صلاة خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان
بقلم: محمد الرصافي المقداد
عظمة الصلاة على محمد وآل محمد لا يساويها شيء من
مودّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واهل بيته عليهم السلام، وقد ورد في فضلها
روايات كثيرة جميعها مشيرة الى ما تحتمله من فضل وأجر، وهي من الفرائض المحتومة
بعد نزول الأمر الالهيّ بأدائها إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين
آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. (1)
ولترغيب المؤمنين بخصوصية
هذه الصلاة ومقامها قال رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم: من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا، ومن صلى علي عشرا صلى الله عليه مائة،
ومن صلى علي مائة صلى الله عليه ألفا، ومن صلى الله عليه ألفا مرّة لا يعذبه الله
في النار أبدا. (2)
وفي رواية أخرى: إن اقربكم مني يوم القيامة في كل
موطن، اكثركم علي صلاة في دار الدنيا، ومن صلى علي يوم الجمعة، أو في ليلة الجمعة
مائة مرة، قضى الله له مائة حاجة، سبعين من حوائج الآخرة، وثلاثين من حوائج الدنيا،
ثم يوكل الله تعالى له بكل صلاة ملكا يدخل عليّ في قبري كما يدخل أحدكم الهدايا،
ويخبرني من صلى علي باسمه ونسبه وعشيرته، فأثبته عندي في صحيفة بيضاء. (3)
على
أنّه لا بد من الالتفات الى أن أي عبادة لفظية لا تستكمل شروط قبولها دون أن يكون
لسان قائلها مجتنبا قدر الإمكان لغو الحديث وسيء الخطاب وبذيء القول، عاملا بما
يمكنه بخير الاعمال، من حسن خلق وطيب معاشرة وبذل وطاعة في الله، ذلك أن مجرد
الاكتفاء بالعبادات دون المعاملات، اضاعة فرص تمام الطاعة في الاقتداء بمن نصلّي
عليهم، تأسيا بسيرهم العطرة، واضعين نصب اعيننا، مقالة الامام الباقر عليه السلام
لتلميذه جابر الجعفيّ:
(يا جابر! أيكتفي من ينتحل
(التشيع) أن يقول بحبنا أهل البيت، فوالله ما (شيعتنا) إلا من اتقى الله وأطاعه، وما
كانوا يعرفون إلا بالتواضع، والتخشع، والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم والصلاة،
والبر بالوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء، وأهل المسكنة، والغارمين،
والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكف الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا
أمناء عشائرهم في الأشياء، فاتقوا الله، واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب
العباد إلى الله عز وجل أتقاهم، وأعملهم بطاعته، يا جابر، والله ما نَتَقرّبُ إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، وما معنا
براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي، ومن كان
لله عاصيا فهو لنا عدو، وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع)(4)
لذلك لا
تصحّ صلاة بدون مقدّماتها، ومن لم تنهه صلاته عن فحشاء ومنكر، زادته من الله
وأوليائه ونهجه بعدا، فلنعمل جميعا من أجل أن نرتقي من درك شقاء الغفلة، الى
مقامات الورع والتقوى، فإن خير الزاد التقوى، ولنتزود من معين قربات النبي واهل
بيته عليه السلام، فإذا فعلنا ذلك فقد وفقنا للخير، بل لقد حزنا الخير كله.
صلاة محمّدية عرفت نصفها
من قبل واستكملت معرفتها اليوم، أردت أن تتوّجوا بها صالح أعمالكم، وطيّب أقوالكم،
وجميل قرباتكم، أنقلها اليكم سائلا منكم حقوق الأخوة الاسلامية في الدعاء والزيارة
والترحّم على موتانا، وهم بأمسّ الحاجة الى من يرفدهم بالذكر الحسن والدعاء الذي
لا تحجب عنه الإجابة.
عن الإمامُ الرّضَا علَيه السّلامُ: من صلى على النبي بهذه الصلاة هُدمت ذنوبه،
وغُفرت خطاياه، ودام سروره، واستُجيب دعاؤه، وأُعطي أمله، وبُسط له في رزقه،
وأُعين على عدوه، وهُيء له سبب أنواع الخير، وُيجعل من رفقاء نبيّه في الجنان
الأعلى، ومن سرّ محمد وآل محمد فليصلِّ بهذه الصلاة:
اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ في
الأولينَ، وَصَلِّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ في الاخِرينَ، وَصَلِّ عَلى
مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ في المَلا الاعْلى، وَصَلِّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ
في المُرْسَلينَ، اللّهُمَّ أعْطِ مُحَمّداً الوَسيلَةَ وَالشّرَفَ وَالفَضيلَةَ
وَالدَّرَجَةَ الكَبيرَةَ، اللّهُمَّ إِنّي آمَنْتُ بمُحَمّد صَلّى الله عَلَيهِ
وَآلِهِ وَلَمْ أرَهُ، فَلاتَحْرِمْني يَوْمَ القيامَةِ رؤيَتَهُ، وَارْزُقْني
صُحْبَتَهُ، وَتَوَفّني عَلى مِلّتَهُ، واسْقِني مِنْ حَوْضِهِ مَشْرَبا رَوِيّا،
سائِغا هَنيّا، لا أظْمأُ بَعْدَهُ أبَداً، إنّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ،
اللّهُمَّ كَما آمَنْتُ بِمُحَمّدٍ صَلّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ وَلَمْ أرَهُ،
فَأرِني في الجِنانِ وَجْهَهُ، اللّهُمَّ بَلّغْ روحَ مُحَمّدٍ عَنّي تَحيّةً
كَثيرةً وَسَلاما. (5)
أخيرا
لا تنسوا الدعاء للممهدين الحقيقيين لمولانا صاحب العصر والزمان، عجل الله تعالى
فرجه، الباذلين مهجهم في سبيل رفع راية الاسلام المحمدي الأصيل، والواقفين في وجه
الاستكبار والصهيونية وعملائهم من اعراب الخزي والعار، سائلين لإيران الاسلام
ومحور مقاومتها القوي الصالح، دوام الحفظ والسّداد والنصر المؤزر على الاعداء،
مهما كثرت جموعهم، أن يجعلهم كبيوت العناكب بحق محمد وآل محمد.
المصدر
1 – سورة الأحزاب الآية 56
2 – الطبراني في المعجم
الصغير والاوسط عنه الترغيب والترهيب الحافظ المنذري باب الترغيب في الاكثار من
الصلاة على النبي ج2 ص323
3 – شعب الايمان البيهقي عنه السيوطي في
الدرّ المنثور سورة الاحزاب الآية 56 ج5 ص 411
4 – الكافي الشيخ الكليني ج2ص74
5 – بحار الانوار
العلامة المجلسي ج 91 ص 59