samedi 28 septembre 2019

بيان هام جدا صادر عن القوات المسلحة اليمنية ضد الجيش السعودي اليوم 28/9/2019


أذن للذين يقاتلون بانهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير
نص بيانْ رقم (1) بشأنِ عمليةِ "نصر من الله" للقوات المسلحة اليمنية ضد الجيش السعودي في نجران
 أعلن متحدث القوات المسلحة اليمنية العميد يحيى سريع، اليوم السبت، عن عملية عسكرية كبرى ضد جيش العدو السعودي أطلق عليها "نصر من الله" سقطُ فيها ثلاثةْ ألويةْ عسكريةْ وآلاف الأسرى بينهم مئات السعوديين من الجنود والضباط.. إليكم نص البيان:
بعونٍ من الله تعالى..... تُعلنُ القواتُ المسلحةُ اليمنيةُ لكافةِ أبناءِ الشعبِ اليمنيِّ العظيمِ والعزيزِ إطلاقَ عمليةِ نصرٌ من اللهِ، العسكريةِ الواسعةِ والنوعيةِ في مِحورِ نجران، والتي تُعَدُ أكبرَ عمليةِ إستدراجٍ لقواتِ العدوِ منذ بَدءِ العُدوانِ على بلدِنا استمرتْ لعدةِ أشهرَ وتكبدَ فيها العدوُ حتى اللحظةِ خسائرَ كبيرةً جداً في العتادِ والأرواحِ
أولاً : سقوطُ ثلاثةْ ألويةْ عسكريةْ من قواتِ العدوِّ بكاملِ عتادِها العسكري ومعظمِ أفرادِها وقادتِها.
ثانياً : إغتنامُ كمياتٍ كبيرةٍ من الأسلحةِ تضمُ مئاتِ الآلياتِ والمدرعات.
ثالثاً : وقوعُ آلافٍ من قواتِ العدوِّ في الأسرِ مُعظمُهم من الخونة والمخدوعين ومصرَعُ وإصابةُ المئات.
رابعاً : من بينِ الأسرى أعدادٌ كبيرةٌ من قادةِ وضباطِ وجنودِ الجيشِ السعودي. 
خامساً : بعدَ مرورِ 72 ساعةً فقط من بَدءِ العمليةِ قامت قواتُنا بإطباقِ الحصارِ على العدوِّ بشكلٍ كامل.. المكونة من ثلاثةَ ألويةٍ عسكرية من الخونةِ والمخدوعينَ مع فصيلٍ من الجيشِ السعوديِّ وتم تدميرُها وكسرُها وأسرُها بالكاملِ وتم تحريرُ مئاتِ الكيلومتراتِ طولا وعرضا ضمنَ مسرحِ العمليات.
وبموجِبِ توجيهاتِ القيادةِ فقد تم التعاملُ مع كافةِ الأسرى وفقِ مبادِئِ الدينِ والعاداتِ والتقاليدِ اليمنيةِ الأصيلةِ والأخلاقِ الإنسانيةِ، وعملت قواتُنا بعد استسلام الآلافِ من قواتِ العدوِ على تأمينِهم من الغاراتِ الانتقامية لطيرانِ العدوان الحربيِّ الذي استهدفَ الأسرى بعشراتِ الغارات.
وتُطَمئنُ القواتُ المسلحةُ اليمنيةُ كلّ أهالي الأسرى من مختلفِ الجنسياتِ بأنها ستتخذُ المزيدَ من الإجراءاتِ اللازمةِ لحمايتِهم من استهداف الطيرانِ الحربيِّ المعادي وستتعاملُ معَهم بطريقةٍ إنسانيةٍ وصولاً إلى صفقةِ تبادُلٍ شاملةٍ مع العدوِّ وأدواتهِ من الخونة والمخدوعين.
شاركت في مسرحِ العملياتِ عدةُ وَحَداتِ متخصصةٍ من قواتِنا المسلحةِ بمهامَّ مختلفةٍ وضمنَ نطاقاتٍ جغرافيةٍ أوسعَ في إطارِ دعمِ وإسنادِ العمليةِ العسكريةِ وعلى رأسِ تلك الوَحَداتِ القوةُ الصاروخيةُ وكذلك سلاحُ الجوِ المسيرِ إضافةً إلى قواتِ الدفاعِ الجوي والقواتُ البريةُ بوَحَداتِها المختلفة.
هذا وتُواصِلُ القواتُ المسلحةُ تنفيذَ مراحلِ العمليةِ المختلفةِ وفقَ الخطةِ المرسومةِ وسنُعلنُ في مؤتمراتٍ لاحقةٍ نتائجَ وتفاصيلَ العمليةِ بمراحلِها المختلفةِ خلال الأيامِ القادمة.
المجدُ لليمنِ المقاومِ الصامدِ في وجهِ العُدوانِ والغزوِ والاحتلال.. الرحمةُ للشهداءِ .. الشفاءُ للجرحى ... الحريةُ للأسرى ... والكرامةُ والعزةُ لشعبِنا العزيزِ ويمنِنا العظيمِ.
ييان صادرٌ عن القواتِ المسلحةِ اليمنية
28 سبتمبر // المسيرة نت

samedi 7 septembre 2019

القِيًم الحسينية في ومواجهة الجاهلية السّفيانية



عندما نتناول سيرة الامام الحسين عليه السلام، منذ ولادته حتى شهادته الفريدة في تاريخ البشرية، وخصوصا مسيرته في طلب الإصلاح، التي خرج من أجلها من مدينة جدّه صلى الله عليه وآله وسلم، مفتديا الإسلام بنفسه وولده وأهل بيته عليهم السلام، رجالا واطفالا ونساء، نجده مُقدِما على ما أراده الله أن يراه عليه، برباطة جاش وثبات نادرين، مسلّما بما تعلّمه من جدّه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأبيه الامام علي وأمّه فاطمة عليهما السلام، وأكرم بهم من مربّين، لم يجد الزمان بمثلهم، في بيت غير البيت النبوي، الذي شاءت إرادة الله سبحانه أن يشملهم اصطفاءه، ليكونوا حفظة دينه من التحريف والإندراس، والمضحّين من أجله بكل ما يملكون من انفس.
استعجل الطاغية يزيد بن معاوية أمْر إرغام الامام الحسين عليه السلام على بيعته، نظرا لما يمثله من شخصه من مكانة مرموقة في الاسلام فهو سيد شباب أهل الجنة، أحقّيته الشرعية في قيادة الامة، باعتباره الإمام السبط، ثالث المستحفظين على الاسلام المحمدي الأصيل، المفروضة مودّته وطاعته، فبيعته للبيت الأموي طوعا أو كرها، تزيد من حظوظ استقرار حكم ذلك البيت الغاشم، لكن الامام الحسين ليس ذلك الرّجل الذي يمكن أن ينزل الى مستوى تلك البيعة التي لا تليق بشخصية إسلامية كبرى مثله، فوطّن نفسه على رفضها، ومن هناك بدأ في إعلان قِيَمه الاسلامية العليا التي تربّى عليها، والاساسية في العيش الكريم، والحرّية من قيود الظالمين والطغاة.
فجهّز نفسه وأهله للخروج، وكتب رسالته إلى أخيه محمد بن الحنفية جاء من ضمنها: " إني لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف، وأنهى عن المنكر". (1)
أعذار المتخلّفين عن نصرة الامام الحسين عليه السلام
وقد يتساءل من قرأ اسم محمد بن الحنفية رضوان الله عليه، لماذا لم يخرج مع أخيه الامام الحسين عليه السلام، وهو فارس صاحب شجاعة وبأس؟ وعادته أنه كان يقاتل في معارك الامام علي عليه السلام ضد أعدائه، متقدّما على الحسن والحسين عليهما السلام، حاميا لهما بأمر أبيه عليه السلام، ووصيته له بالقتال على ذلك النّحو، فيبدو أن بقاءه كان بأمر أخيه الامام الحسين عليه السلام حيث قال له: وأما أنت يا أخي، فلا عليك بأن تقيم بالمدينة، فتكون لي عينا لا تخفى عني شيئا من أمورهم. (2)
هذا وان كتابه الذي كتبه لأخيه، ووصيته اليه، تؤكد أنه استبقاه لحماية من بقي من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم  والدفاع عن حقوقهم . (3)
على أنه توجد رواية اخرى تقول، إن المرض أعاقه عن الخروج، وقد ذهب اليه الامام الحسين عليه السلام لزيارته، فوجده على تلك الحال، فتكلم محمد معتذرا: إني والله ليحزنني فراقك، وما أقعدني عن المسير معك، إلا لأجل ما أجده من المرض الشديد، فو الله يا أخي ما أقدر أن أقبض على قائم سيف، ولا كعب رمح، فو الله لا فرحت بعدك أبدا، ثم بكى بكاء شديدا حتى غشي عليه، فلما أفاق من غشيته قال: يا أخي أستودعك الله من شهيد مظلوم. (4)
كلمات الاعتذار هذه إن صحّت، تؤكد لنا البصيرة التي عليها ابن الحنفية، فهو مدرك تماما، أن أخاه الإمام الحسين عليه السلام سيستشهد في العراق، مما يؤكد أن أباه عليا عليه السلام قد أحاطه بما سيجري على أخيه، وأرجح أنه طلب منه نصرته، بل وحثه عليها، كما كان يستحثه من قبل على حجز أخويه الحسن والحسين عليهما السلام، عن الدخول في عمق الأعداء، وهم يقاتلونهم تحت رايته في معاركه المشار اليها سابقا، لذلك من المستبعد جدا أن يكون موقف محمد بن الحنفية متخاذلا.
لما بلغ عبد الله بن جعفر قتل ابنيه مع الحسين عليه السلام دخل عليه بعض مواليه يعزيه والناس يعزونه فقال مولاه: هذا ما لقيناه من الحسين، فحذفه ابن جعفر بنعله، وقال: يا ابن اللخناء أللحسين تقول هذا؟ والله لو شهدته ، لأحببت أن لا أفارقه حتى أقتل معه، والله إنه لمما يسخي بنفسي عنهما، ويهون علي المصاب بهما، أنهما أصيبا مع أخي وابن عمي مواسيين له صابرين معه ثم قال: إن لم تكن آست الحسين يدي فقد آساه ولدي. (5)
أما بالنسبة لعبد الله بن عباس فقد كان وقتها ضريرا (6) بالتالي فإن كف بصره أقعده عن الخروج مع الامام الحسين عليه السلام، وهو المعروف ببلائه الحسن مع عمه الامام علي عليه السلام، في معاركه التي خاضها ضد الناكثين والقاسطين والمارقين، ولو كان بصيرا لخرج معه.
حوى معسكر الامام الحسين عليه السلام بسماحته كل برّ تقي رجا الله باتباعه مصباح الهدى وسفينة النجاة، فجميع من كان معه من المستضعفين، الذين تركوا الدّنيا لأهلها، وضربوا في أرض الله  مهاجرين
يبحثون عن عمل يقرّبهم الى الله. قال تعالى:" وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ "  (7) فوجدوا في الامام الحسين عليه السلام القدوة الهادية الى الحق، الذي سلك بهم طريق كرامة الله، فالتزموه يرجون رحمته ويأملون ثوابه، على بصيرة من أمرهم، إيمانا تاما بأنه على منهاج آيائه، صراط مستقيما هُدوا اليه في ذلك الزمن.
في الطرف المقابل يتفاجأ من لم يحط علما بسيرة أبي عبد الله الحسين عليه السلام عندما يعرف أن قائد جيش العدوّ السفياني ليس الا عمر ابن الصحابي سعد بن أبي وقاص، وسعد هذا كان ممن امتنع عن سبّ الامام علي عليه السلام، كما أمر بذلك معاوية على منابر المساجد، أمرا سلطانيا عاما، امتثل له الاغلبية، باستثاء بعض ممن أيقنوا أنه إساءة بحق علي عليه السلام، وذنب عظيم بحق أهل بيت النبوة خصوصا والاسلام عموما.
أمر معاويةُ بنُ أبي سفيانَ سعدًا فقال: ما منعك أن تَسُبَّ أبا ترابٍ؟ قال: أَمَا ما ذَكَرْتُ ثلاثًا قالهن رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم فلن أَسُبَّهُ، لَأَن تكونَ لي واحدةٌ منهن، أَحَبَّ إليَّ من حُمْرِ النَّعَمِ، سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم يقول لعليٍّ، وخَلَّفَه في بعضِ مَغَازِيهِ فقال له عليٌّ: يا رسولَ اللهِ تُخَلِّفُنِي مع النساءِ والصِّبيانِ؟ فقال له رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم: أَمَا تَرْضَى أن تكونَ مِنِّي بمنزلةِ هارونَ من موسى، إلا أنه لا نُبُوَّةَ بعدي. وسَمِعتُه يقول يومَ خَيْبَرَ: لَأُعْطِيَنَّ الرايةَ رجلًا يحبُّ اللهَ ورسولَه، ويحبُّه اللهُ ورسولُه. قال: فتَطَاوَلْنا لها. فقال: ادْعُوا لي عليًّا. قال: فأتاه وبه رَمَدٌ، فبَصَق في عينِهِ، فدفع الرايةَ إليه، ففتح اللهُ عليه، وأُنْزِلَت هذه الآيةُ " فقل تعالوا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ  وأنفسنا وانفسكم" الآية دعا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم عليًّا وفاطمةَ وحَسَنًا وحُسَيْنًا، فقال: اللهم هؤلاء أهلي. (8)
إن ما حصل يوم العاشر من المحرم سنة 6 هجرية، يؤكد لنا مدى فداحة الانحراف الذي طرأ على الحكومة الاسلامية، منذ حادثة سقيفة بني ساعدة، والتي شهدت حينها انحرافا عن الأحق بالقيادة، وهو الامام علي عليه السلام نصوصا وعملا، واستمر ذلك الانحراف، الى أن وصلت الحكومة بين أيدي طلقاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومحاربيه طيلة أكثر من عشرين سنة، فكل الجرائم التي ارتكبت منذ ذلك التاريخ الى اليوم، يتحمّلها غاصبوها الأوائل الذين سيحملون أوزارا مع اوزارهم. قال تعالى: " لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاءَ مَا يَزِرُونَ." (9)
منع الماء على الامام الحسين عليه السلام ومعسكره، وحيلولة آلاف المقاتلين من عساكر ابن زياد ومولاه يزيد بن معاوية، دونهم وشريعة نهر الفرات، ترتادها السوائم ولا يرتادونها، إمعانا في التضييق عليهم على قلة عددهم، بلا ادنى شفق ولا رحمة، وماء النهر يسمعون خرير مائه ، فلا يصلون اليه، رغم محاولاتهم، فلم يحرك فيهم صراخ الصغار عطشا، ولا حمل الامام الحسين عليه السلام رضيعه عبد الله، ورفعه بين يديه، ليراه معسكر الأمويين، لعله تتحرك فيهم مشاعر الانسانية، كأني به يقول لهم ان كان عندنا لكم ذنب فما ذنب هذا الرضيع وهؤلاء الأطفال والنسوة؟ لكن أنى لمن تحولت قلوبهم الى اشدّ قسوة من الحجارة، أن يعودوا الى رشد فقدوه تماما، وإيمان انتزع من قلوبهم؟
لما رأى الحسين عليه السلام مصارع فتيانه وأحبته، عزم على لقاء القوم بمهجته، ونادى: "هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؟ هل من موّحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله بإغاثتنا؟ هل من معين يرجو ما عند الله في إعانتنا؟"
فارتفعت أصوات النساء بالعويل، فتقدم إلى باب الخيمة، وقال لزينب: ناوليني ولدي الصغير حتى أودّعه، فأخذه، وأومأ إليه؛ ليقبله، فرماه حرملة بن الكاهل الأسدي بسهم فوقع في نحره فذبحه فقال لزينب: خذيه ثم تلقّى الدم بكفيه، فلمّا امتلأتا رمى بالدم نحو السماء، ثم قال هوّن عليّ ما نزل بي إنه بعين الله. قال الباقر عليه السلام : فلم يسقط من ذلك الدم قطرة إلى الأرض.(10)
بجريمة منع الماء عن مخيّم الامام الحسين عليه السلام المقصودة في انهاك 78 رجلا وفتى واشراف أطفال الحسين وأهل بيته عليهم السلام على الموت عطشا، وتعمّد قتل عبد الله الرضيع وهو بين يدي أبيه عليه السلام تنفضح أخر نوايا أتباع السفيانية الخبيثة، فظهروا على صورهم الباطنية التي كانوا يخفونها، أبالسة وشياطين، قد خرجوا من الاسلام فلم يعد يربطهم به شيء مطلقا.
وليس رضيع الامام الحسين عليه السلام، بأهون على الله من فصيل ناقة صالح، فكما انتقم من عقرهم له ولأمّه، انتقم من جميع هؤلاء المجرمين، فقتلوا جميعا، بعدما تتبعهم جميعا، وهو العارف بهم، المختار بن عبيد الثقفي، فأتى على أخرهم، وكان ثأره من حرملة وحده رهيبا.
حدّث المنهال بن عمرو قال: دخلت على علي بن الحسين عليهما السلام عند منصرفي من مكة. فقال لي: يا منهال، ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي؟ فقلت: تركته حيا بالكوفة. قال: فرفع يديه جميعاً، ثم قال عليه السلام: اللهم أذقه حر الحديد، اللهم أذقه حرّ الحديد، اللهم أذقه حرّ الحديد، اللهم أذقه حرّ النار.
قال المنهال: فقدمت الكوفة، وقد ظهر المختار بن أبي عبيدة الثقفي، وكان صديقي، فكنت في منزلي أياما حتى انقطع الناس عني، وركبت إليه، فلقيته خارجا من داره، فقال: يا منهال، لم تأتنا في ولايتنا هذه، ولم تهنئنا بها، ولم تشركنا فيها؟ فأعلمته أني كنت بمكة، وأني قد جئتك الآن، وسايرته ونحن نتحدث حتى أتى الكناس، فوقف وقوفاً كأنه ينظر شيئاً، وقد كان أخبر بمكان حرملة بن كاهل، فوجَّه في طلبه، فلم يلبث أن جاء قوم يركضون، وقوم يشتدون، حتى قالوا: أيها الأمير البشارة، قد أُخذ حرملة بن كاهل.
فما لبثنا أن جيء به، فلما نظر إليه المختار، قال لحرملة: الحمد لله الذي مكّنني منك، ثم قال: الجزّار الجزّار. فأوتي بجزّار، فقال له: إقطع يديه. فقُطعتا، ثم قال له: إقطع رجليه. فقطعتا، ثم قال: النّار النّار. فأتي بنار وقصب، فألقي عليه فاشتعل فيه النار.فقلت سبحان الله !فقال لي المختار: يا منهال إن التسبيح لحَسَن، ففيمَ سبّحت؟
فقلت: أيها الأمير، دخلت في سفرتي هذه، وعند منصرفي من مكة، على علي بن الحسين عليهما السلام، فقال لي: يا منهال ما فعل حرملة بن كاهل الأسدي، فقلت: تركته حيّا بالكوفة،  فرفع يديه جميعاً، فقال: اللهم أذقه حرّ الحديد، اللهم أذقه حرّ الحديد، اللهم أذقه حرّ الحديد، اللهم أذقه حرّ النار. فقال لي المختار: أسمعت علي بن الحسين عليهما السلام يقول هذا؟
فقلت: والله لقد سمعته يقول هذا .قال: فنزل عن دابته، وصلّى ركعتين).11)
حادثة منع الماء هذه، تؤكّد لنا الطبع الوحشيّ، الذي غلب على جيش السفيانية، ويذكّرنا بحادثة أخرى لمنع الماء، وقعت في معركة صفين، بين أصحاب علي عليه السلام، وأصحاب معاوية الطليق، جاء فيها، أنه لما ملك عسكر معاوية عليه على  عسكر الإمام علي عليه السلام الماء، وأحاطوا بشريعة الفرات الفرات، وقالت رؤساء الشام له: اقتلهم بالعطش كما قتلوا عثمان عطشا، سألهم علي عليه السلام وأصحابه أن يشرعوا لهم شرب الماء، فقالوا :لا والله، ولا قطرة حتى تموت ظمأ كما مات ابن عفان. فلما رأى عليه السلام أنه الموت لا محالة، تقدم بأصحابه، وحمل على عساكر معاوية حملات كثيفة، حتى أزالهم عن مراكزهم بعد قتل ذريع، سقطت منه الرؤوس والأيدي، وملكوا عليهم الماء، وصار أصحاب معاوية في الفلاة، لا ماء لهم. (12)
عندما استولى جيش الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بقيادة أولاده الأبرار ومعهم مالك الاشتر استبدّ الذعر في جيش معاوية، وخافوا العطش بعدما فرطت شريعة الماء من أيديهم ،وصار في أيدي أصحاب علي، فقالوا: والله، لا نسقيه أهل الشام فأرسل علي إلى أصحابه: أن خذوا من الماء حاجتكم، وخلوا عنهم، فإن الله نصركم ببغيهم وظلمهم. (13)
ولكن الامام علي لم يكن ليعاملهم بجاهليتهم، كما قال الشاعر ابن الصيفي في آل البيت عليهم السلام:
ملكنا وكان العفو منا سجيّة*** فلما ملكتم سال بــــــــــالدّم أبطحُ

وحللتم قتل الأسارى وطالما*** غدونا عن الأسرى نعفّ ونصفحُ

وحسبكم هذا التفاوت بيننا*** وكــــــــــل إناء بالذي فيه يــنضحُ (14)
إنها القيم الاسلامية التي تمنع من أن يعامل المخطئ بنفس خطئه، وتتعامل بالعفو وتأمر بالمعروف والاعراض عن الجاهلين، قال تعالى: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ (15) والتي نبذها أعداء أئمة الهدى عليهم السلام وراء ظهورهم، بعدما تغرّبوا عن كتاب الله وآداب نبيّه الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وخالفوا شريعته بكل سماحتها، فانطبق عليهم قوله تعالى: " لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ."(16)
المراجع
1 – بحار الأنوار المجلسي ج44ص329
2 – بحار الانوار المجلسي ج44ص329
3 – بحار الانوار المجلسي ج44ص329
4 – معالي السبطين محمد مهدي الحائري ج1ص229 / اسرار الشهادة الفاضل الدربندي ص246 / مقتل الحسين ومصرع اهل بيته أبو مخنف ص61
5 – الغارات محمد بن ابراهيم الثقفي ج2 ص 695/ راجع تاريخ الأمم والملوك الطبري ج 4 ص 291 /قاموس الرجال التستري ج5 ص413 
6 – البداية والنهاية ابن كثير الدمشقي ج 8 ص 335
7 – سورة النساء الآية100
8 – مسلم كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل علي بن ابي طالب ج7ص120ح2404/ سنن الترمذي  ابواب المناقب عن رسول الله ج6ص86ح3724
9 – سورة النّحل الآية 25
10 – اللهوف في قتلى الطفوف ابن طاووس ص69/ مقتل الرضيع ص 572 وما بعدها
11 – الصحيفة السجادية الامام علي بن الحسين (ع) ص141و142 / مناقب آل أبي طالب ابن شهر أشوب ج3ص276
12 – شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ج1ص23 / ينابيع المودة القندوزي الحنفي ج1ص450بحار الأنوار المجلسي ج41ص145
13 – الكامل في التاريخ ج 2 ص 365/ تاريخ الطبري ج 4ص 572/ وقعة صفين ابن مزاحم ص 162 / الفتوح ابن اعثم الكوفي ج10 ص 11
14 –  شرح إحقاق الحق: السيد المرعشي، ج27/ص506
15 – سورة الاعراف الآية 199
16 – سورة الاعراف الآية 179




vendredi 6 septembre 2019

متى تنتهي الإساءة للشعائر الحسينية؟




بقلم: محمد الرصافي المقداد
الى من يتظاهرون بحب الحسين عليه السلام، فيسيلون دماءهم تطبيرا، هذه ساحات قتال اعداء الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم مفتوحة، فليبادروا الى الالتحاق بركب المجاهدين على الجبهات، فالدماء التي يرهقونها هدرا تظاهرا، من الأجدر أن ترهق هناك، لأن الامام الحسين عليه السلام، لم يقدّم نفسه إلا فداء لله ودينه، فمن كان حسينيا بحقّ، فليوطّن نفسه في صف أولئك الذين لبّوا نداءه، وليس في صف المطبّرين العابثين المسيئين.
لم يوجد شخص بعد شهادة الامام الحسين عليه السلام، أكثر احساسا وشعورا وتفاعلا، بالأحزان القلبية العميقة، والتعبير المشبع بالأشجان، من الشاهد الوحيد الذي أبقاه الله، ليستمر خط ولايته على الأرض، ويكون دليلا على ما يجب أن يرى منه، بمناسبة ذلك اليوم خصوصا، وبقية أيام حياته، وهو المثال الصادق للتفاعل إيجابا مع مسيرة أبيه الحسين عليه السلام، والناقل لثقافتها وأهدافها الإسلامية، في الإصلاح باليد واللسان.
فلم نعرف من خلال سيرته أنه حاد عن المعقول، في اظهار الحزن والبكاء، كلما حلّ بذاكرته مشهد من مشاهد اليوم العاشر من المحرم سنة 61 هجرية، وأنى لذاكرته أن تنسى المأساة التي حلت به وبأبيه وأهله، فهل تراه لا يتذكر مقتل مسلم بن عقيل رضوان الله عليه، بالطريقة البشعة التي جرت عليه في الكوفة، أم تراه لا يتذكر مقتل ابناء عمومته القاسم وعون ويحي، واخوته علي الأكبر عبد الله الرضيع عليهم السلام، أم تراه ينسى مقتل أعمّامه عبد الله وجعفر وعثمان، أن تراه لا يتذكر عمه العباس عليه السلام، وهو يقاوم كتائب العدوّ، من أجل قربتي ماء أراد جلبها للأطفال الذين أضناهم العطش، أم تراه لا يتذكر مقتل أبيه الامام الحسين عليه السلام، وكيف يتسنّى له أن ينسى وهو الامام المعصوم، المرهف الحس على غيره، المُشاطر لهم آلامهم، فكيف به بأهل بيته؟ كيف به روحي فداه، وقد عايش كل تلك المصائب، لحظة بلحظة، وفصلا بعد آخر، إن لم يُطل بذلك كله وهو حاضره بكل مشاعره - رغم مرضه الذي أوهن جسده الرشيف- زمن نصف يوم، فإن مدى سوق الاعداء له، ولعمّته ونساء ابيه واخواته، مصفّدين في الحديد سبايا الى الكوفة، ومنها الى دمشق، فُرجة للقاصي والداني، قد شقّ عليه ذلك أكثر- وهم أهل بيت عزّ لم يتعوّدوا على تلك الحال من الهوان على الناس - ولو افتدى تلك الوضعيّة بنفسه، لما تردد في الفداء.
لقد جاءنا من الاخبار، ما يفيد شيئا من ذلك الحزن العميق، الذي غشي قلب الامام علي بن الحسين زين العابدين عليه السلام، فقد ذكروا أنه حزن وبكى بعد الحادثة أربعين سنة، بمعنى يشير الى أن تلك المدة، هي الباقية من حياته بعد أبيه عليه السلام، كان لا يتمالك من البكاء كلما قدم له الماء والطعام، فلم يرى فرحا ولا ضاحكا خلالها أبدا.  
فعن الامام الصادق عليه السلام: "أَمَّا عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ عليه السَّلام فَبَكَى عَلَى الْحُسَيْنِ عليه السَّلام عِشْرِينَ سَنَةً أَوْ أَرْبَعِينَ سَنَةً، مَا وُضِعَ بَيْنَ يَدَيْهِ طَعَامٌ إِلَّا بَكَى، حَتَّى قَالَ لَهُ مَوْلًى لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ. قال: (إنما أشكو بثي وحزني الى الله
وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ  (1) إِنِّي لَمْ أَذْكُرْ مَصْرَعَ بَنِي فَاطِمَةَ إِلَّا خَنَقَتْنِي لِذَلِكَ عَبْرَةٌ". (2)
و عَنِه أيضا عليه السَّلام: "أَنَّ زَيْنَ الْعَابِدِينَ بَكَى عَلَى أَبِيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً، صَائِماً نَهَارُهُ، قَائِماً لَيْلُهُ، فَإِذَا حَضَرَ الْإِفْطَارُ، جَاءَ غُلَامُهُ بِطَعَامِهِ وَشَرَابِهِ، فَيَضَعُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، فَيَقُولُ: كُلْ يَا مَوْلَايَ.
فَيَقُولُ: قُتِلَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ جَائِعاً، قُتِلَ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ عَطْشَاناً، فَلَا يَزَالُ يُكَرِّرُ ذَلِكَ وَ يَبْكِي حَتَّى يُبَلَّ طَعَامُهُ بِدُمُوعِهِ، وَيُمْزَجَ شَرَابُهُ بِدُمُوعِهِ، فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى لَحِقَ بِاللَّهِ عَزَّ وَ جَلَّ".(3)
ولم يكن بقية ائمة الهدى من أهل البيت عليهم السلام، أقلّ حزنا ممن شاهد لوعتهم وحضر مصيبتهم، فإنهم وان تعددت أسماؤهم، قد اتحدت خصالهم ومشاعرهم، في ادراك واحساس واحد.
عنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سِنَانٍ، قَالَ‏ : دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عليه السلام يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَدُمُوعُهُ تَنْحَدِرُ عَلَى عَيْنَيْهِ كَاللُّؤْلُؤِ الْمُتَسَاقِطِ. فَقُلْتُ: مِمَّ بُكَاؤُكَ؟ فَقَالَ: " أَفِي غَفْلَةٍ أَنْتَ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْحُسَيْنَ عليه السلام أُصِيبَ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ"؟ فقلت: مَا قَوْلُكَ فِي صَوْمِهِ؟ فَقَالَ لِي: " صُمْهُ مِنْ غَيْرِ تَبْيِيتٍ، وَأَفْطِرْهُ مِنْ غَيْرِ تَشْمِيتٍ، وَلَا تَجْعَلْهُ يَوْمَ صَوْمٍ كَمَلًا، وَلْيَكُنْ إِفْطَارُكَ بعد صلاة الْعَصْرِ بِسَاعَةٍ عَلَى شَرْبَةٍ مِنْ مَاءٍ، فَإِنَّهُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ الْوَقْتِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَجَلَّتِ الْهَيْجَاءُ عَنْ آلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم" . (4)
عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي مَحْمُودٍ، قَالَ: قَالَ الرِّضَا عليه السَّلام: "إِنَّ الْمُحَرَّمَ شَهْرٌ كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يُحَرِّمُونَ فِيهِ الْقِتَالَ،  فَاسْتُحِلَّتْ فِيهِ دِمَاؤُنَا، وَهُتِكَتْ فِيهِ حُرْمَتُنَا، وَ سُبِيَ فِيهِ ذَرَارِيُّنَا وَ نِسَاؤُنَا، وَأُضْرِمَتِ النِّيرَانُ فِي مَضَارِبِنَا، وَانْتُهِبَ مَا فِيهَا مِنْ ثِقْلِنَا، وَلَمْ تُرْعَ لِرَسُولِ اللَّهِ حُرْمَةٌ فِي أمرنا إِنَّ يَوْمَ الْحُسَيْنِ أَقْرَحَ جُفُونَنَا، وَأَسْبَلَ دُمُوعَنَا، وَأَذَلَّ عَزِيزَنَا بِأَرْضِ كَرْبٍ وَبَلَاءٍ، أَوْرَثَتْنَا الْكَرْبَ وَالْبَلَاءَ إِلَى يَوْمِ الِانْقِضَاءِ. فَعَلَى مِثْلِ الْحُسَيْنِ فَلْيَبْكِ الْبَاكُونَ، فَإِنَّ الْبُكَاءَ عَلَيْهِ يَحُطُّ الذُّنُوبَ الْعِظَامَ ".
ثُمَّ قَالَ عليه السَّلام: كَانَ أَبِي إِذَا دَخَلَ شَهْرُ الْمُحَرَّمِ لَا يُرَى ضَاحِكاً، وَ كَانَتِ الْكَآبَةُ تَغْلِبُ عَلَيْهِ حَتَّى يَمْضِيَ مِنْهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ، فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْعَاشِرِ كَانَ ذَلِكَ الْيَوْمُ يَوْمَ مُصِيبَتِهِ وَ حُزْنِهِ وَ بُكَائِهِ، وَ يَقُولُ هُوَ الْيَوْمُ الَّذِي قُتِلَ فِيهِ الْحُسَيْنُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ " .(5)
وبمراجعة عشرات الروايات التي جاءتنا من كتبنا المعتمدة ومن غيرها، نرى أن ما يمارس منذ قرنين تقريبا من تطبير، وأعمال منفرة مقززة للأنفس المحترمة، لا أثر لها ولا وجود في حياة الأئمة الاطهار عليهم السلام، حتى على سبيل المجاز، فهي بعيدة كل البعد عن ثقافة الوعي الإسلامي، التي تجسّد الأهداف العظيمة، لثورة الامام الحسين عليه السلام في إصلاح أمة جدّه، ثورة فريدة يحق للبشرية جمعاء أن تنهل منها، دون حاجز يحول بينها، من المعيب تدنسيها وتشويهها على ذلك النّحو المقرف، وما أسفر عليه من نفور غير المسلمين الشيعة، وغيرهم من بقية العالم من التشيّع.
أول روايات تحريم إيذاء النفس، والبروز بأعمال الجاهلية، تعبيرا بعدم القبول بقضاء الله وقدره، كانت ضمن وصيّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم لابنته فاطمة عليها السلام: "إذا أنا مت فلا تخمشي عليّ وجها ولا تنشري عليّ شعرا ولا تنادي بالويل ولا تقيمي عليّ نائحة." (6) فككيف يجوّز لمن من رأى في التطبير حلّية، أن لا يلتفت الى كل هذه النصوص، فيتبرأ من افعاله ويقرّ بعدم مشروعيته؟
إنّ أكبر ما ابتلي به التشيع في عالمنا الإسلامي، هي الإساءات الصادرة ممن يعتقدون أنفسهم اتباعا لأئمة الهدى عليهم السلام، من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم  والتي يرونها تمثل مظهرا صالحا، للتعبير عن الولاء والوفاء، لهؤلاء السادة الأطهار، جهلا بحكم ما قاموا به أو دراية، منهم من أخذوها وراثة - مع انها حديثة العهد - بعدما وجدوا آباءهم مقيمين عليها، دون أن يبحثوا عن مصدرها من أين جاءت؟ أو يكلّفوا نفسه بسؤال ذوي العلم والتقوى عن مشروعيتها، ومنهم من اتبعها تقليدا لأصحابها وذوي التأثير عليه، اعتقادا منهم بأن كل ما يرونه معمولا به من طرفهم، يندرج ضمن أدبيات التّشيع لآل محمد صلى الله عليه وآله وسلم،  فأخذوا به مطمئنين يطلبون به القرب والأجر، ويعبّرون من خلاله عن منهج، وجدوا أنفسهم فيه بلا أدنى بحث ولا عناء.
ولو أن هؤلاء المغرر بهم، والمشتبه عليهم قيام الحسين عليه السلام، ودوافعه الاصلاحية في مسيرته الثورية، التفتوا بشيء من التعقّل الى ممارساتهم، وسألوا أنفسهم لماذا يقومون بتلك الافعال المشينة؟ - والتي تزايدت أخيرا بعد دروج التطبير (7)لتلتحق بها بدع أخرى، ما انزل الله بها من سلطان، كالزحف المقدس، والمشي على الجمر، وطلاء الوجه او الجسم كله بالطين- أهي تعبير عن مواساة وحزن؟ فإن كان كذلك فإن إسالة دمعة واحدة، هي أبلغ للحزن من تلك الافعال كلها، واعتقد جازما أنهم أعجز من أن يسيلوا دمعة واحدة، على مصيبة الامام الحسين عليه السلام، فضلا عن أن يسيلوها خشية من الله.
وإن سألتهم هل أنتم فيما تقومون به، مستندون الى نص واحد صحيح، ثابت عن النبي ، أو أحد الائمة الاطهار عليهم السلام، تراهم بأشباه علمائهم يتذرّعون بسخافات لا علاقة لها بهدي آل محمد، وما نقلوه عن السيدة العظيمة عقيلة بني هاشم زينب الحوراء عليها السلام، من انها نطحت راسها على مقدم المحمل، حتى سال الدم من وراء حجابها، وهنا يسقط الخبر بمن إدّعاه، فلا مطّلع على حال زينب عليها السلام في ذلك الوقت، وما أثبته المحدّثون عنها، أنها عملت بنصيحة اخيها الإمام الحسين عليه السلام، الذي قال لها:" يا أختاه أقسمت عليك فأبرّي قسمي، لا تشقّي عليّ جيبا، ولا تخمشي عليّ وجها، ولا تنشري عليّ شعرا ولا تدعي عليّ بالويل والثّبور إذا أنا قُتلت." (8)
فوفّت بقسمه أيّما وفاء، حيث وقفت في كربلاء، صابرة محتسبة صامدة كالجبل الرّاسي، شاهدة على تضحيات إخوتها، وابناء اخوتها، وابناء عمومتها، وابنيها عون ومحمد واصحاب أخيها شيعة أهل البيت حقا، يتتابعون في مشهد يهدّ الجبال، شهيدا وراء الآخر، ومع كل تلك المشاهد المفرطة في القسوة على قلبها الحيدريّ، ولا عجب من سليلة عليّ عليه السلام، أن تكون بتلك الرّباطة العالية من الجأش، لم يصدر منها ما يشير من قريب ولا بعيد، من الجزع والخروج عن آداب الاسلام، في الصبر عند البلاء، الى ما ابتدعه دعاة الضلال، وصنّاع البدع بلا بيّنة، مدفوعين بتوهّم مواساة أهل البيت عليهم السلام، بتلك الطريقة التي لا علاقة لها أبدا بالإسلام، وهي لعمري شراك صهيونية خبيثة.
بل إن في اجابة السيدة زينب لابن زياد الملعون، وهو في قمة سعادته، ورضاه بما جناه، قد اسقطت عنه كل أحاسيسه الشيطانية، وحوّلته في مجلسه الى مجرّد دعيّ كاذب، يحاول أن يظهر بمظهر الحاكم المنتصر بقوله: " الحَمْدُ لله الَّذِي فَضَحَكُمْ وَأَكْذَبَ أُحْدُوثَتَكُمْ. فَقَالَتْ: إِنَّمَا يَفْتَضِحُ الْفَاسِقُ، وَيَكْذِبُ الْفَاجِرُ، وَهُوَ غَيْرُنَا. فَقَالَ ابْنُ زِيَادٍ: كَيْفَ رَأَيْتِ صُنْعَ الله بِأَخِيكِ وَأَهْلِ بَيْتِكِ؟ فَقَالَتْ: مَا رَأَيْتُ إِلَّا جَمِيلاً، هَؤُلَاءِ قَوْمٌ كَتَبَ الله عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ، فَبَرَزُوا إِلَى مَضَاجِعِهِمْ، وَسَيَجْمَعُ الله بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ فَتُحَاجُّ وَتُخَاصَمُ، فَانْظُرْ لِـمَنِ الْفَلْجُ(9) يَوْمَئِذٍ، ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا بْنَ مَرْجَانَةَ. ( 10)
دليل قاطع على استقامة أدائها،  في أحرج الأوقات، وأشدّها ثقلا ومسؤولية وخطرا، وثباتها على مناج أهل بيتها، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا، يُبعد عنها شبهة هذا النّطح الذي استدل به المطبّرون على جواز التطبير.
وما أجمل في نظر المؤمنين من الشهادة في سبيل الله، لا اعتقد أبدا أن ذلك المقام الرفيع الذي ناله اهل البيت عليهم السلام، يقابل من طرفهم بما يخالف شريعة جدهم ابي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فيسيء لها أيّما اساءة، وحاشا الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا أن يكونوا بذلك التدنّي، الذي يليق بعامة الناس وجهّالهم.
ولو أن هؤلاء المشتبهة عليهم كيفية إقامة مراسم العزاء الحسيني، عادوا إلى مراجع التقليد في عموم استفتاءاتهم بهذا الخصوص، واتّبعوا اغلبية اٌقوالهم، لوجدوا ما يشفي غليلهم، في معرفة ما اذا كان ما يقومون به من أفعال، مخالفة لسماحة الدين ووسطيته، وبعده عن كافة اشكال التطرّف جائزا؟ أم هو خلاف ما عرفه الشيعة منذ يوم عاشوراء.
لقد استهدف التشيع قديما بإرهاب الطغاة، فقتلوا من قتلوه من أتباعه، واحرقوا ما أحرقوه من ثراثهم، امعانا منهم في اذهاب ريحه واستئصال شأفته، واستهدف منذ قرن ونيّف من القوى الاستعمارية، التي عرفت ما يمثّله من قيم صحيحة، فسعت الى تشجيع أي بدعة، يمكن ان تنطلي على عوامه، فتلتصق به، ذكر المؤرخ إسحاق نقاش، في كتابه (شيعة العراق)، أن أول من أدخل التّسوّط، (11) وشق الرؤوس بالسيوف، إلى النجف الأشرف في العام 1919، هو الحاكم البريطاني، الذي خدم سابقاً في كرمنشاه، ونقل الممارسة إلى العراق، عبر الهنود الشيعة، بهدف إضعاف الحوزة حينها، وكشفت بريطانيا عن ذلك في العام 1970، في كتاب (دليل الخليج وعمان ووسط الجزيرة العربية) لمؤلفه جون جوردون لوريمر John Gordon Lorimer.
وغير خاف هدف هذا التوريد المريب، من طرف البريطانيين، لما لاحظوه من تأثير الحوزة العليمة وعلمائها، على الوسط الشعبي في بلاد المسلمين الشيعة، وقدرتهم على حشد الجماهير بالنداء والفتوى، ضد الاستعمار البريطاني، نظرا لقداسة الحوزة وعلمائها وتلاميذها، عند عموم الشيعة، وكلنا يتذكر ثورة العشرين في العراق 1920 التي قادها هؤلاء العلماء الاحرار.
أما الشهيد مرتضى مطهري فيذكر: "إن التطبير والطبل عادات ومراسم جاءتنا من أرثوذكس القفقاز وسرت في مجتمعنا كالنار في الهشيم". (12) ويتطابق كلامه مع المؤرّخ السيد حسن الأمين الذي قال: هناك قولاً يقول بان التطبير بدأ في عهد الصفويين، والشيء الذي قد يكون معقولاً هو انه كان في بلاد القوقاز مسيحيون، يقومون بتعذيب جسدهم فداءً للسيد المسيح، وكان في القوقاز عدد قليل من الشيعة نقلوه إلى إيران، عندما كانوا يذهبون لزيارة ضريح الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام. (13)
ولا يختلف كلام الشهيد علي شريعتي عما سبق، حيث نسب ظهور التطبير وتوابعه الى الدولة الصفوية، فقال: "ذهب وزير الشعائر الحسينية إلى أوروبا الشرقية، وكانت تربطها بالدولة الصفوية روابط حميمة يكتنفها الغموض، وأجرى هناك تحقيقات ودراسات واسعة، حول المراسيم الدينية، والطقوس المذهبية، والمحافل الاجتماعية المسيحية، وأساليب إحياء ذكرى شهداء المسيحية، والوسائل المتبعة في ذلك، واقتبس تلك المراسيم والطقوس، وجاء بها إلى إيران ".(14)
مسالة تحريم التطبير، وكل عمل سيء للتشيع وللإمام الحسين عليه السلام وثورته الاسلامية، هي من بديهيات التي أملت على مراجع وعلماء الشيعة الاعلام منذ أن بدأت تلك الظاهرة الغريبة على التشيع تغزو الوسط الشعبي الشيعي، فلم يتمالكوا من القول الفصل بشأنها قطعا لأي شك في حرمتها، ودفعا لأي اشتباه في حكمها، فهذا ولي امور المسلمين الامام القائد الخامنئي دام ظله الشريف قد افتى بها ردّا على سؤال وجّه اليه: 
ج: التطبير مضافا إلى أنه لا يعد عرفا من مظاهر الأسى والحزن وليس له سابقة في عصر الأئمة عليهم السلام وما والاه ولم يرد فيه تأييد من المعصوم عليه السلام بشكل خاص ولا بشكل عام، يعد في الوقت الراهن وهنا وشينا على المذهب فلا يجوز بحال. ( 15)
وفي جواب آخر قال سماحته: ما يوجب ضرراً على الإنسان، من الأمور المذكورة، أو يوجب وهن الدين والمذهب، فهو حرام يجب على المؤمنين الاجتناب عنه، ولا يخفى ما في كثير، وله رأي واضح بضرر التطبير، وحرمته في مسائل أخرى، من تلك المذكورات من سوء السمعة والتوهين عند الناس، لمذهب أهل البيت عليهم السلام، وهذا من أكبر الضرر وأعظم الخسارة، وهو واضح بحرمة هذا العمل، بالعنوانين الأولي والثانوي."(16)
كما لن يتخلّف العلماء الابرار الاعلام، في التصدّي لظاهرة مسخ الشعائر الحسينية في الثورة والاصلاح، فاعلنوا رفضهم للتطبير بتوائمه من البدع التي ما أنزل بها من سلطان، فصرحوا بحرمتها تصريحا باتّا، وقالوا بعدم جواز القيام بها، لما أحدثته من ضرر بالإسلام المحمدي الأصيل، الذي يمثله التشيّع للأئمة الهداة عليهم السلام من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
إنما كانت نهضة الامام الحسين عليه السلام، من أجل تحيق الاهداف العليا للإسلام، في الاصلاح والثورة على أهل الفساد، وهاضمي حقوق الله وحقوق العباد، وقد أعطى من نفسه المثل، ليقوم الناس ضد أي سلطان جائر لإسقاطه، مهما كلفهم من تضحيات، فلا عيش يستحق البقاء والثناء عليه، سوى عيش الأحرار.
المراجع
1 – سورة يوسف  الآية 86
2 – وسائل الشيعة الحر العاملي ج 3 ص 280
3 – وسائل الشيعة ج 3 ص 282
4 – وسائل الشيعة ج 10 ص 459 .
5 – بحار الأنوار المجلسي ج 44 ص 283
6 – الكافي الكليني ج5ص527 باب صفة مبايعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم النساء/ وسائل الشيعة الحر العاملي ج3ص272 / بحار الانوار المجلسي ج79ص76 باب 16 التعزية والمآتم وآدابها وأحكامها/ نور الثقلين الحويزي ج5 ص 308 / مستدرك الوسائل النوري ج 2 ص452
7 – ضرب الراس بالسيوف والقامات لإسالة الدم
8 – الارشاد الشيخ المفيد ص232/ تاريخ الطبري ج5ص420/ العوالم الامام الحسين الشيخ عبد الله البحراني ص 246
9 – الفلج هو الظفر والفوز. مجمع البحرين الطريحي ج3ص425
10 – الارشاد الشيخ المفيد ج2ص 115/ العوالم الامام الحسين عبد الله البحراني ص383 / الفتوح ابن اعثم الموفي ج5ص122/
11 – ضرب الجسد بالسلاسل
12 – الجذب والدفع في شخصية الإمام علي عليه السلام ص 165
13 – التطبير تاريخه وقصصه أحمد العامري الناصري ص31
14 – التشيع العلوي والتشيع الصفوي الدكتور علي شريعتي ص208
15 – أجوبة الاستفتاءات  الامام السيد علي الخامنئي ج2ص 129
16 – مجلة بقية الله السنة11 العدد 126 ملف العدد عادات عاشوراء