samedi 26 décembre 2020

فتنة الدجالين أدعياء المهدوي

 


 

بقلم: محمد الرصافي المقداد
 

لم أكن أتصور أبدا أن يبلغ الجهل والحمق، ببعض من يحسبون أنفسهم شيعة في زماننا، أن تتفرق بهم سبل الغواية والتمحيص مبلغا، أصبحوا ينقادون فيه صوب كل ناعق، ينادي فيهم كل واحد منهم، بصوته الشيطاني، جالبا عليهم بتافه ومنكر من القول وزورا.

وبما أن هذه الدعوات الباطلة، مما لا يبعد منشؤها ومصدرها عن منحرفين، سواء أكان هؤلاء قد جاؤوا بإفكهم الذي أظهروه، مدفوعين بأنفسهم المريضة والمنحرفة عن الحق، أو نتيجة صناعة الغرب والصهيونية لنسيج عناكبهم، وهم في جوهر دعوتهم أعداء الإمام المهدي ونهجه، هدفهم بث البلبلة والفوضى من أجل إرباك الغافلين من شيعته، وتشتيت شملهم، وإبعادهم عن تركيزهم وتوجههم الصحيح، الى حيث يجب أن يكونوا ضمن حركة المنتظرين لظهوره المبارك، على ما صح من نصوص،

وحسن التعامل معها بما ينمي الإيمان، ويسهم في تحقيق أقصى قدر ممكن من الإستعداد، لحسن قبول المصلح العظيم، جعلنا الله وإياكم من أنصاره، وأعوانه، وشيعته، وخلصائه، ومن المستشهدين بين يديه .

وفيما يصارع الممهد الحقيقي لصاحب العصر والزمان، ولي الفقيه الإمام الخامنئي، ونظامه المتميز الذي أسسه الإمام الخميني رضوان الله عليه، في إيران الإسلام، في عالم كاد يخلو من دين الله الحق، ونفاذ أحكامه على الأرض، قد تربصت به الدوائر قوى استكبارية شيطانية، تريد الإيقاع به، وتسفيهه في محضور نقضه لأهدافه المعلنة، في نصرة الإسلام، ورفع رايته فكرا  محمديا أصيلا، ونظما لمجتمعه، سعى أعداؤه إلى منعه من تحقيق ذلك بشتى الطرق، منها العقوبات الظالمة والحرب الإقتصادية والسياسية والإعلامية المغرضة، طوال 41 سنة، ارتفعت اثناء ذلك أصوات نشاز، متحاملة بعضها على المرجعية الرشيدة تشكيكا في ولايتها على الامة، ومفترية في بعضها الآخر، مدعية  أنها  المهدي المنتظر، كأحمد اسماعيل الحسن الكويطع العراقي، أو أنها تتحدث من طرفه، كعادل هزيمة اللبناني، والعجيب هنا، أن أعدادا من المخدوعين استجابوا إلى هاذين الندائين الشيطانيين، دون أدنى تربص، فأصبحوا تبعا للوهم وشياطين إنسه، ومن لا يمتلك بصيرة التمييز في دينه في هذه الحالات، من السهل أن يسقط عند أول امتحان. قال تعالى: (أحسب أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون* ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعملن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)(1)

لقد نسي هؤلاء المفتونين عدوا لدودا، قد نصب همه وطاقاته وجهوده، وركزها جميعا في سبيل واحد، وهو غواية الناس، وهو الشيطان وأولياؤه من الناس، وما باستطاعتهم  القيام به من أعمال إغوائية: (قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم*ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين) (2) وهي جملة من الايحاءات العقلية والقلبية، ذكرها الله في قرآنه فقال : (واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم في الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غرورا.) (3)

والآيتين تشيران بكل وضوح إلى  مساعي الشيطان في غواية اتباع الحق، وأن مجال اهتمامه وتركيزه وعمله هو صراط الله المستقيم (فبما أغوينتي لاقعدن لهم صراطك المستقيم) ومع تاكيد الله سبحانه أن كيد الشيطان كان ضعيفا على أتباع أوليائه الذين ليس له عليهم سلطان، فإن تأثيره على ما دون هؤلاء الأتباع قوي، بحكم ضعف إيمانهم وعقولهم، فتراهم نتيجة ذلك الضعف، يستجيبون بسهولة الى أي دعوة تتناهى الى أسماعهم، تماما كما يستجيبون لأي مفسر لمتشابه القرآن تأثرا بمقالته: (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تاويله)(4).

وفيما كان عادل هزيمة يدعي أنه المنادي على سور الشام لحقه أبو علي الشيباني العراقي الى لبنان، فادعى هو الآخر بأنه المنادي، رغم انه كان يعيش بدمشق، وله مكتب على أتوستراد المزّة، يزاول فيه العلاج بالأعشاب والطب الرّوحاني، لم يصدر منه أثناء ذلك أية دعوى من هذا النّوع، فضلا عن كونه لا يحسن نطق الآيات القرآنية صحيحة، وليت شعري ما أوقح هؤلاء في دعاويهم العاطلة، كيف يمكن لعقل راجح، أن يصدق مثل هذه الدعوات الخاوية على عروشها، ولو أنهم علموا يقينا، أن الامام المهدي هو خاتم الامامة الالهية الهادية إلى دين الحق، لتبين لهم سوء تقديرهم، وسرعة استجابتهم لجلبة واهمة، لا أساس لها من خصائص الإمام المنتظر، وامكاناته الروحية والبدنية العظيمة، التي مكنه الله منها.

من لم يتعرف على سيرة الائمة الهداة عليهم السلام يفتقد عنصرا هاما  صبغ حياتهم، واضفى عليها مسحة من الغُرْبة، وهي قِلّة الناصر، مع وجود كم كبير أدعياء الإسلام، والتشيع لأهل بيت النبي صلى الله عليه واله وسلم، فجميعهم بدأ من الامام علي(ع) لم يجدوا الناصر، رغم علو مكانتهم، ورفعة شأنهم، وجلاء حقوقهم على المسلمين، في المودة والاتباع والنصرة.

ولم تكن غيبتا الإمام المهدي (ع) الصغرى 260 هجرية، والكبرى 329 هجرية، إلا نتيجة خذلان الأنصار وفقد الموالين الصادقين، فهذا سبب قاهر يجب أخذه بعين الإعتبار لينطبق على هذا الزمن

من هو أحمد اسماعيل كاطع السّويلمي، المعروف لدى ذوي البصيرة بدجال البصرة أو ابن بثينة، ظهر قبل سقوط صدام بسنة 2002، وادعى انه الامام المعصوم، استمال اليه رعاع القوم وجهلتهم ليستحكِم بهم ويحاول السيطرة على جنوب العراق بعدة محاولات، بعدما حث أنصاره على نهب اموال النظام البعثي، والاستيلاء على اسلحة قواته المنهارة، ليتشكل حوله حزام من العصابات الاجرامية، زادتها دولة الامارات والسعودية، دعما وقوة في الأموال والاسلحة، تنفيذا لأهداف معروفة في مقدمتها القضاء على المرجعية الدينية، وادخال الشيعة في اقتتال بينهم، وبالتالي انهاء التمهيد الصحيح لصاحب العصر والزمان الحقيقي، أرواحنا لمقدمه الفداء.

جاء على صفحة وكالة انباء بُراثا تعريفه: (من خلال موقع هذا الدجال المسمى بالمهدويين، فإن هذا الرجل يبدو انه تدرج في الألقاب والأوصاف، ففي البداية أعلن انه اليماني، ثم غدا معصوما، ثم تحول إلى أن اليماني هو المهدي الثاني، ثم تحول إلى المهدي، فاليماني هو المهدي، والمهدي هو اليماني) (5)

أمّا (عادل هزيمة) فهو لبناني بقاعي، أظهر دعوته في 30شعبان 1434 في رسالة، ادّعى أنها وصلته من الامام المهدي، وادّعى انتسابه الى الشجرة الشريفة، وقال فوق ذلك انه يوحى اليه، مكذّبا في نفس الوقت بأن يكون العراقي البصري احمد اسماعيل الكويطع البصري العراقي اليماني، أو ابن الإمام المهدي أو المهدي بحدّ ذاته(6).

خلاصة القول هنا: ان الانحرافات التي تعاقبت وسط اتباع خط الامامة لالهية، كانت أغلبها من صناعة اعدائها، باستدراج عناصرها إلى شبهات واهية، كفرقة الخطابية والإسماعيلية الذين زاغوا عن منهج الائمة الإثني عشر المنصوص عليهم، إلى تصورات ما أنزل الله بها من سلطان وأصحاب غوايتها اليوم يعادون إيران، ويصطفون إلى جانب أعدائها في الإفتراء عليها، وإطلاق أوصاف وشتائم عليها لا تليق بها.

إن الإدعاء بأن قيام نظام اسلامي في إيران، يتعارض مع مفهوم الانتظار للمصلح العالمي، لا يمتّ الى العقل في شيء، من فهم معنى الانتظار، واعتقاد من هذا النوع ذهاب الى السّلبيّة وتحريض عليها، واهدار لتقريب موعد الفرج للأمة الاسلامية ومستضعفي العالم، وهذا هو الإستحمار بعينه، وكأني بهؤلاء الأدعياء بناء على ذلك، يعتقدون ببطلان قيام أي تجربة إسلامية قبل ظهوره، مما يدفعنا دفعا الى الاعتقاد بقوّة أن وراء معاداة إيران الإسلامية، موعودة الوحي والنبوّة، ومحاولات عرقلة مشاريعها القرآنية، جهات معادية للإسلام المحمدي الاصيل، غاياتها تزييف الدعوة المهدوية الحقيقية بدعوات كاذبة، والحدّ من اشعاع ايران في عالمها الاسلامي وسائر العالم.

ولا شكّ بأن ما جاءنا عبر الرواة الثقات، بشأن هؤلاء الكذابين، قد حال بيننا وبين دعواتهم الخبيثة، بعدما فضحوا كذبهم بتناقض مقالاتهم، فقد جاء في رواية: (لا تقوم الساعة حتى يخرج المهدي من ولدي، ولا يخرج المهدي حتى يخرج ستون كذابا، كلهم يقول: أنا نبي)(7)

وبنظر كل بصير متشيث بدينه وغيب وعد الله، فإن ما يشاع عن ايران من باطل وزور، أي طرف كان لا تستهدف به ايران وحدها، بل مشروعها الذي تبنّته وأعلنته على ملإ العالم، ومحاولات اعدائها الدخول الى حصنها الشعبي، لتفتيته بمقالات وشخصيات كاذبة، عن اليماني والخراساني و الامام المهدي، تعجيل واستعجال كذّابين، مموّهين من هؤلاء الأدعياء، عن الامام الصادق (ع):(إنّما هلك الناس من استعجالهم لهذا الأمر، إنّ الله لا يعجَلُ لّعجلةِ العباد، إنّ لهذا الأمر غايةٌ ينتهي اليها، فلو قد بلغوها، لم يستقدموا ساعة ولم يستأخروا.)(8) 

فلا يغترّن مؤمن بولاية أهل البيت عليهم السلام، وهو بعيد عن المرجعية الدينية الرشيدة، ومخالف لولاية الفقيه الواجب اتّباعها، ليس على المسلمين الشيعة فقط، بل حتى على بقية مسلمي العالم، التوّاقين لإقامة معالم دينهم السياسية، الحلقة المفقودة في عالمنا الإسلامي، تكل التي عمل الاعداء على حجبها واعتبارها غريبة عن الدين، وخارجة عن مكونه العام، وولاية  الفقيه هي حصن الأمة اليوم، ودرعها الواقي من دائرة الاعداء - في زمن غيبة الامام المنتظر عجل الله فرجه- بالالتفاف حولها يزداد المسلمون قوة، والاسلام الصافي، هو الاسلام المحمدي الاصيل، الذي جاءنا بواسطة الائمة الاطهار(ع)، ودون ذلك تشابيه، اختلط فيها السليم بالسقيم، والحق بالإدّعاء، وليت قومي يفهمون حقيقة الولاية، فيلجؤون إليها من زحف الفتن نحوهم، فتكون حصنهم الحصين، عندها فقط انتظروا الفرج الحقيقي.  

المراجع :

1 – سورة العنكبوت الايتين 2/3

2 – سورة الأعراف الايتين  16/17

3 – سورة الإسراء الآية 64

4 – سورة البقرة الآية 7

5 –من هو أحمد بن الحسن الملقب باليماني؟ وما هي عقائده؟

burathanews.com/arabic/news/34412

أحمد الحسن اليماني – ويكيبيديا ar.wikipedia.org

6 – لا تستغربوا m-mahdi.net/sada-almahdi/articles-1948

عادل هزيمة.. يماني منحرف يوحى إليه بدين جديد في لبنان!

yahosein.com/vb/node/217349

7 – لوامع الانوار البهية محمد بن احمد السفاريني الحنبلي الباب الرابع فصل أشراط الساعة القسم الثالث العلامات العظام ج 2 ص 78 / شرح احقاق الحق السيد المرعشي ج13ص266

8 –الغيبة  محمد بن ابراهيم النعماني ج1 ص304/ الكافي الشيخ الكليني ج1ص369

lundi 12 octobre 2020

أيّ أعياد يحتفلون؟



بقلم : محمد الرصافي المقداد

كثرت أعياد مجتمعاتنا الجوفاء الفارغة وهي التي استنبطها الغرب، ليستدرج بها المفتونين بزينته، ويزيد من إفراغ ما بقي من انتمائهم الإسلامي، ويلهيهم بمناسبات طغى عليها الخداع أصلا ومضمونا، ولو تفحصها مقلد  لضحك على نفسه، فمرة عيد المرأة - وما عيد المرأة إذا لم تصنعه بنفسها- وهو تاريخ لا نعلم سر اختياره، في يوم 13 أوت تحديدا، وما يخفي وراءه، ولنا كمسلمين تواريخ أهم منه، كمولد سيدة نساء العالمين، السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام، أولى بأن يكون ذلك اليوم، يوم المرأة المسلمة، كما اختارته إيران الإسلامية ليكون عيدا لها، وعيد الحب الغربي، المعروف بالقديس فالنتان saint valentin، يوم يتهافت فيه عشاق حب الحلال والحرام، ليحتفلوا به، ويشتروا فيه الهدايا لمحبوبيهم، لا عقل لهم فيه غير التقليد الأعمى، قد اشتغلوا به عن الحب الأكبر والأبقى والأجدى، حب الله ورسوله ودينه وأوليائه، واختيار يوم إسلامي في تاريخنا، للتعبير عن الحب والولاء لسلسلة الولاية العظيمة، والقطع الكامل مع حزب الشيطان والاعيبه وأمانيه، وعيد البنات أن يكون معبرا على مولد إحدى عظيمات الإسلام، كالسيدة رقيّة بنت الإمام الحسين عليه السلام، لتكون مثلا وقدوة لبناتنا في حب آبائهم وطاعتهم، وليس التمرّد والعصيان والعقوق الذي نشهده طاغيا على كثير من الأسر اليوم، أما بقية المسميات، فعلى نفس المنوال، يجب ينظر إليها بعين الرّيبة والشكّ، فما يأتينا من الغرب، يجب أن يعامل معاملة الغريب، بعدما تبيّن لنا عداؤه لديننا، ومن باب أولى أن تكون أعيادنا ومناسباتنا مطبوعة بطابع إسلامي، ومن اختيارنا نحن، وليس من صناعة وتقليد الغرب، فإن أكثر ثقافته وتقاليده، قد بناها على تواريخه الخاصة به،  فلا يجدر بنا اتباعه فيها، فإن لكل تابع ولاء، وغدا يحشر المرء مع من أحبّ واتّبع وقلّد، وإن لم يكن قاصدا ذلك، والعيد يصنعه أصحابه، ألم يقل الامام علي حكمته التي نقلها عن النبي (ص): (كُلُّ يَوْمٍ لاَ يُعْصَى اَللهُ فِيهِ فَهُوَ عِيدٌ) (1)

 1 - نهج البلاغة الامام علي، الحكمة رقم 428

 

lundi 5 octobre 2020

صلاة ‏خفيفة ‏على ‏اللسان ‏ثقيلة ‏في ‏الميزان

 


صلاة خفيفة على اللسان ثقيلة في الميزان

بقلم: محمد الرصافي المقداد

عظمة الصلاة على محمد وآل محمد لا يساويها شيء من مودّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم واهل بيته عليهم السلام، وقد ورد في فضلها روايات كثيرة جميعها مشيرة الى ما تحتمله من فضل وأجر، وهي من الفرائض المحتومة بعد نزول الأمر الالهيّ بأدائها إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما. (1)

ولترغيب المؤمنين بخصوصية هذه الصلاة ومقامها قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: من صلى علي مرة صلى الله عليه عشرا، ومن صلى علي عشرا صلى الله عليه مائة، ومن صلى علي مائة صلى الله عليه ألفا، ومن صلى الله عليه ألفا مرّة لا يعذبه الله في النار أبدا. (2)

وفي رواية أخرى: إن اقربكم مني يوم القيامة في كل موطن، اكثركم علي صلاة في دار الدنيا، ومن صلى علي يوم الجمعة، أو في ليلة الجمعة مائة مرة، قضى الله له مائة حاجة، سبعين من حوائج الآخرة، وثلاثين من حوائج الدنيا، ثم يوكل الله تعالى له بكل صلاة ملكا يدخل عليّ في قبري كما يدخل أحدكم الهدايا، ويخبرني من صلى علي باسمه ونسبه وعشيرته، فأثبته عندي في صحيفة بيضاء. (3)

على أنّه لا بد من الالتفات الى أن أي عبادة لفظية لا تستكمل شروط قبولها دون أن يكون لسان قائلها مجتنبا قدر الإمكان لغو الحديث وسيء الخطاب وبذيء القول، عاملا بما يمكنه بخير الاعمال، من حسن خلق وطيب معاشرة وبذل وطاعة في الله، ذلك أن مجرد الاكتفاء بالعبادات دون المعاملات، اضاعة فرص تمام الطاعة في الاقتداء بمن نصلّي عليهم، تأسيا بسيرهم العطرة، واضعين نصب اعيننا، مقالة الامام الباقر عليه السلام لتلميذه جابر الجعفيّ:

(يا جابر! أيكتفي من ينتحل (التشيع) أن يقول بحبنا أهل البيت، فوالله ما (شيعتنا) إلا من اتقى الله وأطاعه، وما كانوا يعرفون إلا بالتواضع، والتخشع، والأمانة، وكثرة ذكر الله، والصوم والصلاة، والبر بالوالدين، والتعاهد للجيران من الفقراء، وأهل المسكنة، والغارمين، والأيتام، وصدق الحديث، وتلاوة القرآن، وكف الألسن عن الناس إلا من خير، وكانوا أمناء عشائرهم في الأشياء، فاتقوا الله، واعملوا لما عند الله، ليس بين الله وبين أحد قرابة، أحب العباد إلى الله عز وجل أتقاهم، وأعملهم بطاعته، يا جابر، والله ما نَتَقرّبُ إلى الله تبارك وتعالى إلا بالطاعة، وما معنا براءة من النار، ولا على الله لأحد من حجة، من كان لله مطيعا فهو لنا ولي، ومن كان لله عاصيا فهو لنا عدو، وما تنال ولايتنا إلا بالعمل والورع)(4) 

لذلك لا تصحّ صلاة بدون مقدّماتها، ومن لم تنهه صلاته عن فحشاء ومنكر، زادته من الله وأوليائه ونهجه بعدا، فلنعمل جميعا من أجل أن نرتقي من درك شقاء الغفلة، الى مقامات الورع والتقوى، فإن خير الزاد التقوى، ولنتزود من معين قربات النبي واهل بيته عليه السلام، فإذا فعلنا ذلك فقد وفقنا للخير، بل لقد حزنا الخير كله.

صلاة محمّدية عرفت نصفها من قبل واستكملت معرفتها اليوم، أردت أن تتوّجوا بها صالح أعمالكم، وطيّب أقوالكم، وجميل قرباتكم، أنقلها اليكم سائلا منكم حقوق الأخوة الاسلامية في الدعاء والزيارة والترحّم على موتانا، وهم بأمسّ الحاجة الى من يرفدهم بالذكر الحسن والدعاء الذي لا تحجب عنه الإجابة.

عن الإمامُ الرّضَا علَيه السّلامُ: من صلى على النبي بهذه الصلاة هُدمت ذنوبه، وغُفرت خطاياه، ودام سروره، واستُجيب دعاؤه، وأُعطي أمله، وبُسط له في رزقه، وأُعين على عدوه، وهُيء له سبب أنواع الخير، وُيجعل من رفقاء نبيّه في الجنان الأعلى، ومن سرّ محمد وآل محمد فليصلِّ بهذه الصلاة:

اللّهُمَّ صَلِّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ في الأولينَ، وَصَلِّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ في الاخِرينَ، وَصَلِّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ في المَلا الاعْلى، وَصَلِّ عَلى مُحَمّدٍ وَآلِ مُحَمّدٍ في المُرْسَلينَ، اللّهُمَّ أعْطِ مُحَمّداً الوَسيلَةَ وَالشّرَفَ وَالفَضيلَةَ وَالدَّرَجَةَ الكَبيرَةَ، اللّهُمَّ إِنّي آمَنْتُ بمُحَمّد صَلّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ وَلَمْ أرَهُ، فَلاتَحْرِمْني يَوْمَ القيامَةِ رؤيَتَهُ، وَارْزُقْني صُحْبَتَهُ، وَتَوَفّني عَلى مِلّتَهُ، واسْقِني مِنْ حَوْضِهِ مَشْرَبا رَوِيّا، سائِغا هَنيّا، لا أظْمأُ بَعْدَهُ أبَداً، إنّكَ عَلى كُلِّ شَيءٍ قَديرٌ، اللّهُمَّ كَما آمَنْتُ بِمُحَمّدٍ صَلّى الله عَلَيهِ وَآلِهِ وَلَمْ أرَهُ، فَأرِني في الجِنانِ وَجْهَهُ، اللّهُمَّ بَلّغْ روحَ مُحَمّدٍ عَنّي تَحيّةً كَثيرةً وَسَلاما. (5)

أخيرا لا تنسوا الدعاء للممهدين الحقيقيين لمولانا صاحب العصر والزمان، عجل الله تعالى فرجه، الباذلين مهجهم في سبيل رفع راية الاسلام المحمدي الأصيل، والواقفين في وجه الاستكبار والصهيونية وعملائهم من اعراب الخزي والعار، سائلين لإيران الاسلام ومحور مقاومتها القوي الصالح، دوام الحفظ والسّداد والنصر المؤزر على الاعداء، مهما كثرت جموعهم، أن يجعلهم كبيوت العناكب بحق محمد وآل محمد.

المصدر

1 – سورة الأحزاب الآية 56

2 – الطبراني في المعجم الصغير والاوسط عنه الترغيب والترهيب الحافظ المنذري باب الترغيب في الاكثار من الصلاة على النبي ج2 ص323

3 – شعب الايمان البيهقي عنه السيوطي في الدرّ المنثور سورة الاحزاب الآية 56 ج5 ص 411

4 – الكافي الشيخ الكليني ج2ص74

5 – بحار الانوار العلامة المجلسي ج 91 ص 59

 

 

 

 

 

jeudi 30 juillet 2020

نداء الإمام الخامنئي دام ظلّه بمناسبة حلول أيام الحج

 

 

\

بسم الله الرحمن الرحيم

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين، وصحبه المنتجبين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

موسم الحج، الذي كان دوماً موسماً للشعور بعزة العالم الإسلامي، وعظمته وازدهاره، انكفأ هذا العام بحزن المؤمنين وحسرتهم، وابتُلي بشعور الفراق، وعجز المشتاقين، القلوب تشعر بالوحشة لغربة الكعبة، وتمتزج «لبّيك» المغيَّبين بالدموع والآهات، هذا الحرمان قصيرُ المدى، فبحول الله وقوته، لن يستمر طويلاً، لكن العبرة منه هي تقدير نعمة الحج، التي يجب أن تدوم وأن تخلّصنا من الغفلة، يجب علينا هذا العام الشعورُ والتفكير، أكثر من أي وقت مضى، في سرّ عظمة الأمة الإسلامية وقوّتها، في الاجتماع الشامل والمتنوّع للمؤمنين في حرم الكعبة وحرم النبي – صلى الله عليه وآله وسلم – وأئمة البقيع – عليهم السلام –

الحج فريضة لا مثيل لها، كزهرة ذي مئة بتلة، من بين الفرائض الإسلامية، يمكن القول إنه قُدّر على جميع الجوانب الدينية المهمة، الفردية والاجتماعية، الأرضية والسماوية، التاريخية والعالمية، أن تُراجَع عبرها، ففيها الروحانية، ولكن من دون الانزواء والعزلة والخلوة، وفيها الاجتماع، ولكن بعيداً عن الصِّدام والافتراء وإضمار السوء، ومن ناحية هناك حظٌ روحيٌ، من المناجات والابتهال وذكر الله، ومن ناحية أخرى رابطُ الأنس والتواصل بين الناس.

الحاجُّ يرى بعين ارتباطَه الأزلي بالتاريخ – بإبراهيم وإسماعيل وهاجر، وبرسول الله (ص) أثناء دخوله المسجد الحرام منتصراً، بجموع غفيرة من المؤمنين في صدر الإسلام، ويرى بعين أخرى حشود المؤمنين من زمانه، الذين يمكنهم أن يكونوا يداً للتعاون والاعتصام الجماعي بحبل الله، التدبّر والتفكّر في ظاهرة الحج، يوصلان من يحُجّ إلى هذا الاعتقاد القاطع، بأن الكثير من أهداف الدين وتطلعاته للبشرية، لا ترسو من دون تآزر وتعاطف، وتعاون بين مجتمع المتدينين، ومع ظهور هذا التعاطف والتعاون، لن يتسبب كيد المخالفين والأعداء، في مشكلة مهمة في هذا الطريق.

الحج هو مناورةُ قوة في مواجهة المستكبرين، الذين هم مركز الفساد والظلم، وقتل الضعفاء والنهب، واليوم جسدُ الأمة الإسلامية وروحها، يتلوّعان وينزفان دماً من جورهم وخبثهم. الحج هو عرض للقدرات الصلبة والناعمة للأمة، هذه طبيعة الحج وروحه، وجزء من أهم أهدافه، هذا ما أسماه الإمام الراحل، الخميني العظيم – قدس سرّه – الحجَّ الإبراهيمي، وهذا ما يمكنه حل مشكلات كبيرة للعالم الإسلامي، إذا سلّم به بصدق المتولّون على أمر الحج، الذين يسمون أنفسهم بخدام الحرمين، واختاروا رضى الله عوضاً عن إرضاء الحكومة الأمريكية.

المصلحة الإلزامية للأمة الإسلامية اليوم، كما في السابق، بل أكثر، هي في الوحدة الإسلامية، الوحدة التي تخلق يداً واحدة في مواجهة التهديدات والعداوات، والتي تصرخ عالياً في وجه الشيطان المتجسد، أمريكا المعتدية والغدّارة، وكلبها المسعور الكيان الصهيوني، وتقف (الأمة) شاخصة صدرها بشجاعة أمام الغطرسة، هذا معنى الأمر الإلهي، حين قال: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا}1 القرآن الحكيم يعرّف الأمة الإسلامية، في إطار {أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ}2، ويطلب منها أداءَ واجب {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا}3، و{وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا}4، و{فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ}5، و{لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ}6، ولكي يحدِّد العدوَّ، يُصدرُ حُكمَ {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ}7.

هذه الأوامر المهمة والمصيرية، ينبغي ألّا تغيب أبداً عن منظومتنا الفكرية والقيمية، نحن المسلمين، وتُترك للنسيان.

اليوم، أكثر من أي وقت مضى، إنّ أرضية هذا التحوّل الأساسي، هي في متناول الأمة، والنخب المحترقة قلوبهم، الذين يفكرون في الصلاح، والصحوة الإسلامية اليوم، بمعنى تركيز النخب والشباب المسلمين، على مكتسباتهم المعرفية والمعنوية، هي حقيقة غير قابلة للإنكار اليوم،

الليبرالية والشيوعية، اللتان كانتا من أبرز ما أنتجته الحضارة الغربية، في الأعوام المئة الماضية، والأعوام الخمسين الماضية، اختفى بريقها تماماً، وانكشفت عيوبها العضال، انهار النظام الذي كانت تقوم عليه إحداها، والنظام الذي تقوم عليه الأخرى، يعاني أزمات عميقة أيضاً، ويشارف على الانهيار اليوم، ليس النموذج الثقافي للغرب فقط – الذي ظهر في الميدان بالوضاعة والفضيحة منذ البداية - ولكن حتى نموذجه السياسي والاقتصادي، أي الديمقراطية القائمة على المال والرأسمالية الطبقية والتمييزية، أظهر أنه غير فعّال، وفاسد أيضاً.

اليوم، هناك العديد من النخب في العالم الإسلامي الذين يتحدّون، بفخر وأعناق ممشوقة ورؤوس مرفوعة، جميع الادعاءات المعرفيّة والحضاريّة للغرب، ويظهرون بوضوح البدائل الإسلامية، حتى بعض المفكرين الغربيين اليوم، الذين كانوا مغرورين سابقاً بتعريف الليبرالية، على أنها نهاية التاريخ، يضطرون إلى التراجع عن هذا الادعاء، والاعتراف بتخبّطهم النظري والعملي.

إنّ إلقاء نظرة على شوارع أمريكا، ومعاملة رجال الدولة في أمريكا مع شعبهم، والوادي العميق للفوارق الطبقية في ذلك البلد، وحقارة وغباء أولئك الذين انتُخبوا لحكم ذلك البلد، والتمييز العنصري المروع هناك، وقسوة ضابط مكلفٍ تعذيبَ شخص غير مجرم، في الشارع أمام المارة، وقتله بدم بارد، يكشف عن عمق الأزمة الأخلاقية والاجتماعية للحضارة الغربية، واعوجاج فلسفتها السياسية والاقتصادية وبطلانها، إن معاملة أمريكا للدول الضعيفة هي نسخة مكبّرة عن سلوك ضابط شرطة، وضَعَ ركبته على عنق رجل ذي بشرة سمراء وأعزل، وواصل الضغط عليه حتى فارق الحياة، الحكومات الغربية الأخرى، كل واحدة بقدر استطاعتها، هي أمثلة على هذا الوضع الكارثي!

إنّ الحج الإبراهيمي ظاهرةٌ مجيدة للإسلام، ضد هذه الجاهليّة الحديثة؛ إنها دعوة للإسلام، وعرض رمزي لحياة المجتمع الإسلامي، مجتمع يكون فيه تعايش المؤمنين، في حركة مستمرة حول محور التوحيد، وهو الدلالة العليا.

إن الابتعاد عن النزاع والخلاف، وعن التمييز والامتيازات الأرستقراطية، وعن الفساد والتلوث، هو شرط ضروري، ورمي الشيطان والبراءة من المشركين، ومخالطة البسطاء، ومساعدة الفقراء، ورفع شعائر أهل الإيمان، من الواجبات الأساسية،  كما أن تحقيق المنافع والمصالح العامة، جنباً إلى جنب، مع ذكر الله وشكره وعبادته، هي الأهداف المرحليّة والنهائية، إنّ هذه الصورة الإجمالية للمجتمع الإسلامي، في شعيرة الحج الإبراهيمي، ومقارنتها مع واقع المجتمعات الغربية الكثيرة الادعاء، تملأ قلب كل مسلم مجتهد بحماسةٍ، للسعي والعمل لتحقيق مثل هذا المجتمع.

نحن، الشعبَ الإيراني، بتوجيه وقيادة من الإمام الخميني العظيم، قد انطلقنا بمثل هذه الحماسة ونجحنا، نحن لا ندعي أننا استطعنا أن نحقّق ما نعرفه ونحبه دفعة واحدة، لكننا ندعي أننا قطعنا شوطاً طويلاً، وأزلنا كثيراً من العقبات في هذا الطريق، بفضل الثقة بالوعود القرآنية، بقيت خطواتنا ثابتة، وإنّ أكبر شيطان وغدّار وقاطع طريق في هذا الزمان، هو النظام الأمريكي، لم يكن قادراً حتى على تخويفنا، أو أن يغلبنا بمكره وخداعه، أو أن يقف أمام تقدمنا ​​المادي والمعنوي.

نحن نرى الشعوب المسلمة جميعاً إخوة لنا، ونعامل غير المسلمين الذين لم يدخلوا في جبهة الأعداء بإحسان وعدالة، إننا نرى حزن المجتمعات المسلمة ومعاناتها، على أنها معاناتنا ونسعى إلى معالجتها، ونبذل قصارى جهدنا دائماً، لمساعدة فلسطين المظلومة، وفي التعاطف مع جسد اليمن الجريح، وهموم المسلمين المضطهدين، في كل مكان في العالم، ونرى أنه من واجبنا تقديم النصيحة، إلى قادة بعض الدول الإسلامية، إلى المسؤولين الذين يلجؤون إلى أحضان العدو، بدلاً من الاعتماد على أشقائهم المسلمين، ويحمّلون أنفسهم إذلال العدو وتسلّطه عليهم، مقابل مكاسب شخصية لبضعة أيّام، واضعين كرامة أمتهم واستقلالها في المزاد العلني، أولئك الذين يرضون ببقاء النظام الصهيوني المغتصب والاستبدادي، ويمدّون له يد الصداقة سرّاً وعلانية، ننصحهم ونحذرهم من العواقب المريرة لهذا السلوك، إننا نرى أن وجود أمريكا في منطقة غرب آسيا، مضرّ بشعوب هذه المنطقة، ويتسبب في فقدان الأمن، ودمار البلدان وتخلفها.

بشأن قضايا أمريكا الراهنة، والحركة المناهضة للفصل العنصري فيها، موقفُنا الصريح هو الوقوف إلى جانب الشعب، وإدانة السلوك الوحشي للحكومة العنصرية في ذلك البلد.

ختاماً، وبالسلام والصلاة على بقيّة الله – أرواحنا فداه – أستحضر ذكرى الإمام الراحل، وأوجّه التحيّة إلى أرواح الشهداء الطيبة، وأسأل الله  تعالى  الحجّ الآمن والمقبول والمبارك، للأمة الإسلامية في المستقبل القريب.

والسلام على عباد الله الصالحين.

السيد علي الخامنئي 

28/7/2020م

7 ذي الحجة 1441 هـ. ق.

الهوامش:

1-      «آل عمران»، شطر من الآية 103

2-      «الفتح»، شطر من الآية 29

3-       «هود»، شطر من الآية 113

4-       «النساء»، شطر من الآية 141

5-      «التوبة»، شطر من الآية 12

6-      «الممتحنة»، شطر من الآية 1

7-      «الممتحنة»، شطر من الآية 8