lundi 7 juillet 2025

عاشوراء الحسين أولى بالإحياء من أوهام الظالمين (2)

 



يستهجن كل من لم يتعرّف على حقيقية التشيّع لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، صدور بعض التصرّفات الشيعية في مناسباتهم الدينية، خصوصا فيما تعلق بذكرى استشهاد سيد شباب أهل الجنة عليه السلام، في خيرة من أهل بيته وأصحابه، يرى فيها عموم الشيعة مواساة للنبي صلى الله عليه وآله بما حصل لأهل بيته من عدوان لا يمكن تبريره بأي حال، وقد جاءت هذه التعابير التضامنية معبّرة عن عمق انتماء متجذر لمنهج إسلامي يُعْتَبَرُ الأول في ظهوره حيث لم يكن هناك على الساحة الإسلامية غير فريقين: فريق صاحب حق وهو علي بن أبي طالب، وفريق صاحب باطل وهو معاوية بن ابي سفيان، ومن لم يكن منتسبا لأحد الفريقين، فهو خاذل للحق محجوج عند الله ولدى عباده دون أدنى شك، ولا حاجة لنا في أن نسترسل أكثر هنا، ولدينا حكم بات من النبي صلى الله عليه وآله قال فيه: ( إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الثاني منهما) (1) ونحن نعرف أن عليا بويع خليفة للمسلمين بيعة عامة، لم يتخلف عنه سوى من غلبته شقوته عن أداء واجب لا يجب التخلف عنه، فكيف يصبح من بات في حكم المقتول خليفة، يستعبد المسلمين ويمعن في ظلمهم، ويأتي بعد ذلك من يترضّى عنه تحت مبررات واهية، تسقط عند لقب اطلقه النبي صلى الله عليه وآله عليه وعلى أبيه: اذهبوا فانتم الطلقاء؟

ما يجب أخذه بعين الاعتبار أيضا، أن حركة تحريف الأحاديث النبوية بدأت في حياة النبي  صلى الله عليه وآله، محذّرا من مغبة الإقدام على ذلك بقوله: (من كذب علي يلج في النار) (2) ولم يكن ذلك ليمنع طلاب الدنيا - وما أكثرهم - عن مواصلة نهجهم التحريفي، خصوصا وقد تهيّأ ذلك لهم، باستيلاء معاوية على الحكم بالمكر والخديعة، فتعاظمت حركة وضع الروايات والمكذوبة ونسبتها إلى صاحب الوحي، وتزامن ذلك مع أعمال تشويه وبطش كبيرين بشيعة علي وأهل بيته، امتدت من المدينة الى الكوفة إلى اليمن، لم يسلم منها سوى من تركوا الديار، وفروا بجلودهم من أعمال بني أمية الانتقامية التي كانت بدافع حقد دفين ظهر ليكشف معادن خبيثة كان النبي قد أشار إليها: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق) (3).

وطبيعي أن تتربى في المجتمع فئة من طلاب الدنيا، مستعدون لتنفيذ ما يأمرهم به سلطانهم، دون مراعاة لأي قيمة إسلامية يمكن أن تمنعهم من تلك الاعمال الموكلة اليهم، فمن قتل عليا، ودس السم لابنه الحسن، ومن حال دون وصول الحسين إلى الكوفة، وجعجع به في كربلاء، وقام بارتكاب مذبحة فظيعة بحقه وحق أهل بيته وأصحابه، ليس من العدل أن يوصب بالإسلام فضلا عن الايمان وأن يُترضّى عنه، لاحظوا هنا إلى أي مدى وصل بنا الأمر في خلط الحق بالباطل، فلا تمييز حاصل بينهما في ذلك الزمن إلا من رحم ربك، في مجتمع رضي بأن يكون مطيّة سوء أمويّة.

وعندما نستعرض ما جاءنا من تاريخ تلك الأزمنة القبيح أفعال اهلها، من انتهاكاتها الإنسانية، نستطيع أن نتبين مدى عمق آثارها المادية والمعنوية، على طائفة واحدة من المسلمين، رفضوا الخضوع لحكم بني أمية، على أساس أنهم مغتصبون ظالمون ومعتدون، وقد قابلهم هؤلاء الحكام ببطش وقوّة شديدتين، كما جاء مُدَوّنا: أخرج المدائني في كتاب الأحداث ما يلي:

(ألا برئت الذمة ممن روى حديثا في مناقب علي وأهل بيته وقامت الخطبة في كل مكان على المنابر بلعن علي بن أبي طالب عليه السلام والبراءة منه والوقيعة في أهل بيته واللعنة لهم بما ليس فيهم عليهم السلام. ثم اشتد البلاء بالأمصار كلها على شيعة علي وأهل بيته، وكان أشد الناس بلية أهل الكوفة، لكثرة من بها من الشيعة واستعمل عليها زيادا ضمها إليه مع البصرة وجمع له العراقين وكان يتبع الشيعة - وهو بهم عالم - لأنه كان منهم قد عرفهم وسمع كلامهم أول شيء، فقتلهم تحت كل كوكب، وتحت كل حجر ومدر، وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل منهم، وصلبهم على جذوع النخل، وسمل أعينهم، وطردهم وشردهم، حتى انتزحوا عن العراق، فلم يبق بها أحد منهم إلا مقتول أو مصلوب أو طريد أو هارب. (4)

من خلال هذا النص الواضح، نستطيع أن نستجلي حقيقة ما تعرض له الشيعة من أعمال إبادة وتنكيل، لم يراعى لهم فيها أي حق من حقوق الإسلام البديهية في حرمة الأنفس المحترمة، فمحنة المسلمين الشيعة غير متعلقة بالإمام الحسين يوم عاشوراء وحدها، بل هي سلسلة من الإنتهاكات التي تعرضوا لها طوال فترات متباعدة من الزمن، وكانت عاشوراء منتهى الظلم والتعدّي والاجحاف بحق صفوة الإسلام من عترة النبي صلى الله عليه وآله الطاهرة، وبها انفجرت مشاعر الحب والمواساة لهم، وحقيق بمن مات محزونا عليهم أن لا يُلام، بل كان أجدى بمن استنكر أفعال حزن المكلومين، أن يكون عادلا باستنكار ما تعرض له أهل البيت وشيعتهم من اعتداءات، ولا يرى في من حزن على أبي الأحرار غضاضة بما فعله، تعبيرا عن حزنه مهما أتى، فخطب الحسين عظيم لو وعى المسلمين عظم الجريمة وتقصيرهم تجاهها.

من الخطأ الجسيم الإصرار على البقاء تحت تأثير موروثات خاطئة، تسببت في ظهور دابة تكفير الشيعة، لأمكن لهم الإبتعاد عن مجال أسّسه حكامهم، وبالغوا في التنكيل بفرقة إسلامية أصيلة، لا ذنب لها جنته منذ تأسيسها، سوى أنّها رفضت موالاة الظالمين، بدأ ممن اغتصب الحكم من أئمتهم، الذين آمنوا بهم قادة مرحلة ما بعد النبوّة، اصطفاهم الله سبحانه على خلقه، من أجل أن يمارسوا دورهم في حفظ الدين آدابا وأحكاما، ولا يمكن فهم المسلمين الشيعة على هذا الأساس، من دون النظر إلى أمّهات كتبهم، المعتمدة في أصولها وفروعها على روايات أئمتهم - وهي متاحة لمن يريد أن يعرف - وبالتالي تبديد أوهام خاوية، ركّبها عليهم من عملوا على إدانتهم  باطلا، وعملوا على التحريض عليهم دهرا طويلا.

لم يطلب أحد من هؤلاء الذين كفّروا الشيعة، أن يخرجوا من حصنهم الفقهي والعقائدي الذي شيده لهم حكامهم، باستبعاد فقه أئمة أهل البيت عليهم السلام، من إطار اعتماده كسائر مدارس فقهية، أقرّوها مناهج تعبّدية، وإن تخللها اختلافات فيما بينها، أدّى الى صدامات افتعلتها العامة، واعتداءات وقعت في مناطق مختلفة من بلاد الإسلام لأسباب تافهة، لا ترقى لاعتبارها مادة خلاف، من شأنها أن تُسبب كل ذلك التحامل والعداء وسفك الدماء عليها، ما كان مرْجُوّا منهم التماس الأعذار التي تسمح بالتعايش بينهم وتستبعد التعصب، وتلغي منهج التطرّف الذي ما فتئ يسوقهم إليه حكامهم.

المصادر

1 –  صحيح مسلم ج6ص23ح1853

2 – سنن الترمذي ج4ص395ح2660

3 – سنن الترمذي ج 6 ص 94 ح3736

4 – شرح  نهج البلاغة ابن ابي الحديد ج 3 ص 595 

 

dimanche 6 juillet 2025

عاشوراء الحسين أولى بالإحياء من أوهام الظالمين (1)

مثلما عمل بنو أميّة على تفادي انتشار خبر شهادة عمار بن ياسر، وهو يقاتلهم ضمن جيش علي بن أبي طالب عليه السلام، خوفا من تبعات تعْرِية أهدافهم المنحرفة، وإظهارهم في موقف البغاة على الحق، كما صرّح بذلك النبي صلى الله عليه وآله، (تقتلك الفئة الباغية)(1)، فنسجوا عليه شخصية نسبوها إلى يهودي أطلقوا عليه كنية ولقبا ليوهموا المسلمين بأنّ شخص حقيقي، سعى بين المسلمين ليحدث فتنة قاتلة، وقد صدّق ذلك من لم يحترز لدينه من الأقاويل والاشاعات التي لا تستند إلى دليل مقنع بوقوعها، ولو كان جيش علي مهيعا ينتسب اليه كل من هب ودبّ، لقبل بقاء معاوية على ولاية الشام فكيف به يرضى بيهودي ركّبوا عليه أقاويل ادّعوا أنّه صاحب صناعتها.

كذلك فعلوا، كي يتنصّلوا من تبعات مقتل سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي عليه السلام، وخيرة أهل بيته وأصحابه في كربلاء، يوم العشر من المحرّم سنة 61 هجرية، ولم يكن خروجه الى العراق الا طلبا للإصلاح في أمة جدّه، وقد شكّلت تلك الثورة العظيمة في أبعادها المعنوية، عامل دفع قوي نسج على منواله أحرار الأمّة حركات ثورية إصلاحية في أهدافها، لم تسفك دماء خصومها الا بالحق، وطلبا لإقامة العدل، كما حصل في ثورة المختار الثقفي، عندما ثأر ممن اشترك في مقاتلة سيد شباب أهل الجنة في كربلاء سنة 66 هجرية.

دهاء وخبث الأمويين، دفع بمروّجي أباطيلهم إلى اختلاق فضائل وهميّة، نسبوها إلى العاشر من المحرّم، لكي يُنْسوا المسلمين ما ارتكبوه من ظلم وتعدّ بحق الامام الحسين وأهل بيته عليهم السلام، لكنهم لم يستقروا على حال في هذا التلفيق الذي خرجوا به للناس، فتباينت ادّعاءاتهم واختلفت اختلافا كبيرا، برهن على أنّها روايات موضوعة، لغاية صرف المسلمين عن حقيقة أن عاشوراء لا تتعدى كونها حادثة إسلامية مؤلمة وحزينة حصلت بين معسكرين:

-        معسكر حق أظهر هدفه من وراء مجيء قائده إلى العراق، كان الإصلاح ولا شيء غيره، هذا المعسكر كان قليل العدد، لكنّه يحتوي على خيرة أهل الأرض أنفسا، فحوالي 73 شخص افزعوا طاغية العصر يزيد، ليرسل إليهم جيشا أمويا جرارا، تعداده كما أكثر من عشرون ألف مقاتل (2)

-        معسكر باطل حشد عشرات آلاف المقاتلين، أُرسلوا أولا من أجل منع الامام الحسين من دخول الكوفة، خوفا من استجابة أهلها لدعوته، واستطاع بدهاء قادته (ابن زياد نموذجا) من افشال ما مهّد له سفير الامام الحسين مسلم بن عقيل من تلاحم قام بين القاعدة الشعبية وقائدهم العظيم.

خطورة ما أقدم عليه الأمويون من مقتله يوم العاشر من المحرم، دفعت بهم إلى استنفار رواتهم لتزييف تاريخ ذلك اليوم، وتحريفه عاشر محرم حقيقي ارتكبت في مذبحة شنيعة بحق صفوة النبي صلى الله عليه وآله، إلى يوم خير وبركة، نجّا الله فيه موسى من فرعون، ففي رواية:

أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَدِمَ المَدِينَةَ فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا، يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقالَ لهمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما هذا اليَوْمُ الذي تَصُومُونَهُ؟ فَقالوا: هذا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللَّهُ فيه مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بمُوسَى مِنكُم فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بصِيَامِهِ (3)

وفي رواية أن عاشوراء كان يوما تصومه قريش في الجاهلية (4)

وفي رواية أن عاشوراء يوم نجا الله فيه عشرة أنبياء صادفت نجاتهم ذلك اليوم:

عن أبي هريرة مرفوعا: إن الله عز وجل افترض على بني إسرائيل صوم يوم في السنة يوم عاشوراء ... فصوموه، فإنه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم، وهو اليوم الذي رفع الله فيه إدريس مكانا عليا، وهو اليوم الذي نجَّى فيه إبراهيم من النار، وهو اليوم الذي أخرج فيه نوحا من السفينة، وهو اليوم الذي أنزل الله فيه التوراة على موسى، وفيه فدى الله إسماعيل من الذبح، وهو اليوم الذي أخرج الله يوسف من السجن، وهو اليوم الذي رد الله على يعقوب بصره، وهو اليوم الذي كشف الله فيه عن أيوب البلاء، وهو اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت، وهو اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل، وهو اليوم الذي غفر الله لمحمد ذنبه ما تقدم وما تأخر، وفي هذا اليوم عبر موسى البحر، وفي هذا اليوم أنزل الله تعالى التوبة على قوم يونس ..وزاد بعضهم ادريس وسليمان وأيوب (5)

هناك من علماء العامة من أنكر روايات نجاة هؤلاء الأنبياء، واعتبرها من الموضوعات، ذكر ذلك الحلبي في سيرته، والسيوطي في اللاليء المصنوعة: موضوع. ورجاله ثقات، والظاهر أن بعض المتأخرين وضعه، وركبه على هذا الإسناد، أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات، وقالهذا حديث لا يشك عاقل في وضعه، ولقد أبدع من وضعه وكشف القناع ولم يستحي ... ولو ناقشناه على شيء بعد شيء لطال، وما أظنه إلا دس في أحاديث الثقات، وكان مع الذي رواه نوع تغفل، ولا أحسب ذلك إلا في المتأخرين(6).

فكيف بمن علم من المسلمين دراية، أن سيد شباب أهل الجنة قتل في خيرة من أهل بيته وأصحابه ظلما وعدوانا، ودون مراعاة لمودّته التي فرضها الله على الأمّة الإسلامية أجرا لرسالة نبيّه، أن يستأنس بمفتريات صنعتها عقول آثمة، سينالها من وزر ما اختلقت من باطل للتستّر على أفظع جريمة في تاريخ الإنسانية؟ وكيف يتفق يوم عاشوراء من شهر محرم القمري، مع تاريخ اليهود الشمسي؟

وكيف يستسيغ مسلم عاقل فيقبل بجهل النبي صلى الله عليه وآله، يوم نجاة موسى عليه السلام، وهو المتصل بالوحي مباشرة يوم نجاة موسى، فيقبله من اليهود وهم محرّفو دينهم وقتلة أنبيائهم؟ عجبا لعقول تصحّرت فلم يعد فيها ما يصلح للتمييز بين ما هو معقول ومقبول وبين ما هو خرافة ومرفوض، مع وجود تلميحات وإشارات صادرة من بعض عقلاء علمائهم رافضة جملة من هذه الروايات، فهل من عاقل يستعيد عافية فكره ليعتبر أن عاشوراء يوم واحد خاص بالمسلمين، عمل الطغاة الامويون وأتباعهم على محو اثاره بالأكاذيب، وهيهات أن يضيع حق الحسين وأهل بيته عليهم السلام، ستبقى عاشوراء الحسين مُلْهِمة الثوار والاحرار، ولن يستطيع الظالمون إخفاء جريمتهم النكراء في ذلك اليوم بافتعال الأكاذيب، وسيبقى الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة كما أخبر عنه جدّه الأكرم صلى الله عليه وآله.

المصادر

1 – حلية الأولياء أبي نعيم الاصفهاني ج2ص198

2– اللهوف ابن طاووس ص85/ الفتوح ابن الأعثم الكوفي ج5ص89/90

3 – صحيح مسلم ج3ص150ح1130

4 – صحيح مسلم كتاب الصيام باب صوم عاشوراء ج3ص146ح1125

5 – عمدة القاري في شرح صحيح البخاري للعيني ج17 ص135

6 – https://www.islamweb.net/ar/fatwa/361267/