تصحيح تاريخنا الإسلامي يبدأ من أوّل مولد
خير الأنام عليه وعلى آله الكرام خير صلاة وأقوم تسليم، ففيه مغالطات وتحريفات يجب
التنبيه لها والوقوف على تزويرها حتى يُمرّر لنا نظام حكم وقع تزويره، وتقديمه على
أساس أنه من الشورى لكنّه واقعا انقلاب على رأس النظام الإسلامي المتمثل في إمامة
عليّ والأئمة من ولده عليهم السلام، كتعيين واختيار إلهي من أجل استكمال مرحلة حفظ
الإسلام وتبليغه للعالمين.
منظومة الإمامة الإلهية تصدّى لها من تصدى من
المهاجرين، رفضا كما جاء على لسان من تجنّد قولا وفعلا، لأجل منع إقامتها وسنح لهم
ذلك، ولم يتحرج في إظهاره كأنما هو انجاز تحقق، أو تصحيح خطأ وقع تلافيه، عندما
أسرّ لابن عباس بالقول: (كرهوا أن يجمعوا لكم
النبوّة والخلافة، فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحاً، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت
ووفقت)(1)
لقد جمعت محاولة الصدّ تلك، طلقاء النبي صلى
الله عليه وآله في المقام الأول - فقد كانوا أصحاب سلطة ونفوذ بين القبائل ولِدارِ
الندوة رمزيّة واضحة في ذلك - ومعهم كل من كان يرى في قريش مكانة وزعامة، (إنّها
قريش وخيلاءها، ما آمنت منذ كفرت، ولا ذلت منذ عزت) (2) وعرف هؤلاء من خلال ما كان النبي صلى الله
عليه وآله يقوله بشأن عليّ عليه السلام، أنه سيستخلفه على الأمّة من بعده، فلا
أدلّ على ذلك من قوله له: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي). (3)
وقوله لبريدة وغيره من الحاسدين والمبغضين: (ما تريدون من علي إن عليا مني وأنا
منه وهو ولي كل مؤمن بعدي) (4)
وجاء الأمر الإلهي بتنصيب علي عليه السلام
مولى لكل مؤمن ومؤمنة في حادثة الغدير يوم 18 من ذر الحجة من السنة العاشرة للهجرة
النبوية أي حوالي شهرين ونصف قبل التحاق النبي صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى
عندما اعلنه وليا وهاديا بعده وأمر من كان حاضرا لتهنئته ومان من بين المهنئين من
قال له: (بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبح وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة)(5)
وكان نفر من الصحابة، عددهم اثناعشر رجلا،
تعاقدوا على التنفير بالنبي صلى الله عليه وآله، عند منصرفه من غزوة تبوك في
العقبة(6)، فأطلعه الله على مؤامرتهم وتدبيرهم، وكان معه عمار وحذيفة يسايرانه،
فأخبرهما بذلك وطلب منهما كشف القوم، وهؤلاء الذين عرفهم حذيفة، واستأمنه رسول
الله على كتمان أسمائهم، لكن المصادر السنّية أحجمت عن ذكر بعض أسماء هؤلاء
فارتباطهم بأحداث السقيفة وما استتبعت من اختيار خلفاء.
فمن كان يسأل حذيفة ان كان من هؤلاء
المنافقين، فينطبق عليه مثل كاد المريب أن يقول خذوني، زد على جرأته في التصدّي
للنبي صلى الله عليه وآله عندما أراد أن يكتب وصيته (هلمّ أكتب لكم كتاب لا تضلوا
بعده)(7) فمنعه بقوله إن النبي يهجر(8) وهذّب المقالة حفاظ الحديث بالقول إن النبي
غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا كتاب الله)(9) ومن بلغت جرأتهم على النبي بمثل
هذه الوقاحة فليس غريبا أن ينخرطوا ويتورّطوا في أعمال قبيحة أخرى أشد وزرا
كاغتياله بالسّم في مرضه الذي انتقل فيه الى الرفيق الأعلى، وقصة شاة اليهودية تبدو
مفتعلة لا حقيقة لها، لأننا نستبعد قبول النبي شاة مشوية من يهودية، ولا نقبل كذلك
بسكوت الوحي عن ذلك حتى يأكل منها النبي صلى الله عليه وآله، ما يفيد مشاركة الله
في قتل نبيه نعوذ به من سقطات الحمقى والاغبياء، وقصة شاة اليهودية رُكّبت تركيبا،
لأجل التغطية على من دس له السمّ في اللدّ الذي لدوه به، رغم أنه نهى عن لدّه (10)
وقد جاء ما أفادنا بأن النبي صلى الله عليه
وآله تعرض لمحاولات اغتيال عديدة قبل الهجرة وبعدها، ومحاولة اغتياله من طرف يهود
بني النضير، وما ذكرته من مؤامرة العقبة أنجاه الله منها، كان آخرها ما أجمل في وصفه
عبد الله بن مسعود: لأن احلف تسعا أن رسول الله قتل قتلا، أحب إلي من أن احلف
واحدة أنه لم يقتل)(11)
أماعن دوافع مقتل النبي صلى الله عليه وآله
فهي أساسا متعلقة بمن سيلي الحكم بعده وهو علي بن ابي طالب الذي عبّرت قريش عن
رفضها له منذ أن بدأت إخبارات الوحي تشير إليه، فتجنّد لمنع ذلك كل كاره مبغض له،
وبذلوا من أجل ذلك جهودا كبيرة، ولما يئسوا من ازاحته من طريقهم، التجأوا الى
اغتيال النبي بالسمّ ليقوموا بعد ذلك بتنفيذ خطتهم في الاستيلاء على الحكم بدأ من
سقيفة بني ساعدة وانتهاء بمساعدة ابي سفيان رأس الطلقاء والمنافقين، وتحقق لهم ذلك
مستغلين انشغال علي وبني هاشم وخلّص الصحابة، في تجهيز النبي صلى الله عليه وآله
لدفنه في حجرته، حقائق يجب مرتجعتها لتعديل البوصلة وتصحيح المسار، أما ان نكون مع
نبيّنا صلى الله عليه وآله، أو نكون مع من ارتكب بحقه ابشع الانتهاكات والجرائم،
ولا خيار ثالث هنا.
المراجع
1 – شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ج12ص53/
تاريخ الطبري ج3ص578 / الكامل ابن الأثير ج2 ص433
2 –السيرة النبوية ابن كثير ج2ص394/ دلائل النبوة البيهقي ج3 ص107
3– جامع أحاديث البخاري كتاب فضائل أصحاب
النبي ج5ص19ح3706 / مسلم كتاب فضائل الصحابة ج7ص119ح2404
4– سنن الترمذي أبواب المناقب باب مناقب علي
بن اأبي طالب ج6ص78ح3712
5– البداية والنهاية ابن كثير الدمشقي ج11ص71
6– مسلم كتاب صفات المنافقين ج8ص123ح2779
7 – جامع أحاديث البخاري كتاب المرضى باب قول
المريض قوموا عني ج7ص120ح5669
8 – مسلم كتاب الوصية باب ترك الوصية لمن ليس
له شيء يوصي فيه ج5ص75ح1637
9 – جامع أحاديث البخاري كتاب العلم باب
كتابة العلم ج1ص34ح114
10 –كتاب المغازي باب مرض النبي ووفاته ج6ص14ح4458
11 – مسند احمد بن حنبل مسند عبد الله بن
مسعود ج 6ص115ح3617 وج6ص418ح3873 وج7ص205ح4139/ المعجم الكبير الطبراني ج10ص109
لم يكن الله ليرسل رسله بكتبه، متضمنّة أحكامه وشرائعه
إلى الناس، ليتركهم بعد ذلك يتصرّفون فيها كما يحلو لهم، من دون أن يجعل لها من
صفوة خلقه، قوّامين عليها حافظين لها، وهو خالقهم وأعلم بدخائلهم وسرائرهم، فضلا
عن كونه وحده صاحب الحق، في أن يصطفي ويختار من عباده من هو أهل للقيام بذلك
الدور: ( وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله وتعالى عما
يشركون)(1) وبيان احكام الله وتطبيقها يحتاج إلى من أهّله الله ورسوله للقيام بذلك
حتى يتسنى له القيام بدوره الأساس في التعليم والقيام في الناس بالقسط: (إنا أرسلنا رسلنا بالبيّنات وأنزلنا معهم الكتاب
والميزان ليقوم الناس بالقسط) (2)
ككل يوم
من الثامن عشر من ذي الحجة، يحتفل أهل الولاية الإلهية بيوم عظّمه الله تعالى،
فجعله أعظم أعياد أمّة نبيّه الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ودعا المسلمين إلى
اعتباره كذلك، وإيلائه ما يستحق من قيمة، من خلال ما أجراه من وحي،وفيه ما فيه من أعمال جليلة، برهنت من خلال
أدائها، على طاعة وانضواء تحت سماء نظام ربّاني، لو قُدّر له أن يستلم مقاليد
حكمه، لكان أصفى وأعدل نظام حكم على وجه الأرض، وكيف لا يكون بتلك القيمة المادية
والمعنوية، وهو مشروع وغاية سلسلة الولاية الإلهية، التي شرّعها الله من خلال
أنبيائه وأوصيائه عليهم الصلاة والسلام، ليختتم بها دورة العدل الإلهي في نهاية
المطاف، لحكم أحكم تشريعه، من أجل مجتمع واع ملتزم، يسعى نحو الكمال الإنساني.
ومن تدبر
حادثة الغدير (3)، وما جاء فيها من أمر إلهي، علم يقينا لماذا استُهدفت من أعداء
الاسلام المحمدي، الذين بذلوا جهودا متكرّرة من أجل محو آثارها وتغييبها عن عموم
المسلمين، فزمرة النفاق التي صرفت ولاية أمير المؤمنين عليا عليه السلام، وهي تعلم
يقينا أنّه ولي كل مؤمن ومؤمنة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، واصلت جهودها
من أجل أن لا يستلم مقاليدها أحد من أبنائه الأتقياء البررة، ونجحت في تحييد الحكم
عنهم، في غفلة من الأمّة وتقصير من جانبها، لذلك فإننا لا نستغرب اليوم، إذا وجدنا
من المسلمين من يقول بفصل الدين عن الحياة والمجتمع والحكم، ويرونه فقط مسائل
تعبّديّة خاصة بين العبد وخالقه، لا شأن لها بما وراء ذلك من حكم وإقامة العدل
ونشر السلم وتحقيق أمن.
لقد أرسى
النبي أساسات النظام الإسلامي، من حيث أحكامه الخاصة والعامة، ومن حيث آدابه
وسلوكياته الاجتماعية، وأعطاه بعده السياسي بإبرام العهود وارسال الرسائل للملوك
يدعوهم الى دينه والنزول عند حكمه، وتبيّن ذلك لكل مطلع على سيرته منذ أن حلّ
بالمدينة حيث بنى مسجده، وألّف يبن قلوب أتباعه بإجراء المؤاخاة بينهم ليزدادوا
ائتلافا ولُحْمة...
حادثة
غدير خم هي من بين الحوادث التاريخية التي غُبِنت، وتصرّف فيها حفاظ خط السقيفة
بسوء وتجاهل، فغيّبوها بإذهاب تواترها، وأسقطوا منها بعض مظاهر تضمّنتها، لو بقيت
لساعدت من اطلع عليها على معرفة حقيقتها، فعند منصرف النبي صلى الله عليه وآله من
حجته الوحيدة المعروفة بحجة الوداع، وفي 18 من شهر ذي الحجة نزل عليه أمين الوحي
جبريل آمرا: ( يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت
رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لا يهدي القوم الكافرين ) (4) مُفاده أن نصّب
من بعدك عليّا، لكون وليّ الأمر على الأمّة، ولا مجال لتأخير الأمر، في اجتماع ما
يقرب من 120.000 من الحجاج، بعدما أدّوا مناسكهم في مكة، وقفلوا عائدين إلى ديارهم
(5)
استجاب
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأمر ربّه، وأمر بأن ينادى في الناس الصلاة
جامعة، وخطب في الحاضرين خطبة بليغة
واضحة، لا لبس فيها حتى لا يؤوّلها أحد، أو يحملها على غير محملها، أختصرُ منها في
مقالي هذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال
من والاه، وعاد من عاداه، وانصر من نصره، وأخذل من خذله) (6) قام من قام بنقلها
مختصرة، وتسامح من تسامح في نقلها مطوّلة شيئا ما، بما زاد مقصد الوحي من ذلك
البلاغ تأكيدا على تنصيب امير المؤمنين، في ذلك اليوم من السنة العاشرة من الهجرة
النبوية، والنبي صلى الله عليه وآله على بعد أسابيع من مغادرة الدنيا واللحاق
بالرفيق الأعلى، وقد تعددت الإشارات النبوية متعلّقة به، بكونه ولي كل مؤمن ومؤمنة
من بعده (7) وبمنزلة هارون من موسى من بعده باستثناء النبوّة(8)
ما يجب
ذكره هنا - وفيه إشارة لما كنت ألمحت إليه من غبن حصل لخطبة الغدير- فقد جحد مسلم
في جامع أحاديثه الخطبة رغم اشارته لها، ولم يذكر منها سوى مكانها، وذكر حديث
الثقلين محرّفا عن ألفاظه الصحيحة (قام رسول الله يوما فينا خطيبا بماء يدعى خما
بين مكة والمدينة فحمد الله وأثنى عليه ووعظ وذكر ثم قال: أما بعد، ألا أيها الناس
فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين، أولهما كتاب
الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به. فحثّ على كتاب الله ورغب
فيه، ثم قال: وأهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي (3 مرات)(9)
مع أنّ
حديث الثقلين جاء على لسان النبي بلفظه الواضح الدّال على منطقه المُمَيّز عن
تصرّفات من أبى قول الحق وعمل على تحريف بياناته اتفق على نقله أمناء حفظ منطوق
وحي الله، وكلام النبي صلى الله عليه وآله وحي يوحى: (إني تارك فيكم ما ان تمسكتم
به لن تضلوا بعدي أحدهما أعظم من الآخر: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض
وعترتي أهل بيتي ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما)(10)
فكيف يتجاهله البخاري ويعمل على تغيير الفاظه مسلم النيسابوري؟ وما تجاهلاه الا
لأنّ مضمونه لا يتناسب والمنهج المخالف لأئمة اهل البيت عليهم السلام الذي سلكاه
في نقل وحجب الأحاديث.
وفي قول
النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مفتتح خطبته: أولست أولى بكم من أنفسكم؟ في
تذكير منه بقوله تعالى: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم)(11) بيان واضح من أنّ
القصد هو ولاية الأمر من بعده، وليس إلى ما ذهب إليه من ذهب من أتباع نهج السقيفة،
من كون معنى الولاية منصرف إلى معان أخرى غير ولاية الأمر، وعلى أيّة حال فإنّ
إمامة النبي صلى الله عليه وآله متواصلة في ذرّيته الكرام البررة الأئمة الاثنا
عشر الذين ذكر النبي صلى الله عليه وآله عددهم وبيّنهم للأمّة لكن زمرة تحريف
الكلم عن مواضعه جحدوها واستيقنتها أنفسهم علوّا واستكبارا، وكانوا سببا في ضياع
اغلب الأمّة الاسلامية، وانحرافها عن جادّة حق الهداة الطاهرين.
عيد
الغدير هو عيد الولاية الإلهية والمؤاخاة التي دأب النبي صلى الله عليه وآله على
تطبيقها امتثالا لأمر الله سبحانه وتعالى ( إنّما المؤمنون إخوة) (12)وهذا تجسيد
لأمّة الجسد الواحد: (مثل المؤمنين في توادّهم
وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعي له سائر الجسد بالسّهر
والحمى.)(13) هذا ما أراده الله من أجل أن يحكم بخاتم شريعته في خلقه، وذلك
ما أراده عُصاة أمره، لكنه بقيت باقية حاملة هذا التكليف عاملة به ظاهرة بحمده
وشكره يراها من يرى بقلبه، ويعمى عنها من عمي ( لا تزال طائفة من أمّتي ظاهرين على
الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك) (14)انظروا الى رابطة الأخوة
الإسلامية اليوم أين توثّقت ومن قام بها وتحمّل تبعاتها وتكاليفها ونتائجها، إنّهم
المدافعون عن غزّة وفلسطين أصحاب محور المقاومة الذين رفضوا أن يتجاهلوا إخوانهم
رغم اختلاف مناهجهم الفقهية، فما يربطهم بالإسلام أوثق وأكبر، وأخوّة الدين لا
تختلف عن أخوّة المذهب خصوصا، ونحن أرفع من أن نحمّل إخواننا وزر ما ارتكبه
الأوائل، حيث لا تزر وازرة وزر أخرى، غدير ولاية وأخوّة جامعة مبارك كل عام وأمتنا
إلى وعي أكبر بتكاليفها، مجانبة الفتن وأبواق دعاياتها، افتحوا قلبوكم لإخوانكم
فإنّهم لو علموا الحق حقا لاتبعوه، القادم بإذن الله خير، إنّه وعد الله والله لا
يخلف وعده.
المراجع
1 – سورة القصص الآية 68
2 – سورة الحديد الآية 25
3 – حديث
الغدير من مصادر أهل السنة والشيعة
https://hadith.net/ar/post/53552/
4 – سورة
المائدة الآية 67
5 – عدد
الذين حجوا مع النبي (ص)
https://shkhudheir.com/node/22111
6 – سنن
الترمذي أبواب المناقب باب مناقب علي بن ابي طالب ج6ص79ح3713
7 – حديث
ما تريدون من علي؟ إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي. دونه عدد من الحفاظ
منهم الترمذي في سننه أبواب المناقب باب مناقب علي بن ابي طالب ج6ص78ح3712
8 – جامع
أحاديث البخاري كتاب المغازي باب غزوة تبوك ج6ص3ح4416
9 – صحيح
مسلم كتاب فضائل الصحابة باب من فضائل علي بن ابي طالب ج7ص122ح2408/مسند احمد اول
مسند الكوفيين حديث زيد بن أرقم ج32ص10ح19265
10 – سنن
الترمذي أبواب المناقب باب مناقب أهل البيت ج6ص125ح3788
11– سورة
الأحزاب الآية 6
12– سورة
الحجرات الآية 10
13 –
ميزان الحكم محمود الري شهري / مسلم كتاب البر والصلة والآداب ج8ص20ح2586
14 – مسلم النيسابوري كتاب الامارة ج6ص52ح1920/ وغيره بألفاظ
متقاربة
إذا
ذكرت عليا عليه السلام، قفز لقب ظل يلاحقه، ويلتصق باسمه دون غيره ،ممن تسموا
خلفاء، بلا استخلاف من صاحب الحق في التعيين والإستخلاف، فلقب الإمام لم يلق بأحد
من أولئك إلا به، ولو قسته على غيره ممن غصب الحكومة، أو أخذها بالمكر والخديعة،
لكان مستهجنا له متنافرا معه، الإمام علي عليه السلام، وصي النبي صلى الله عليه
وآله وسلم، وأخوه بالمؤاخاتين، وصاحب سره ونجواه، وباب علومه، لم يفد أحد الأمة
بعد رحيل نبيها صلى الله عليه وآله وسلم، بقدر ما أفادها هو.
وقد
يقتنع العاقل بهذه الحقيقة ويلتزم بها، ولو أنها ليست ذات بعد استدلالي كبير، غير
أن المؤمن الذي وطن نفسه على طاعة الله تعالى، ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، لا
بدله من الإقرار بحقيقة تلك المقارنة،
على المستويين النظري الذي سقناه الآن، والتطبيقي الذي مارسه أبو الحسن علي بن أبي
طالب عليه السلام، كنموذج للمؤمن الكامل، الذي واسى النبي صلى الله عليه وآله وسلم
في حياته، وكإمام للأمة بعد وفاته، ومرجعا أساسيا، آوى إليه المتحيرين من أبنائها،
فلم يمنع معينه الصافي، حتى عن خصومه الذين عاش بين ظهرانيهم، وأكثر من ذلك كله،
بقي علي عليه السلام على مدى الدهر، مخزونا متواصلا من العطاء والعلم، من خلال ما
ترك لنا من سيرة وخطب وحكم، وما اعدمه الظالمون وعفا عنه وعاظهم، كان أكثر مما وصل
إلينا.
وتفرد علي عليه السلام في الأمة، كتفرد ليلة
القدر في شهر رمضان، وفضيلته تماما كفضيلتها، وتميّزه كتميّزها، عن سائر الليالي
المباركة من الشهر الكريم.
شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس،
وبينات من الهدى والفرقان، هو من نفحات الباري تعالى التي يسرها لعباده، وفرض
صيامه على كل مسلم ومسلمة، وجعل أجره في علمه الذي لم يطلع عليه أحد من خلقه، وكلف
نبيهبحث المؤمنين على تعهده صياما صحيحا،
وعبادة وذكرا وتهجدا مليحا، ليعتبره من يعتبره تداركا، ولينظر إليه من ينظر، محطة
لتصحيح المسار في كل عام، وليتعلق بأطرافه من شاء أن يزداد قربا، وتواصلا بالله
سبحانه وتعالى، وسماه شهر الأمة، وجعل في العشر الأواخر منه، ليلة هي خير من ألف
شهر، ووصّى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بالإشارة إليها دون تحديد ، فقال:"
التمسوها في العشر الأواخر." وزاد توضيحا عندما أشار إلى أنها :" في
الأيام الفردية العدد."
وأخذ عنه أهل بيته عليهم السلام، والمسلمون من
ورائهم، فشمروا على ساعدالجد والاجتهاد،
وعملوا بمقتضى نصيحته، التي لم يألو لهم فيها جهدا.
إذا جاء شهر الأمة بعد شهر الله جل جلاله رجب،
وبعد شهر النبي الأكرم شعبان، ليكون المحطة التي يتزود منها المسافر لرحلته
الكبرى، وفي ليلة القدر زينه بالثقلين: بالكتاب الذي أنزل فيها، وبالإمامة التي هي
اللسان الناطق، والعين الساهرة، واليد المثبتة، والعقل الجامع للعلوم، التي
تحتاجها البشرية في بقية مسيرتها.
وتميز
ليلة القدر، جاء من خلال أمر غيبي لا نعلمه، ومن خلال ما أخبرنا به النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، من أن تشريفها، جاء من اختيارها، كزمن تجلت فيه ألطاف الباري
تعالى بنزول تشريعه، وتحقق سريانه في عناصر، أبت إلا أن تجعل الله تعالى نصب
عقولها وأفئدتها.
ولقد كان أمير المؤمنين علي عليه السلام، النقطة
المضيئة والعنصر المثال بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم، رغم تنكر الأمة له،
وانقلابها عليه، فلم يزده ذلك إلا إصرارا على المضي قدما، في إنفاذ وصايا أخيه
خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، حفظا لبيضة الدين، وصونا لها من
التلف والضياع.
صحب الدنيا ببدن روحه معلقة بالمحل الأعلى، هكذا
كان أبو الحسن عليه السلام يتحدث عن المؤمنين من أتباعه، وكذلك كان شخصه ومثاله
بين الناس .. إذا أراد أن يعرفهم صفة المؤمن بدأ بنفسه، فتحدث عنها كأنها صفحة
أمامه، بعدما طوعها لذلك العمل، حتى أنست به وتعودت عليه، لأنه كما وعى عن سيد
الخلق صلى الله عليه وآله وسلم وعمل به :" من عرف نفسه فقد عرف ربه"..
كان دائما يعطي من نفسه المثل، ليحذو حذوه العاملون، ويقتفي آثاره الراغبون في نيل
الرضا، والقرب من الله سبحانه وتعالى.
عرف علي عليه السلام الإسلام يافعا، فلم يخالط
عقله من أدناس السوء، ولا لبس من أرجاس الجاهلية شيئا، فمضى بتلك الطهارة، سالكا
أثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم، مسلكا لم يسلكه أحد قبله، ولا باستطاعة أحد أن
يسلكه بعده، وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم مقابل ذلك الطوع، حيال تلك
الإرادة الفذة، يغذوه من عبق الوحي وأريج النبوة، علما جما لم يسعه صدر أحد غيره،
فتلاقح وفاض بين جوانحه، وكان من فرط انشغاله على ما يحمل يقول: إن هاهنا لعلما
جما لو وجدت له حملة.
وكان يراوح بين ذلك بقوله:" سلوني قبل أن
تفقدوني."
بالعلم يكون العمل، ومن الفقه تأتي المعرفة
والدراية بالعبادة، وجميع التكاليف التي جاء بها الوحي، وفي هذا المقام كان علي
عليه السلام وحده، لم يتميز عليه غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولو تدبرت
سيرته التي حدث عنها الموالي والمعادي، لوجدت تفردا في شخصيته، وندرة لمتأت عن فراغ، وإنما جاءت بعد جهد وكدح، لا
يطيقه إلا من نصب وجهه إلى الله تعالى، ولم تشغله دنيا ومتاع عن المنهاج الذي خطه
لنفسه وآخرته.. وعلي عليه السلام كان كما وصفنا وأكثر، من ذلك المعدن الصافي الذي
لا يتبدل، والماء المعين الذي لا بتكدر، والقمة الشماء التي لا يرقى إليها الطير..
عبد الله تعالى مع رسوله الأعظم صلى الله عليه
وآله وسلم، قبل أن يعبده الناس بسبع سنين، بعد أن عرفه بعقله، وتقرب إليه بفكره،
في وقت كان الذين يطلق عليهم كبار الصحابة عاكفون على أصنامهم، آخذون بأسباب
الشرك، منغمسون في الآثام إلى أخمص آذانهم .
تشرف بالتوحيد الخالص، وحضي باهتمام ورعاية
وتربية وتعليم سيد الخلق، أبي القاسم المصطفى محمد صلى الله عليه وآله وسلم، فكان
الصديق الأكبر حين لا أحدصدّقه، في فترة
امتدت طوال إنذار عشريته، وتبليغ قرابته، والسابق إلى الحق بإذن ربه، ومباركة أبيه
مؤمن آل بني هاشم أبو طالب عليه السلام، الذي أبى إلا أن يكون الدرع، الذي تكسرت
عليه عزائم أبي سفيان وحزبه، في النيل من النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والناصر
لدينه الخاتم، كافل اليتيم الذي تحدث عنه صلى الله عليه وآله وسلم وبقوله: (سأدخل
أنا وكافل اليتيم إلى الجنة كهاتين.) وقرن وسطاه وسبابته.
مثلت العبادة والقرب إلى الله تعالى، حجر الأساس
في حياة علي عليه السلام، وكان فهمه لها غير فهم غيره، ممن عاصر النبي صلى الله
عليه وآله وسلم، إلا قلة قليلة ممن تبعه على فهمه وتربيته، فقد أخذ فيما أخذ عن
خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم:
-"العبادة
سبعة أجزاء أفضلها طلب الحلال."
العبادة ليست حصرا في الصلاة والصيام والحج
والجهاد، وغير ذلك من الأحكام، وإنما تتعداها إلى كلفة أوجه الحياة، إذ لا معنى
للصلاة، إذا لم تكن حركات البدن منسجمة مع الروح، وتكون آثارها ظاهرة في أعمال
المتعبد، من استقامة وخدمة للناس، وعمل الخير مهما قل أثره.
عبادة الله كما يراها أمير المؤمنين عليه السلام،
وكما عكف عليها طوال حياته، تبدأ من صفاء النفس، وصدق النية، وتنتهي بالحركة
الايجابية، وسط هذا الكون من اجل نشر الخير وقطع دابر الشر.
عرف علي عليه السلام ذلك المعنى، قبل أن يطلقه في
الناس، وخاض تجربته، قبل أن يتفوه به، إيمانا منه بأن من نصب نفسه علما للناس
وهاديا، فليبدأ بتربية نفسه قبل تربية غيره، وأن يعطي من نفسه المثال والقدوة، قبل
أن يأمر غيره بشيء لم يتحقق منه، فعلي عليه السلام كله عبادة، وكله جهاد، وكله
علم، وكله عمل، إذا لم يكن له شغل مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم، انطلق إلى
عمل آخر يفيد الناس، فقضى وأصلح وعلم وواسى ، لم يترك باب من أبواب الخير الا طرقه
ودخله، وأخرج فائدته للناس.
حفر الآبار، واستصلح الأراضي، ثم أعطاها
للمحتاجين، فاغبر بسبب ذلك وشعث، والتصق التراب ببدنه، حتى لقبه النبي صلى الله
عليه وآله وسلم بابي تراب، وجاء أعداءه برواية تميّع لقبه، وتوهن ذلك الوسام
العظيم الذي منحه النبي صلى الله عليه وآله وسلم له، وجاءوا بعدد من الروايات
المتناقضة في هذا الخصوص، منها ما نقلوه عن سهل بن سعد قال: جاء رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم بيت فاطمة فلم يجد عليا في البيت، فقال: أين ابن عمك؟ قالت:
كان بيني وبينه شيء فغاضبني، فخرج فلم يبق عندي، فقال رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم لإنسان انظر أين هو؟ فقال: يا رسول الله هو في المسجد راقد، فجاء رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مضطجع، قد سقط رداءه عن شقه وأصابه تراب، فجعل
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسمح عنه ويقول: قم يا أبا تراب.
افتعل المبطلون والمحرفون خصاما لا أصل له، بين
علي وفاطمة الزهراء عليهما السلام، ليشككوا في عصمة هاذين الطاهرين، وليطمسوا
السبب الأصلي، الذي دفع بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى تسمية علي عليه السلام
بأبي تراب.
والذين حاولوا خلق غميزة في حياة هاذين الزوجين
العظيمين، الذين زوجهما الله سبحانه وتعالى في ملكوته الأعلى، قبل أن يزوجهما
النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم في مدينته، وبين صحابته- الذين تسابقوا إلى
نيل ذلك الشرف، وبذلوا ما بذلوا من أجل تحقيق ذلك، ولكنهم خابوا في نهاية المطاف-
لم يكونوا قاصدين غير الرد على الله تعالى، وتنكرا لآيته الكريمة، التي أظهرت تميز
علي وفاطمة عليهما السلام: "إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت
ويطهركم تطهيرا."
لأن من حباهم الله تعالى بتلك الكرامة، وجعلهم
خاتمة صفوته، وأفضل عباده المخلصين، لا يمكن أن يتخاصموا، ولا أن يغضب بعضهم بعضا،
خاصة وهم من طلقوا الدنيا فلم يعد يعنيهم منها، إلا بقدر ما يجيزهم بسلام إلى
الآخرة، فأين الغضب الملفق إذا، يا من أمرتم بمحبة أهل البيت عليهم السلام وموالاتهم،
وجعل ذلك فرضا عليكم، ستحاسبون عنه يوم القيامة، لأنه أجر النبي صلى الله عليه
وآله وسلم، في مقابل أدائه الرائع في دينه الخاتم الذي نعيش بركاته؟ من منكم يريد
أن يبهت النبي صلى الله عليه وآله وسلم حقه، في أن يأخذ أجره منا ؟ ومن يستطيع
ذلك؟
آبار علي موجودة إلى الآن، يحرم منها الحاج
القادم من المدينة، إلى بيت الله الحرام، تشهد على أن لقب أبي تراب، لم ينله علي
عليه السلام مجاملة ولا ترضية، ولو كان كذلك لما كان له معنى، وإنما جاء عن كد
وجهد شديدين، لصالح أولئك المستضعفين، الذين كان يؤازرهم ويؤازرونه، ويألفهم
ويألفونه، بقي علامة تشهد على عظمة علي عليه السلام .
العارف بحقيقة النشأة وعلة الخلقة، لم يستنكف عن
شيء يرضي الله تعالى، فنال لقبا حقق له العبودية الصحيحة لله تعالى، وهو الذي كان
يردد:" لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينا."
وكان من دعائه:" الهي كفي بي عزا أن تكون لي
ربا، وكفي بي فخرا أن أكون لك عبدا، أنت كما أحب فوفقني لما تحب."
-"أفضل العبادة عفة البطن والفرج."
من هذا المنطلق كانت عبادة علي عليه السلام، وجاء
سلوكه حيال الدنيا ومتاعها، الذي لم يكن ليستهويه يوما من الأيام، رغم تمكنه منها،
وانقيادها له، واستسلامها لإرادته.
عن ضرار بن حمزة الضبائي من حديث له في ذكر علي
قال: فاشهد لقد رايته في بعض مواقفه وقد ارخى الليل سدوله وهو قائم في محرابه قابض
على لحيته يتململ تململ السليم، ويبكي بكاء الحزين ويقول: يا دنيا يا دنيا اليك
عني، أبي تعرضت؟ أم الي تشوقت؟ لا حان حينك، هيهات غري غيري، لا حاجة لي فيك، قد
طلقتك ثلاثا لا رجعة فيها فعيشك قصير وخطرك يسير واملك حقير، آه من قلة الزاد وطول
الطريق، وبعد السفر، وعظيم المورد.
كانت بيت المال تزخر بأنواع المتاع، وكان يمكنه
أن ينال منها نصيبا، لا يتعارض مع العطاء الذي كان يعطيه لغيره من الناس، لكنه لم
يفعل ذلك، حتى لحق بالرفيق الأعلى، عفيف النفس، زاهدا عن زينة الحياة الدنيا
والطيبات من الرزق، وكان مكتفيا طوال حكمه بأكل الجشب (الشعير ما شابهه من طعام
خشن)، وآثر أن يأكل من أدون الطعام، حتى لا يكون هناك في الرعية أقل حظا من الدنيا
منه.
ومنه عليه السلام أخذ المتصوفة طريقتهم في
التعامل مع الدنيا، لكنهم عموا في أن يقتدوا به حقيقة من ناحيتين :
الناحية الأولى: زهد علي عليه السلام في الدنيا، لم يدفعه إلى
تركها، بل قارعها وتمكن منها حتى استكانت له، ومع ذلك لم يلتفت إليها، ومكن غيره
منها، مفسرا الزهد بقوله :" ليس الزهد في أن لا تملك شيئا، ولكن الزهد في أن
لا يملكك شيء."
الناحية الثانية: شمولية عبادة علي عليه السلام، والتي لم تقتصر
على الذكر والصلاة والصيام الاعتكاف والحج، دون بقية العبادات، المتعلقة بالعلاقات
مع الناس من جميع نواحيها، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
-"ليس العبادة كثرة الصيام والصلاة ، وإنما
العبادة كثرة التفكر في أمر الله."
عبادة علي عليه السلام لم تكن ليسعها زمانه،
ففاضت على العالمين إلى أن تقوم الساعة، هو الذي أرسى دعائم الدين بسيفه، وجاهد في
الله تعالى حق جهاده، ولم يثنه في ذلك إن كان في قلة أم كان في كثرة، وثبت في
مواطن ضاقت الأرض بما رحبت على غيره، وبلغت قلوبهم الحناجر، وفر أكثرهم، فلم يزده
ذلك إلا إصرارا على المضي قدما، طلبا لإحدى الحسنيين.
"من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه."
لقاء علي عليه السلام مع الله تعالى، ليس ككل
موعد ولقاء، كان يغيب عن الأنظار ليخلو بربه ويناجيه، يعبده ويتقرب إليه في السر
والعلانية سواء، وفي السلم كما في الحرب، وفي الليل كما في النهار، ذلك دأبه مع
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وذلك خياره من بعده، والروايات التي تحدثت عن
تلك الخلوات، بينت ما تميز به أمير المؤمنين عليه السلام، من نفس عارفة وموحدة،
ومدركة لسر الوجود وحقيقة الخلق، ولشفافية نفسه كان مطلعا على حقائق وعلوم، لم
يتشرف بها غيره، ولم يكن من السهل على الأمة آنذاك أن تجاري عليا عليه السلام، في
نسقه مع الحياة بكافة تفاصيلها، ولا في معارفه التي لم تدركها العقول القاصرة، وما
أكثرها، فمضى وحيدا في قلة قليلة من خاصته وشيعته ، ممن رباهم رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم على حبه وحب من يحبه، فحب علي عليه السلام كما عرفه رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم إيمان، وبغضه نفاق، وتلك حقيقة تفرد بها عن غيره، وميزة تميز
بها على من سواه .
من هنا جاء تناغم روح علي عليه السلام، وتألفها
لذات الله تعالى دون المخلوقات، وجاء نداء الباري جل وعلا، ليعلن نتيجة ذلك بقوله
:" يحبهم ويحبونه" وصدع بتعريفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، عندما
قال في غزوة خيبر، وقد استعصت على كل الذين أرسلهم لفتح الحصن الأكبر:" غدا
أبعث الراية مع رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله."
ولئن استشرف لها من استشرف، وتطاول لها من تطاول،
كما تقول الرواية، إلا أن الجميع كان يدرك لمن المقام، ويعي من سيكون الفتح على
يديه، فعلي عليه السلام لم يغب في حاضر ولا مخيلة أحدهم، ولا هو رجل طلع نجمه فجأة
هكذا وبدون مقدمات، كانالحسد وحده هو
الذي غيب عليا عليه السلام عن مقامه، والجاهلية التي تبرأ منها النبي صلى الله
عليه وآله وسلم وعلي عليه السلام وحارباها، هي التي وقفت في وجه علي عليه السلام،
واستفردت به في غفلة من الزمن، وطارق من الأحداث، وحالت دونه ودون إقامة حكومة
العدل الإلهي. ولما يئس علي عليه السلام من أن يعود إليه حقه، التفت إلى الذين
يريدون لقاء الله تعالى، فعرفهم الطريق، وأنار لهم الدرب، فتعلموا منه الوجهة
والمقصد، واخذوا عنه معالم دينهم، كما جاء عن أخيه رسول الله صلى الله عليه وآله
وسلم، وتزودوا من خير زاده لرحلاتهم، وكان زاده أكبر من أن ينفد، فتلاقفته الأجيال
المؤمنة بولاية أهل البيت عليهم السلام على الأمة، وحملت ثقله حمل مسئول عارف،
وعرفوا حقيقة كيف يتاجرون مع الله سبحانه وتعالى التجارة التي لا تبور.
نشأت علاقة علي عليه السلام مع ليلة القدر، من
خلال الأجواء الروحية التي كان يضفيها على جميع أنواع العبادة، بل لقد جعل علي
عليه السلام حياته كلها عبادة، تأسيا بأخيه النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم،
غير ملتفت إلى الجهد والمعاناة التي كانيلقاها من جراء ذلك، لأن الجهد والمعاناة في سبيل الله تعالى، يتحولان من
الألم إلى اللذة ، ومن التعب إلى الراحة، التي تزيد الروح إشراقا وقربا.
لذلك فإنه ليس غريبا أن يكون تأويل سورة القدر،
كما كان متداولا في بداية تحول ما سمي بالخلافة إلى ملك أموي، من أن الألف شهر هي
مدة الحكم الأموي، لا تزيد ولا تنقص ، وقد ذكر من ذكر من المفسرين ذلك أمثال
الطبري والسيوطي.
أما ليلة
القدر، فلم يلتفتوا إلى تأويلها، والتي لا تكون إلا البديل المرضي، الذي ميزه
سبحانه وتعالى عن الألف شهر، وهي حكومة علي والأئمة الأطهار من ولده عليهم السلام،
هي الوحيدة التي يمكن أن تكون خير من ألف بديل غير إلهي دونها، وان قصرت مدتها
وضاق مجالها بسبب خذلان الناس وجهلهم بحقيقتها .
دعني أستوقفك أيها القارئ العزيز لأسألك: بعد ان
عرفت عليا وبعضا من خصائصه، هل تزودت من معينه ؟
إذا كنت على المنهاج المعرفي، فأعتقد أنك على درب
معرفة ما يختزله الرجل من طاقات ومعارف، خاصة إذا حصلت لديك قناعة أنه باب مدينة
علوم النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لذلك فإنني أجزم بأنك تود أن تتعرف على بعض
مخزونه، وتستفيد من بقية آثاره، التي نجت من براثن الظالمين لحقه، وحق أهل بيته
عليهم السلام، في هداية و قيادة الأمة، ولعل دعاءه ومناجاته اللذان بين ايدينا،
يدلان على مقامه العالي، فدعاءه الذي علمه لكميل بن زياد النخعي، يبقى تلك الحالة
الروحية، التي لم يصلها مؤمن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم غيره ..
وجد أمير المؤمنين كميلا أهلا ليحمل دعاءه،
فأعطاه إياه، ومضى به كميل، مضي الأمين الواثق بقيمة ما حمله أبو الحسن عليه
السلام، واستطاع من خلاله أن ينتشر في أوساط المؤمنين، ويتعهدوه جيلا بعد جيل، إلى
أن وصل إلينا غضا طريا، يحمل بين طياته تقوى وعلم ونفحات علي عليه السلام
"...أسألك بحقك وقدسك، وأعظم صفاتك وأسمائك،
أن تجعل أوقاتي في الليل والنهار بذكرك معمورة، وبخدمتك موصولة، وأعمالي عندك
مقبولة، حتى تكون أعمالي وأورادي كلها وردا واحدا، وحالي في خدمتك سرمدا، يا سيدي
يا من عليه معولي، يا من إليه شكوت أحوالي، يا رب.. يا رب.. يا رب، قو على خدمتك
جوارحي، وأشدد على العزيمة جوانحي، وهب لي الجد في خشيتك، والدوام في الاتصال
بخدمتك، حتى أسرح إليك في ميادين السابقين، وأسرع إليك في المبادرين، وأشتاق إلى
قربك في المشتاقين، وأدنو منك دنو المخلصين، وأخافك مخافة الموقنين، وأجتمع في
جوارك مع المؤمنين..."
لقد أعد علي عليه السلام نفسه للقاء الله تعالى،
كأحسن ما يكون الاستعداد، وتجهز لرحلته خير جهاز، ووطن نفسه على السفر الطويل،
وتعامل مع ذلك الحدث تعامل المؤمل له في كل لحظة، فطاب كل منهما لصاحبه، وكما
أخبره بذلك النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، خرج صباح اليوم التاسع عشر من
شهر رمضان من سنة 40 هجرية، لصلاة الصبح بمسجد الكوفة، وكانت يد الغدر اللعينة
متربصة به، هو يريد عطاءها، وهي تريد الفتك به، في أحد بيوت الله، وفي محراب من
محاريب الله، أريق دم شهادة أمير المؤمنين علي عليه السلام، فلم يملك نفسه في تلك
اللحظة إلا أن قال: "فزت ورب الكعبة"
أراد علي عليه السلام أن يعطيهم من نفسه المثال
والقدوة، أراد أن يمنحهم نهجه الذي ارتضاه لنفسه ورضيه الله تعالى له، فلم يقبلوا
منه ذلك، بل أرادوا إنفاذ مشيئتهم وإرادتهم عليه، فكان يصبر على ذلك، امتثالا
لوصية أخيه خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، وفي كل مرة يمني
نفسه بصلاح الأمة، ولما طال بها أمد التجاهل الاستخفاف، طلب من الله أن يستبدله
بما هو خير له منها، وكان القضاء على يدي أشقى الأشقياء لعنه الله.
وفي الليلة الواحدة والعشرين، عرجت روح أبي الحسن
علي بن أبي طالب عليه السلام إلى بارئها، راضية مرضية، اختار لها خالقها للرجوع
إليه، فيليلة ليست ككل الليالي، في ليلة
هيخير من ألف شهر، ليلة القدر التي أنزل
فيها القرآن هدى للناس، و بينات من الهدى والفرقان، وقد كانت قبل شهادته محل تساءل
وبحث، الليلة المباركة التي إزدانت بروحه الطاهرة، بعدما تشرفت من قبل بنزول
الوحي، وتشرف القرآن بأن يكون عليا وعاءه الناطق صدقا وعدلا، كما اوصى بذلك الوحي،
واخبر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم: تركت فيكم الثقلين ما ان تمسكتم بهما لن
تضلوا بعد أبدا، كتاب الله وعترتي أهل بيتي.
مضى أمير المؤمنين عليه السلام إلى بارئه، والتحق
بمن سبقه من الطاهرين، تاركا للأمة علما جما وسيرة أقامت عرى الدين، ووثقت أواصره،
وذرية لقبهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بريحانتيه، وأخبر أنهما سيدا شباب أهل
الجنة، واستودعهما ميراثه وعلومه.
دعني أخيرا أقول لك: هذا علي عليه السلام وهذا ما
ترك، فماذا ترك أولئك الذين أداروا ظهورهم عنه، وقلبوا له أمر الأمة حتى استعصت
عليه؟
لا أعتقد أن المقايسة ستكون منصفة، لأننا سنظلم
عليا عليه السلام عندما نقيسه بنظائر، لا تساوي التراب الذي مشى عليه.
أليس غريبا ومستهجنا على أفراد الأمة، أن يجهدوا
أنفسهم في طلب ليلة القدر، وتمني موافقتها، ولا يجهدون أنفسهم في التفقه في دينهم
، ومعرفة أحكامهم ،المكلفون بتطبيقها تطبيقا صحيحا، وعلى وجه الخصوص أكبرها
وأعظمها، وهي مسألة القيادة، والبيعة الواجبة لها؟ ألم يقل رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم:" من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية." وبمعنى
آخر:" من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية."؟
ألا يرون أن هذا التكليف يفوق بقية التكاليف، بل
يلغيها عند فقده، وينسبها إلى الجاهلية؟
نحن نرى اليوم، أن أجيالا كاملة تتعاقب في نسق
تنازلي إلى هاوية الجاهلية، بإعراضها وتجاهلها لتكليف معرفة الإمام الواجب طاعته،
وأداء البيعة له، فلماذا لا نلتفت إليه كما نلتفت إلى ليلة القدر؟ فنكون بذلك قد
جددنا العهد مع الله تعالى، في تثبيت أركان طاعته.
ويبقى الإمام علي عليه السلام كليلة القدر،
مجهولا عند أكثر الناس، ومعلوما عند القلة القليلة، ليكون بحق ذلك النبأ العظيم
الذي فيه الناس مختلفون.
عشرة أيام
تفصلنا عن ذكرى انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، وهي الأيام الحاسمة التي سبقت
الحدث الفريد من نوعه في عصرنا، ويطلق عليه أهل الولاية في إيران بعشرة الفجر
المباركة، مُفْتتحها بدأ بعودة قائد الثورة الاسلامية الإمام
الخميني رضوان الله عليه من منفاه الأخير بباريس إلى طهران، ليكون إلى جانب أبنائه
في مقارعة نظام العمالة لأمريكا والغرب، قريبا منهم مرشدا وموجّها لهم في ثورتهم،
وهي سابقة في تاريخ ثورات في العصر الحديث، لم يكن قائد غيره ليجرؤ عليها.
منذ ذلك الحين وإلى
اليوم، تكالبت القوى المعادية للإسلام، من أجل ضرب هذا النظام الفتي، الذي قام
بارادة شعبية منقطعة النظير، فحيكت ضده المؤامرات الخطيرة، وحوصر اقتصاديا من أجل
استنفاد موارده، وأسيء إليه سياسيا بمختلف الادّعاءات الباطلة، وحورب عسكريا ثماني
سنوات (1980/1988) بلا هوادة، استعمل فيها المعتدون على أرضه وشعبه الأسلحة
الكيماوية المحرّمة دوليا، أرادوا إعلاميا أن تكون في ظاهرها حرب اقليمية بين نظام
البعث العراقي والنظام الاسلامي في ايران، ولكنها في الحقيقة كانت حربا أمريكية
غربية بالوكالة، بعد التغيير السياسي الجذري الذي طرأ على إيران، تلك الحرب
العدوانية وقع تمويلها من طرف عملاء أمريكا من دول الخليج، من أجل إسقاط النظام
الإسلامي، باعتبار بقائه يشكل خطرا يتهدّد عروشهم، من أنْ تتأثّر شعوبهم بالثورة
الإسلامية المباركة.
أمريكا وحلفها
الغربي الصهيوني، بعد أن أعلن النظام الإسلامي مبادئه التحرّرية واضحة، من خلال
قطعه مع سياسة نظام العمالة، بعمليتي احتلال وكر الجاسوسية في طهران، واحتجاز طاقم
السفارة الأمريكية رهائن لدى الطلبة الإيرانيين الثوريين 444 يوما(1)، وطرد بعثة
السفارة الصهيونية من طهران، وتسليم مقرّها الى منظمة التحرير الفلسطينية، بعنوان
سفارة فلسطين(2)، لم يهدأ لها ولتوابعها بال، فهُم إلى اليوم يحاولون كبح جماح
تمرّد إيران عليهم دون جدوى، بعدما استنفدوا جميع طرق ترويضها.
لم يبادر الامام
الخميني رضوان الله عليه الى تكليفه الشرعي بقيادة شعبه، إلا وهو يحمل نظرية واضحة
للحكم الإسلامي، أساسها ولاية الفقيه العادل، هذا الهدف السامي في مقاصده، وإن كان
يتمناه الفقهاء العدول للمسلمين الشيعة الامامية الإثني عشرية، إلا أنهم لم يحركوا
ساكنا تجاهه، بل إن هناك من العلماء من عارض الامام الخميني في قيامه بتكليفه
كفقيه جامع لشرائط الفقه، وقيادته لثورة شعبه، مُعتبرين عمله غير شرعي، ومازال من
هؤلاء العلماء إلى اليوم من هو متشبّثٌ بفكرة الإنتظار السلبي للمولى صاحب العصر
والزمان عجل الله فرجه.
بدخولنا هذه
الأيّام في مجال ذكرى عشرة الفجر، نقترب من مختتمها اليوم 11/2/1979 تاريخ انتصار
أعظم ثورة في القرن العشرين، أربعة عقود ونصف مرّت بحلوها ومرّها، لتؤكّد مجدّدا
رسوخ هذه الثورة، وتجذّر شعبيّتها بين الأوساط الإيرانية، ما يزيد تأكيدا للعالم
بأسْرِه، بأنّ جذورها عميقة وحاضنتها قويّة، وهذا النظام الإسلامي الذي يقود ايران،
ملك جناحين يطير بهما متحدّيا أعداءه، جناح إرادة وحكمة كسرتا كل عائق وليّنتا كل
صعب، ووفاء شعب آمن بصدق وحقانية نظامه، لذلك فهو دائما على أهبة الاستعداد لتقديم
مزيد من التضحيات لتحقيق أهدافه.
مسيرة إيران لم
تكن سهلة كما أسلفت الذّكر، ورغم كل العراقيل والعقوبات والدعايات المغرضة التي
تعرّضت لها، فقد أثبتت نجاحات كبيرة وتطوّرات هامة، على جميع الأصعدة العلمية
والإقتصادية، المدنية منها والعسكرية، ولمن غُيّبت عليه إيران الإسلامية ومسيرتها
الثورية، مسيرة التحدّي التي قطعها شعبها ونظامها، يجْدُرُ بي أن أستعرض أرقاما
مبرْهِنَةً على صحّة هذه النجاحات، فماذا حققت ايران على مدى 45 سنة من انتصار
ثورتها؟
فعلى الصعيد
المعنوي - وهو لا يقلّ أهمّية على المادّي - فتحت مجالها الفكري الثوري، لينهل منه
المسلمون التواقون إلى الحرية والإنعتاق الحقيقي من نير الإستعمار، وقد نشات بسبب
ذلك التأثّر بأفكار الثورة الإسلامية، حركات تحررية في لبنان وفلسطين واليمن، نَمَتْ
وتطوّرت برعاية إيرانية واضحة، وهي اليوم تشكل رقما صعبا في المنطقة، قابلا
للتطوّر في كل مكان يوجد فيه استضعاف شعب.
أما على الصعيد
المادي، فبدأ من العلوم وتحصيلها، وهي من أبواب التطوّر التقني في جميع المجالات،
فإنّ إيران طوّرت مناهجها التعليمية ومعاهدها، لتجني من وراء ذلك ارتقاء جامعات
إيرانية، لتصبح ضمن الترتيب العالمي لأوائل المؤسسات التعليمية العليا في العالم،
فقد (أعلن رئيس معهد الاستشهاد والرصد للعلوم والتكنولوجيا
(ISC) في إيران( أحمد فاضل زاده)، عن تصنيف 46 جامعة إيرانية ضمن قائمة الـ
1411 للجامعات المتفوقة عالميا، حسب تصنيف "لايدن" لعام 2023.(1)
وقد نجحت ايران
من خلال تطوير مناهجها التعليمية، في فتح آفاق ومجالات صناعية واعدة للمهندسين
الإيرانيين المتخرّجين من معاهدها العليا، والعائدين من دراستهم بالخارج، فقد
حوّلوا بلادهم الى قطب صناعية واعد، وايران اليوم تصدّر منتجاتها المتعددة إلى دول
العالم، وهي منتجات متعددة سوف أتناولها باختصار، (في النصف الأول من العام
الماضي، شهدت القطاعات الصناعية جميعها في البلاد نموًا إيجابيًا، باستثناء ثلاثة
قطاعات، وسجلت صناعات إنتاج المركبات، وصناعات إنتاج المصنوعات اليدوية، وصناعات
السيارات أعلى مستوى من النمو، ما نسبته 57 و22 و21٪ على التوالي. في حين تمتعت
الصناعات الخشبية والمشروبات والمعادن الأساسية بمعدل نمو عالي).(3)
وكانت الحرب
العدوانية المفروضة على ايران، حافزا لدخول مهندسيها وخبرائها ميدان تصنيع الأسلحة
بمختلف أنواعها، بعد أن امتنعت الدول المصنعة لها عن بيعها، ورُبّ ضارة نافعة، فقد
بلغت إيران اليوم مستويات عالية ورفيعة، أهّلتها لتكون من بين الدول الكبرى، في
صناعة الأسلحة المتطوّرة برّا وبحرا وجوّا، ولولا هذا التطوّر التقني في مجال
الدّفاع لما أمكن تحقيق الأمن داخليا وخارجيا، والبلاد التي لم تمتلك أسلحتها
للدفاع عن أراضيها وشعبها وأهدافها، تبقى فريسة سهلة بين يدي الدّول الإستكبارية
وفي مقدّمتها أمريكا.
تطوّر لافت
لإيران رغم العقوبات والحصار والمؤامرات، منه صناعة الأدوية المتطورة، ولها اكتفاء
ذاتي في مجال الطبّ وعلاجاته، قمّة ما توصّلت إليه ايران برنامجها الفضائي، وإطلاق
الأقمار الصناعية بواسطة صاروخها سيمرغ الحامل للأقمار، قادم الزّمن سيشهد لها
مكانة مرموقة في هذا المجال، ترقّبوا إيران خصوصا في مشروعها لتحرير فلسطين، فإن
مجال المقاومة الكيان الصهيوني الذي احتضنته، سيكون حاسما في تخليص شعبها من أسوأ
احتلال على مرّ التاريخ.
مرت 45 عاما
على تحقّق وعد الله بانتصار قوم سلمان المحمّدي، وقد بلغت إيران اليوم مكانة لم
يكن أحد يتوقّع وصولها إليها بهذه السرعة، في تحدّ متواصل لم توقفه عقبة، مُبشّرا
بغد أفضل مما وصل إليه الإيرانيون، وإن كان ما وصلوا إليه كافيا لإثبات عزّتهم،
إلا أنّ سقف طموحاتهم أعلى وسيبلغونها قريبا.
المراجع
1 – زي النهارده
.. 42عاما على ذكرة اقتحام السفارة الأمريكية في إيران
https://www.youm7.com/story/2021/11/4/
2 – السفارة
الفلسطينية في طهران، بدلا من الاسرائيلية