قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الله يبعث لهذه
الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها). حديث صحيح ـ أخرجه أبو داود في كتاب الملاحم/ باب ما ذكر
في قرن المائة حديث رقم 4291//الحاكم في المستدرك ج 4ص522//البيهقي في معرفة
السُّنن والآثار ص 52// والخطيب في تاريخ بغداد ج 2ص61 )
صدق رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم في ما
قاله، وكان كما قال وهو الذي لا ينطق عن الهوى إن الا وحي يوحى، فقد توصلت حلقة
الرحمة الالهية بأمّة هذا الدين الخاتم، فبعث الله على مدى 14 قرنا الى هذه الامة
من يجدد لها أمر دينها، وباعتبار أن المقال لا يطول لذكر من سبق منهم فإن في ذكر
آخرهم كفاية لمن يعي هذا اللطف، وهو الذي حقق ما كانوا يطمحون تحقيقه طوال
مسيرتهم، بل إنه أرسى على أرض الواقع، في مطلع القرن الخامس عشر هجري، نظاما
اسلاميا دقيقا في تركيبته ومؤسساته، مستمدا من روح الاسلام في شريعته، معتمدا على
نظرية ولاية الفقيه وحكومته الاسلامية، التي استفتى شعبه عليها، دون فرض أو إكراه،
وكانت النتيجة غير قابلة لأدنى تشكيك، في قبول الشعب الايراني لها بنسبة 98.2%.
إذا رأيته بعين الدين وعقله، اعتقدت أنه رجل جاء من زمن النبوّة،
وعليه مهابة وبهاء ونور الصالحين، لذلك كان من الطبيعي أن تهوي اليه أفئدة من
المسلمين من مختلف انحاء العالم رغم إختلاف مذاهبها - ذلك الاختلاف الذي صنعه
أعداء الاسلام وعملوا على ابقائه عائقا يحول بينهم وبين واجباتهم – فاستحق أن يكون
معشوق بعضهم، ومعظّم بعضهم، ومقدّر البعض الآخر، بل إن شخصيته العظيمة الفذّة،
سيطرت خلال سنوات عمرها الشريف، على مسرح السياسة والاعلام وحديث الناس، وكان
شغلهم الشاغل، قبل انتصار ثورته وبعدها، اهتماما وانبهارا ومتابعة.
الامام روح الله الموسوي الخميني رضوان الله عليه، كان ذلك المجدد
الكبير للدين الاسلامي، وقد وفّقه الله في مشروعه الهام، وأيّده بنصره، وبارك له
في سعيه، وجعل أفئدة من المؤمنين تأوي اليه، على بعد المسافة واختلاف الأجناس، رغم
كل الجهود الجبّارة والامكانات المسخّرة، التي وظّفها أعداؤه الغربيين والصهاينة
وعملاؤهم، لكي يشوّهوا صورته، ويحدّوا من إشعاعه في الامة الاسلامية، كتب الله له
نجاحا في قيادة ثورة اسلامية، وتأسيس نظام اسلامي خطى على مدى 39 سنة من عمره
خطوات عملاقة، نحو الاعتداد الكامل على مختلف الاصعدة، متحدّيا جميع العقبات
والعراقيل التي وضعها أعداءه في طريق مسيرته الربانية، مؤمنا بأنه على الحق، لم
تثنه المؤامرات المتوالية عليه عمّا عزم عليه، متشبثا بفكر قائده الملهم، لم
يتنازل أبدا عن قضية من قضاياه المصيرية التي اعتمدها، ومن كان على هذا القدر من
الصبر والمصابرة والمرابطة، فلن يحول بينه وبين مطالبه شيء من كيد الشيطان
وأوليائه.
قد تقاس حياة رجل عالم كبير بما تركه من مؤلفات قيمة وعقول تبنّت فكره
وآمنت بنهجه، فذلك كله ذخيرة يقدم بها على خالقه، وهي مدعاة لفخر أتباعه، وهؤلاء
العلماء الاخيار البررة كثر رضوان الله عليهم ومدادهم العلمي، أنتج ثمارا طيبة،
لكن الامام الخميني رضوان الله عليه تميز عليهم وفاقهم جميعا، بتحقيق مشروع حكم
الله في الارض، الذي كان مطلب 124 الف نبي ورسول وأئمة هدى، مضت على طريق تحقيقه،
وكانت العقبة الكؤود انعدام الوعي في تلك الاجيال، مما حال دون تحقيق شيء من ذلك.
نعم لقد اقام الامام الخميني أسس النظام الاسلامي وأعطى من فكره
الثاقب أولوياته التي يجب السعي اليه لتحقيقها، وهو الرجل القرآني العرفاني الذي
أصاب في إخراج المصطلحات القرآنية من طي التجاهل وعدم الاهتمام الى الفعل والتحقق،
وفي عالم شرقي وغربي وأتباع لهما، جاء بالنظرية الاسلامية اللاشرقية واللاغربية،
ومن شعيرة الحج دعا في مكة الى البراءة من المشركين كافة، وكان شعارها (الموت
لأمريكا الموت لإسرائيل...)، وفي المدينة الى الوحدة الاسلامية، وكان يرى القضية
الفلسطينية أولوية مطلقة، لا تنازل عنها بأي شكل، وتحت أي ضرف، لذلك دعا الى
الوقوف الى جانب الشعب الفلسطيني، ومساعدته بكل الامكانات المتاحة، من أجل تحرير
كامل ارضه، معتبرا الكيان الصهيوني المسمى اسرائيل غدة سرطانية يجب ازالتها من
فلسطين، ومضى عمليا من أجل تحقيق ذلك، فدعا الى اعلان اخر جمعة من شهر رمضان يوما
عالميا للقدس، وأمر بتأسيس جيش تحرير القدس ( جيش العشرين مليون) ولم يتوقف نظامه
الاسلامي يوما، عن دعم فصائل مقاومة العدوّ الصهيوني في فلسطين ولبنان، وهذا ما
غيّر معادلة الجيش الذي لا يقهر، الى حالة من قهر المقاومة الاسلامية له، تنامت
وكبرت اليوم، واصبحت شوكة حادة، عصية في حلق أعداء الامة الاسلامية ومشاريعها
التحررية.
عشر سنوات وبضعه اشهر، كانت كافيه للإمام الخميني رضوان الله عليه،
لكي يضع أسس الدولة الاسلامية، بما في المصطلح من معنى عمليّ، وليس مجرد تسمية
خاوية على عروشها، أو ادعاء بعيد عن معناه الحقيقي، ليطمئن بعدها على استمراريتها،
ونموّها السريع، بما يحفظ مؤسساتها، ويعطيها مكانتها التي تستحق في العالم، رغم
أنوف الاعداء المتربصين، والحاقدين والحاسدين من أدعياء الدين.
وبهذه المناسبة الاليمة، التي مرت على خلّص أبنائه ومحبيه، في ايران
وخارجها، لا يسعني سوى أن ينحني قلبي اسفا كل سنة على الفراق، وتقديرا لهذا العالم
الجليل، والفقيه العظيم، والرجل العرفاني الروحاني، سائلا المولى سبحانه وتعالى،
أن يرفع درجاته فوق ما يتمناه، ويجمعه بآبائه وأجداده، صفوة بيت النبوة محمد وآل
محمد، ويجازيه عنا، بما تركه لنا من فضل وقيمة، أفضل جزاء.. والسلام عليه يوم ولد،
ويوم جاهد وكابد وانتصر، ويوم التحق بالرفيق الاعلى قرير العين، مطمئنا على أمانته
التي وضعها في أيد أمينة، ويوم يبعث حيّا، تسرّ به أعين وقلوب المحبّين والعاشقين،
وتنكسف له أفئدة أولياء الشياطين وأدعياء الدين.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire