samedi 22 décembre 2018

جمهورية إيران الإسلامية: 40 عاما من الصّمود



في يوم مشهود وعظيم، سجله التاريخ المعاصر بأحرف العز والكرامة، كان ذلك ذات يوم أحد 11 فبراير من سنة 1979م، تحقق انتصار الثورة الإسلامية في إيران، بعد جهود مضنية وتضحيات جسيمة، بقيادة الامام الخميني رضوان الله عليه، رغم كل المعوّقات التي اعترضته، وعمل أطرافها ما في وسعهم على الحيلولة دون حصوله، وانقلب حال إيران بعد ذلك، من بلد تابع للغرب، ساعيا لتقليده - في موبقاته الكثيرة حصرا والتي اتخذ منها الشاه المقبور عنوان حضارة - بسياسة قدّست كلّ غربيّ، وبوأته مكانة لم يكن ليحلم بها حتى في بلاده، إلى بلد أعلنت قيادته العلمائية الإسلامية الجديدة منذ البداية، أنها جاءت من أجل رفع راية الإسلام والإنتصار له، وإقامة حكمه في إيران، وإحياء ما أماته منه أعداؤه من الداخل والخارج، وباشرت تبنّيها بإجراءات تطبيقية ثورية، توافقت مع شعاراتها المعلنة على الملإ، في تحدّ كبير، لم تجرؤ عليه غيرها، فانفردت به دون خوف من أحد من قوى الإستكبار العالمي، التي إتّفقت جميعها، بمعسكريها الغربي والشرقي آنذاك، على الكيد لإيران في ثوبها الإسلامي السياسي الجديد، والعمل على عرقلة مسيرة نظامها، بكل الطرق المتاحة، ومن عايش السنوات الأولى التي أعقبت قيامه في إيران، أدرك مدى تكالب تلك القوى، على إفشال مشروعه، والعمل على تغريبه بين العالم ووسط أهله، حتى لا تتأثر به طلائع الشعوب الإسلامية، من نخب علماء ومثقفين.
ومقاومة الجماهير الإيرانية لتلك الإجراءات الظالمة ضد بلادها، تحققت ببصيرة الإيمان الحقيقي، واليقين التام المترتّب عليها، بصواب اختيارها المصيري، تأكيدا تاما منها بحقانية نهجها، وثقة بربانية قيادتها، ما أكسبها صلابة منقطعة النظير، في مقاومة جميع الإجراءات الدولية الظالمة ضدها - والتي بدأت أمريكا تفرض على المجتمع الدولي الإمتثال لها، والتقيد بحزم قراراتها وعقوباتها المتتابعة، بالترغيب والترهيب، منذ السنة الأولى من عمر الثورة الاسلامية - واستطاعت ايران رغم كل تلك المعوّقات والعراقيل، أن تحرز تقدما كبيرا في مختلف المجالات، جديرا بالاهتمام والتقدير، يحمل في مضمونه دلالة واضحة على نجاح التّجربة الاسلامية، في مجال بناء الدولة والحكم والمجتمع.
وظهر من خلال ذلك، أنّ هذا النظام الإسلامي الذي قام بتسديد الهيّ واضح، وإرادة قيادة حكيمة  لا يعدو كونه، مقدّمة تأسيس دولة الحق، وتحضير أرضية قيام المصلح العظيم، الذي تنتظر ظهوره بتطلّع كبير جميع الشعوب الاسلامية، وتأمل حضوره يومه مع بقية جبهة الإستضعاف العالمي، كلّلها إيمان الشعب الإيراني الراسخ، بأن مسيرته ماضية في طريق الحق، إجتمعت لتكون أهمّ الأسباب التي أعطته ونظامه الاسلامي دفعا قويا، للمضي في طريق تحقيق العزة، والخروج عن دائرة قوى الهيمنة والاستكبار العالمي، إعتمادا على الله وحده، ومن أجل ذلك اختارهم ليكونوا قوام دينه، ودعاة رسالته في هذا العصر، ميّز طلائعه الثورية عن بقية طلائع الشعوب الإسلامية، وارتضاهم في أن يكون علماؤهم دعاة علما وعملا إلى دينه الحق، بعد أن تخلى عنه غيرهم، وقد استطاعت قيادته الحكيمة، ان تجمع حولها رجالا مخلصين، أثبتوا للعالم أنهم من معدن نادر، من أولئك السابقين الذين ذكرهم الله في كتابه ذكرا حسنا، وبوّأهم مقاما رفيعا، أعطته إحدى روايات الإخبار الغيبي، المبشّرة بقيام قوم سلمان، صفة (رجال كأنهم زبر الحديد)،( لو تعلّق الإيمان بالثريّا لناله رجل من فارس)، فكانوا كما وصفتهم، لم تزحزحهم الابتلاءات، ولا أثنت عزائمهم المؤامرات، ولا فلّت في أعضدهم العقوبات، مضوا قدما يرفعون راية الهدى، إعزازا لدين الله، يحققون في كل يوم إنجازا ليس بالهيّن، مقدّمين من أجل ذلك التضحيات الجسام، التي عبر عنها الإمام الخميني رضوان الله عليه، بأنها رخيصة في سبيل الإسلام المحمدي الأصيل.
لا العدوان الذي شنه صدام البعثي على إيران طيلة 8 سنوات، بأوامر أمريكية، وتوافق غربي وعمالة أعرابية، استطاع أن يسقط النظام الاسلامي في ايران، أو يضعفه في اسوأ النتائج المحسوبة، ولا سلسلة العقوبات المسلطة عليها ظلما وعدوانا، أمكن لها ان تغيّر شيئا من واقع ايران الإسلامي، الذي مضى بإرادة نظام وشعب أبيّين، يصعب وجود مثيل لهما في هذا العصر، ولا الاعلام المعادي للفكر الاسلامي وطروحاته الأصيلة، استطاع أن يوقف تفتح عقول وقلوب مؤمنة نحوه، فهوت اليه بأنفس توّاقة الى نصرة الحق.
استهداف ايران بالدعايات المغرضة من طرف أمريكا وحلفائها، بعدما يئسوا من مواجهتها عسكريا، يدعونا للنظر في ما يريدون الوصول اليه، سيما وأن اعلامهم ممنهج على تنفيذ خطط سياساتهم الإستكبارية، للوصول بها الى هدف عزل إيران اقليميا ودوليا، وتمهيدا لتشكيل حلف عسكري معاد لها وشن عدوان جديد عليها، عساه يسفر عما يأملون، من زوال نظام اسلامي عتيد، رفض استكبارهم وصهينتهم، واستنكر عمالة أذنابهم في الخليج، وفي دول عربية وإسلامية أخرى.
ايران الاسلامية ليست طائفية كما روّج لذلك أعدائها، وما لفقوه لها من أنها اعتمدت في دستورها على الفقه الجعفري فذلك عائد لها بقناعتين: الأولى وهي أن أغلبية الشعب الايراني هم من الشيعة الامامية الاثني عشرية، ويعتقدون بأن منهجهم الاسلامي الذي اختاروه، هو المعبّر عن الاسلام المحمدي الأصيل، فلا يعقل في الحالتين أن يأتي النظام - وتركيبته الاساسية من العلماء والفقهاء الى شعبه - بشيء لم يألفوه منذ خمس قرون، مضافا الى أن ايران وقفت ولا تزال تقف الى جانب المقاومة الفلسطينية بمختلف اطيافها، وهي سنّية بالأساس، وساعدت اهلنا بالبوسنة في حرب البلقان وهم من السنة، فأي طائفية يدّعيها هؤلاء على إيران.
ذريعة أمريكا بخروجها من الاتفاق النووي 5+1، على أنه اتفاق ناقص، كان بدافع صهيوني واضح،  يريد ان يصل الى هدف ادخال تعديلات على الاتفاق، تشمل مجال التقنيات العسكرية الايرانية، وهذا حلم نبّأ الايرانيون وكلاءهم بتأويه مسبقا، بأنه أضغاث أحلام ولن يتحقق، وطالبهم بتقديم ذريعة أقوى منها.
ايران الاسلامية دعمت وتدعم قضايا أمتها الاسلامية، على حساب استحقاقاتها الداخلية محتسبة ذلك الى الله ولا تريد جزاء من الناس ولا شكورا، فقط ترجو من المسلمين أن يتحرّوا رشدهم، في استقاء المعلومات بشأنها، وسط غابة كثيفة من اعداء الاسلام المتربصين به الدوائر، فليحذروا من هذا الجانب.