dimanche 23 juillet 2023

لم تتأخر الدانمارك في الإساءة تضامنا مع السويد

 


لم تتأخر الدانمارك في الإساءة تضامنا مع السويد

كان منتظرا أن يكون للدانمارك موقع في مشهد حرق نسخ من القرآن الكريم، فهي السباقة بالإساءة لنبيّنا صلى الله عليه وآله، فقد بادرت صحيفة (يولاندس بوستن) الدنماركية بتاريخ 30/9/2005 بنشر 12 صورة كاريكاتورية مسيئة،  ونسجت على منوالها الصحيفة النورويجية   (مقازينت) في 10/1/2006 ثم تبعت ركبهم الحاقد الصحيفة الألمانية (دي فلت)،  والفرنسية  (فرانس سوار) وصحف أخرى تتابعت في نشر الصور المسيئة، وهي مدركة تماما أن ذلك العمل غير أخلاقي ولا قانوني، مستفز  ليس للمسلمين وحدهم، بل لكل إنسان لم تستولي عليه أكاذيب الغرب في اطلاقه للحريات الشخصية، لتمسّ من قيم ومقدسات الناس، فتصيبهم في أعماق معتقداتهم بالأذى المعنوي.

وكردّ فعل سريع واثر تظاهرات شعبية عارمة، أحرقت سفارتي الدنمارك والنورويج في دمشق في 4/2/2006، وأحرقت القنصلية الدنماركية ببيروت في 5/2/2006، كما انتظمت مظاهرات عارمة في عدّة مدن من العالم الإسلامي تنديدا بتلك التجاوزات المعبّرة بوضوح على ما يكنّه الغرب تجاه اسلامنا ورموزه المقدسة، هذا من الجهة الشعبية، أما من الجهة الرسمية الحكومية، فقد أيّدت عدة دول مقاطعة المنتجات الدنماركية، ولا اعتقد أنها التزمت به، فضرر شعوبنا الأول والأخير هي حكوماتنا الخاضعة للغرب، ودول الغرب نفسها تعرف ذلك جيدا، ولا تأبه بقرارتها، لأجل ذلك يستمرّ الاعتداء ولا وقف له في ظل حكومات تقول أنها إسلامية لكنها واقعا أبعد ما تكون عنه.

غضب الشارع الإسلامي وفي مقدمتهم العلماء، امتدّ على طول الخارطة الإسلامية، احتجاجا على نشر تلك الصور، والتمادي في نشرها، تعبيرا عن تضامن الصحف الغربية في اتخاذ ذلك القرار، غير أنّ الذي جاءت به إدارة الصحيفة الفرنسية (شارلي هبدو) كان في منتهى الوقاحة والتحدي، فقررت إعادة نشر تلك الصور، على الرغم مما خلفته من تظاهرات واحتجاجات عارمة شعبية ودولية نصرة للنبي صلى الله عليه وآله، استهزاء بعواطف المسلمين، بل أأكد أنّ المخطط الحقيقي هي توهين عقائد المسلمين أينما كانوا، وخصوصا في الدول الغربية ليعطوا الدنيّة في دينهم فلا يعني لهم دينهم ولو شكلا بعد قبول أعمال الإساءة شيئا، فإن اشدّ ما يخيف دول الغرب، ومواطنيها من ذوي العقلية العنصرية المتطرفة، هو تنامي ظاهرة الإسلام الملتزم بين الشباب المقيم والمجنس هناك.    

لم تكن تلك الإساءات هيّنة لتمرّ مرور الكرام، فقد تعرَّضت الصحف المتورطة إلى جملة من التهديدات، وتمكن شباب من المسلمين الغيورين على نبيهم، من إضرام النار في مقر المجلة في ردّ فعل أوّل، زاد أصحابها إصرارا على إعادة نشر الصور المسيئة مجددا، وفي 7/1/2015 أقدم شابّان هما (سعيد وشريف كواشي) على الهجوم على مقر الصحيفة، أسفر عن مقتل  12 موظفا بداخلها(2)، من بينهم أشهر رساميها برصاص بندقيتين آليتين، وتصايح حلف قريش الغربي نصرة للصحيفة في الهجوم الذي تمّ عليها، فرفعوا شعار (كلنا شارلي هبدو) وهو شعار لا يتبناه مسلم حقيقي ابدا.

وفي إطار التحريض على الإسلام سمحت السويد لشخص مجنّس بالعبث بنسخة من القرآن الكريم ثم احرقها بعد ذلك تحت انظار وحماية الشرطة السويدية، وأعاد نفس الشخص العملية مرة ثانية، ما شجع النسج على منواله مجددا في الدانمارك بلد الإساءة للنبي صلى الله عليه وآله الأول، وهذا النسج على المنوال السيء أسلوب درجت عليه عقلية غربية، لا نشكّ أبدا في كونها مخطط لها، وموجهة من لوبيات صهيونية، متغلغلة في السياسة والاقتصاد الغربي.

اليوم اصطفّت الدانمارك إلى جانب السويد، دفاعا عن باطل ما كان ليكون، لو أن دول الغرب حملت للإسلام شيئا من الاحترام، وكشفت عن وجه حاقد مريض، يختفي وراء ديمقراطية وحرية شعارات غربية كاذبة، لعبت بها دولهم كنظم سياسية مملاة منه، عابثة بمستقبل وحقوق الدّول المفقّرة عمدا طويلا .    

مواقف الدول الإسلامية ظهرت من خلال قرارت حاسمة شعبية وحكومية، صدرت من العراق وإيران واليمن ولبنان وسوريا، فلتتضامن الدول والشعوب الإسلامية امام هذا الاستهتار والتعدّي الغربي، من أجل فرض احترام دينها، وكلما ازداد عدد الدول في القيام بإجراءات فعلية، كلما التقمت دول الغرب حجر إساءاته، وإن استدعى الأمر إلى اندلاع حرب نصرة للإسلام، فمرحبا بها، لم تصرفات دول الغرب تطاق، فقد بلغ سيل إساءاتها إلى ديننا الزُّبَى(1).

المراجع

1 – الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد في صحيفة يولاندس بوستن

https://ar.wikipedia.org/wiki/

2 – القصة الكاملة لرسوم شارلى إيبدو المسيئة للرسول: تجاوزات بحثا عن المال

https://www.elwatannews.com/news/details/4968971

3 – مثل يضرب لمن جاوز الحدّ

 

samedi 22 juillet 2023

عندما يصبح القرآن ربيع قلوب أغلب المسلمين سييأس الغرب من عدوانه

 


أهان السويد قرآننا مرتين مرة أولى تزامنا مع عيد الأضحى المبارك حيث أقدم رجل مسيحي عراقي على حرق نسخة من القرآن الكريم تحت حماية أمنية مشددة(1) وأعاد نفس الشخص  تكرار عمله المشين مرة ثانية أمس الخميس 23/7/2023 (1) وكان علينا أن نعبر عن موقفنا شعبيا وحكوميا، اكتشفت  من خلال هذا التباطؤ أننا موتى، وكيف للموتى أن تعبّر عن أقدس مقدساتها؟ موتى بعدما أماتوا فينا القرآن الكريم، لنسأل أنفسنا بصراحة: أين نحن من القرآن، حتى يكون موقفنا في قيمة القرآن الحقيقية عند المسلم الحقيقي؟ لقد تركته شعوبنا وراء ظهور مجتمعاتها، بل لقد تجرأت عليه حكوماتنا جرأة لا تقل عن جريمة حرقه، بأن قامت بتعطيل أحكامه، وغيّبته من برامجنا التعليمية، وذهبت لاهثة وراء استدراجات دول الغرب ومنها السويد، وقد اجتمعت مخططاتهم على دفع حكوماتنا وتشجيعها على التخليّ عنه بدعوى عدم مواكبة العصر، مع أنّ الله قال فيه: (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم)(2) فتركت حكوماتنا وشعوبنا كتاب الله الذي يهدي للتي هي أقوم، إلى أوهام الغرب في الدولة المدنية اللائكية، أنظروا اليوم إلى اين أوصنا اتّباع الغرب، غياب يكاد يكون كاملا لقيم القرآن، وذهاب قداسته من حياتنا، مع أنّ بعثة نبوّته الخاتمة كانت ولا تزال رحمة للعالمين ( وما أرسلناك الا رحمة للعالمين) (3)

بماذا سنعتذر لرب القرآن، وهو دستور العالمين بعد هذه الإهانات التي تتكرّر كل مرّة بمناسبات وبدونها، وقبلها ما لحق بمقام رسول الله صلى الله عليه وآله من إهانة ؟ هنا أقول ما أبعد القرآن والنبي صلى الله عليه وآله عن مجالات حياتنا النظرية العقائدية والتطبيقية العملية، ليس هناك من حل سوى أن نراجع برامجنا التعليمية وحياتنا البيتية، ليكون القرآن فاعلا فينا ملازما حياتنا، ومرتبطا بنا ارتباطا وثيقا في جميع معاملاتنا، عندها فقط سيحل القرآن محِله الواجب علينا في قلوبنا، فلا نقبل فيه أية إهانة، وبذلك يخشانا من يفكر في الإساءة إلى أي رمز من رموز مقدّساتنا، فلا يقدم عليها أحد أبدا، مهما كانت المحفّزات التي ستُقدّم إليه، المسلم الحقيقي قرآني عمليّ، فهو دستوره الأوّل، ووسيلته الكبرى التي يرجو بها لقاء الله، بمعنى أنه  يجب عليه أن يجعل القران دليله في الأرض عملا بأحكامه وآدابه، وسائقه إلى عالم الآخرة. بما وفّر له من صدق اتّباع وجزاء من ربّه.

ردود الأفعال الجادة مازلنا ننتظرها للتعبير عن موقع القرآن في قلوبنا وفي حياتنا، خصوصا بعد التحرك الذي بدأته إيران بعد الإعتداء الأول على القرآن بالسويد الذي تم تحت حماية أمنية مشددة، أعلنت أنها أوقفت إجراءات إيفاد سفيرها الجديد إلى السويد (4) واتخذته العراق بكل قوّة مطالبة بتسليم مواطنها لمحاكمته، ثم قامت بطرد الممثلية السويدية ببغداد واستقدام الممثلية العراقية إستكهولم إيذانا بقطع العلاقات الدبلوماسية (5) ويبدو أنّ هذا ما يجب فعله الآن وقد دعا إليه سيد المقاومة حجة الإسلام السيد حسن نصر الله حيث دعا المسلمين في كافة انحاء العالم إلى الاحتجاج يوم الجمعة على عملية حرق القرآن الكريم في السويد ورفع سقف المطالب الشعبية الى طرد سفراء السويد بالبلدان الإسلامية وقطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية مع السويد (6)

هذا يوم الجمعة قد حلّ، والأمل معلق في استفاقة شعوبنا، وهبّتها المنتظرة انتصارا لقرآنها ودينها ومقدساتها، وأي تراخ منها سيحمله الغربيون على محمل ضعفه بيننا فيستمرون في الإساءة اليه وإلى غيره من مقدّساتنا، بدفع شواذّهم ومنبذي شعوبنا، الذين لجأوا إلى ربوع الغرب، لينفذوا حقدهم علينا، من خلال إهانة مقدساتنا، وفي تصريح له قال قائد الثورة الإسلامية الإيرانية السيد علي الخامنئي في 26/1/2023: ( الإساءة المجنونة للقرآن تحت شعار حرية التعبير، تدل على أن هدف هجمات قوى الإستكبار هو مبدأ الإسلام والقرآن، وعلى الرغم من مؤامرة الاستكبار، فإن القُرآن يزداد إشعاعا يومًا بعد يوم، وأن المستقبل هو للإسلام، وعلى جميع أحرار العالم الوقوف إلى جانب المسلمين، ضد السياسة القذرة، المتمثلة في الإساءة للمقدسات ونشر الكراهية)(7)

ولم يتخلف السيد السيستاني عن التعبير عن غضبه، وتنديده بعملية حرق المصحف الشريف، فأرسل سماحته رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، مطالبا فيها بوقف عمليات الإساءة للمقدسات الإسلامية، باستصدار قرارات ملزمة لجميع الدول، باحترام معتقدات الشعوب، وعدم المساس بها جاء فيها: ( لقد وقع نظير هذا التصرف المشين أكثر من مرة، في بلدان مختلفة خلال السنوات الأخيرة، إلا أنّ الملاحظ أنه وقع هذه المرة، بترخيص رسمي من الشرطة السويدية، بزعم أنه من مقتضيات احترام حرية التعبير عن الرأي.. ومن المؤكّد أنّ احترام حرية التعبير عن الرأي، لا يبرّر أبداً الترخيص في مثل هذا التصرف المخزي، الذي يمثّل اعتداءً صارخاً على مقدسات أكثر من ملياري مسلم في العالم، ويؤدي إلى خلق بيئة مواتية لانتشار الأفكار المتطرفة والممارسات الخاطئة) (8) وكان وزير الخارجية الإيراني أمير عبد اللهيان قد وجّه بدوره رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة، يدعوه فيها باتخاذ تدابير وإجراءات عاجلة، تمنع من دخول العالم مرحلة من العداء للأديان، ستؤدي حتما على تذكية روح الكراهية والإعتداء بالمثل من الشعوب الإسلامية المستهدفة (9)

ولعلّ الخير فيما وقع، فأحيانا تأتي الصدمة بمردود أفضل، لإستفاقة الشعوب الإسلامية من سبات هجر القرآن، وترك المجال بسببه مفتوحا أمام الإعتداء عليه، كلّ العاملين من أجل هذا الدين الخاتم أملٌ، في عودة الشعوب الإسلامية إلى دينها عودة قويّة، من شأنها أن توقف أي عدوان عليه، واحترام الأديان يأتي غالبا بالقوة، والدبلوماسية الحازمة جزء بسيط فيه.

      

المراجع

1 – حرق القرآن: عراقي في السويد يحرق نسخة من القرآن في أول أيام العيد ويثير غضبا

https://www.bbc.com/arabic/66061034

2 – سورة الإسراء الآية 9

3 – سورة الأنبياء الآية 107

4 – إيران توقف إجراءات إيفاد سفيرها الجديد إلى السويد بعد الإساءة إلى القرآن

https://sputnikarabic.ae/20230702/1078656593.html

5 – العراق يطرد سفيرة السويد ويستدعي القائم بأعماله فيها احتجاجا على حرق المصحف

https://www.bbc.com/arabic/articles/cyd5m7rlqeeo

6 – السيد نصر الله: لطرد سفراء السويد من بلداننا.. والاحتجاج غداً بعد صلاة الجمعة

https://www.almayadeen.net/news/politics/

7 – الإمام الخامنئي: الإساءة للقرآن دليل على عداء الاستكبار لمبدأ الإسلام والقران

http://ijtihadnet.net

8 – السيد السيستاني يطالب الأمم المتحدة باتخاذ خطوات فاعلة لمنع تكرار حرق المصحف

https://www.almayadeen.net/news/politics

mardi 11 juillet 2023

عليّ في بعض حقائقه الظاهرة

 



لم يكن عليّ في شخصه ظاهرة غريبة على المجتمع الإسلامي في طور نشأته، ولا استشكل على أحد منهم، حتى يستشكل في شخصه على بقية الناس، فمن ولد على الفطرة، وكان مستجيبا في أعماقه لندائها، محققا ما لم يحققه غيره مجتمعين من فضائل، ومن ذلك التحصيل بدأ علي عليه السلام مسيرته الشاقة، في غربة من الأهل والأصحاب، وحسدٌ من الأعراب والأغراب، كلما توفّق في أمر ذو مشقّة وعُسْر، كلّفه به أخوه النبي صلى الله عليه واله به، وقد رسم حاضر الإسلام بسيفه وعقله وجهاده، وقليل من عرف عليا بما تسنّى له عقله من إدراك: (وما يلقّاها إلا الذين صبروا وما يلقّاها إلّا ذو حظ عظيم)(1)، فأصحاب الحظ منه قلّة قليلة، شكلوا الجماعة الصالحة، وعمّروا بوجودهم حزب الله على مدى تاريخ الإسلام، سنّة الله في تمحيص خلقه، أيّهم الأقرب إليه والأطوع لإرادته؟ استفتحها أربعة من خيرة من صحب النبي صلى الله عليه وآله، كانوا طوع لبنانه تصديقا لا يشوبه شك، وعملا بنصائحه لا يتخللها تردد، وعُرِفوا بأركان التشيّع له: (سلمان / أبو ذر/ المقداد/ عمار)، وغيرهم من صالحي هذه الأمّة بعد ذلك، جاد بهم الزمان ليكونوا شهداء أبرار، على طريق التعريف بعلي عليه السلام، زمن تحريفات حكم الشجرة الملعونة في القرآن، فعليّ بالنسبة لهم هو الايمان، وعلي هو القرآن، وعلي هو محمّد، ومحمّد هو عليّ.

من قال فيه النبي صلى الله عليه وآله: (يا علي لا يعرفك حق معرفتك إلا الله وأنا)(2)، كيف يمكن لجيل علي عليه السلام وما تلاه،  أن يعرفوا عليا ويفهموا حقيقة شخصه المقدّس، حتى على سبيل الإحتمال والظنّ، وهم يحملون بشأنه عدم معرفة وقصور بالغين في تبيّن أمره، مع أن عليا في بعض جوانبه الظاهرة متاح للمعرفة، وعنصر من الصعب أن يخطئ فيه عاقل، خصوصا الجانب المادي له في دلائله، فمن قلع باب خيبر وفتح حصنه، لا يؤخّره عن مقامه سوى جاهل أو متحيّز لباطل، وقد تبيّن أنه نقيض أولئك الذين بذلوا جهودهم وأفنوا أوقاتهم في مغالطة الناس، وتقديم أنفسهم  بدائل عن عليّ عليه السلام، وهيهات أن يُقرَن التّراب بالتّبر، وأين علي عليه السلام في عليائه بمن بهتوه وأنكروا حقوقه من بلوغ خصلة من خصاله.

دعونا من النصوص الواردة من النبي صلى الله عليه وآله بشأن عليّ عليه السلام، فقد زاغ عنها من زاغ مغالطة وتأويلا، ونكص من نكص أمامها تضعيفا وتجهيلا، ومع ذلك لم يجدوا لأغلبها صرفا ولا تحويلا، قد خيّروا بالبقاء خارج تأثيرها صمّا بكما وعميانا، فلا نملك لهؤلاء سوى الدعاء لهم بفتح البصيرة وإنارة قلوبهم بجلائها من درن اسقاط حقوق علي عليه السلام، يكفينا هنا أن نستحضر ما جمعه من إنجازات، فهي كافية ليُنظر إليه قائدا ناجحا وباذلا سخيا، في  سبيل  الله، وهذه الحقيقة عاشها جيل النبي صلى الله عليه وآله بأكمله، قد وصفه الله في وحيه بأنّه نفسُ النبي صلى الله عليه وآله: (فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم)(3) لصيقه في شخصه حياة ومسكنا، شريك له تبليغه، كهارون من موسى عليهما السلام: ( لا يؤدّي عنك إلا أنت أو رجل منك)(4) وجارا له في مسجده، وبابه من دون الناس مفتوح عليه كبابه: ( سدّوا هذه الأبواب إلا باب عليّ) (5)

لقد كان عليّ كتابا مفتوحا، متاحا لكل من تدبّره، فلم يمتنع في ظاهر محتواه عن أحد، سوى من استثنوا أنفسهم، فأبغضوه عن عمد وإصرار (لا يبغضك إلّا منافق) (6)، أسهموا بقسط وافر في تحييد المسلمين عنه، بإنكار متعلّقاته من إنجازات وخصائص، ما أتاح لهم مجال تفضيل من كان مقامهم وحسابهم لا يمثّل شيئا أمامه، حتى بلغ تيه أجيال من المسلمين وضياعهم عنه، أن جهلوه تماما، بعدما سكنت في عقولهم مقالات أعدائه، إذ كيف يعقل أن يسأل عن عليّ وقتها: هل كان علي من أهل بدرا؟ وما بدرُ كلّها إلّا له، بعدما سجّلت صولاته فيها، وقاسم المسلمين فيها قتلى المشركين.

علي هو عروة الله الوثقى التي لا انفصام لها، وهو صراطه المستقيم، الذي ارتضاه من دون بقية السبل ( إهدنا الصراط المستقيم* صراط الذين انعمت عليهم)، وهو نفسه طريق الهدى الذي أشار إليه النبي صلى الله عليه وآله به إلى عمار بن ياسر( يا عمار إن رأيت عليّا سلك واديا، وسلك الناس واديا، فأسلك مع علي ودع الناس، فإنه لن يدلّك على ردى ولن يخرجك من هدى، يا عمّار طاعة عليّ طاعتي وطاعتي طاعة الله) (7) ولو اجتمع الناس جميعا على أمر لم يكن عليّ فيه، فهو باطل بالتأكيد، ولو انفرد علي في أمر من دون الناس، فهو  على الحق دون شك، مصداق قول الصادق الأمين: ( علي مع الحق والحق مع علي) (8) و(عليّ مع القرآن والقرآن مع علي)(9) هو ثِقْلُه حافظا وكاشفا ومعلّما ( إنّي تارك فيكم الثقلين، ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا، كتاب الله وعترتي أله بيتي)(10) حديث الثقلين وحده كاف لبيان أهمّية علي عليه السلام  من حيث قيمته التشريعية، ومن تجاهله من الحافظ كالبخاري، فلم يضمّنه في جامع أحاديثه، مع أنه بلغ حدّ التواتر، فمن أجل بقاء منظومة السقيفة مسدول عليها ستر الشورى المزيّفة.

هذه بعض حقائق عليّ الظاهرة، ومن الصعب إدراك أغلبها، أمّا كلّها فمن تمنّيات المتمنّين مهما بلغوا إحاطة بشخصه، أمّا حقائقه الباطنة فهي مجموعة أسرار ونوادر عن طاقات أدرك بعضها من علم شيئا من البواطن، أوحت بمخزون إيماني اشتمل عليه عقل وقلب وروح عليّ، تجسّدت في قوّة خارقة، وصبر على تحمّل الأذى في سبيل الله، ولولا تلك القوة الخفية الضاربة في أعماق عليّ، لما تجاسر من تجاسر بالإدعاء عليه بأنّ ليس بشرا، بل لقد أجزم من أجزم بأنه فوق البشر قدرة ومكانة، ولما بهته خصاله من بهت من الأرذلين خلْقا وخلُقا.

قد يرى من يرى هذه الخصائص مبالغة، ويستكثرها على علي عليه السلام جهلا به، مع أنه لو تمادينا في سرد أخواتها، لما أرست سُفننا عند ساحله، عليّ أعمق غورا من أن يدركه أو يحيط به عقل، لأجل ذلك بقي استثناء في عالمنا، ثقل بخصاله على الجهلة والمنافقين والمشركين فلم يطيقوا حمله في عقولهم ولم تقبله قلوبهم، وقبله فقط ذلك الإنساني بجميع صفاته وعناوينه المعرفية، فلم يتردد في حطّ رحاله برحاب علي عليه السلام، من أمثال الكاتب والشاعر المسيحي جورج جرداق(11)، هام بعليّ فأنطقه عليّ بخصاله الظاهرة، فقال كلمات حق فيه ( عليّ صوت العدالة الإنسانية)، بقيت دالة على أن عليّا عليه السلام يدركه فقط الإنسان العارف به، بفطرته السليمة الغير ملوّثة.

المراجع

1 – سورة فصلت الآية 35

2 – موسوعة الإمام علي بن أبي طالب في الكتاب والسنة والتاريخ محمد الري شهري ج8ص185 / بصائر الدرجات محمد بن الحسن الصفار القمي ص 125

3 – سورة آل عمران الآية 61

4 – موسوعة الإمام علي بن أبي طالب في الكتاب والسنة والتاريخ ج1ص253

5 – تاريخ البخاري ج1 ص408 / مسند أحمد أول مسند الكوفيين حديث زيد بن أرقم ج32ص41ح19287/

6 – مسلم كتاب الإيمان باب حب الأنصار وعلي من الإيمان ج1ص60ح78 /سنن النسائي كتاب الإيمان ج8ص117ح5022/ سنن ابن ماجة المقدمة باب فضل علي ج1ص131ح114

7 – موسوعة الامام علي في الكتاب والسنة ج1ص494 ح701

8 –مجمع الزوائد ابن حجر الهيثمي ج7ص234ح12027و12031

9 – مستدرك الحاكم كتاب معرفة الصحابة ج3 ح 4605/و4663

10 – مسلم كتاب فضائل الصحابة ج7ص122ح2408/مسند أحمد أول مسند الكوفيين حديث زيد بن أرقم ج32ص10ح19265

11 – الأستاذ جورج جرداق

https://www.haydarya.com/?id=282

 

 

 

 

jeudi 6 juillet 2023

غدير خمّ حادثة ودلالات

 


أصيبت الديانات السماوية في مقتل، بعد أن سلبت منها روحها، وانتُزِع عنها محرك بقاءها حيّة فاعلة، مُمثّلة في مقاليد حكومتها، والأساس الذي يبنى عليه نظامها، في تنفيذ أحكامها، والسهر على مجتمعاتها، ولم يكن الإسلام مستثنى من هذا التحريف الطارئ، فقد استُهدِف بدوره في أداة حكمه، بمؤامرة محكمة استُبْعِد الأولى والأحق بقيادة الأمّة النّاشئة، ليحُلّ محلّه من هم دونه ولا وجه للمقارنة بينه وبينهم.

هذا ولم يأتي الإسلام كدين خاتم لسلسلة رسالات الله سبحانه إلا ليضع منظومة الحكم فيه موضع الرأس من الجسد، قائمة على جملة آداب وأحكام، من شأنها أن ترتقي بالمجتمع الإسلامي إلى أعلى درجات الوعي والأدب والمعرفة، مما يعطيه مجالا أوسع للتأثير الإيجابي فيمن حوله من الشعوب الأخرى، فيدخلون في الدين الخاتم أفواجا، مما يرون من سماحته واستقامة نظامه، على أساس من تطبيق عادل لأحكامه ومساواة في اتاحة الفرص لأفراده في العيش الكريم بلا فرق بين غنيّه وفقيره وحاكمه ومحكومه، بما توفّره منظومته من أسباب الأمن والعدل، فلا ظلم فيه ولا خوف منه ولا تمييز تحت سقفه، امتثالا لأمره تعالى: (إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم) (1).

من التنبيهات القرآنية على ضرورة اعتماد أحكام الله آيات عديدة، جاءت لتعزّز فكرة شمولية الدين الإسلامي، بحيث لا يمكن أن تُسلب منه الحكومة تحت أيّ ذريعة، أذكر منها:

-         (وانزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا شرعة ومنهاجا) (2)

-         (أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) (3)

ثم بيّن محذّرا من مغبة سلب الدين منظومته الحكمية الأساسية:

-         (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) (4)

-         (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) (5)

-         (وليحكم أهل الانجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) (6)

فمن الجهل بما كان سلب الدين منظومته الحكمية، واعتبارها من اختصاص الناس، المأمورين فقط فيها بالسمع والطاعة، ومن قال بخلاف هذا، فعليه أن يراجع نفسه قبل فوات الأوان، فلا يمكن نسبة تقصير مثل هذا لله وهو الأدرى بمخلوقاته وما يصلح لهم من نظام حكم، ولا لرسوله وهو العارف بشؤونهم العامة والخاصة، ما يمكن نسبته فقط الى الأمّة بتقصيرها عن واجب الطاعة لمن خصه الله بها تكليفا وتشريفا.

 يوم الثامن عشر من ذي الحجة السنة العاشرة من البعثة النبوية، هو يوم ليس كسائر الأيام، فقد وقع فيه حدث عظيم لمن تدبّر حادثته، وفهم محطّته التي اختتم فيها النبي صلى الله عليه وآله رحلة عمر مباركة، بلغت منتهاها بعد 23 سنة، قضاها في التبليغ والتأسيس، قام فيه بتنصيب من يقوم مقامه، على رأس النظام الإسلامي الفتيّ، كآخر إجراء دُعِيَ إلى تنفيذه دون تردّد، بعدما نزل عليه أمين الوحي جبريل عليه السلام بالأمر الإلهيّ: (يا أيّها الرسول بلّغ ما أنزل اليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته والله يعصمك من الناس)(7)

فآخر الأحكام التي بيّنها وقام بتطبيقها بمحضر من عموم المسلمين كانت فريضة الحج، كُلف بأدائها في تلك السنة، وسمّت حجة الوداع، لليقين الحاصل عند الناس، بأن النبيّ مودّع لا محالة بعد تلك الفريضة، هذا ولم تكن مسألة الولاية غائبة عن تبليغه، فقد مهد لها من قبل بجملة من التعابير الواضحة، الدالة على مكانة الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام عند الله وعند رسوله صلى الله عليه واله، والتي كان يطلقها بين الفينة والأخرى تنبيها وتوضيحا، مثل: ( إنّ عليّا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي) وقصّة تحريض خالد بن الوليد لعدد من الصحابة بعدما أوفدهم ليشتكوا عليّا عند النبي صلى الله عليه وآله وكان آخرهم بريدة الأسلمي، فأقبل عليه والغضب يعْرَفُ في وجهه قائلا: ( ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ ما تريدون من علي؟ إنّ عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن من بعدي)(8)

وفي رواية أخرى: ( لا تقع في عليّ، فإنّه مني وأنا منه وهو وليّكم بعدي) (9)

 في رواية للطبراني: (إنّ بريدة لما قدم من اليمن ودخل المسجد، وجد جماعة على باب حجرة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم، فقاموا إليه يسلّمون عليه، ويسألونه فقالوا ما وراءك؟ قال: خير، فتح الله على المسلمين، قالوا: ما أقدمك؟ قال: جارية أخذها عليّ من الخمس، فجئت لأخبر النبي بذلك، فقالوا: أخبره أخبره يسقط عليّاً من عينه ـ ورسول الله يسمع كلامهم من وراء الباب ـ فخرج مغضباً، فقال: ما بال أقوام ينقصون عليّاً ! من أبغض عليّاً فقد أبغضني، ومن فارق عليّاً فقد فارقني، إنّ عليّاً مني وأنا منه، خلق من طينتي وأنا خلقت من طينة إبراهيم، وأنا أفضل من إبراهيم، ذريّة بعضها من بعض والله سميع عليم، يا بريدة، أما علمت أنّ لعلي أكثر من الجارية التي أخذ، وإنّه وليّكم بعدي)(10)

أورده الألباني - على تعصّبه المذهبي - في الأحاديث الصحيحة، وعزاه لجماعة من المحدّثين، ودافع عن صحّة الحديث بالقول: (من العجيب حقّاً أنْ يتجرّأ شيخ الإسلام ابن تيميّة على إنكار هذا الحديث وتكذيبه في منهاج السنّة فلا أدري بعد ذلك وجه تكذيبه للحديث إلّا التسرّع والمبالغة على الشيعة. )(11) غير أن الألباني مع اعترافه بصحة حديث الغدير، ذهب الى نفي مقصد ولاية علي فيه على الأمة، ناسبا ذلك الفهم إلى الشيعة، وليت شعري ما هذه العقول الصمّاء التي تروي الحق لفظا وتنكره معنى.

ولحديث المنزلة أيضا دلالة كبرى على ولاية علي عليه السلام على الأمّة، بعد رحيل نبيّها صلى الله عليه وآله، فقد استبقاه أميرا على المدينة تحسّبا لمؤامرة المنافقين، في الإستيلاء عليها بعد خروجه إلى غزوة تبوك، وقال له في ذلك: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي) (12) ومنزلة علي عليه السلام من النبي صلى الله عليه وآله قد ذكرها الله في كتابه وهي الأخوّة والوزارة ( واجعل لي وزيرا من أهلي هارون أخي أشدد به ازري وأشركه في أمري)(13) والخلافة في القوم ( وقال موسى لأخيه هارون أخلفني في قومي) (14) ولأجل سلب مقصد الحكومة من الحديث اختلقوا أميرا للمدينة أثناء استبقائه فيها، لكي يلتبس أمر ولايته على الناس.

ولا اعتقد أن عاقلا يمكن أن يشرد به فكره عن فهم كلمات النبي صلى الله عليه وآله من فهمها(علي وليّكم بعدي)، فيضل عن استيعابها ويتوقف عن العمل بها، قبل يوم تنصيب الإمام علي في يوم الغدير، فيسلك سبيل من جحدها وأنكرها، كما كانت حال الكثيرين، ومنهم تقي الدين النبهاني صاحب حزب التحرير، الذي نفى جملة وتفصيلا أن يكون للحادثة أصل، مدعيا بأن عليا لم يوافي النبي صلى الله عليه واله في مكة، مخالفا اجماع من أجمع من المؤرخين والحفاظ على وقوع الحادثة وموافاة علي النبي صلى الله عليه واله من اليمن سائقا معه الهدي.

 فلا عزاء إذا لمن أنكر ذلك اليوم العظيم وتفاصيل حادثته، وخلاصة نتيجته: (من كنتُ مولاه فهذا عليّ مولاه)، جهلا وتعصّبا من بعضهم، وحسدا من البعض الآخر، فما جاء عن بريدة دال على مفهوم الولاية، كوظيفة إلهيّة، من حيث قيمتها السلطوية المادّية والمعنوية، في أعلى هرم الحكم الإسلامي، فلا أرى عاقلا بعد هذا يركن إلى موروث عمل أصحابه ما وسعهم لحرْف المسلمين عن الولاية الحقيقية، من أجل إرضاء الحكام الظلمة وتثبيت الولاية المزيّفة.

 الحديثين اللذين ذكرتهما آنفا، يصبان في سياق بناء الولاية الذي بدأه النبي صلى الله عليه وآله لبنة لبنة، تعريفا ودلالة منه على أمية الأمر، ولم يبقى من أمر تبليغ مسألة الولاية، ومتعلّقها مستقبل الدين الخاتم،  سوى تنصيب النبي صلى الله عليه وآله، لمولى المؤمنين الإمام أبو الحسن علي بن أبي طالب عليه السلام، بعد أن صدع به مرارا وتكرارا، تعيينا من الله سبحانه على أعلى هرم حكمه، معلنا انتهاء مرحلة البلاغ والتأسيس بالنبوة الخاتمة، وابتداء مرحلة الهداية والتأصيل بالإمامة الهادية، ولم يكن التنصيب مفاجئا ولا غريبا، عند من سمع خطبة النبي صلى الله عليه واله في ذلك اليوم المشهود، ذلك أن عليّا كان على عهد النبي صلى الله عليه وآله قائدا وقاضيا معيّنا من طرفه، موفّقا في جميع مهامّه العسكرية والقضائية، بينما كان غيره تحت إمرته أو إمرة غيره، لم يصدر منهم ما يستوجب منافسة، دالّة على رجحان واحد منهم عليه، بل كانوا يوعزون أمر الهداية والرشاد إليه: (لولا علي لهلك عمر)(15) ( لا أبقاني الله لمعضلة ليس لها أبا الحسن)(16)، ولعل أبلغ ما قيل في هذا المجال، ما جاء على لسان الخليل بن أحمد الفراهيدي عندما سُئل: لِم هجر الناس عليا عليه السلام وقرباه من رسول الله صلى الله عليه وآله قرباه، وموضعه من المسلمين موضعه، وعناه في الإسلام عناه؟ فقال: بهر والله نوره أنوارهم، وغلبهم على صفو كل منهل، والناس إلى أشكالهم أميل، أما سمعت قول الأول يقول:

وكل شكل لشكله ألِفُ * أما ترى الفيل يألف الفيلا

 وأبلغ من هذا البيان ما أوردوه على لسان الخليل نفسه، مجيبا على سؤال من سأل: ما الدليل على أن عليا (عليه السلام) إمام الكل في الكل؟ قال: احتياج الكل إليه واستغناؤه عن الكل(17)

الحادثة برمّتها لا يتسع لها المجال هنا وقليل من ذكرها كاملة، وأغلب حفاظ الحديث ذكروها مجزأة واقتصروا على قول النبي صلى الله عليه وآله (من كنت مولاه فعلي مولاه) (18) هروبا من تفاصيلها، دون أن يدركوا أن مجرّد ذكر هذه الجملة دليل على أحقية ولاية علي على المسلمين تماما كولاية النبي صلى الله عليه وآله عليهم، وأتساءل هنا هل كان فهم الصحابة لخطبة النبي صلى الله عليه وآله، على نحو مخالف لما أرده من معنى الولاية؟ وكل الدلائل تشير إلى أنهم استوعبوها فهما وتطبيقا، فذلك الذي قال مهنّئا: (بخ بخ لك يا ابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة)، كان مدركا معناها تماما، وفي نفس الوقت كان من الذين اشتركوا في تحييدها وحجب سلطانها عنه، فلا مجال إذا لأن ينكر أحد أنّ المعنى منحصر فقط في ولاية الأمر، وليس إلى شيء آخر، غير مرتبط بضرورة الحادثة، وما جرى فيها من دلالة على انصرافها إلى الحكم والسلطة.

مع كل هذا البيان الصادع والبرهان القاطع، في مسألة الولاية على الدين والأمّة بعد النبي صلى الله عليه وآله، وجدنا على مدى تاريخ الإسلام، من أنكر كون هذه الوظيفة إلهيّة -  رغم وضوح حادثة الغدير وجلاء تفاصيلها - على أساس أن مسالة اختيار قائد للأمة حينها، ترك لها الوحي مجال اختيارها له، ويبدو أن الحاجز الوهمي في تقديس الصحابة ومنع تخطئتهم، هو الذي حال بين هؤلاء المتقولين بالوهم، وبين بلوغ حقيقة ما حدث قبل يوم الغدير وأثناءه وبعده، وفي شخص عمّار بن ياسر وسيرته وعلاقته اللصيقة بمولى المؤنين علي عليه السلام دلالة أخرى على ولايته، فقد بقيت آخر وصايا النبي صلى الله عليه وآله لعمار دالة على وجوب اتباع علي عليه السلام: (يا عمارُ، ستكون في أُمتي هنات حتى يختلف السيف فيما بينهُم، حتى يقتُل بعضهم بعضا، فإذا رأيت ذلك، فعليك بعليّ، إن سلك الناسُ كلهم وادياً وسلك عليُّ وادياً، فاسلك وادي عليّ وخل عن الناس، يا عمار، عليُّ لا يردُّك عن هُدى، ولا يدلّك على ردى، يا عمَّارُ، طاعة عليًّ طاعتي، وطاعتي طاعة الله)(19).

فمسألة الولاية ضرورة يقوم عليها دين بكامل أحكامه ومؤسسة حكمية مناط بها السهر على إقامة الحقوق وتنفيذ المصالح، ولو لم يكن هناك ونبي ووحي لما كان هناك حرج في اختيار الأمة من يقودها ولكن وفق شروط محددة خاضعة بدورها للتنبيهات القرآنية في اعتبار الأعلم والأتقى ومن تتوفر فيه مكارم الأخلاق، أما وفي وجود النبي صلى الله عليه وآله، مع الوحي النازل عليه، فإن اختيار من يقوم مقامه من بعده، غير موكلة إلى الأمة بقطع النظر عن النصوص التي بين أيدينا، حتى لو نظرنا إلى هذه المسألة من باب النصح  للأمة، على أساس أن الله ورسوله صلى الله عليه وآله أدرى بمن هو أحق بالولاية من غيره، وتتوفر فيه شروطها بشكل كامل، وليس هناك أحد بالمستوى المذكور جدير بالقيادة، غير علي بن أبي طالب عليه السلام، وقد أثبت على مدى سيرته جدارته، في مناسبات ومواضع نكص فيها أدعياء أفضلية بلا فضل، سفّه الله أحلامهم مرارا، ومع ذلك وجدوا أنصار وهمهم الزائف، وبناة صرحهم الكاذب، الذي لم يقع في تراثنا الإسلامي، بغير تضعيف الحفاظ للأحاديث الواردة من النبي صلى الله عليه وآله بشأن علي عليه السلام، فكانت سقيفة بني ساعدة مستمسكهم، في وجاهة وصحّة اختيار الأمّة، وبذلك أجازوا تولية المفضول مع وجود الفاضل، فوقعت الأمة في المحظور، وباءت باختيارهم السيء الذي ضيع على الأمة هُداتها الحقيقيين، ولا حول ولا قوّة الا بالله العلي العظيم.

لعيد الغدير دلالات اختص بها دون غيره من الأعياد، فهو عيد اجتمع فيه عنصر الولاية مع بيعة أهل الوفاء والطاعة: ( يد الله فوق أيديهم)(20)، عرّفه أصحابه بأنه عيد الله الأعظم، فيه تجسّدت معاني الإيمان والتقوى، من اعتقد سلبه فاعليته فقد أخطأ التقدير، لأنه باق في عطائه الجزيل أضعافا ومضاعفة إلى يوم القيامة، وهو عيد المؤاخاة بين المؤمنين، وتوثيق عرى الترابط والتواصل بينهم، ليشكلوا أمة حزب الله، ويصنعوا عناوين الوفاء والتضحية في قلّة من الأتباع والأنصار، زمن البلاء والإنقلاب على الدين ومبادئه، فطوبى لمن تمسك بولاية الإمام علي والأئمة من ولده عليهم السلام، وفاز من ثبت عليها زمن الإبتلاء والتمحيص.

المراجع 

1 – سورة الحجرات الآية 13

2 – سورة المائدة الآية 48

3 – سورة المائدة الآية 50

4 – سورة المائدة الآية 44

5 – سورة المائدة الآية 45

6 – سورة المائدة الآية 47

7 – سورة المائدة الآية 67

8 – سنن الترمذي أبواب المناقب باب مناقب علي بن أبي طالب ج6ص78ح3712/

9 – مسند احمد بن حنبل مسند الأنصار حديث بريدة ج38ص117ح23012/

10 –   مجمع الزوائد الهيثمي ج9ص128/ ينابيع المدودة القندوزي الحنفي ص 272

11 – سلسلة الأحاديث الصحيحة الألباني ج 4 ص 330

12 – حديث المنزلة أخرجه المحدثون والمؤرخون دون استثناء، غير انهم أولوه على غير مراده: جامع أحاديث البخاري كتاب فضائل أصحاب النبي باب مناقب علي بن ابي طالب ج5ص19ح3706 وكتاب المغازي باب غزوة تبوك ج6ص3ح4416/ مسلم النيسابوري ج7ص119ح2404
13 – سورة طه الآيات 29/30/31/32

14-  سورة الأعراف الآية 142 

15 – الإستيعاب ابن عبد البر ج3ص39/ فيض القدير المناوي ج4ص357

16- إرشاد الساري في شرح صحيح البخاري القسطلاني ج3ص195

17 – علل الشرائع الشيخ الصدوق ص145/ الأمالي الشيخ الصدوق ص 300/ روضة الواعظين للفتال النيسابوري / تنقيح المقال للمامقاني ج1ص403 ترجمة 3769/ المناقب لابن شهراشوب ج3ص 213

18 – سنن الترمذي أبواب المناقب باب مناقب علي بن ابي طالب ج6ص79ح3713/ سنن ابن ماجة ج1ص 136ح121/مسند احمد مسند علي بن ابي طالب ج2ص71ح641/ وج2ص262 ح950 و951و952 وج2ص268ح961

19 – فرائد السمطين الحمويني الشافعي ج1 ص177/ ينابيع المودة القندوزي الحنفي ج1ص153

20 – سورة الفتح الآية 10