قديما عندما كانت ايران، محكومة زمن ما قبل الثورة الاسلامية،
بنظام الشاه الدكتاتوري، العميل بكل اصناف العمالة والتبعية لبريطانيا وامريكا،
كانت مغبوطة في موقعها بين الدول الاسلامية، ومقدّمة عليهم بالرضا الغربي، الذي
عادة ما تعطيه دوله الاستعمارية الجشعة، لمن اثبت جدارته بالولاء لهم، ووضع بلاده
ومقدراتها تحت تصرفهم.
حينها كانت انظمة العرب عموما، الاكثر شغفا بالنظام الملكي
الايراني، وخصوصا دويلات الخليج البادية في التخلف الديني والحضاري، رغم ان الشاه
قد كان بادر بالاعتراف بالكيان الصهيوني، وفتح سفارتي علاقاتهما بكل من طهران وتل
الربيع .
حينها، كان للشاه - على ما كان عليه من سوء بحق شعبه ودينه -
كلمة وصوت مسموعين بين هؤلاء العربان، لا يجرؤ أحد منهم على رد شيء منه، حتى تلك
الجزر التي ادعت الامارات حيازة ايران لها، لم يسمع لها بشأنها حينها حسيسا يذكر.
وما ان تحولت الامور في ايران من صالح الغرب، الى صالح الشعب
الايراني، بثورته التاريخية الفريدة من نوعها - والتي يصعب ان تتكرر في بلد اسلامي
اخر، بعد ان ذاقت امريكا مرّ علقمها - حتى بدأت ولاءات العربان وطاعتهم لإيران
الشاه، تنقلب راسا على عقب، ليحلّ محلّها الرّيب فيما جرى، وتغيم عن انظارهم
حقيقتها الواضحة كالشمس، فيصبحون متباعدين عنها متبرئين منها، ليس لسوء
فيها رأوه أو لمسوه، وانما استجابة لإرادة امريكا والغرب، في اعتبارها خارجة عن
ارادتهم، متمردة على املاءاتهم، التي كانت مسموعة ومطاعة زمن الشاه، وللذكرى هنا
أشير الى أنّ الرئيس التونسي بورقيبة، كان من المبادرين بالذهاب الى امريكا ليقول
لساستها: ان تونس مالكية، ولا شان لها بالتشيع في ايران.
وقد تعددت حركات التنصل والتبرئ من النظام الاسلامي الايراني،
من عديد الحكام العرب، ارضاء لسادتهم الغربيين، وتعبيرا عن بقائهم رعايا تحت
سلطانهم، في حين كان من باب أولى بهؤلاء الحكام المحسوبين على الاسلام، ان لا
تتغير نظرتهم لإيران في ثوبها الاسلامي الجديد، فتنقلب الى الضد، دون مبرر وجيه أو
حجة بادية، تلقى فيها اللائمة عليها، بتقصير أو إدانة ما، ولكن طالما أن كل هذه
التغيرات في المواقف، أخذت طابعا سياسيا إملائيا في اغلب قراراته، فإنه من العيب
والعار الاستمرار فيه، وللأسف كان هذا ديدن العرب في نقض العهود وخذلان الحق.
يكفي ايران شرفا انها لم تعتدي في يوم
من الايام منذ انتصار ثورتها، على احد من جيرانها، بينما تعرضت هي لعدوان من
النظام البعثي العراقي - ولم يمضي على انتصار ثورتها سوى بضعة اشهر- استمر 8 سنوات،
نتجت عنه اضرار فادحة في الارواح والممتلكات، ورغم تواطئ الامم المتحدة مع المعتدي،
وسكوتها عن جرائمه الفادحة، لم يجد مجلس
أمنها بدا في نهاية المطاف لما اخفق النظام العراقي في عدوانه على إيران، والتي
كان هدفها اسقاط النظام الاسلامي، من الاعتراف والاقرار في جلسته يوم 11 ديسمبر
1991، أي بعد حوالي 12 سنة من انتهاء غزوه، بأن العراق كان المعتدي على ايران، وحملوه
مسؤولية ذلك، وما ترتب عنه من جبر أضرار بأكثر من 100 مليار دولار، ومع ذلك تجاوزت
ايران الاسلامية، وتنازلت عن حقها في التعويضات، رأفة بالشعب العراقي.
ثم جاءت حرب الخليج الثانية، لتؤكد معدن ايران وأصالتها، والتزامها
الاسلامي، رافضة ان تتدخل في الحرب ضد صدام، ورافضة السماح للقوات المتعددة
الجنسيات - ومنها قوات عربية كانت في العدوان تدعم نظام صدام - من استخدام أراضيها،
او استعمال مجالها الجوي وكان ذلك موقفا نزيها ومشرفا يحسب لإيران الاسلامية.
وعندما وصل الارهاب الى تخوم العاصمة بغداد تحركت ايران نجدة لأشقائها
في العراق، وفتحت مخازن اسلحتها لمتطوعي الحشد الشعبي بعد تدريبهم، وبإسهامها المعتبر
بخبرات كوادرها ودماء ابنائها، انحسر التهديد عن بغداد، وتحررت المحافظات التي
كانت تحت سيطرة داعش، ووصل العراق الى قطع دابر هذا التنظيم الارهابي عن كافة مدنه
وقراه، فلم يبق منه سوى جيوب صغيرة، متفرقة في الاماكن النائية، مختبئة فلوله كالجرذان.
وهذا يرجع فضله في قسم معتبر منه الى ايران، بما قدمته لله اولا، اداء لواجب
الاخوة، التي تجمع الشعبين الايراني والعراقي، متحملة فيه مسؤوليتها الشرعية، دون
ان تنتظر مقابلا أو شكرا من احد.
وتنفس العراقيون الصعداء، وبدا الامن يعود الى مدنهم، بعد ان
كانت التفجيرات الارهابية عيش الاهالي وخبزهم اليومي، وبدأت الحياة في تلك الربوع،
تعود الى طبيعتها الامنية، وهذا النجاح الذي تحقق بإنهاء مشروع داعش الامريكي
الغربي، ما كان ليعجب صناع دابته السوداء، الذين كانوا يأملون دوامه الى سنوات
قادمة، وعبّروا أكثر من مرة على استحالة انهائه بسرعة، فخططوا من اجل خلط الاوضاع الداخلية
العراقية من جديد، لكن هذه المرة بأسلوب تحريك الجماهير المطالبة بالإصلاح،
ومحاسبة الفاسدين المتنفذين في البلاد، وهذه المطالب من حق الشعب العراقي القيام
لأجلها، طالما أن حقوقه مهدورة بذلك القدر، وهو شأن داخلي عراقي ليس لإيران
الاسلامية فيه دخل، واقحام متظاهرين اسم ايران، ودعوتها للخروج من إيران، ( إيران
برّه برّه ) تتناغم مع مخطط أمريكي تموّله السعودية، لتشويه صورة إيران، والاساءة اليها،
ووضعها في قفص الاتهام، على أنها المتسببة فيما وصل اليه العراقيون، والحال أنها
بريئة من كل ذلك، والعراقيون أنفسهم من يتحمل تبعات ما وصلوا اليه بسياسات نظامهم
السابق الذي أوردهم موارد الهلكة، والحكومة الحالية المقصرة بحق شعبها، وعليه
محاسبتها.
لماذا لم تنادوا بذلك النداء السخيف، عندما كانت خبرات الحرس
الثوري الايراني تقارع مع أبنائكم جهلوت وخطر داعش؟ لماذا لم تفعلوا ذلك، عندما
كان الإرهابيون يستبيحون ارضكم واعراضكم، وتذبح رجالكم ذبح الخرفان، وتفتك بأحيائكم
ومقدراتكم؟
الثورة اسلامية ونظامها قاما أساس من اجل محاربة الفساد وقد نجحت
ايران في ذلك، فلماذا لا يعتبر العراقيون من نتائجها، ويصلحون شأنهم دون الاساءة
الى من احسن اليهم، ما هكذا الطبع العربي في أخلاقه الكريمة، وما الذي جرى سوى لؤم
أسقط على العراق اسقاطا نأمل من كل قلوبنا أن يبادر اليه الغيارى فيرموه وراء
ظهورهم ويعتذروا لإيران حكومة وشعبا، عما بدر من فئات أجزم أنها مندسّة، تجرّ
وراءها جهلة، تنفذ مخططا، لو قدّر له أن يجد موطئا، ستكون عواقبه وخيمة على العراق
أولا وأخيرا.
لذلك أقول صفّوا حساباتكم الداخلية،
بعيدا عن حشر اسم ايران فيه، وبقدر ما تسرعوا في ايجاد الحل الصائب، الذي يستنقذ
العراق من الفساد المستشري بداخله، والبريئة منه ايران، براءة لا يخالطها شك، بقدر
ما تكون عملية الانقاذ مجدية وناجعة، وعلى الافواه التي تعرضت لإيران بالسوء، أن
وتخرس نهائيا، والعار كل العار على العراق، اذا لم تجد تلك الافواه المخرطة في
المؤامرة على البدين، من يلجمها بلجام الحق، فيكفي إيران ما بها من تقسيم القلب، والاشتغال
بما ينفع الامة الاسلامية ويفيدها، ايها العراقيون الاحرار، أعينوا ايران على
الاقل بالصمت، إن لم يتسنى لكم أن تفعلوا أكثر من ذلك.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire