mardi 2 janvier 2024

الرّجُلُ الأسطورة


الرّجُلُ الأسطورة

بقلم: محمد الرصافي المقداد

إذا أردتُ أن أتحدّث بموضوعية عن الشهيد اللواء الحاج (قاسم سليماني)، فعليّ أن أعطيه بعض حقّه، هذا البعض يدفعني دفعا لأن أعنْوِن مقالي هذا ب( الرّجل الأسطورة)، فعلى الرغم من ظهور بعض الحقائق العالية القيمة عن سيرته المهنية، بقيت جوانب أخرى كثيرة من حياته، يكتنفها الخفاء إعلاميا، والسّريّة عسكريا، جوانب خاصة به عملا، ومشاعر وذهبت معه إحساسا وعاطفة، فلا مجال لاستشرافها بغير التخمين والإحتمال، وجوانب خاصّة بمهامّه العسكرية والقتالية، حُجِبت لأسباب أمنية في حينها، ومع انتهائها بقيت مع منظوريه من قيادة الحرس الثوري، لعدم انتهاء المهامّ في ملفّها الذي ما يزال مفتوحا، وتواصلها في كل ما تعلق بمواجهة الصهيونية والاستكبار العالمي، وهذا تعلّق بغالبية مهامّ الشهيد العزيز الحاج قاسم.

لأجل هذه الجهود الواسعة التي بذلها على رأس قيادة فيلق القدس، بعدما استلم مهامّه بتاريخ 24/1/2011 خلفا لأحمد وحيدي، وهذا لا يعني أنّه لم يباشر مهامّه الموكلة إليه قبل ذلك التاريخ، فهو ضابط في صلب جهاز الحرس الثوري، هذا الجهاز العقائدي الذي كان له دور بارز، في حفظ مكاسب الثورة الإسلامية ونظامها ومؤسساتها، ودور آخر لا يقلّ أهمّية، يندرج في إطار الهدف الذي دعا اليه الإمام الخميني، واستلم الإمام الخامنئي من بعده مسؤولية متابعة السير على نهجه، الذي عرفه العالم بأسره، باحتضانه لقضية فلسطين والقدس، وعمله على تحريرها بالمقاومة، كأسلوب وطريق وحيد، بإمكانه حل القضيّة حلّا نهائيا، وإعطاء الشعب الفلسطيني حقه في أرضه كاملا.

ما تناهى إلى أسماعنا، تعدّد مهام الشهيد العزيز في أفغانستان، وفي لبنان، وفي فلسطين، وفي اليمن، وفي العراق، وفي سوريا، وحتى في فنزويلا، فقد كان حاضرا في تقديم استشاراته العسكرية في لبنان، قبل عامي 2000 و2006 والتالي أسهم في تحقيق الإنتصار على جيش الكيان الصهيوني في التاريخين المذكورين، دون أن ننسى جهوده الأخرى المبذولة في إطار تسليح قوى المقاومة في لبنان وفلسطين، بقطع النظر عن توجّهاتها الفكرية والعقائدية، فما يهُمّ الشهيد قبل كل شيء، مواجهة الكيان الصهيوني بكافة القوى المُتاحة، والمتفقة على عدم شرعية وجوده في المنطقة، وهنا تبرز حكمته في جمع هذه العناصر المتباينة فكريا على هدف واحد، وهو زوال الكيان الصهيوني، أما في أفغانستان فقد تجلى دوره السياسي في بناء علاقة حسن جوار، أظهرتها حركة طالبان تجاه إيران وأحسن استثمارها الشهيد، بعدما راهنت أمريكا على جعلها شوكة في خاصرة إيران، من الجهة الشمالية الشرقية بعد انسحابها الفجئي من أفغانستان، أما في  فلسطين، فيكفينا هنا تصريحات قادة الفصائل الفلسطينية العسكريين والسياسيين، المليئة بالثناء والشكر لإيران قيادة وشعبا على ما قدمته لهم من دعم بمختلف أشكاله العسكري والماديّ، وما قدّمه الشهيد الحاج قاسم وسهر على تحقيقه، تجلّى في قدرة فصائل المقاومة، على صدّ الإعتداءات على قطاع غزّة، وتكبيد العدو الصهيوني خسائر فادحة أوقفت غطرسته، زد على ذلك طوفان الأقصى، نقطة تحوّل جذري في مواجهة العدو الصهيوني، وتحوّلها من الدفاع إلى الهجوم، ما أعطى للمقاومة بعدا عسكريا جديدا، طال أمن الكيان، كاشفا ضعف قواته العسكرية في مواجهة المقاومة الفلسطينية، يحمل بشائر نهاية الكيان المحتلّ.

أمّا في اليمن - وان كانت حركة الشهيد الحاج قاسم قد جرت في كنف السرية - فإنّ المعلومات عنها بقيت في ذلك الإطار إلى اليوم، وما أمكن معرفته هذه الأسلحة المتطورة التي أصبحت في حوزة حركة أنصار الله والجيش اليمني، ومن يطلق عليهم الأعداء اليوم أتباع القوى الغربية الحاقدة اطلاقا طائفيا بالحوثيين، إيهاما للعرب والمسلمين بأن ما يجري في اليمن، لا يعدو كونه سيطرة طائفية من جانب واحد، ما يزيد من تأليب مكونات الشعب اليمني ويدفعه الى التناحر، والتدخّل العسكري للسيطرة عليه مجدّدا، لكنّ الشعب اليمني صمد بقيادته الثورية الحكيمة، ودور اللواء الشهيد في تسليحه، وتمكينه من تقنيات صناعة أسلحته بنفسه، مثلما حصل لبقية حركات المقاومة في لبنان وفلسطين، ولولا الجهود الجبّارة التي بذلها هذا الرجل العظيم، لانطوى ملفّ القضية الفلسطينية، على سلطة فلسطينية حُدّد دورها فقط في العمالة بأخبث حالاتها للعدو الصهيوني، ولولا الحاج قاسم لبقيت لبنان وبيروت مهيعا، تتردد إليه القوات الصهيونية عابثة بأهله، ولولاه لأخضعت اليمن إلى التحالف الأعرابي (والأعراب أشدّ كفرا ونفاقا)، ولوقعت نقطته الإستراتيجية مضيق باب المندب، بأيدي عملاء أمريكا والغرب، هذا المضيق الذي أصبح ممنوعا، على السفن التي تحمل سلعا من وإلى موانئ فلسطين المحتلة، والفضل يرجع أولا إلى حزم وشجاعة وصدق اليمنيين، واتحاد هدفهم مع ايران في محاربة الصهيونية والاستكبار، وثانيا الجهود العظيمة التي بذلها الشهيد من أجل عزّة اليمن وكرامة أهله.  

جهود ليس بإمكاننا تقييم قيمتها العالية، ونحن نرى اليوم هذا التطور الكبير الحاصل في محور المقاومة، كل ما يسعنا قوله في هذا المناسبة الرابعة لاستشهاد اللواء الحاج قاسم سليماني، أنّ ما قام به هذا الرجل الفذّ هو بمثابة أسطورة تقارب الخيال، لو أمكننا جمع تفاصيلها كلها، ومع عدم امكان ذلك، تبقى واقعا حقيقة ظاهرة اليوم للعيان، على ميادين مواجهة الصهيونية والاستكبار، لقد استشهد قائد فيلق القدس مغدورا من الأمريكيين، وهو في اطار أداء مهامّه السياسية والعسكرية، بعد أن نجح في تقديم المساعدة والنصائح إلى عناصر وحركات المقاومة، دون أن أنسى جهوده الكبيرة في تقديم الإستشارات العسكرية، وقيادة جبهات مواجهة داعش، وفلول الإرهاب والتكفير في سوريا والعراق، ولولا تلك الجهود لقامت داعش على أرض سوريا والعراق، ولابتُلِينا بخوارج عصر حديث، لا يختلفون في شيء عن خوارج القرن الأول من الهجرة النبوية.     

 

 

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire