mardi 31 décembre 2019

قضية الأويغور دخان بلا نار



بقلم: محمد الرصافي المقداد

بينما تنعم اربع جمهوريات اسلامية منضوية بالاتحادية الروسية، ترتفع اصوات منادية باضطهاد الصين للاويغور، وبتتبع مصادرها، نجد ان وراء حملتها دوافع سياسية واقتصادية، وليست دينية، وأن من يحركها ويدفعها الى الأوساط الاسلامية هي أمريكا، فوحدها لها مصلحة الاضرار بالصين، ومحاولة خلق مناخ معاد لها في العالم الإسلامي. 
ففي تغريدة على تويتر نشرها مسعود أوزيل لاعب كرة القدم الألماني ذو الأصول التركية، المحترف في صفوف أرسنال الإنجليزي، تحدث فيها على معاناة الاويغور في اقليم شينجيانغ لكنه لم يبيّن الاسباب التي اوصلت هؤلاء المسلمين الى الوضع الذي وصلوا اليه، لعله غير مطّلع على تاريخهم، ولا ملتفت الى حالة التطرّف التي ركبت عقول بعضهم، فتحولوا من الاسلام الوسطي الى الوهابية التي تكفّر ما دوانها، وقد تسببت تدوينة مسعود في ازمة حادة بينه وبين ادارة فريقه، ولئن اصرّ هذا اللاعب على موقفه، فانّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، عندما التقى بالرئيس الصيني في قصر الشعب ببكين يوم 17/12/2019، وفق ما نقلته وكالة الانباء الرسمية الصينية تراجع عمّا وصفه بالقمع في إقليم شينجيانغ ضد الأقلية المسلمة الأويغور، مصرّحا بخلافه لنظيره الصيني شي جين بينغ: إن الأويغور يعيشون بسعادة في الإقليم، وذلك بعد 4 أشهر من وصف وزارة الخارجية التركية، معاملة المسلمين الأويغور،  ذوي الأصول التركية، بأنها عار كبير على الإنسانية.

 

 
قبل الخوض في ما تتداوله هذه الايام ابواق الدعاية وتنفخ في كوره كلمات التحريض بدوافع مختلفة يرتفع فيه عنوان اسلامي، يبدو مغاليا في اصطفافه، يجدر بنا التعريج ولو بنحو مقتضب على ما يفيدنا من معرفة القومية الايغورية من ناحية وعلاقتها بجمهورية الصين الشعبية من ناحية اخرى، والموقف السليم الذي يجب علينا اتخاذه.
 الأويغور اسم عرق بشري يطلق على أحد الشعوب التركية التي تعيش فيما يعرف اليوم بمنغوليا.  الأويغور  أقوى وأكبر القبائل التركية التي تعيش في آسيا الوسطى.
في عام 744م تمكن الأويغور بمساعدة قبائل تركية أخرى من اسقاط الإمبراطورية الجوك واقاموا مكانها مملكة خاصة بهم  امتدت من بحر قزوين غرباً حتى منشوريا (شمال شرقي الصين) ودامت قرنا من الزمن، ثم الت الى السقوط بعد حروب اهلية، ودالت مملكتهم الى القرغيز، وفي الاثناء هاجر الاويغور
إلى ما يعرف الآن بشينغيانغ أو تركستان الشرقية وهناك أسسوا مملكة مع قبائل تركية أخرى استمرت حتى غزو جنكيز خان عام 1209م.
أسس الأويغور الذين أسلموا دولة سميت القارا خانات والذي يسمى حاكمها قارا خان
وبقيام الزعيم الشيوعي ماو تسي تونج مؤسس الصين الشعبية بثورته الشيوعية، التي وحد فيها اقاليم الصين، بعد حرب طاحنة خلصتها من الاستعمار الياباني، لكن الاويغور لم يقبلوا لا بثورته ولا بانظمام الإقليم الذي هاجروا اليه، فتمردوا عليه لكنه تمكن من انهائه بسرعة، وضم الاقليم الى الجمهورية الشيوعية، ومن اجل انهاء اي تمرد مستقبلي، قام الصينيون بتوطين عرق الهان في الاقليم، الذي اصبح يشكل الاغلبية.   
مع ذلك لم تنتهي مقاومة الاويغور للنظام الشيوعي، فقاموا بعمليات ارهابية استهدفت العسكريين والمدنيين على حد سواء، اسفرت على وقوع ضحايا ما دفع بالنظام  بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 الى تكثيف حملات مطاردته للاستقلاليين الأويغور.
ويبدو ان حركة استقلال ... ليست بمعزل عن مؤثرات خارجية ودعم وتحريض من قوى خارجية لها مصلحتها في زعزعة استقرار الصين الشعبية واستهداف مكونها العرقي، حيث لم تعد بصمات الادارة الامريكية خافية على المتابعين للسياسات الخارجية الامريكية واستهدافاتها المباشرة وغير المباشرة.   
 ومن هنا ظهر اصرار السياسة الامريكية على مواصلة حملتها المنظمة ضد الصين مرحلة بعد اخرى، امعانا في الاساءة اليها، ومحاولة تفكيك مكونها العرقي، من مناصرة الانفصاليين في هونغ كونغ الى جهيانغ له دوافع اقتصادية غير خافية، فجمهورية الصين الشعبية اكتسحت خلال السنوات الاخيرة اسواق العالم، بما فيها الاسواق الامريكية، مما افزع السياسيين الامريكيين، ودفعهم الى اتخاذ تدابير سياسية ودعائية ضدها، ومنها ترصّد أي حركة داخلها ودعمها.
طبيعة تغلغل المذهب التكفيري المتطرف بين شباب الأويغور ظهر واضحا من خلال
وجود 3 آلاف إرهابي صيني من الإيغور يقاتلون في سوريا إلى جانب التنظيمات الإرهابية، كجبهة النصرة وداعش والحزب الإسلامي التركستاني الذي أسسته تركيا.  ومن هنا جاء التعاون العسكري والأمني المطّرد بين جمهورية الصين والحكومة السورية.
وحتى لا تذهب بنا العاطفة الى ما بعد الحق يجدر بنا  التذكير بوجود اربع جمهوريات اسلامية في روسيا الاتحادية هي:
1 – جمهورية داغستان مساحتها 50 الف كلم2 وعاصمتها مهج قلعة عدد سكانها 3.250 مليون نسمة
2 – جمهورية باشكيريا ومساحتها 143 ألف كلم2 وعاصمتها أوفا وعدد سكانها 4.5 مليون نسمة.
3 – جمهورية تتاريا ومساحتها 70 ألف كلم2 وعاصمتها  قازان وعدد سكانها 4.2 مليون نسمة
4 – جمهورية الشيشان ومساحتها 17 ألف كلم2 وعاصمتها غروزني وعدد سكانها 1.336 ألف نسمة.
وباستثناء الحرب التي اندلعت في الشيشان بين الشاشان والروس، بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وسيطرة الجنرال جوهر دوداييف على الحكم، واعلانه استقلال الجمهورية سنة 1991، واستمرت تلك الحرب الى سنة 2008، شهدت بقية الجمهوريات الاسلامية هدوء واستقرارا تحت الحكم الروسي، وهم يمارسون شعائرهم ومناسباتهم، ومساجدهم مفتوحة للعبادة، خلاف ما كانوا عليه في عهد ستالين.
حرب ما كان لها أن تقوم، لولا تغلغل المذهب الوهابي التكفيري، بين اوساط الشباب الشيشاني، لذلك اقول ماهي المصلحة في الدعوة الى الإنفصال بالنسبة لشعوب أو أقليات مسلمة، وماذا يمكن أن تقدمه لأنفسها وللإسلام لو تحقق لها ذلك، ان لم تكن في حقيقة مطلبها سوى فريسة للرأسمالية الغربية المتوحشة.
واذا كان الاكراد الى اليوم يسعون الى الانفصال من الدول التي يعيشون فيها، كالعراق، وتركيا، وايران، وسوريا، وهم يعيشون بين اخوانهم المسلمين، فلماذا نلوم قوميات اخرى على مواقفها من الانفصال، الذي لا يخدم المنفصل ولا المنفصل عنه؟




dimanche 29 décembre 2019

هذه هي جريمة ايران



بقلم: محمد الرصافي المقداد
عندما قامت الثورة الاسلامية في ايران بقيادة الامام الخميني رضوان الله عليه، وانتصرت بفضل الله تعالى، كان ذلك عامل أساسي، فسح المجال لقيام نظام إسلامي، اعلن بصراحة ووضوح، انه جاء ليعيد للقران واحكامه دوره وفعاليته التي اطفاها اعداء الاسلام، ولم يتردد في رفع شعاراته الاسلامية، النابعة من كتاب الله والعمل بها، فتكونت جبهة الاستضعاف ضد الاستكبار، وقامت حركات المقاومة ضد المحتل والغاصب، وباشرت الطلائع الطلابية الثورية عملها، وركزت نشاطها، في افتتاح مقارعة راس الاستكبار العالمي امريكا، شيطانة هذا العالم وناشرة الفساد فيه، فارغم انف قادتها في تراب طهران، عندما اقتحمت وكر جاسوسيتها، واخذ طاقمها رهائن من اجل قطع ايديهم من ايران، وغلق باب تدخلاتها السافرة، التي كانت ستتسبب في اضرار كبيرة، من شأنها  ان تعوق مسيرة الشعب الايراني الثورية،  لو بقيت تلك البعثة تعمل في طهران.
ولم تتوانى ايران الاسلامية لحظة في طرد البعثة الدبلوماسية الصهيونية من طهران، واعلان مقرها سفارة فلسطين، وتسليمه لمنظمة التحرير الفلسطينية حينها، وهو عمل لم يجرؤ عليه احد من العرب والمسلمين، ثم امر الامام الخميني ببدء مشروع تاسيس مقاومة العدو الصهيوني، ووجدت افكاره اذانا صاغية وعقولا واعية، فكانت حركة الجهاد الاسلامي في فلسطين، وحزب الله في لبنان، وحركة حماس في فلسطين، ولم تتردد ايران الاسلامية في دعمها لكل حركة مقاومة تعمل من اجل انهاء الوجود الصهيوني، وضحت من اجل نموها واستقوائها على مواجهة عدوها الغاصب، بكل ما من شانه ان يعطيها اسباب مواصلة كفاحها، وحسن التصدي لغطرسة عدو، طالما تبجح باعتدته، وتطاول بقوته، وكان من قبل مستهترا بها، منتهكا بواسطتها دماء وحقوق الشعب الفلسطيني.
ما انجزته ايران الى اليوم، وانفردت به على غيرها من الدول الاسلامية في هذا المجال، جعل منها عدوا اساسيا للقوى الاستكبارية الغربية، وعلى راسها امريكا، التي شنت عليها حربا بالوكالة، وعقوبات اقتصادية متتالية، بلغت مداها هذه السنة، من اجل تحطيم الاقتصاد الايراني، وخلق مناخ من عدم الاستقرار داخل ايران، يتيح فرصة اضعاف النظام الاسلامي واسقاطه، امنية طالما ركض وارءها اعداء ايران من استكبار وعملاء.
جريمة ايران إذا، كما يعتبرها اعداؤها،  تمثلت في نصرة القضية الفلسطينية، والعمل على ازالة الكيان الصهيوني من على ارض فلسطين، وهي بنظر امريكا وحلفاؤها، جريمة لا تغتفر، الا بالتخلي عنها، وهذا مستحيل في استراتيجية النظام الاسلامي، على اساس ان ذلك الكيان الغاصب والمعتدي، لم يتاسس ليستهدف فلسطين فقط، وانما ليهيمن على الشرق الاوسط والبلاد الاسلامية، وكانت نظرة ايران الاسلامية الى ذلك الكيان وحقيقة اهدافه صائبة مائة بالمائة.
تصوروا الموقف الامريكي والغربي لو ان ايران تعلن عن تخليها عن القضية الفلسطينية، وتعتبر ان ما قامت به من قبل كان خطأ وتعتذر منه، ماذا سيكون موقف امريكا والغرب بل والكيان الصهيوني نفسه؟
من المؤكد ان ايران ستصبح في موقع التبجيل والتفضيل والتقديم، حتى على عملاء امريكا، من الدول العربية والاسلامية، وتنتهي معاناتها، وترفع عنها جميع العقوبات، بل ويقع تعويض جميع خسائرها، وتعود امريكا الى الاعتراف بخطاها، في الخروج من الاتفاق النووي السلمي، فلا تعد هناك حاجة لعرقلته، بل وقد يسمح لها بصناعة القنابل النووية، طالما ان تلك الاسلحة الفتاكة لا تهدف امريكا والغرب والكيان الصهيوني .
جريمة ايران انها بنت عقيدتها على الاسلام المحمدي الاصيل، الذي جاء ليغير عقلية الاستقواء بالباطل، والتعالي على الخلق، ونشر الوية الظلم على المجتمعات، ويستبدلها بعقلية  سواسية الناس في الحقوق والواجبات، وهذا خط احمر هيمن به الغرب على العالم الثالث، قد اقتحمته ايران،   دفاعا عن حقوق جميع الشعوب المستضعفة الى جانب الشعب الفلسطيني، فاعتبرت سياستها عدائية للقوى الكبرى المستغلة، ووصفت بالنظام الارهابي، مع ان ايران ضحية ارهاب تلك الدول، الصانعة للارهاب الحقيقي.
 ان اصرار اعداء ايران على مواصلة نهج محاربتها بكل السبل، لم يترك خيارا صالحا لايران، يضمن بلوغ اهدافها الثابتة، فزادت من وتيرة صمودها، مواصلة تقدمها باصرار وعزيمة، ايمانا منها بانه السبيل الوحيد الذي يضمن حقها في نشر القيم الاسلامية، التي لا تستثني مجتمعا من الامن والعدل.      

lundi 9 décembre 2019

الشيطان لا ييأس والشعب الإيراني لا يطمئنّ



بقلم: محمد الرصافي المقداد
في آخر أعمالها الإرهابية التي استهدفت أمن واستقرار الجمهورية الاسلامية، لم تتردد امريكا وتحالفها الشرير، في تحريك عناصرها داخل إيران، من أجل إثارة الرأي العام الداخلي، وإيهام الرأي العام العالمي بأن أوضاع ايران الداخلية غير مستقرة، وشعبها على أهبة رفع راية العصيان في وجه نظامه، اغتناما لقرار زيادة اسعار البنزين، الذي بدأت السلطات بتطبيقه، وقد بدا منذ أوّل الأحداث، أن هناك تنسيق وتوثيق اعلامي، بكل تحرّك وقع في العاصمة طهران، ومناطق أخرى داخل إيران، بعنوان التمرّد والثورة على النظام الإسلامي.
استغلال زيادة اسعار البنزين في ايران وتوظيفه سياسيا من أجل زعزعة الامن والاستقرار داخل ايران، ومهاجمة بعض الدوائر الحكومية والبنكية، من طرف أعداء الثورة الاسلامية، على أنها أعمال ثورية ومشروعة، جنّد لها التحالف الصهيو أمريكي امكانياته الضخمة، من أجل أن تستغلّ الاحتجاجات، لتكون أرضية سانحة لأعمال تخريبية، تطال المؤسسات العامة والبنوك، من شأنها أن تؤثر في الوضع العام الداخلي المستقر للبلاد.
احتجاجات لم تستمر أكثر من يومين وسرعان ما تراجعت بما لم يكن في الحساب الامريكي، الذي أخطأ كعادته فيما تعلق بإيران، وخابت آمال القائمين على مؤامرة زعزعة الأوضاع الداخلية فيها، وقابلها الشعب الايراني بمظاهرات حاشدة في العاصمة طهران، ومختلف المحافظات الايرانية، تنديدا بأعمال الشغب والاعتداءات على المرافق العامة للبلاد، وهكذا اغلقت صفحة اخرى من صفحات العدوان الخارجي على إيران، بإرادة ووعي شعبيين، أخرسا الألسن المسيئة للنظام الإسلامي، والتي ما زالت تتشدّق كذبا بعدم شعبية النظام الاسلامي، وفي كل مرّة يظهر مدى التناغم والتآزر بين نظام ولي الفقيه ومؤسساته الإسلامية، وقواعده العريضة في ايران وحتى خارج إيران.
التحالف المعادي للجمهورية الاسلامية الإيرانية، لم يتعظ من تجاربه الماضية الفاشلة، أذكر منها بالخصوص جهوده المضنية، التي قام بها من أجل ارباك المسار الانتخابي الديمقراطي، الذي خاضه الشعب الإيراني أواخر سنة 2009  والتشكيك في شعبية النظام الاسلامي، وكشفت الأحداث حينها عن تورط بريطاني أمريكي، كان يدفع نحو الفوضى في العاصمة طهران، لكنه بحكمة القيادة والتفاف الشعب حولها، أجهضت إحدى أكبر المؤامرات على إيران.    
وقد اعلنت وزارة الامن والاستخبارات الايرانية عن اعتقال 6 من العناصر، التي كانت تعمل على جمع المعلومات حول اعمال الشغب، ونقلها الى خارج البلاد، ووضعها في متناول الاجانب، تم رصدهم والقاء القبض عليهم، وذكر المصدر ان العناصر المذكورة، قد تلقت التدريبات اللازمة لجمع المعلومات في مختلف الدول، تحت غطاء مراسلين مواطنين، بميزانية جهاز الاستخبارات المركزية الاميركي (سي آي أي)، وأنّ هؤلاء المعتقلين كانوا منذ فترة، تحت مراقبة دقيقة من قبل الامن الايراني، وبعد تصاعد حدة اعمال الشغب، تبين بأنهم تلقوا أوامر للتواجد في تلك الاماكن، لإعداد تقارير مصورة عن أعمال الشغب.
وتعليقا على ذلك أشاد قائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي صباح اليوم (الاربعاء 27 / 11 / 2019) خلال إستقباله الآلاف من التعبويين بمناسبة أسبوع التعبئة(الشعبية)، إلى التحرك الرائع جداً للشعب الإيراني خلال الأسبوع الأخير: ان الشعب الايراني أحبط مؤامرة عميقة وواسعة وخطيرة جداً، وظّف الأعداء لها أموالا طائلة، وبذلوا جهوداُ كبيرة، ليقوموا بمثل هذه الممارسات، أي التخريب والاعمال الشريرة والقتل، التي تصوروا أن الفرصة قد توفرت من خلالها، بقضية البنزين وجاؤوا بجيشهم الى الساحة، لكن الشعب الإيراني أحبط مؤامرة الأعداء، بتحركه الرائع جداً.. ما قام به الشعب الاسبوع الماضي كان أسمى وأهم من أي تحرّك ميداني، اذ بدأ في زنجان وتبريز وامتد الى جميع مدن البلاد وحتى القرى وبالتالي جرى هذا التحرك في طهران بعظمة، وكان بمثابة صفعة للإستكبار والصهيونية العالمية أجبرتهم على التقهقر. 
بمناسبة اسبوع التعبئة اشار الامام الخامنئي الى اكبر العوائق والتهديدات التي تتعرض لها إيران: هنالك الكثير من التهديدات أمامنا والتي يجب ان تتحول الى فرص بمبادرة من منظمة التعبئة.. ان الجمهورية الاسلامية مستلهمة من المبادئ والقيم الاسلامية وان الاسلام رافع لراية العدالة والحرية صراحة، ومن جانب آخر فإن نظام الهيمنة معارض أساساً للحرية والعدالة، لذا فان الجمهورية الاسلامية معرّضة بصورة طبيعية لتهديدات قوى الهيمنة وجبهة الاستكبار.
الامام الخامنئي لم يغب عنه تعرية النوايا السيئة التي يستبطنها اعداء الشعوب من أجل تحقيق مآربهم الوضيعة، فقال: ان نظام الهيمنة يعارض استقلال الشعوب، ويسيء اليها دوماً، ولا يأبى عن الاعلان عن نواياه في هذا المجال، مثلما يقول الاميركيون صراحة، بأنهم دخلوا شرق سوريا من أجل النفط، أو أنهم يدخلون قاعدتهم العسكرية في العراق بلا إذن، ولا يعيرون أي اهتمام للحكومة العراقية.
واعتبر الامام الخامنئي أنّ مفردة (المقاومة) تكمن في عبارة (قوى تعبئة المستضعفين المقاومة) والمستضعفون خلافاً لما يُوصف به اليوم، الأفراد قليلو الحيلة، هم أئمّة العالم البشري، وخلفاء الله في الأرض بالقوّة، لذلك فإنّ المقاومة تحتاج إلى بنية معنويّة، وهذه البنية المعنويّة، تتجلّى في تحرّك الشباب إلى الأمام بشكل خاص، وسوف تترك آثارها، وأكد أن قوّة التعبئة تبرز في مظهرين هما: الجهاد في الدفاع الصلب (العسكري) والدفاع في الحرب الناعمة. المتمثلة بالعلم والثقافة، والتبليغ الديني والبناء والخدمة.
وفي توصياته لقوى للتعبئة، دعاها الى أن لا تتصرف بمنطق رد الفعل الغير مدروس، مؤكدا أنه يجب ردّ الفعل بما يتلاءم واثبات الاثر، وتحصيل النتيجة منه، مستحضرا أسلوبا مميّزا في مواجهة التحدّي، ناصحا النسج على منواله بالقول: اعملوا دوماً كلاعب الشطرنج الماهر، أي أن تكونوا متقدمين خطوة على العدو، وأن تتصرفوا بروح هجومية.
هكذا عبر الامام الخامنئي عن ايران بنظامها الإسلامي ومؤسساتها وقواها الشعبية، في ردودها المتكررة بحسب حجم المؤامرة ونوع العدوان، واضعا نصب أعين شعبه أن بلاده تواجه أحد أعتى شياطين الانس، هذا النظام الرأسمالي المستغل لثروات شعوب العالم، الذي لقّبه الامام الخميني رضوان الله عليه بالشيطان الأكبر، وكأنّي به يردّ على كيده بقوله: أنت لا تيأس وأنا لا أطمئنّ.


mercredi 4 décembre 2019

الثورة الاسلامية الإيرانية موعودة الوحي والنبوّة بالتمهيد



بقلم: محمد الرصافي المقداد
لا أعتقد أن أي مؤمن يمكن أن يغيب عنه استحضار الفرج، المتعلّق بظهور الدين الاسلامي الخاتم على الدين كله، في آخر الزمان وهو هذا الزمان، الذي بلغ فيه حكامه وأهله، من الظلم والعدوان وهضم الحقوق، مبلغا غير مسبوق، يحتاج الى النظر اليه من وجهة نظر شرعية، معتمدة على نصوص اعترف بصحّتها أغلب علماء المسلمين، بما اجتمع فيها من الدلالات والاشارات، مبيّنة للمؤمن وجهته الآمنة في دينه ودنياه، وهو يكافح بقلبه وعقله، أصوات شياطين الإنس، التي ارتفعت هنا وهناك، منفّرة من هذه الحقيقة الجليّة.  
بشارات قرب الفرج والظهور المبارك، وإن كانت قليلة في كتب عامة المسلمين الروائية، إلّا أنها جاءت أغلبها معبّرة حقيقة عن إيران الاسلامية، ووضعها الحالي السابق ليوم الظهور المبارك، الذي ابتدأ منذ انتصار ثورتها المباركة، التي قادها مصلح العصر الإمام الخميني رضوان الله عليه، في تغيير جذري في الحياة السياسية، لهذا البلد العريق في الحضارة والدين، حوّله بفضل حكمة قيادة، وعزيمة شعب ثائر، من بلد مهيمنا عليه، تابع للقوى الإستكبارية المعادية للإسلام (بريطانيا امريكا)، الى بلد ثائر على أوضاعه المتردّية، قد اتخذ قراره الوطني، بقطع الأيدي الداخلية والخارجية العابثة بثرواته ومستقبله.
الدّور الايراني الذي أشارت اليه الروايات بنحو مختصر ومقتضب، هو دور مصيري وهام جدا، وقد وصفه النبي بشيء من التعظيم، ( لو كان الإيمان عند الثريا لناله رجل من فارس)، فهمه من فهمه في بداية الصحوة الاسلامية، فأحسن قراءة إشاراته، انطلاقا من حسن سريرته، ونقاءها من خبث السياسة البعيدة عن الدين والإيمان، تماما كما حصل لحركة الاتجاه الإسلامي بتونس، عندما لم يتردد مؤسسها وأغلب كوادرها، من التصريح على صفحات مجلتهم (المعرفة) لصاحبها الشيخ عبد القادر سلامة، بعناوين مختلفة  منها على سبيل المثال (النبي ينتخب ايران للقيادة) جاء فيهاإن إيران اليوم بقيادة آية الله الخميني القائد العظيم والمسلم المقدام، هي المنتدبة لحمل راية الإسلام .. وأنّ الرّسول عناه في حديث ” إنّ الله يبعث لهذه الأمّة على رأس كل مائة سنة من يجدّد لها دينها “(1) وإنّه بنجاح الثّورة في إيران، يبدأ الإسلام دورة حضاريّة جديدة.  (2)
وقد ظهر من كتابات الشيخ راشد الغنوشي، ميلا وتعاطفا كبيرين، مع الثورة الاسلامية في ايران، وحماسا لقيادتها ودورها، فمن ذلك مثلا: إنّ ثورة إيران هي ثورة الإسلام ضدّ الاستبداد والقهر والتّبعيّة .. ولذلك فسوف تكون نموذجا، يَهتدي به كلّ الأحرار في العالمين الإسلامي والنّامي، وتصبح إيران قلعة للحرّيّة، ومركز الإشعاع الرّسالي في العالم.(3)
بداية لا بد من التذكير مجددا من باب - وذكّر فإنّ الذكرة تنفع المؤمنين- (4) أن ما قاله وكتبه عدد من رواد الصحوة الاسلامية في العالم الاسلامي لم يكن منفصلا عن النصوص، الواردة بخصوص الإخبارات الغيبية التي جاء بها القرآن، وبيّنها النبي في معرض تفسيره، فقد جاء في أسباب نزول قوله تعالى: (وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم.) (5) عن ابي هريرة قال: كنا جلوسا عند النبي فأنزلت عليه سورة الجمعة ( واخرين لما يلحقوا بهم ) قال قلت: من هم يا رسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثا وفينا سلمان الفارسي، وضع رسول الله ص يده على سلمان ثم قال: لو كان الايمان عند الثريا لناله رجال من هؤلاء. (6)
وفي الآية: وان تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم. (7) أنّه لما نزلت كان سلمان جنب رسول الله (ًص) فقالوا يا رسول الله من هؤلاء القوم الذين إن تولينا استبدلوا بنا؟ قال/ فضرب النبي (ص) على منكب سلمان فقال: من هذا وقومه.(8)
ومن بين الروايات التي تضنت أكبر قدر من البيان، ما أخرجها ابن ماجة في سننه عن عبد الله قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، إذا أقبلت فتية من بني هاشم، فلما رآهم النبي صلى الله عليه وآله، اغرورقت عيناه وتغير لونه، فقالوا: يا رسول الله ما نزال نرى في وجهك شيئا نكرهه؟ فقال: إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا، وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريدا وتطريدا، حتى يأتي قوم من قبل المشرق، ومعهم رايات سود، فيسألون الحق فلا يعطونه، فيقاتلون وينصرون، فيعطون ما سألوا، فلا يقبلون حتى يدفعوه إلى رجل من أهل بيتي، فيملاها قسطا كما ملأوها جورا، فمن أدرك ذلك منكم، فليأتهم ولو حبوا على الثلج. (9)
أما ما جاء من طرق أئمة الهدى من أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ففيه توضيح آخر يزيد من التأكيد، على الدور الهام والرئيسي، الذي سيضطلع به قوم سلمان، في هذا العصر، عن أبي الحسن الأول موسى بن جعفر عليه السلام قال: رجل من أهل قم، يدعوا الناس إلى الحق، يجتمع معه قوم كزبر الحديد، لا تزلهم الرياح العواصف، ولا يملون من الحرب، ولا يجبنون، وعلى الله الله يتوكلون، والعاقبة للمتقين. (10)
الى هنا يظهر لنا من خلال هذه النصوص، الدور الريادي لقوم سلمان في التمهيد لعصر الظهور المبارك، وكنّا قد تابعنا أحداثه، منذ أكثر من 40 عاما يوما بيوم، وقد صدّقها من صدّق من المسلمين، الذين أخلصوا نياتهم لله فهداهم الى الحق، هذه النصوص التي اردت التذكير بها، كانت مغيبة فيما مضى عن عامة المسلمين، فلما قامت الثورة الاسلامية في ايران، أظهرتها حماسة بعضهم، وتبنّاها تعاطفهم الكبير للإنجاز الثوري والاسلامي، دون أن يؤثر ذلك معرفتهم بالانتماء الشيعي للثورة الاسلامية الايرانية، لكن هجمة التشويه الشرسة التي تعرض لها الامام الخميني وثورته المباركة، تمكنت بمختلف الاغراءات المادية، من حجب ذلك التعاطف عن جماهير الحركات الاسلامية، ومنها حركة الاتجاه الاسلامي، بل وتحويل بعضه الى النقيض، فتكونت عداوة وتحريض، ضد كل ما يمتّ الى إيران بصلة أو سبب، متجاهلين تماما كل النصوص التي كانت بين ايديهم، وكتبوا وتكلموا بشأنها الى قواعدهم، تأكيدا على مطابقتها لواقع ايران ما بعد ثورتها الاسلامية.
تلك الرؤيا القاصرة لم تقم كما اسلفت الذكر عن عقيدة أو فكر، بل كانت ردّة فعل شحن انفعالها الجناح الوهابي في الحركات الاسلامية، ووضعها موضع العداء والتنفير بدلا من التأييد والمولاة، خدمة لمخططات أولياء بني سعود ووهابيتهم، لم ترعى للنصوص الواردة بشأن دور قوم سلمان في اعلاء كلمة الله ونصرة دينه، ولا راعت أهداف الثورة الاسلامية التي أكّدت على محوريّة القضية الفلسطينية، وأخذت بعين الاعتبار الخطوات الملموسة التي قطعتها ايران الاسلامية، من أجل تحقيق أهداف الاسلام الكبرى في القوّة والتمكن والعزة.
قائد الثورة الاسلامية الامام الخميني تكلم بلسان القرآن، ودعا الى احياء السنن التي أماتها اعداء الاسلام، ونصب جهده وهمّه من أجل انجاح قضايا الأمة الاسلامية العالقة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، وقد ظهر من خلال تصريحات قادة حركات المقاومة الفلسطينية، وثنائهم المتكرر على الدور الهام الذي قام به الايرانيون من أجل نصرة قضيتهم، وتقوية وسائلها في مواجهة عدوان الكيان الصهيوني المتكرر على قطاع غزة والضفة، وايران اليوم بقيادة الامام السيد علي الخامنئي، قد وصلت بمعادلة المقاومة الى مستوى عال من الاعداد ليوم الفصل. 
ايران الاسلامية اليوم قد بلغت مرحلة متقدمة من التقدّم العلمي والتقني رغم كل أنواع العقوبات والحصار، متبوأة  مرتبة يغبطها عليها أعداؤها، ويتمنون زوالها منها لكن هيهات، ان ترك المطالب بالتمني، وأبواب التقدّم وتحصيل المعارف متاحة لمن بلغ من الارادة والعزم، مبلغا يؤهّله لتحقيق أهدافه في منافسة الدول الكبرى، وقوم سلمان المحمّدي أهل لذلك، وقد أثبتوا من خلال ثورتهم الغير مسبوقة في العالم، ارتباطهم بذلك الاخبار الغيبي، ودلالة أهدافهم المرسومة ،على أنهم المعنيون بقيادة قافلة الانتصار للإسلام المحمّدي الأصيل، وتحقق الوعد الإلهي على ايديهم المباركة.
ومن  هذا المنبر الصادق أتوجّه بالدعوة الى إخوتي في الاسلام العظيم لإعادة النظر في ما أخفي وحجب عنهم من نصوص لعلها تعيد ضالة من أغوي بالدعاية الكاذبة عن مواكبة ركب قوم سلمان ومناصرتهم فيما يضحون به في سبيل الله نأيا بهم عن التعرّض لهؤلاء الاحرار الابرار بسوء أو وقيعة، لا تعود بالضرر على ايران وحدها، بل على الاسلام والمسلمين جميعا، خصوصا ونحن نمرّ بمرحلة حاسمة وحساسة من تاريخ الامة الاسلامية، نحتاج فيها الى التفاف أكبر وتضامن أقوى، أسأل الله تعالى أن يهدي الأمة الى اتباع الحق، والاقلاع عن مهاجمة أهله، بباطل الاستكبار والصهيونية وعملائهم في المنطقة الإسلامية.
المراجع
1 – سنن أبو داود كتاب الملاحم باب ما يذكر في قرن المائة ج4ص313ح4291/ المستدرك على الصحيحين الحاكم النيسابوري ج 4ص522/ تاريخ بغداد الخطيب البغدادي ج 2ص61
2 – مجلة المعرفة العدد الثّالث من السّنّة الخامسة 1979
3 – مجلة المعرفة العدد الثّامن من السّنّة الخامسة 1979  “.
4 – الذاريات الآية 55
5 – سورة الجمعة الآية3
6 – جامع احاديث البخاري كتاب التفسير سورة الجمعة ج6ص151ح4897/ مسلم كتاب فضائل الصحابة باب فضل فارس ج7ص191ح2546/ سنن الترمذي ابواب التفاسير عن رسول اللهج5ص337ح3310 وابواب المناقب ج6ص212ح 3933/ مسند أحمد مسند ابي هريرة ج15ص237ح9406 
7 – سورة محمد الآية 38
8 – لو أن الدين تعلق بالثريا لنالته رجال من أهل فارس. سنن الترمذي ابواب تفاسير القران ج5ص303ح3260/ تفسير الطبري الآية ص 510 /
9 – أخرجه ابن ماجة في سننه كتاب الفتن ج4ص452 ح4082 / المستدرك الحاكم ج4ص464 / المعجم الكبير الطبراني ج 10ص104 ح 10031/ الحاوي للفتاوي/ العرف الوردي في أخبار المهدي السيوطي ص57/ بحار الأنوار المجلسي ج51ص 82/83.
10 – بحار الأنوار المجلسي ج 57ص 216 ح37

samedi 30 novembre 2019

متى سيستوعب العراقيون الدرس؟



بقلم: محمد الرصافي المقداد
عندما اقتربت طلائع داعش من محافظة بغداد، بعد أن بسطت سيطرتها على المحافظات الغربية للعراق - وكانت مؤامرة محكمة التدبير- وأصبح الوضع حينها لا يحتمل تأخير التحرّك، لمواجهة الوباء الإرهابي القادم من سوريا، لم يكن هناك من يجرؤ على اصدار فتوى بالدفاع المقدس غير السيد السيستاني، ولم تجد تلك الفتوى المهمة في تاريخ العراق المعاصر، سوى خيرة شباب العراق، الذين هبوا ملبّين نداء المرجعية الحكيمة، فانضموا متطوعين في الحشد، للدفاع عن المقدسات، وكانت جمهورية إيران الإسلامية حاضرة في موقف عبّرت فيه عن تضامن أخوي صادق، ففتحت مخازن أسلحتها، وقدّمت خبرات كوادرها العسكرية وكانت سببا في تسريع تنامي قوة الحشد، من أجل الدفاع عن العراق، في وجه خوارج العصر، ولم تبخل إيران بتضحية أو جهد من أجل ازاحة الخطر الارهابي الوهابي . 
ولم تكن داعش منذ تأسيسها، سوى صناعة أمريكية صهيونية، حركتها مخابرات البلدان المستفيدة من وجودها على الاراضي السورية والعراقية، ولم يكن التحالف الذي أسسته أمريكا، بدعوى محاربة داعش، سوى منظومة لوجستية، قامت من أجل حماية داعش، ونقل عناصرها من مكان الى آخر لتنفيذ مخططاتهم، وتاريخ القوات الامريكية في العراق بعد حرب الخليج الثانية، لمن اطّلع على تفاصيله الدقيقة، أشد قذارة منها في الحربين الكورية والفييتنامية، يكفي أن نفتح ملف سجن أبو غريب، وانتهاكات حقوق الانسان الفظيعة بحق العراقيين أينما وجد أمريكي، وسرقة أطنان من احتياطي ذهب البنك المركزي العراقي، وكنوز القصور الرئاسية العراقية.
رغم كل الجرائم التي ارتكبتها امريكا على الاراضي العراقية بحق العراق، ارضا وشعبا وتاريخا، واستمرار تواجدها العسكري في شكل قواعد منتشرة في كردستان والمحافظات الغربية، معرقلة كل عمل وطني يراد منه استقلال العراق، وعزة أهله وتطهير أراضيه من أي تواجد عسكري، يفقد بلاد الرافدين كرامته، فقد بقي التواجد الامريكي هناك بلا ردّة فعل ولا محاسبة، تدفع نحو اجلائه من مواقعه التي تمركز فيها، قضاء لمآربه وليس حبا في العراق.
أمريكا التي لم يكن لهمّ تواجدها العسكري في العراق، وغيرها من دول الخليج، سوى نهب خيرات البلدان المحتلة من نفط وغاز، قد تسببت في قتل قرابة المليون عراقي منذ تدخّلها السافر بالعراق، ترى بعين العملاء وعديمي الضمير صديقة وحامية وحليفة لهم، بينما ترى ايران بنفس تلك العين الخاسئة المشيحة عن الحق، عدوّة لا مكان لها بينهم، مع أنه لم يصدر منها ما يفيد ذلك الانطباع الخاطئ.
ما حصل هذه الأيام في العراق من تظاهرات مطلبية شعبية، منادية بالإصلاح ومكافحة الفساد، كان مشروعا في إطاره الاستحقاقي، ومستحقا نظرا لكثرة الفساد المستشري بين أوساط ساسته هناك، الذين اختارهم العراقيون أنفسهم، اختيارا عشائريا وطائفيا ومصلحيا، خارجا عن اطار الوطنية، من الغباء أن تتحمل ايران مسؤوليته ونتائجه، في نظر هؤلاء الذين صبّوا جام نقمتهم وغضبهم، على التمثيل الدبلوماسي الايراني في البصرة أوّلا، ثم كربلاء ثانيا، والنجف الأشرف أخيرا، فهل ذنب ايران أنها تعاملت دبلوماسيا مع ممثلي الشعب العراقي؟ أم أنها كانت مطالبة بوقف التعامل معهم، قبل أن يحسم فيهم الشعب العراقي أمره؟ لا اعتقد أن عاقلا يقبل مثل هذه التجاوزات الدبلوماسية، خصوصا اذا كانت مستبقة لرأي الشعب، مهما كانت درجة صلاحها.
لقد اثبت الاعتداء المرتكب بحق التمثيلية الدبلوماسية الايرانية بكربلاء، ومهاجمة مقرات الحشد الشعبي، وقتل الأخوين الشهيد القائد أبو جعفر وسيم العليباوي، وأخيه عصام من الحشد الشعبي بدم بارد، واحراق القنصلية الايرانية بالنجف، أنّها  سلسة من الأعمال الإرهابية التي وقع التخطيط لها أمريكا وصهيونيا، من أجل أن تظهر وسط تعابير شعبية، على أساس أنها نابعة من متظاهرين، في مناطق معروفة بانتمائها الشيعي، وما أريد ايصاله للعالم، بأنه ثورة وانقلاب على القيم الاسلامية الشيعية نفسها، من داخل الطائفة، متجاوزا الخطوط الحمر في الاستخفاف بمقدسات المسلمين الشيعة.
إن من دعا أول مرة الى  نزع سلاح المقاومة في لبنان، هو نفسه الذي اعاد الطلب بخصوص حشد العراق، بكل الخبث الذي سيطر على عقله وقلبه، والعقبة الوحيدة التي تقف حائلة دون اتمام صفقة القرن، هو محور المقاومة الذي أسسته ايران الإسلامية، بمعيّة شرفاء الامة، الذين رفضوا اطار التطبيع مع الكيان الصهيوني، وأصرّوا على مواصلة نهج المقاومة، الذي دعا اليه الامام الخميني رضوان الله عليه، ويقوده اليوم الامام القائد السيد الخامنئي.
شرفاء العراق اليوم مطالبون بالاعتذار عما فعله السفهاء في هذه البلد، وأكثر من ذلك اثبات أن ما حصل من اعتداءات هي خارجة عن ما ألفه الشعب العراقي في احترام اشقائه الإيرانيين ومودّتهم الواجبة، بما قدموه من تضحيات وجهود وتنازلات، من أجل أن يكون العراق حرّا أبيّا آمنا مزدهرا، وليس العراق وايران سوى عمقين استراتيجيين لبعضهما البعض، وشعبين عريقين متداخلين ومشتركين في التاريخ والحضارة والدين، وعمليات الاستعداء والتحريض التي استهدفتهما في الآونة الأخيرة، تهدف الى فصلهما عن بعضهما، واحداث قاعدة اشتباك بينهما، على غرار ما حصل في الحرب العدوانية، التي شنها الطاغية صدام ضد ايران الاسلامية، ولم ينجح في تحقيق ما كان يرجوه الأمريكان من اسقاط النظام الاسلامي.
كل ما أرجوه، أن ينجح الشعب العراقي في اخراج القوات الامريكية من بلاده، واخلاء قواعدها التي تشكل خطرا محدقا بالمنطقة بأسرها - وهو عمل مهمّ جدا وليس سهلا تحقيقه - ووجود تلك القوات هو لمصلحة أمريكا والكيان الصهيوني وفقط، وهي السيف المسلط على رقاب أحرار هذه الأمة، بما فيها الشعب العراقي الأبيّ.
فهل سيقلب السحر الذي جاء به عملاء أمريكا الى العراق، ليمحو الصورة السيئة التي رسمها هؤلاء الاوغاد في الإساءة الى إيران الاسلامية، ويثبت الصورة الحقيقية للعراق الذي لا يتجزأ عن إيران في سرّائه وضرائه.
   


عندما يخوّف الشيطان أولياؤه




بقلم: محمد الرصافي المقداد

إن المتابع لكلمات وبيانات الامام السيد الخامنئي، التي عادة ما يلقيها امام مسؤولي بلاده وكوادرها، عند زيارتهم له في مقر إقامته بالعاصمة طهران، باستطاعته ان يدرك دون ادنى عناء، ان هذا الرجل قد اوتي من البصيرة النافذة، والمعرفة الدقيقة بالمستجدات الحاصلة، على الساحة الايرانية والعالمية على حد سواء.
وقد برهن في مناسبات عديدة، انه جدير بقيادة، ليس ايران فحسب، بل وقيادة هذا العالم، وانتشاله من زيف الديمقراطية الكاذبة، والنظريات البشرية العاجزة، عن تحقيق حد ادنى من عدل وأمن الشعوب.
استلم دفة القيادة بعد رحيل الامان الخميني، وهو الذي كاد يشد الرحال قبله، اثر عملية اغتيال ارهابية في 27/6/1981، لكن الله سلم لهذه الامة هذا القائد الفذ، فأنجاه من موت محقق، ولولا عنايته به، لكان منذ ذلك التاريخ في عداد القادة الشهداء الذين سبقوه، ولبّوا نداء بارئهم.  
ولا يختلف معي موال لخط ولاية آل محمد في القول، بأن الله ادّخره واستبقاه، ليكون صمام أمان إيران ومحور مقاومتها، وتاج سياسة تعلمت من مدرسة محمد وعلي، مبدأ أساسيا اختزل التوحيد، وعمل على أساسه، مؤمنا ان الله مع العبد، طالما ان العبد مع الله، وعلى اثر علي واهل بيته عليهم السلام، مضى القائد السيد علي يشق طريق النظام الاسلامي، وسط غابة من المؤامرات والعقبات، وكان النجاح حليف آرائه الصائبة و نصائحه الحكيمة.
ففي خصوص الملف النووي 5+1، وبعد مفاوضات مضنية أبرم الاتفاق، وشكل ذلك انتصارا سياسيا باهرا للدبلوماسية الاسلامية الايرانية، عبر فيه الشعب الايراني عن فرحة تلقائية، أخرجته الى شوارع مدنه، معبرا عن فرحته بذلك الانتصار، لكن الامام الخامنئي حينها لم يكن متفائلا ولا متحمسا، بل كان في نظرته الاستشرافية، مستبقة نتائج ما بعد الاتفاق، فوجّه خطابه محذّرا ومنبها، الى ضرورة عدم الاعتماد على وعود الغرب ومواثيقه، وتبيّن بمرور الوقت، أن الوعود الاوروبية بقيت مجرد محاولات فاشلة، لم تتمكن من كسر اجراءات الحضر الامريكية، وأن الاستفادة الايرانية من الاتفاق بقيت حبرا على ورق.
الانجرار الى مزاعم الغرب وفخاخه، مخططات جهزها أعداء إيران، وباشروا العمل عليها، كلما سنحت لهم بذلك فرصة، وقد حذّر الامام الخامنئي المسؤولين والشعب من تصديق وعود أمريكا وحلفائها، والانجرار وراء دعواتها التي لا يوجد فيها مصلحة واحدة تفيد البلاد والشعب، وهي مجرّد وعود زائفة لن ترقى الى التطبيق أبدا.
ويبدو ان أمريكا قد بدأت تشعر بخيبة، فيما أقدمت عليه من اجراءات ظالمة بحق إيران، جراء سلبيّة ما أمّلته من نتائج كانت ترجوها، ولم تجد بدّا من تحريك ورقة المؤامرة الداخلية، اقتناصا لفرصة رفع سعر المحروقات، التي زيدت لتكون عائداتها لفائدة الفئات الفقيرة، ولكن حنكة النظام الاسلامي في التعامل مع الأزمات الطارئة، ووعي الشعب الايراني، في عدم الانجرار وراء دعوات شاذّة، أقلّ ما يقال عنها أنها مشبوهة منذ البداية، أفشل امكانية استثمارها داخليا لتعمّ البلاد، واختتم الشعب الايراني مراسم دفن تلك المؤامرة، في تظاهرات حاشدة في مختلف، المدن منددا بالتدخل السافر الذي قامت به أمريكا والقوى الخليجية العملية لها، لبث أعمال التخريب والحرق، طالت مؤسسات بنكية وخدمية، في مناطق محددة وأجهضت في وقتها.  

الامام الخامنئي ولدى استقباله لفيفا من المنتجين والمبدعين، والناشطين الاقتصاديين مساء الثلاثاء2019/11/19 عبّر عن وجهة نظره الصائبة في التعامل مع المستجدات الحاصلة على الساحة الداخلية والدولية، فقال من بين ما خطب به متوجّها الى هؤلاء الصناعييين: إننا سنحوّل الحظر من تهديد الى فرصة، ان شاء الله تعالى، عبر الاستفادة من الطاقات منقطعة النظير، التي تم استثمار بعضها فقط، وبفضل جهود الناشطين الاقتصاديين.. لو تمكّن الشعب الايراني والناشطون الاقتصاديون والمفكرون في البلاد، من اجهاض تأثيرات الحظر، عبر الاعتماد على الطاقات الداخلية، فإن فارض الحظر سيكف عن الاستمرار فيه، لأنه سيتضرر من جراء ذلك.
الحرب الاقتصادية التي شنتها أمريكا على ايران منذ 40 عاما، استطاعت أن تكبح من جماح النهوض الاقتصادي الشامل بالبلاد، لكنها لم تنجح في خنقه واطفاء روحه المقاومة، بفضل حكمة القيادة والاسلامية، وارادة الشعب وقواه المؤمنة بمستقبله المشرق، ومنذ ان أعلن الامام الخامنئي سنة 2010، عن بدء نوع آخر من مقاومة الاستكبار الامريكي الصهيوني الغربي، تحت عنوان اقتصاد المقاومة، تصدّيا لحالة التكالب التي تستهدف النظام الاسلامي على جميع الأصعدة، السياسية والاعلامية والعسكرية والاقتصادية، فإن دعوة قائد الثورة الاسلامية الى ابنائه ببذل الجهود الصادقة، من أجل توفير حاجيات البلاد من التكنولوجيا داخليا، دون الاعتماد على الخارج، فلا يجب عليهم انتظار تغير موقف، أو حسنة تبدر من هؤلاء الذين وضعوا انفسهم موضع العداء لإيران.  
وفي كلمته الأخيرة الى نخبة إيران من المبدعين والصناعيين قال: ليعلم الاصدقاء والاعداء، بأن الشعب الايراني مثلما فرض التقهقهر على العدو في سوح الحرب العسكرية والسياسية والامنية، (كالممارسات التي جرت خلال الأيام الاخيرة والتي لم تكن ممارسات شعبية) سيفرض بفضل الله تعالى التقهقهر على العدو في ساحة الحرب الاقتصادية ايضا بالتأكيد، ومع مواصلته الحركة الراهنة في مسار ازدهار الانتاج والتقدم الاقتصادي، سيحقق الافق الوضّاء لمستقبله.
أمريكا المفسدة في الأرض، أعيتها سبل التصدّي للنظام الاسلامي في إيران، ومحاولة وقف اشعاعه في محيطه الإسلامي، فجهزت ضدّه سلسة مؤامرات شديدة الإحكام والتنفيذ، باءت جميعها بالفشل الذريع، لعل آخرها احباط الشعب الايراني مؤامرة استغلال رفع سعر البنزين.
فزّاعة تخويف دول الخليج من ايران، هي أيضا وسيلة اتخذت منها أمريكا موردا اقتصاديا، اصبح يغطي الآن جميع تحركاتها العسكرية، ومخزونا يغطي تقهقرها الاقتصادي.
خوف هذه الدول من ايران لا اصل له ولا أساس، سوى أنها شعرت بأنها قد تعرّت كأنظمة استبدادية ظالمة أمام نظام اسلامي، أعلن انه سيعمل من أجل نشر الأمن والعدل في العالم، وسيتصدّى لمنظومات الاستكبار والصهيونية والعمالة، انتصارا لحقوق الشعوب المهضومة، لذلك فإنه لم يعد مستغربا، أن تصرّ تلك الانظمة على البقاء في خندق الوهم، الذي سوّقته لها امريكا، وان كانت تدرك في قرارة أنفس حكامها، بأنها مجرّد فزاعة أمريكية، عارية من الحقيقة، ولكن ما بأيديهم حيلة تغييرها، فمن يمسك خيط الاثارة له مصلحة يريد بلوغها، ولو بتلك الطريقة المثيرة للضحك.