عنده بقية اعضائها، خصوصا اولئك الذين نهلوا من الفكر الشيعي السياسي والاقتصادي، فيفتحوا نار العداء والحقد على ايران، ويرضوا بان ينخرطوا في منظومة اعدائها عديمي الضمير والانسانية.
وهل وصلت درجة الخوف من اللوبي السعودي الاماراتي النافذ بتونس، استجابة حركة النهضة لرغباته الخبيثة والنزول عندها، وهي التي لا تعبر عن الاسلام والمدنية في شيء، بل انها استجابة لرغبات امريكا والصهيونية العالمية، التي عادت ايران منذ انتصار ثورتها وقيام نظامها، ولا تزال على ذلك المنوال تشتد فيه كل يوم، وتدعو عملاءها الى شدّ إزرها عليه، أملا في زحزحتها عن مبادئها الاسلامية المعلنة.  
وأخيرا، هل يجب علينا تذكير الشيخ راشد الغنوشي، بمبادئه التي ضمنها فكره الاسلامي السياسي، في حق الاختلاف وواجب وحدة الصف؟ ومنها بينها قوله: (الحرية هي مبدأ أساسي ومتأصل في الاسلام، إذ لا إكراه في الدين،  ولا تقدّم لبلداننا، ما لم تحصل شعوبنا على الحرية .. وعلينا تعلم إدارة الاختلاف وقبول الآخر) وما سيترتب عليه من مراعاة دستور البلاد الجديد، واحترام الاقليات فيه، والنظر الى ما يعرض على حركته من مقترحات بعين التقوى، والابتعاد عن السمسرة السياسية الخاسرة، ومراكنات المصالح، التي قد ترى حركته نفسها متورطة ومنخرطة فيها بأحد الدوافع المذكرة سابقا، وتعود بعدها بخفّي حنين، فهل تسقط هذا السلوك لعدائي المتعارض تماما مع أدبيات الفكر النهضوي، النخبة الخيرة في الحركة، هذا ما سنرى امكان تحققه  من عدمه لاحقا.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire