samedi 30 novembre 2019

عندما يخوّف الشيطان أولياؤه




بقلم: محمد الرصافي المقداد

إن المتابع لكلمات وبيانات الامام السيد الخامنئي، التي عادة ما يلقيها امام مسؤولي بلاده وكوادرها، عند زيارتهم له في مقر إقامته بالعاصمة طهران، باستطاعته ان يدرك دون ادنى عناء، ان هذا الرجل قد اوتي من البصيرة النافذة، والمعرفة الدقيقة بالمستجدات الحاصلة، على الساحة الايرانية والعالمية على حد سواء.
وقد برهن في مناسبات عديدة، انه جدير بقيادة، ليس ايران فحسب، بل وقيادة هذا العالم، وانتشاله من زيف الديمقراطية الكاذبة، والنظريات البشرية العاجزة، عن تحقيق حد ادنى من عدل وأمن الشعوب.
استلم دفة القيادة بعد رحيل الامان الخميني، وهو الذي كاد يشد الرحال قبله، اثر عملية اغتيال ارهابية في 27/6/1981، لكن الله سلم لهذه الامة هذا القائد الفذ، فأنجاه من موت محقق، ولولا عنايته به، لكان منذ ذلك التاريخ في عداد القادة الشهداء الذين سبقوه، ولبّوا نداء بارئهم.  
ولا يختلف معي موال لخط ولاية آل محمد في القول، بأن الله ادّخره واستبقاه، ليكون صمام أمان إيران ومحور مقاومتها، وتاج سياسة تعلمت من مدرسة محمد وعلي، مبدأ أساسيا اختزل التوحيد، وعمل على أساسه، مؤمنا ان الله مع العبد، طالما ان العبد مع الله، وعلى اثر علي واهل بيته عليهم السلام، مضى القائد السيد علي يشق طريق النظام الاسلامي، وسط غابة من المؤامرات والعقبات، وكان النجاح حليف آرائه الصائبة و نصائحه الحكيمة.
ففي خصوص الملف النووي 5+1، وبعد مفاوضات مضنية أبرم الاتفاق، وشكل ذلك انتصارا سياسيا باهرا للدبلوماسية الاسلامية الايرانية، عبر فيه الشعب الايراني عن فرحة تلقائية، أخرجته الى شوارع مدنه، معبرا عن فرحته بذلك الانتصار، لكن الامام الخامنئي حينها لم يكن متفائلا ولا متحمسا، بل كان في نظرته الاستشرافية، مستبقة نتائج ما بعد الاتفاق، فوجّه خطابه محذّرا ومنبها، الى ضرورة عدم الاعتماد على وعود الغرب ومواثيقه، وتبيّن بمرور الوقت، أن الوعود الاوروبية بقيت مجرد محاولات فاشلة، لم تتمكن من كسر اجراءات الحضر الامريكية، وأن الاستفادة الايرانية من الاتفاق بقيت حبرا على ورق.
الانجرار الى مزاعم الغرب وفخاخه، مخططات جهزها أعداء إيران، وباشروا العمل عليها، كلما سنحت لهم بذلك فرصة، وقد حذّر الامام الخامنئي المسؤولين والشعب من تصديق وعود أمريكا وحلفائها، والانجرار وراء دعواتها التي لا يوجد فيها مصلحة واحدة تفيد البلاد والشعب، وهي مجرّد وعود زائفة لن ترقى الى التطبيق أبدا.
ويبدو ان أمريكا قد بدأت تشعر بخيبة، فيما أقدمت عليه من اجراءات ظالمة بحق إيران، جراء سلبيّة ما أمّلته من نتائج كانت ترجوها، ولم تجد بدّا من تحريك ورقة المؤامرة الداخلية، اقتناصا لفرصة رفع سعر المحروقات، التي زيدت لتكون عائداتها لفائدة الفئات الفقيرة، ولكن حنكة النظام الاسلامي في التعامل مع الأزمات الطارئة، ووعي الشعب الايراني، في عدم الانجرار وراء دعوات شاذّة، أقلّ ما يقال عنها أنها مشبوهة منذ البداية، أفشل امكانية استثمارها داخليا لتعمّ البلاد، واختتم الشعب الايراني مراسم دفن تلك المؤامرة، في تظاهرات حاشدة في مختلف، المدن منددا بالتدخل السافر الذي قامت به أمريكا والقوى الخليجية العملية لها، لبث أعمال التخريب والحرق، طالت مؤسسات بنكية وخدمية، في مناطق محددة وأجهضت في وقتها.  

الامام الخامنئي ولدى استقباله لفيفا من المنتجين والمبدعين، والناشطين الاقتصاديين مساء الثلاثاء2019/11/19 عبّر عن وجهة نظره الصائبة في التعامل مع المستجدات الحاصلة على الساحة الداخلية والدولية، فقال من بين ما خطب به متوجّها الى هؤلاء الصناعييين: إننا سنحوّل الحظر من تهديد الى فرصة، ان شاء الله تعالى، عبر الاستفادة من الطاقات منقطعة النظير، التي تم استثمار بعضها فقط، وبفضل جهود الناشطين الاقتصاديين.. لو تمكّن الشعب الايراني والناشطون الاقتصاديون والمفكرون في البلاد، من اجهاض تأثيرات الحظر، عبر الاعتماد على الطاقات الداخلية، فإن فارض الحظر سيكف عن الاستمرار فيه، لأنه سيتضرر من جراء ذلك.
الحرب الاقتصادية التي شنتها أمريكا على ايران منذ 40 عاما، استطاعت أن تكبح من جماح النهوض الاقتصادي الشامل بالبلاد، لكنها لم تنجح في خنقه واطفاء روحه المقاومة، بفضل حكمة القيادة والاسلامية، وارادة الشعب وقواه المؤمنة بمستقبله المشرق، ومنذ ان أعلن الامام الخامنئي سنة 2010، عن بدء نوع آخر من مقاومة الاستكبار الامريكي الصهيوني الغربي، تحت عنوان اقتصاد المقاومة، تصدّيا لحالة التكالب التي تستهدف النظام الاسلامي على جميع الأصعدة، السياسية والاعلامية والعسكرية والاقتصادية، فإن دعوة قائد الثورة الاسلامية الى ابنائه ببذل الجهود الصادقة، من أجل توفير حاجيات البلاد من التكنولوجيا داخليا، دون الاعتماد على الخارج، فلا يجب عليهم انتظار تغير موقف، أو حسنة تبدر من هؤلاء الذين وضعوا انفسهم موضع العداء لإيران.  
وفي كلمته الأخيرة الى نخبة إيران من المبدعين والصناعيين قال: ليعلم الاصدقاء والاعداء، بأن الشعب الايراني مثلما فرض التقهقهر على العدو في سوح الحرب العسكرية والسياسية والامنية، (كالممارسات التي جرت خلال الأيام الاخيرة والتي لم تكن ممارسات شعبية) سيفرض بفضل الله تعالى التقهقهر على العدو في ساحة الحرب الاقتصادية ايضا بالتأكيد، ومع مواصلته الحركة الراهنة في مسار ازدهار الانتاج والتقدم الاقتصادي، سيحقق الافق الوضّاء لمستقبله.
أمريكا المفسدة في الأرض، أعيتها سبل التصدّي للنظام الاسلامي في إيران، ومحاولة وقف اشعاعه في محيطه الإسلامي، فجهزت ضدّه سلسة مؤامرات شديدة الإحكام والتنفيذ، باءت جميعها بالفشل الذريع، لعل آخرها احباط الشعب الايراني مؤامرة استغلال رفع سعر البنزين.
فزّاعة تخويف دول الخليج من ايران، هي أيضا وسيلة اتخذت منها أمريكا موردا اقتصاديا، اصبح يغطي الآن جميع تحركاتها العسكرية، ومخزونا يغطي تقهقرها الاقتصادي.
خوف هذه الدول من ايران لا اصل له ولا أساس، سوى أنها شعرت بأنها قد تعرّت كأنظمة استبدادية ظالمة أمام نظام اسلامي، أعلن انه سيعمل من أجل نشر الأمن والعدل في العالم، وسيتصدّى لمنظومات الاستكبار والصهيونية والعمالة، انتصارا لحقوق الشعوب المهضومة، لذلك فإنه لم يعد مستغربا، أن تصرّ تلك الانظمة على البقاء في خندق الوهم، الذي سوّقته لها امريكا، وان كانت تدرك في قرارة أنفس حكامها، بأنها مجرّد فزاعة أمريكية، عارية من الحقيقة، ولكن ما بأيديهم حيلة تغييرها، فمن يمسك خيط الاثارة له مصلحة يريد بلوغها، ولو بتلك الطريقة المثيرة للضحك.  



Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire