لا شك أن التغييرات الجذرية التي أحدثتها الثورة الاسلامية الايرانية،
بنجاحها الباهر، في قطع دابر الاستكبار الغربي بزعامة أمريكا وبريطانيا من إيران،
والذي إمتدّ ليصل مداه الى خارجها، تأثيرا في طلائع الشعوب الاسلامية، المنخرطة في
العمل الاسلامي، والتي لم تتوقع يوما – رغم النصوص الصريحة والواضحة قرآنية ونبوية
- أن تكون إيران صرحا إسلاميا عتيدا، يشعّ منه الدين الحنيف بكل شفافية، وتصل
أفكاره الثورية ومبادئه الأساسية، في بناء نظام حكم إسلاميّ دستورا ومجالس شورى
وصيانة وقيادة، يقدّم فيه نموذجا - جديرا بالإحترام والتقدير- الى أنحاء العالم،
ليطرح الاسلام المحمّدي الأصيل، هذا الدين القيّم من جديد، في شكله المتناسق الحالي،
نظام حكم عتيد، بإمكانه أن ينافس نظم الحكم الحالية، ويتفوق عليها.
تغييرات استمرت في أدائها الفكري العميق، لمفاهيم عديدة في الاسلام،
لم تكن مكتملة وناضجة في عقول قادة وزعماء الحركات الاسلامية، في البلاد العربية
خصوصا والاسلامية عموما، والتي كانت حكوماتها ولا تزال تأتمر بأوامر أمريكا ودول الغرب،
وتنضوي تحت سياساتهم طاعة وتنفيذا، وان خالفت تلك السياسات مصالح الشعوب، فلا يهمّ
طالما أن رضا أمريكا هو المطلوب.
لقد شكلت ايران في ثوبها الاسلامي، المناقض تماما لنظامها الدكتاتوري البائد،
والذي اعلن منذ خطوتها الأولى بنظامها الجديد، أن أمريكا وكيانها الصهيوني،
عدوان لدودان للإسلام المحمدي: ( إن أشد
عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا)، وعلى المسلمين أن يأخذوا ذلك في
الحسبان، ويتخلّصوا من الهيمنة الامريكية وتوابعها، كما فعل الشعب الايراني
بقيادته الربانية الحكيمة، ومن هنا بدأ صراع خفي بين ايران، بما تحمله كلمة
الاسلام من معنى حقيقي وعميق، وامريكا زعيمة الحلف الصهيوني العالمي، فكانت
العقوبات، والحصار، والحرب العسكرية بالوكالة، ومؤامرات العمل على اسقاط النظام
باغتيال كوادره وعلمائه، وكانت وسائل الاعلام العالمية المسيطر عليها من طرف
اللوبي الصهيوني، صاحبة أكبر نصيب في الدعاية الاعلامية المغرضة، التي لم تترك
فسحة لإيران الاسلامية، للظهور بمظهرها الحقيقي المشرّف، البعيد عن التطرف ومعاداة
الشعوب.
ورغم كل هذا التجييش والتحريض والتشويه والتآمر، مضت الجمهورية
الاسلامية في ايران مستعينة بالله ومتوكلة عليه، مؤمنة بأن طريق الحق الذي سلكته، بقيادة
العالم الرباني الامام الخميني رضوان الله عليه، هو الاختيار الأمثل، الذي رضي به
قوم سلمان المحمدي، فكانت التوفيقات الالهية، عناوين نجاحات أدمغة وسواعد الشعب
الايراني، المؤمنة بحسن خياراتها، وصواب منهجها، ما زاد من صدمة أعدائها وتزايد
غيظهم - مع أذنابهم وعملاءهم- عليها.
اعداء ايران وعلى رأسهم امريكا مرتبكون اليوم، ماذا يفعلون لوقف هذا
التطوّر السريع لشعب آمن بالإسلام شريعة منهاجا، وعملا بمقتضى ذلك الايمان الصادق
بكل جد وتفان، وتمكن في ظرف وجيز من جني ثمار جهوده المضنية وتضحياته الكبيرة؟
أمريكا التي لم تترك سبيلا لعرقلة
ايران وعزلها اقليميا وافشال مشاريعها التنموية والتحررية وخنق فكرها الاسلامي
الشمولي ومنعه من الانتشار، يأتي أحد أركان نظامها ليقول كلاما مناقضا لسياسات
بلاده حيال ايران، فقد أجاب وزير دفاعها (ماتيس) رداً على سؤال طرحه أحد الصحفيين في
ندوة صحفية عقدها، مفاده إذا كانت إدارة الرئيس (دونالد ترامب) استحدثت سياسة،
لتغيير النظام الإيراني أو دفعه للانهيار»
قال ماتيس: «لم يتم وضع مثل هذه
السياسة.. نريدهم أن يغيروا سلوكهم، فيما يخص عدداً من التهديدات، التي يمكن أن
يشكلها جيشهم ومخابراتهم، ومن ينوبون عنهم ووكلاؤهم» ( نقلا عن رويترز).
اميركا والغرب غاب عن سياساتهم الصدق، واتسمت
جميعها بالدهاء والخبث والكذب على شعوبهم وعلى العالم، فكل سياساتهم مغالطات
ودعايات زيف وبهتان، وهكذا هي السياسة عندهم، تثعلب وتذيّب بشري، مخادعة للشعوب
الضعيفة، وغنما لمقدّراتها، يرتكبون المخالفات الكبيرة، ويحرضون على الانظمة التي
لا تستجيب لسياساتهم، وتتمرّد على أطماعهم، كما هي شان ايران وسوريا وفنزويلا
وكوبا وكوريا الشمالية، واذا كانت امريكا بحسب ما عرف عنها، ضالعة في محاولات قلب
انظمة الحكم في امريكا اللاتينية، فإن من المتوقع جدا أن يكون لها مخططات وخيارات،
تسعى للتخلّص من النظام الاسلامي في ايران، وقد فعل خيرا الامام الخميني رضوان
الله عليه، عندما قطع دابر طاقمها الدبلوماسي، وطرده خارج ايران بعد 444 يوما من
احتجازه، فطهرت عاصمتها منه نهائيا، ومن سفارة الكيان الصهيوني، ضريبة كل ذلك
كبيرة ولكن لا بأس فلكل مكسب شعب حرّ تضحيات، وتلك سنّة الأحرار.
الغرب غير صادق مع ايران، فهو يحتضن بعنوان الحرية
وحقوق الانسان، جماعات إرهابية، كمنافقي خلق، ذات السّجل الأسود، في ارتكاب جرائم
اغتيال سياسية داخل ايران، والتي تتخذ من (أوفير سور واز Auvers-sur-Oise ) بضواحي باريس، مقرا رئيسيا لها، وتتلقى الدعم من أمريكا وفرنسا
وبريطانيا وعملاؤهم من اعراب الخليج، ولا تزال هذه الدول ترى في هذه المنظمة
الارهابية، حليفا معتبرا ضد النظام الاسلامي الايراني، وهي الأكثر حقدا عليه منهم.
وحصل موقع «واشنطن فراي- بيكون The Washington
Free Beacon»
الإخباري الأمريكي، على خطة تظهر أن البيت الأبيض يعمل على قلب النظام الإيراني،
بدعم الحركات الشعبية في الداخل، دون تدخل عسكري، ووفقًا للموقع المُقّرب من
مسئولي البيت الأبيض، تشير الخطة المكونة من ثلاث صفحات، والتي تم تسليمها إلى
أعضاء لجنة الأمن القومي، إلى أن ترامب سيسعى لتغيير النظام في إيران، من خلال
برامج ديمقراطية، من شأنها إحداث فجوة أكبر، بين الشعب الإيراني... والنظام الديني
الحاكم في طهران، وقد قامت بإعداد هذه الخطة، مجموعة الدراسات
الأمنية، التي تعرف بـ«Security
Studies Group»،
ولديها علاقات وثيقة مع مسئولي الأمن في البيت الأبيض، بمن فيهم جون بولتون.
خيار دعم الحركات الانفصالية داخل ايران (كردستان/ بلوشستان) بعنوانه
المزيّف ديمقراطية أمريكا والغرب، من اجل الهاء النظام عسكريا في وضعه الداخلي،
والعمل على استقراره إن حصل تمرّد من هذا النوع، وبالتالي اشغال القوة العسكرية
الايرانية في صراعات داخلية، والعمل الامريكي على هذه الخطة، قائم منذ سنوات عديدة،
وهكذا يبدو المنطق الأمريكي مخادع وكاذب الى أبعد حد، فكل ما فعلته ايران بدافع
عقيدتها الاسلامية الدعوة الى القطع مع الاستكبار العالمي، والضرب على أياديه
العابثة، بثروات ومستقبل الشعوب العربية والاسلامية، والعمل على تقوية حركات
مقاومة العدوّ الصهيوني في فلسطين ولبنان، وهذا ما تصنّفه أمريكا ارهابا خاصا بكيانها
الغاصب، الذي تريد فرض وجوده، ونشر هيمنته على المنطقة، وهذا ما ترفضه ايران رفضا
قاطعا، وتحذر الدول العربية من مغبة الانجرار وراءه، رغبا أو رهبا، وهو شرف لها في
كل ما قدمته، ولا تزال تقدّمه، استجابة لواجب الاخوة والتعاون الاسلامي، الذين يريد محقهما الغرب بكل ملحقاتهما.
محاولات امريكا اخضاع ايران أو اسقاط نظامها، بكل الخطط المطروحة
عندها، لدى مجلس امنها ستبوء بالفشل الذريع، وستخرج ايران منتصرة على غطرسة غاشمة،
تهيب منها اغلب دول العالم، ووقفت أمامها ايران وحدها موقف البطولة والثبات
والرجولة والمبادئ.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire