jeudi 5 juillet 2018

إيران الإسلامية كما يجب أن تُرَى



خرجت الى هذا العالم فريدة عصرها، بثورة اسلامية لا مثيل لها في التاريخ الاسلامي، فلم تثنها عن الاستمرار في بناء صرحها العالي متمكّنة فيه بارتباطها الوثيق بخالقها، وشعبيّة نظامها، وحقانية مطالبها، فتقدّمت وأمسكت بزمام أمرها، مرشّحة نفسها بجدارة، بديلا عن النظم الوضعية، العابثة بآمال شعوب العالم شرقيه وغربية، ناميه ومتخلّفه، مثبتة بمرور الزمن، أنها فعلا في مستوى التحدّي الذي جابهته، ولا تزال تجابهه الى اليوم.
رغم الحصار الخانق الذي فرضته أمريكا - رأس الشيطنة في هذا العالم - على إيران الاسلامية، ورغم العقوبات المتتالية التي سلطتها عليها، مستغلة نفوذها الكبير، وتأثيرها على الدول والمنظمات الدولية، في تنفيذ قراراتها الظالمة، والتي وصلت اليوم الى حد الإضرار بالاقتصاد الايراني، والذهاب به الى حالة من الارباك الخطير، بالتلاعب بعملته المحلّية، واضعاف قدرتها الشرائية، وتسليط العقوبات على من يجرؤ على التعامل معها اقتصاديا، في محاولة لخلق مناخ من الارباك، وتغيير حال الاستقرار في أوساط الشعب، الى فوضى يستغلها الاعداء، لتشويه حقيقة ايران المعاصرة، نستطيع أن نؤكّد أن النظام الاسلامي في ايران نجح، في المضي بمشروعه المبدئيّ، في التحرر ومقاومة كافة اشكال العمالة والتبعية، التي كانت مظهرا عاما لسياسات أغلب الدول الاسلامية، والتي شكلت سياساتها، نقطة ضعف فادحة، في التعامل مع قضية فلسطين، قضية الامة الاسلامية قاطبة، فنحتت بتضحياتها نهجا جديدا، كله أمل بمستقبل أفضل، ليس الشعب الايراني، وحده وإنما للامة الإسلامية قاطبة.
موقف النظام الاسلامي في ايران من القضية الفلسطينية ليس جديدا، فقد ارتبط وثيقا ببداية قيام نظام اسلامي سنة 1979 - بعد نجاح ثورته بقيادة مجدد الاسلام في هذا العصر الامام الخميني رضوان الله عليه - على انقاض نظام ملكي مستبد، عميل لأمريكا والصهيونية والغرب، وهو موقف جلب له متاعب جمة، وتسبب في جملة من الاجراءات الظالمة بحقه، من طرف كل القوى الإستكبارية، المؤتمرة بأوامر أمريكا، وتقود حكوماتها قود السوائم الطامعة، ومع ذلك لم يتراجع النظام الاسلامي في ايران قيد أنملة، عن موقفه الواضح والصريح من القضية الفلسطينية، معتبرا اياها رأس اهتماماته وفتبنّاها، وجعلها قضية شعبه المركزية، وقدّم لها ما قدّم من دعم، إيمانا منه بعدالتها، وعلاقتها الوثيقة بالإسلام.
صحيح أن ايران الاسلامية بالحساب الماديّ، قد تضرر اقتصادها، وخسرت مادّيا بحساب أهل الدنيا والمادّة، من جراء مواقفها تلك، لكنها من جهة أخرى، تاجرت مع الله وربحت معنويا معه، وتمكنت عمليّا من بناء محور مقاومة، سيكون له دور مهم جدا في تحرير فلسطين، وقد بلغ أشدّه اليوم، بفضل جهود أبنائها البررة، من كوادر الحرس الثوري، وظهر من خلال تعاملها، أنها ممسكة بقضية الشعب الفلسطيني، بكل جدّ وعزم وإيمان، وماضية بها الى حتمية انتصار حركة تحرّرها من الصهيونية. 
وكان على إيران أن تساند الى جانب هذا الموقف المبدئي، قضايا تحرر الشعوب الاخرى، كالشعب البحراني المظلوم، والشعب اليمني المضطهد، وان تكون مناصرة لقضايا تحرر شعوب أفريقيا وأمريكا اللاتينية، من هيمنة الاستكبار الغربي، وقبل هذا كله، فقد كان لإيران قبل هذه الموقف كلها دعم ثمين، مكن الشعب البوسني، أثناء حرب (البوسنة الهرسك)، (Bosnia Herzegovina) سنوات (1992-1995)، من وقف آلة الابادة العسكرية الصربية (Serbia) المسلطة عليه، على مرأى وسمع من المجتمع الدولي، وارغامها بقوة السلاح والمقاومة، على ايقاف جرائمهم بحق الشعب البوسني السنّي، وهو تعامل قد أثبت تعالي النظام الاسلامي الايراني عن المذهبيات.
تسارع وتيرة الاستعداء على إيران، يؤشر الى فقدان الصواب من الجانب المعادي لإيران، بما دفع امريكا رأس حربة العداء، الى حالة من تهافت اليائس، من التوصل الى نتيجة ترضي حلفاءها، وفي مقدمتهم الكيان الصهيوني، فبعد انكسار شوكة مشروع الارهاب، الذي رعاه هؤلاء الاعداء، استهدافا لها ولمشروع مقاومتها، الممتد من طهران الى دمشق وتخوم فلسطين، لم يبقى لهم من سبيل، غير محاولة تنفيذ المشروع الثاني، الذي يستهدف اقتصاد وأمن ايران، والمتمثل في الحرب الناعمة اقتصاديا واعلاميا.
امريكا وحلفاؤها لن تتوقف عن محاولة ايذاء ايران، بكل الطرق المتاحة لديهم، فصراعهم معها صراع وجود، بقاء أو انتهاء منظومة استكبارية، عبرت ايران الاسلامية عن معاداتها منذ قيامها، وقد بلغت هذه الايام حال اليأس والارباك، ومع تعدد محاولاتهم وتنوعها، لم يتهدوا الى طريق أمثل يمكّنهم منها.
وفي المقابل، فإن ايران اثبتت أنها كنظام اسلامي، استطاعت بحكمة قيادتها، أن تجتاز جميع العوائق والعراقيل، الموضوعة في طريق نموّها وتقدمها، العلمي والتقني والصناعي، بتنوّع اختصاصاته، وتثبت لمن ابصر حقيقتها وتابع تطوّرها، تعرف على فكرها وثقافتها الاصيلة، أن صنف معاصر للإسلام عصيّ على استقواء اعدائه، قد اعتمد في مسيرته على الله وحده، ولا شيء غيره، لأجل هذا عصي على أعدائها ترويضها، ويئسوا من أعادتها الى بيت الطاعة الغربيّة.
 خيرا أقول: إن على ايران الاسلامية نظاما وشعبا ومؤسسات، أن لا تستوحش في طريق الهدى لقلة أهله، ذلك أن بقية الدول الاسلامية، قد اجتمعت على مائدة قليل شبعها كثير جوعها، كما ورد في خطبة من خطب وحكمة من حكم الامام علي في نهج البلاغة، وأعتقد فهمها وتقديرها للتحدّيات التي تواجهها، يجعلها في مقام الارتفاع عن الوحشة في طريق الهدى، ذلك ما لمسناه منها قبل، ونلمسه الأن، ولسوف نراه غدا كما عهدناها، جبلا ثابتا لا تزحزحه رياح الاعداء.    


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire