samedi 22 décembre 2018

جمهورية إيران الإسلامية: 40 عاما من الصّمود



في يوم مشهود وعظيم، سجله التاريخ المعاصر بأحرف العز والكرامة، كان ذلك ذات يوم أحد 11 فبراير من سنة 1979م، تحقق انتصار الثورة الإسلامية في إيران، بعد جهود مضنية وتضحيات جسيمة، بقيادة الامام الخميني رضوان الله عليه، رغم كل المعوّقات التي اعترضته، وعمل أطرافها ما في وسعهم على الحيلولة دون حصوله، وانقلب حال إيران بعد ذلك، من بلد تابع للغرب، ساعيا لتقليده - في موبقاته الكثيرة حصرا والتي اتخذ منها الشاه المقبور عنوان حضارة - بسياسة قدّست كلّ غربيّ، وبوأته مكانة لم يكن ليحلم بها حتى في بلاده، إلى بلد أعلنت قيادته العلمائية الإسلامية الجديدة منذ البداية، أنها جاءت من أجل رفع راية الإسلام والإنتصار له، وإقامة حكمه في إيران، وإحياء ما أماته منه أعداؤه من الداخل والخارج، وباشرت تبنّيها بإجراءات تطبيقية ثورية، توافقت مع شعاراتها المعلنة على الملإ، في تحدّ كبير، لم تجرؤ عليه غيرها، فانفردت به دون خوف من أحد من قوى الإستكبار العالمي، التي إتّفقت جميعها، بمعسكريها الغربي والشرقي آنذاك، على الكيد لإيران في ثوبها الإسلامي السياسي الجديد، والعمل على عرقلة مسيرة نظامها، بكل الطرق المتاحة، ومن عايش السنوات الأولى التي أعقبت قيامه في إيران، أدرك مدى تكالب تلك القوى، على إفشال مشروعه، والعمل على تغريبه بين العالم ووسط أهله، حتى لا تتأثر به طلائع الشعوب الإسلامية، من نخب علماء ومثقفين.
ومقاومة الجماهير الإيرانية لتلك الإجراءات الظالمة ضد بلادها، تحققت ببصيرة الإيمان الحقيقي، واليقين التام المترتّب عليها، بصواب اختيارها المصيري، تأكيدا تاما منها بحقانية نهجها، وثقة بربانية قيادتها، ما أكسبها صلابة منقطعة النظير، في مقاومة جميع الإجراءات الدولية الظالمة ضدها - والتي بدأت أمريكا تفرض على المجتمع الدولي الإمتثال لها، والتقيد بحزم قراراتها وعقوباتها المتتابعة، بالترغيب والترهيب، منذ السنة الأولى من عمر الثورة الاسلامية - واستطاعت ايران رغم كل تلك المعوّقات والعراقيل، أن تحرز تقدما كبيرا في مختلف المجالات، جديرا بالاهتمام والتقدير، يحمل في مضمونه دلالة واضحة على نجاح التّجربة الاسلامية، في مجال بناء الدولة والحكم والمجتمع.
وظهر من خلال ذلك، أنّ هذا النظام الإسلامي الذي قام بتسديد الهيّ واضح، وإرادة قيادة حكيمة  لا يعدو كونه، مقدّمة تأسيس دولة الحق، وتحضير أرضية قيام المصلح العظيم، الذي تنتظر ظهوره بتطلّع كبير جميع الشعوب الاسلامية، وتأمل حضوره يومه مع بقية جبهة الإستضعاف العالمي، كلّلها إيمان الشعب الإيراني الراسخ، بأن مسيرته ماضية في طريق الحق، إجتمعت لتكون أهمّ الأسباب التي أعطته ونظامه الاسلامي دفعا قويا، للمضي في طريق تحقيق العزة، والخروج عن دائرة قوى الهيمنة والاستكبار العالمي، إعتمادا على الله وحده، ومن أجل ذلك اختارهم ليكونوا قوام دينه، ودعاة رسالته في هذا العصر، ميّز طلائعه الثورية عن بقية طلائع الشعوب الإسلامية، وارتضاهم في أن يكون علماؤهم دعاة علما وعملا إلى دينه الحق، بعد أن تخلى عنه غيرهم، وقد استطاعت قيادته الحكيمة، ان تجمع حولها رجالا مخلصين، أثبتوا للعالم أنهم من معدن نادر، من أولئك السابقين الذين ذكرهم الله في كتابه ذكرا حسنا، وبوّأهم مقاما رفيعا، أعطته إحدى روايات الإخبار الغيبي، المبشّرة بقيام قوم سلمان، صفة (رجال كأنهم زبر الحديد)،( لو تعلّق الإيمان بالثريّا لناله رجل من فارس)، فكانوا كما وصفتهم، لم تزحزحهم الابتلاءات، ولا أثنت عزائمهم المؤامرات، ولا فلّت في أعضدهم العقوبات، مضوا قدما يرفعون راية الهدى، إعزازا لدين الله، يحققون في كل يوم إنجازا ليس بالهيّن، مقدّمين من أجل ذلك التضحيات الجسام، التي عبر عنها الإمام الخميني رضوان الله عليه، بأنها رخيصة في سبيل الإسلام المحمدي الأصيل.
لا العدوان الذي شنه صدام البعثي على إيران طيلة 8 سنوات، بأوامر أمريكية، وتوافق غربي وعمالة أعرابية، استطاع أن يسقط النظام الاسلامي في ايران، أو يضعفه في اسوأ النتائج المحسوبة، ولا سلسلة العقوبات المسلطة عليها ظلما وعدوانا، أمكن لها ان تغيّر شيئا من واقع ايران الإسلامي، الذي مضى بإرادة نظام وشعب أبيّين، يصعب وجود مثيل لهما في هذا العصر، ولا الاعلام المعادي للفكر الاسلامي وطروحاته الأصيلة، استطاع أن يوقف تفتح عقول وقلوب مؤمنة نحوه، فهوت اليه بأنفس توّاقة الى نصرة الحق.
استهداف ايران بالدعايات المغرضة من طرف أمريكا وحلفائها، بعدما يئسوا من مواجهتها عسكريا، يدعونا للنظر في ما يريدون الوصول اليه، سيما وأن اعلامهم ممنهج على تنفيذ خطط سياساتهم الإستكبارية، للوصول بها الى هدف عزل إيران اقليميا ودوليا، وتمهيدا لتشكيل حلف عسكري معاد لها وشن عدوان جديد عليها، عساه يسفر عما يأملون، من زوال نظام اسلامي عتيد، رفض استكبارهم وصهينتهم، واستنكر عمالة أذنابهم في الخليج، وفي دول عربية وإسلامية أخرى.
ايران الاسلامية ليست طائفية كما روّج لذلك أعدائها، وما لفقوه لها من أنها اعتمدت في دستورها على الفقه الجعفري فذلك عائد لها بقناعتين: الأولى وهي أن أغلبية الشعب الايراني هم من الشيعة الامامية الاثني عشرية، ويعتقدون بأن منهجهم الاسلامي الذي اختاروه، هو المعبّر عن الاسلام المحمدي الأصيل، فلا يعقل في الحالتين أن يأتي النظام - وتركيبته الاساسية من العلماء والفقهاء الى شعبه - بشيء لم يألفوه منذ خمس قرون، مضافا الى أن ايران وقفت ولا تزال تقف الى جانب المقاومة الفلسطينية بمختلف اطيافها، وهي سنّية بالأساس، وساعدت اهلنا بالبوسنة في حرب البلقان وهم من السنة، فأي طائفية يدّعيها هؤلاء على إيران.
ذريعة أمريكا بخروجها من الاتفاق النووي 5+1، على أنه اتفاق ناقص، كان بدافع صهيوني واضح،  يريد ان يصل الى هدف ادخال تعديلات على الاتفاق، تشمل مجال التقنيات العسكرية الايرانية، وهذا حلم نبّأ الايرانيون وكلاءهم بتأويه مسبقا، بأنه أضغاث أحلام ولن يتحقق، وطالبهم بتقديم ذريعة أقوى منها.
ايران الاسلامية دعمت وتدعم قضايا أمتها الاسلامية، على حساب استحقاقاتها الداخلية محتسبة ذلك الى الله ولا تريد جزاء من الناس ولا شكورا، فقط ترجو من المسلمين أن يتحرّوا رشدهم، في استقاء المعلومات بشأنها، وسط غابة كثيفة من اعداء الاسلام المتربصين به الدوائر، فليحذروا من هذا الجانب.
          


dimanche 25 novembre 2018

اتقوا الله في أفضل مخلوقاته




(لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما
عنتم  حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم)

استهدف أعداء الدين الخاتم معتنقيه في عقائدهم، فكانت بدايتهم ضرب التوحيد، بواسطة اسرائيليات كعب الاحبار ومن جاء بعده من أدعياء الاسلام - وفي باطنهم يحملون له حقدا وبغضا دفينين - زعزعة لحقيقة التوحيد الصافي، الذي غرسه الوحي في المسلمين الاوائل، فما لبث أحفادهم بتلك الدساس، أن ظهرت بينهم فرق منحرفة، صنفها علماء الكلام والفرق، الى مجسمة ومرجئة وقدرية، فرقتهم عن الاعتقاد السليم في خالق الكون والحياة، وحولتهم بتأويلات خاطئة و مرويات مكذوبة، الى   أصحاب آراء بعيدة عن الاسلام، متناقضة مع القرآن متقاربة فيها مع منحرفي أهل الكتاب بل إنها متفقة في ما ذهبت اليه من توحيد الاله معهم.
وبعد التوحيد، عملوا على ضرب مفهوم النبوة، وقداستها وعصمة أصحابها، فأخرجوهم من العصمة والكمال، وخصّوا نبي الله الاعظم وحبيبه المقرب ابي القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، بما رموا به إخوانه من صفوة الله، ولم يتركوا بابا للطعن عليه الا ولجوه، وساقوا في ذلك على نفس المنوال الاول، تأويلاتهم ومكذوبات رواياتهم، فصّدقوا محتواها، وايدوا ما ذهبوا بها فيه، وكأني بهم قد عموا وصموا ثم عموا وصموا عما جنوه من بهتان، استسلمت له عقولهم، مستميتين  فيما اختاروه بمحض إرادتهم، ودون اكراه من احد.
رجحان العقل عندهم ما اعتقدوه، ووجدوا له تبريرا لم يستقم عقلا ولا كان وجيها نقلا صحيحا، اذ ان نبي الله الخاتم وصفوته من خلقه منزه عما ذهبوا واليه بشأنه، وأجهدوا أنفسهم في تثبيته فيه، كأنهم غرماؤه وليسوا أحباؤه، تردد ألسنهم تعابير الحب والودّ، ويصلّون عليه الصلاة البتراء، فلا يرى من ورائها أثر، وتقرضه ألسنتهم تبعا لتلك الموضوعات، وتظاهره عقولهم بمعتقدات السوء، بما قوض أساس الاعتقاد السليم بمنزلته، واذا جمعتهم مع أعدائه من اليهود، وجدتهم على صعيد واحد من النّبز، ومستوى متساو من الطعن والوقيعة.
وما رمى به أصحاب الصحاح النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، لا يختلف كثيرا مع ما تفتّقت به شياطين الغرب، بإيوائها وتشجيعها كل من هب ودب، من دعاة التحلل من الاسلام وشعائره، من امثال سلمان رشدي، بما ألّفه هؤلاء من بهتان عليه، لا أشك بأن مصادرهم فيها، من مفتريات كتب روائية، نسبت الى الصحة تعسّفا، وكثير  من رواياتها مكذوبة ومفتراة، ليصنعوا منها صورة مشوهة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وما تلا ذلك من استفزازات لمشاعرنا بشأنه، كما هي حال صحف أوروبية عدّة، نشرت صورا كاريكاتورية مسيئة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، بناء على ذلك، ولولا ان اصحاب الصحاح كانوا سببا في فتح باب الاساءة للنبي، لما امكن لهؤلاء الاعداء ان يقتحموا دفته الحصينة بسيرته المثالية العطرة، وينسبوا اليه من الاكاذيب ما يتنفر منها الانسان البسيط فضلا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وجاء مبتدع المذهب الوهابي، ليختم على كل تلك التجاوزات بحق صفي الله وحبيبه صلى الله عليه وآله وسلم، فحرض بآرائه الفاسدة من تبعه من المتأسمين، معتبرا التوسل به الى الله في السؤال وطلب الحوائج شركا محضا، ودعا الى ترك السفر اليه، بقصد زيارته والصلاة والدعاء عنده، معللا ذلك بان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد مات، والميت لا اثر له بعد موته في الحيّ، ثم ما لبث أن قام بنو ضلالته، يدعون الى ترك الاحتفال بذكرى مولده صلى الله عليه وآله وسلم، بما ارته لهم شيطانهم من زيغ عنه، متشبثين بتعليلهم أن ذلك من محدثات الامور وبدعها، ولم تحصل في حياته، فحكموا عليها بالخروج من الدين حكما ضالا، كشف خبث سريرة نهجهم المنحرف عن نبي الاسلام. 
ثم ان سبيل الغي وبطانة سوئهم تمادت بهم، فأوصلتهم الى الحد الذي جعلهم لا يترددون في سفك دماء مخالفيهم فيما قرروه، ففتكوا بالآلاف المؤلفة من المسلمين غيلة وغدرا، والتاريخ شاهد على جرائمهم، بحق الابرياء المحرم قتلهم شرعا، وآخرها وليس أخيرها سقوط 50 شهيدا بكابل عاصمة افغانستان، بعملية انتحارية نفذها وهابي بحزام ناسف، وسط تجمع للاحتفال بمولد النبي .
وهذه الاعمال الاجرامية، اشتركت فيها مجاميع الارهاب بمختلف اسمائها وعناوينها، وتقف وراءهم مملكة تدّعي الاسلام وخدمة المقدسات، لكنها في المقابل تعمل على الاضرار به، اينما وصلت يداها الآثمتان.
وانني اذ اتقدم بالتهنئة والتبريكات للمسلمين جميعا، بمناسبة ذكرى ولادة سيد الكونين والثقلين صلى الله عليه وآله وسلم ، والتي ذكر لها المؤرخون واصحاب السير تاريخين هما 12 و 17 ربيع الاول، ادعوهم الى الاحتفال بهما، تلبية لدعوة الامام الخميني في اعتبارهما اسبوعا مناسبا للوحدة الاسلامية، وفرصة لتجديد الدعوة اليها بين الشعوب الاسلامية، والنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي دعا الى التوحيد الصافي، الخالي من الشرك، هو الذي جمع المسلمين أوّلا، ووحدهم وألّف بينهم، وسيكون عاملا مهمّا في جمعهم أخيرا، في ظاهرة برهنت على خاصية تمنطق بها الاسلام، توحّد ولا تفرّق، وتؤلّف ولا تنفّر، وذلك هو الدين القيم.
وكما كان نبينا خاتم الانبياء والمرسلين صلى الله عليه وآله وسلم، عنوانا ومثالا للرحمة، يجب أن تكون أمّته ساعية الى نشر هذه الفضيلة بين البشرية جمعاء، ليكون الاسلام دين رحمة، ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم نبي رحمة، وأمّته أمة رحمة، ولا يشذ عن ذلك إلا الأشقياء.
كل ما نرجوه من الامة الاسلامية علماء ومتعلمين وعامة، ان تجتمع كلمتهم في مواجهة الدعوة الوهابية التكفيرية الهدامة، بالفكر الاسلامي المستنير بهدى الصالحين والابرار، المقتفين أثر النبي المختار صلى الله عليه وآله وسلم، في خطب الجمعة والندوات والمحاضرات العلمية، وتحذير شعوبهم من خطرها، ودعوة من اعتنقها بتركها عن قناعة، بعد افادته بمخالفتها للقران والسنة الصحيحة.
ليس هذا فقط، وانما يجب ان تتجه جهود علمائنا العاملين الاتقياء، الى تنقية السنة النبوية وسيرتها، مما علق بها من شوائب خارجة عنها، لأن في ما نرجوه من عمل مرتقب، وننتظره بفارغ صبر، غلق باب التلفيق والكذب على الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، منعا لأي دخيل على الدين من ان يجد مجالا للنيل منه، هذا وقد آن الأوان لإصلاح ما افسده العابثون، وإبعاد ما رغب في تركيزه المفتونون، واعلاء كلمة الله أولى من ترك بصمات اهل البدع، واثارهم في كتبنا الروائية، ولينصرن الله من ينصره ان الله لقوي عزيز. صلى الله عليه وآله وسلم      .
        


jeudi 22 novembre 2018

الاحتفال بالمولد النبوي شعيرة إسلامية



إن شئت قلت بأنه رحمة مهداة، ولأجل الرحمة بعثه خالقه، فلم يخالف سببها طوال حياته، كان قولك في محلّه لا تشوبه شائبة، فقد كان مثالا عاليا في ظهورها وتجلّيها من خلال سيرته العطرة، لم يدركه الأولون ولا الآخرون، نجما زاهرا في سماء الاصطفاء الالهي، لم يسبقه نجم من نجومها، نورا وموقعا، فكان الاعلى والاوفى، بما حمّله الله من لطف عنايته، وشكّل بعروجه في الملكوت الاعلى، حادثة خارقة للسنن الكونية، مثبّتة أن معدنه الصافي، متميز عن بقية معادن الصفوة وبقية الخلق، روحا وجسدا، انفرد في قربه من الله وتميّز فيه، فلم يلحقه إليه أحد .. فاستحق لقب حبيب الرحمان.. لتفرّده في ذلك الحب، واستئثاره بتلك المعرفة، تنزّه عن النقائص، فنال عن جدارة واستحقاق لقب الإنسان الكامل، والعبد الذي عرف خالقه حق معرفته، فأعطاه ما هو أهله من طاعة .. رسول مؤيّد ومعصوم مسدد.. هو سيد الكائنات، وافضل المخلوقات، وجامع بديع الصفات، إلى الحد الذي قرنه الله برأفته ورحمته، فقال بشأنه: (بالمؤمنين رؤوف رحيم) (1).
محمد صلى الله عليه وآله وسلم بعثه محموده، ليدعو عباده الى حمده، على ما أولاهم من نعمه، فأوفى برسالة الاسلام، بلاغا بلسانه، وتطبيقا بجنانه، فما أخذ عليه بشيء من عائبة يرمى بها، ولا وقف الباحثون على اختلاف مشاربهم العقائدية والفكرية، على زلة ينسجون على اثرها خيوط شنآنهم له.. مبلغ قدحهم أنهم كذبوا عليه، فنسبوا له ما ليس فيه، افتراء عليه وانتهاكا لحرمته، من ذلك، أنهم تأوّلوا أميته (الذين يتّبعون الرسول النبي الأمّي) (2) فحملوا المعنى الى عدم التّعلم، متجاهلين قوله تعالى: ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) (3)،  وقوله جل وعلا معرفا معنى الأمّي ( قل للذين أوتوا الكتاب والاميين أأسلمتم) (4)بما يعني أن الأمّي هو الذي لم ينزل في قومه كتاب، خلافا لغيرهم ممن اتاهم الله كتابا، مع أن الآية التي تحدثت عن بعثة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ذكرت أن بعهدته تلاوة الآيات - بلاغ ما حمّل من وحي - وتعليم المسلمين الكتاب والحكمة، فكيف يحسن بمن ليس بمتعلم، ان يقوم بما لا يحسنه؟ وهذا بنظري ونظر كل منصف، اكبر اساءة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، اجتمع عليها اعداؤه وأدعياء ملّته معا.
من سفه القول نسبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم الى الأمّية بمعناها القاصر، ومن رجحانه القول فيه، أن علمه ومعرفته، تعهّد وتعليم إلهي خالص، فهو صفي الله وحبيبه، وعلى هذا تحدّث تلميذه الأنجب علي بن ابي طالب فقال:
(..وَلَقَدْ قَرَنَ اللَّهُ بِهِ صلى الله عليه وآله مِنْ لَدُنْ أَنْ كَانَ فَطِيماً، أَعْظَمَ مَلَكٍ مِنْ مَلَائِكَتِهِ، يَسْلُكُ بِهِ طَرِيقَ الْمَكَارِمِ، وَمَحَاسِنَ أَخْلَاقِ الْعَالَمِ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَلَقَدْ كُنْتُ أَتَّبِعُهُ اتِّبَاعَ الْفَصِيلِ أَثَرَ أُمِّهِ، يَرْفَعُ لِي فِي كُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَخْلَاقِهِ عَلَماً، وَيَأْمُرُنِي بِالِاقْتِدَاءِ بِهِ..) (5)
ونحن المسلمون اليوم، اذا نقترب من ذكرى ولادة سيد الكونين والثقلين، التي اتخذت منها الجمهورية الاسلامية في ايران، بتاريخيها المذكورين في كتبنا الروائية 12 و 17 ربيع الاول اسبوعا للوحدة الاسلامية، سعيا منها لكسر حاجز التفرقة الوهمي، الذي عمل على تثبيته بيننا طويلا اعداء الاسلام، ليبقى قائما بذات وهمه، حائلا دون تحقيق واجب الوحدة، بين مختلف الفرق الاسلامية، في زمن أصبحت فيه الحاجة ملحّة، لتجنب كل ما من شأنه أن يفرق الأمة بمكوناتها، والتمسك بما يجمعهم، وما يجمع الأمة الإسلامية أكثر بكثير مما يفرّقها، حيث لا يبقى للمسائل الخلافية مستمسك لأحد، أمام هذا الكم الهائل من المتوافقات.
التوحيد يجمعنا، والقرآن يجمعنا، والوعد والوعيد يجمعنا، والمصير المشترك يجمعنا، وهذا النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم يجمعنا، على أساس سليم وموقف صلب، لا تؤثر فيه عواصف الارجاف والتشكيك، فلماذا نختلف ونحن أهل ملة واحدة؟ لماذا نختلف والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وقرآنه يدعواننا الى تجنب الاختلاف، ويأمرنا بالوحدة؟ اليس من الغبن ومعصية الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم، أن يستشري فينا التشرذم، ويستقوي بعضنا على بعض، يستضعفون طائفة، يحسبونها خارج التصنيف الاسلامي، والحال أنها من أشد الفرق الاسلامية، حرصا على الدين، ودفاعا عن ثوابته وقيمه وقضاياه؟
نبي جمع من المكارم، ما بوّأه الله بها مكانة رفيعة في الدنيا ( إنك لعلى خلق عظيم) (6) ومقاما محمودا في الآخرة، يغبطه عليه الأولون والآخرون، هو أبو القاسم محمد صلى الله عليه وآله وسلم، الذي جاء ليخرج الناس من ظلمات الجاهلية، واتباع خطوات الشيطان وحزبه، الى نور الهدى ودين الحق، نبي أوجب  الله اتباعه في محكم كتابه ( قل ان كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) (7)  
لذلك ندعو اخواننا المسلمين، على اختلاف فرقهم ومدارسهم وافكارهم، الى نزع رداء العصبية والتطرف، على اعتبار ان الدين هو دين الله، وليس لأحد أن ينصّب نفسه حكما فيه أو مالكا له، وأن يعود من تطرّفه الى رشده، بالنظر في سيرة النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، الذي جمع المسلمين على صعيد واحد، وهو يعلم اختلاف أفئدتهم وأفكارهم، ولم يفرق بينهم أبدا، ووحد ولم يجزئ، وألّف ولم ينفّر ويبغّض، وحبّب ولم يكرّه، ودعا الى اتخاذ سبيل الحكمة والموعظة الحسنة في الحوار مع الآخر، ونهى عن التناحر والاقتتال بين المسلمين، محذرا كل مرة من تربّص الاعداء بهم، واستغلال ثغرة اختلافهم وتفرقهم عن بعضهم.
 لقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طوال ردهات حياته الشريفة، مثالا للألفة والحب، وعنوانا للإنسان الكامل، يقتبس منه الناس جميعا انوار هداية، تضيء ظلمة قلوبهم، وتفتحها على عبودية حقّة، تخشى الله كما يجب، وتعمل بآداب احكامه وتعاليم كتابه  .
الاحتفال بمناسبات الاسلام العظيمة، من السنن التي يجب المحافظة عليها، وتأصيلها في مجتمعاتنا، لتزداد قربا من معين الوحي والنبوة، وأداؤها تعظيم لشعائر الله، التي يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، لقيمتها الروحية ومنزلتها الدينية الكبيرة، وأجرها الثابت عند الله (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)(8)
ومن صدّ عن تعظيم الشعائر كالاحتفال بذكرى مولد سيد الكائنات صلى الله عليه وآله وسلم فقد بخس حقه وعمل على جفائه وحثّ على هجرانه، وهو الذي يسمع ويجيب ويسال فيعطى، والمتعامل معه على أساس وهابي يعتبر الاحتفال به وبمناسباته الكبرى بدعة يجب تركها مجاف له، متقول في الدين بجهل، وما احياء أي ذكرى من متعلقات النبي صلى الله عليه وآله وسلم، سوى تعبير عن مودة وامتنان له، وتقدير ولما قدمه من تضحيات، حتى وصل الينا دينه الخاتم، واعتراف بجميل وجليل جهوده، والجاحد لها، ناكر لمعروفه، هاضم لحقه، ومن هنا أدعوا اخواننا في الاسلام العظيم، ان لا ينقطعوا عن مواصلة تعظيم شعيرة النبي الاكرم صلى الله عليه وآله وسلم، ولا يستجيبوا لدعوة الوهابية الباطلة، في بدعيّة الاحتفال بالمولد النبوي، ويجددوا عهدهم به، احتفالا بذكرى مولده، من باب وذكر فان الذكرى تنفع المؤمنين، فكيف بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وأيامه المباركة.
المراجع
1 – سورة التوبة الآية 128
2 – سورة الأعراف الآية 157
3 – سورة الجمعة الآية 2
4 – سورة آل عمران الآية 20
5 – نهج البلاغة الامام علي بن أبي طالب / الخطبة المسماة القاصعة رقم: 192
6 – سورة القلم الآية 4
7 – سورة آل عمران الآية 31
8 – سورة الحج الآية 32


  

شكرا إيران




قد يكون من المناسب الان أن نكرر الشكر لنظام قام بعد ثورة اسلامية عارمة، وبنى فكره الاسلامي على منهاج الامامة الالهيّة، كما يعتقدها - قيادة وشعبا - متصلة بعصر النبوة بلا انفكاك ولا فصل، ورفع شعاراته الاممية في الدفاع عن المستضعفين والمظلومين والمحرومين، ليس في العالم الاسلامي فحسب، وإنما اينما وجد ظلم واستقوى به ظالم على مظلوم في العالم، وقد سببت هذه الثورة وما نتج عنها من مد ثوري اسلامي،  صداعا وقلقا وارتباكا لدى أنظمة الهيمنة والاستكبار العالمي، دفعها الى العمل على التصدي لها، ومحاولة منع انتشار افكارها ودعوتها، وتمني زوال نعمتها على أهلها، لكنها لم تفلح في كبح جماح ذلك المد الاسلامي المبارك، أينما بلغت دعوته، ووجد آذانا صاغية وقلوبا واعية لها، وكان من اهم نتائجها، نشوء حركات اسلامية مقاومة في فلسطين ولبنان، باشرت عملها الجهادي، متوكلة على الله تعالى، ومستعينة بالنظام الاسلامي في ايران، واثبتت بالأدلة القاطعة، سقوط مقولة الجيش الصهيوني الذي لا يقهر، وأنها كانت مجرد دعاية أنزلتها الى الحضيض، ضربات رجال المقاومة  في لبنان وفلسطين. 
ولا يتردد الدارس لمختلف اطوار الحركة الثورية في ايران، منذ أوّل نشوئها، الى يوم انتصارها، وقيام نظامها الاسلامي، وما أفرزته من آثار إيجابية على محيطها الاسلامي، في ان يرجع فضل قيام ما استتبعها من حركات اسلامية ثورية اليها وحدها، حاملة تقريبا نفس الفكر الثوري، ومتّفقة في عناوينها وشعاراتها معها، في اعتبار الكيان الصهيوني، غدة سرطانية تجب ازالتها من أرض فلسطين، مهما بلغ الثمن وكانت التضحيات، وقد عبّر الامام الخميني على أهمّية وقيمة ذلك الصراع المرتقب، وتلك المواجهة المصيرية الحاسمة، بإطلاقه على جيش تحرير القدس،  جيش العشرين مليون، آخذا بعين الاعتبار تورط دول معادية، في المواجهة المصيرية، ودخولها على خط المواجهة الى جانب العدو الصهيوني، وهي التي لا تزال تعتبر نفسها ضامنة لأمنه، وحامية وداعمة لكيانه، وما يستوجبه ذلك من رصيد بشري، كاف لاستكمال الصراع، وتحقيق النصر النهائي على الكيان الصهيوني الغاصب، ومن سيتورط معه.
وكلما اقتربنا من موعد الحسم مع العدو الصهيوني، كلما سقطت انظمة كانت فيما مضى تدّعي مؤازرة الشعب الفلسطيني في قضيته، في شراك التطبيع والتفريط في القضية، فباعوا بالبخس المبادئ والقضية معا.
هجمات الطابور المعادي لإيران الاسلام، تركزت على مجرد دعاوى لا تمت الى واقع ايران بصلة، لا من قريب ولا من بعيد، وكل ما روجه اعداؤها من استكبار وصهيونية  وعملاء لهما، كان محاولة يائسة منهم لإخفاء صورتها الحقيقية، التي تريد الخير للأمة الاسلامية، تفاديا من التأثير على شعوبها، والاقرار بدورها الرائد في الصحوة الاسلامية التي أسست معالمها، وفضلها الذي اقر به العالمون بحقيقتها، والقريبون من فكرها، والمنخرطون في نهجها المقاوم للإستكبار والصهيونية.
ومن حقنا اليوم بعد كل الذي حصل من انحراف أن نتساءل: اين كل اولئك الذين عبّروا مرارا وتكرارا انهم مع القضية الفلسطينية ؟ اين موقعهم الان؟ أليس قد تخلوا بسلوكهم المشين، عن وعودهم والتزاماتهم المبدئية تجاه اشقائهم الفلسطينيين؟ يؤسفني أن اقول ان الوضع اصبح أسوأ مما عرضت.
تعالوا نستعرض اليوم الانظمة العربية التي دخلت نفق التطبيع مع الكيان الصهيوني، وستصابون بالصدمة والاستياء، من تضاعف اعدادها بسرعة، ومن بقي منها خارج هذه القائمة الغير مشرفة ماضيا وحاضرا ومستقبلا، كان قاصرا عن تقديم شيء يفيد الفلسطيني المقاوم، وينفع قضيته في مواجهة عدو مدجج بأفتك الاسلحة الامريكية المتطورة، والمدعوم سياسيا واقتصاديا وعسكريا، من طرف الغرب وحلفاءه وعملاءه.
ونظرنا الى الداخل الفلسطيني وواقعه المضغوط بالاحتلال، والحصار الخانق لقطاع غزة، بمساعدة مصرية مدانة دينيا واخلاقيا، نجد ان فصائل مقاومته، قد رتبت اعمالها الجهادية، على اساس الاكتفاء الذاتي، وبمساعدة لا تقدر بثمن من اخوتهم الايرانيين، الذين قدموا من التقنيات والتجهيزات العسكرية، ما اربك حسابات العدو الصهيوني، واسقط اعماله العدوانية في فشل ذريع، ولم تحقق شيئا مما كان يصبو اليه، من اخضاع وإذلال الشعب الفلسطيني. 
لقد كان موقف الجمهورية الاسلامية الايرانية واضح جدا من المأساة الفلسطينية، فلم يتردد نظامها الاسلامي في التعبير عنها، بانها مقدّم قضايا الشعب الايراني والشعوب الاسلامية، وفكان ولا يزال رافعا شعاراته منذ انتصار ثورته على ذلك الاساس.
هذا على المستوى النظري والاعلامي، اما على المستوى العملي والتطبيقي، فان ما قدمته ايران للمقاومة الفلسطينية - وقد كلفها ذلك من الامكانيات والجهد ما الله وحده يعلم مقداره - ما جعلها توسع من قدراتها في المقاومة، ودائرة امكاناتها وخياراتها العسكرية، وتدخل نطاق ردع العدو الصهيوني، ومعادلة تكافئ القوى، رغم الفارق الكبير بين تجهيزات القوتين.
لذلك نجدد قول كلمة شكرا ايران، كلمة معبّرة سبق ان قالها الناطقون باسم فصائل المقاومة الفلسطينية مرارا، اثناء احتفالاتهم السابقة بتفوقهم على العدو الصهيوني، وردعه عما تعود عليه سابقا من عربدة واستهتار..
شكرا لإيران الاسلام، كما شكرت من قبل، على تلك الصواريخ التي واجه بها الفلسطينيون غطرسة، ما كان لها ان تنكفئ خاسئة لولا فجر 4 وفجر5 الايرانيين.
وشكرا لإيران الاسلام، على هذا الكورنيت الايراني المبارك، الذي اعلنت الفصائل الفلسطينية، بظهوره كسلاح فعال بيد عناصرها، ان الميركافا ستكون لقمة سائغة لها، اذا حاولت الدخول الى غزة.
وشكرا لايران الاسلام، وحرسها الثوري - مفخرة كل مسلم - الذي ازعج اعداءه منذ تأسيسه، وكان صمام امان النظام الاسلامي، وكفيل مشروع الامة الاسلامية في تحرير فلسطين، رجال وعدو فصدقوا، وهذه مرحلة اخرى ناجحة، يجتازها مشروع المقاومة من أجل فلسطين، تمهيدا للمرحلة القادمة في التحرير الحقيقي والفعلي، وهي بنظر السائرين على خطى العزة والكرامة ليست ببعيدة.
وبينما تعمل ايران الاسلام من اجل تحرير فلسطين، ولا تدخر من اجل ذلك جهدا، نجد توسّع نطاق طابور التطبيع والعربي والاسلامي مع العدو الصهيوني، كل نظام ودوافعه ومبرراته التي ركز عليها عمله الخسيس، معلنا بذلك طي صفحة مناصرة اخوته واشقائه، والدخول تحت سقف العدو، ماحيا اي علاقة له بالمقومة والثورة ، وصدق نظام من تلك الانظمة، في ان يظهر بذلك المظهر المعيب، إذ كيف للعملاء ان يتحملوا وطأة ما يتحمله الشرفاء من معاناة في سبيل العزة والشرف الاباء؟
وفي المقابل أسائل الذين استجابوا لمؤامرات امريكا والغرب، في حل القضية الفلسطينية عبر المفاوضات، ومراحلها المتنوعة الفاشلة، ماذا حصلوا من مكسب يفيد فلسطين سوى اعترافهم بباطل العدو وشرعيته المزعومة، ومزيدا من الانزلاق في منحدر التنازلات عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، ما زاد في نسبة انتهاكاته ووسع من نطاق اعتداءاته.
فكل الشكر لايران أولا وآخرا وكل العتب والادانة لخونة الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة، وما ظهر خائن الا بتفريط الشعب لمواقعه وخلوها من طلائعه المكافحة.. العزة لا تعطى ولا تهدى، وانما تكتسب بالعلم والعمل وصدق النية والتضحية، وهكذا يجب أن نكون.
شكرا إيران.. ألف شكر


vendredi 16 novembre 2018

تجوع تونس ولا تأكل بالتطبيع مع الصهيوني



تجوع تونس ولا تأكل بالتطبيع مع الصهيوني
بعد نكستي أمتنا العربية سنتي 1948 و1967، وردود افعال جميع شعوبنا، المصدومة بعامل خيانة عملاء الغرب من حكام بلداننا، وبسببها حكموا علينا بالتخلّف العلمي والتقني، اتباع مخططات الغرب الفاشلة، وما استتبعها من هزائم في مواجهة العدو الصهيوني، واصرارا منهم على التآمر علينا، بالبقاء تحت هيمنة مستعمرينا، أسواقا لصناعاتهم منتجاتهم، وعلى القضية الفلسطينية بتأجيل تنفيذ انتصار مستحق، يعيد لشعبها كامل حقوقه المشروعة التي اغتصبها الكيان الصهيوني، دخلت اغلب الدول العربية تحت خيمة التطبيع، بطرق مختلفة، تنوّعت بين الاقتصادية والسياسية والثقافية والرياضية.
التطبيع مع الكيان الصهيوني لم ينشأ نتيجة يأس حكامنا من وجود حلّ للقضية الفلسطينية، ولا رغبة من شعوبنا، الوفية دوما لأشقائها الفلسطينيين، والمساندة بما في وسعها للوقوف الى جانبهم، واستدامة صمودهم ومقاومتهم الباسلة، وإنما نشأ بإيعاز من الدول الاستعمارية الغربية، التي اوحت الى وكلائها من حكامنا العملاء، القيام بذلك على مراحل، ووفق برامج معدّة سلفا بدقّة وخبث كبيرين، لتجد شعوبنا العربية والاسلامية نفسها في نهاية المخطط، تحت هيمنة صهيونية كاملة، وأمر واقع لا مفرّ منه، عليهم أن يستسلموا له ويخضعوا لإرادته.
برئيس حكومة تكاد تنتهي صلاحيته، لولا وقوف حركة النهضة معه، دخلت تونس التطبيع مع الكيان الصهيوني من بابه الكبير، فالتطبيع الذي جرى سابقا في تونس، وان كان في ادناه ذنبا وخيانة عظمى، تعلق ببعض الوجوه المحسوبة على الفكر والفن والسياسة، التي لم يكن لها شأن معتبر بنظر الشعب التونسي، فضلا عن كونهم فاقدي التأثير عليه.
وموقف حركة النهضة في تزكية التحوير الوزاري الاخير، لم يكن مفاجئا بحد ذاته، بعدما أعطت ليوسف الشاهد جرعة بقاء في الحكم، لعل مقابلها التزامه بعدم خوض الانتخابات المقبلة، وبالتالي افساح المجال للنهضة، كي تقبض على زمام الحكم في انتخابات 2019 القادمة.
وما هو مرجح قبل هذا ما أملاه الغرب بزعامة أمريكا، على زعيم حركة النهضة، مقابل رجوعه ظافرا الى تونس، تجنب معاداة الكيان الصهيوني، والعمل على تبييض التطبيع من بابه الداخلي، وعبر (كنيس الغريّبة) وادواته..  
ينتظر بعد الذي حصل، أن تضخ الأموال، وتقدّم المساعدات والهبات والتسهيلات الاقتصادية، ايهاما للشعب التونسي بجدوى التطبيع مع الكيان الصهيوني، وعائداته في انعاش اقتصاد البلاد، الذي اشرف على الانهيار.
وما ينتظره الوطنيون في هذا الشعب ومكوناتهم المجتمعية المدنية، هو مزيد من الالتفاف على هذه الإجراءات المشبوهة والمدانة دينيا ووطنيا وأخلاقيا، وفضح اهدافها والتنديد بها، على أساس أنها مخالفة للمسار الثوري للبلاد، وبعيدة كل البعد عن الخيار الوطني، والتي تعبّر في مضمونها على سقوط مهين لسياسة ما بعد التغيير في تونس، وارتهان جديد لسياسات الغرب الداعم للكيان الصهيوني.
فهل سيكون التطبيع في هذا العالم العربي العجيب حكامه بطلعاتهم وفلتاتهم السياسية، وخداع شعوبهم، أسوة بمن سبق فيمن مضوا عليه أوّلا، وتدرجوا عليه من كعب الاحبار، الى سرجون، الى موسى بن ميمون، الى روني صهيون، نظائر يوحي بعضها الى بعض زخرف القول غرورا؟
إن كان لهذه الشعوب كرامة، فلتقف طلائعها في وجه هؤلاء المتآمرين على قضاياها المصيرية، وحقوقها المغصوبة والمنهوبة، ولتتكاتف جهودها من أجل وضع حد لهذه الانزلاقات الخطيرة في أحضان أعدائها، وقديما قيل (تجوع الحرّة ولا تأكل بثدييها)، واليوم نقول كما يقول الشرفاء: نجوع وتجوع شعوبنا ان لزم الأمر، ولا نأكل من التطبيع مع العدو الصهيوني.    
ولن تعدم تونس أحرارها وشرفاءها فقد، بدأ تحرك شعبي في هذا الاطار، تقوده مكونات وطنية من المجتمع المدني، اعتبرت أن التحوير الوزاري الاخير، يستبطن محاولة ماكرة لجر البلاد، الى خندق التطبيع مع الكيان الصهيوني، ركوبا على الازمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها، فقد شهدت العاصمة وقفات احتجاجية، مطالبة بتغيير الوزير الصهيوني وكاتب الدولة المطبع، وذهب بعضها الى المطالبة باستقالة الحكومة.  
وفي بيان لها، اعتبرت  جمعية المحامين الشبان بتونس، أن التصويت الذي جرى ليلة الثلاثاء 12/11/2018  في البرلمان التونسي، والذي تمّ بموجبه تزكية التعديل الوزاري الاخير، الذي قام به رئيس الحكومة يوسف الشاهد، وشمل تعيين وزير صهيوني، وكاتب دولة مطبع مع العدوّ الصهيوني، يعتبر مهزلة تاريخية، وعبّرت في بيانها الصادر امس، عن اسفها الشديد للشعب الفلسطيني والامة العربية، على هذه السابقة الخطيرة في تاريخ تونس، معتبرة أن ما حصل تحت قبة البرلمان، جريمة في حق الشعب الفلسطيني، وخيانة لقضيته العادلة، واذ تدين عملية التصويت التي جرت، وتعتبرها في نفس الوقت، وصمة عار على جبين الاحزاب الحاكمة، وكافة النواب المصوّتين لإقرارها، مطالبة هذه الحكومة بالاستقالة، متهمة اياها باللاوطنية، والمطبعة مع الكيان الغاصب، والخاضعة للدوائر الصهيونية.
وجدد البيان تمسك المحامين الشبان بخيار المقاومة، كحل وحيد لمواجهة الالة الصهيونية الغاصبة، داعيا المحامين، ومكونات المجتمع المدني، وكل شرفاء الامة، الى التصدي لهذه المؤامرة.
ومقابل حركة التطبيع التي أصبحت اليوم مكشوفة للعيان، قامت هناك على الأراضي المباركة حركة مقاومة شريفة، آمنت بأنه لا حلّ لقضية فلسطين والأمة، بغير حمل السلاح ومقاومة العدو الغاصب، وقد اثبت مشروع المقاومة الذي دعا اليه الامام الخميني، وأقام دعائمها الاسلامية في فلسطين، بجهود أبناء الامة الغيارى، المؤمنين بعدالة قضية تحررها من هيمنة الغرب والصهيونية ( فتحي الشقاقي ورفاقه / حركة الجهاد الاسلامي)، وفي لبنان ( عباس الموسوي ورفاقه  / حزب الله)، وفي اليمن ( حسين بدر الدين الحوثي ورفاقه / أنصار الله).
ولم يكن الشعب التونسي يوما منفصلا عن نسيجه الديني والعرقي، ولا غير مهتم بقضايا امته، بل كان في مقدمة الساعين الى حلّها والمتطلّعين الى تحقيق آمالهم فيها، وفي مقدمتها قضية فلسطين، وقدّم من أجل ذلك لفيفا من خيرة أبنائه، ممن لبوا نداء الجهاد، وكانوا ضمن كوكبة الشهداء، الذين ارتقوا الى بارئهم على تخوم فلسطين، وهو لن يرضى أبدا بسياسة خضوع وخنوع، التي مررتها حركة النهضة، وتتحمل وحدها مسوؤلية ذلك، طالما أن قرينها في الائتلاف الحكومي، حزب حركة نداء تونس انسحب من القاعة بدهاء، ولم يشارك في التصويت.
تاريخ نضال بتضحياته، يكتب اليوم بأحرف عبريّة فاضحة، نوايا شخصيات تونسية، كنا نعتبرها منذ زمن غير بعيد، ضمن عناصر النضال الوطني، وتستحق المساندة والاحترام، وكنا نرجو فيهم خيرا، وفي الأخير خاب ظننا فيهم.     


jeudi 8 novembre 2018

ثلاثية التطبيع التونسي



لم يعد غريبا على رئيس الحكومة يوسف الشاهد، أن ينحو منحى تطبيعا مع الكيان الصهيوني، من شانه ان يمهد لعلاقات معه مباشرة، قد تأتي قريبا في صورة سكوت الشعب بمكوناته الحقوقية والمدنية، فقد ظهر منذ توليه رئاسة الحكومة، حريصا على الحضور السنوي لمواكبة طقوس كنيس الغريبة بجربة، مرفوقا بلفيف من وزراء حكومته، مع كبار المسؤولين في الدولة. 
خطوات التطبيع التي قطعها الرجل منذ توليه رئاسة الحكومة معدودة في ظاهرها، وما خفي منها قد يكون اعظم، ويؤكد ان لديه اجندة يريد تطبيقها في سياسته، لم تكن نابعة من قوة اداء حكومي، او مصلحة من شانها ان تعود بالنفع على تونس، دون مساس بثوابتها، ولا تخلّ عن التزاماتها المبدئية تجاه فلسطين وقضيتها العادلة، التي تعتبر من اولويات الشعب التونسي التي عبر عن وقوفه الى جانبها، ايمانا بعدالتها، واعتقادا بانتصارها في نهاية المطاف، وقدّم من أجله ارواح و دماء خيرة شبابه، من أجل رفع المظلمة التاريخية، التي تعرضت لها ارضا وشعبا من طرف الصهاينة اعداء الانسانية 
قد يكون مبرر رئيس الحكومة، في رفع نسق التطبيع خلال فترة تسلمه مقاليد الحكومة،  أنه واقع لا مفر منه أمام الوضع الاقتصاد التونسي المتردي، وما يحتاجه من دعم خارجي رأى من وجهة نظره القاصرة طبعا، ان اقصر الطرق لإنعاشه يكمن في اعطاء الطوع للغرب (امريكا وبريطاني والاتحاد الاوروبي ) فيما أرادوه من تعويم الوجود الصهيوني على الواقع الحكومي العربي والاسلامي، تمهيدا لفرضه واقعا لا مفرّ منه على شعوبنا، الرافضة قطعا اي علاقة مع غاصبي فلسطين والقدس.
لقد برهن التحوير الوزاري الاخير عن نية واضحة- من صاحب القرار أو أصحابه - للنسج على منوال دول عربية واسلامية، ادّعت وقوفها الى جانب القضية الفلسطينية، وبمرور السنوات تبين خداعها لشعوبها، وسفهها أمام الشعب الفلسطيني، الذي لم يعد معه اليوم في مواجهة جملة من أعدائه، سوى ايران الاسلامية، التي عوقبت من قبل، وتشدد عليها هذه الايان العقوبات الجائرة، من أجل التخلّي عن القضية الفلسطينية، كما تخلى عنها وخذلها أغلب العرب والمسلمين.
سقوط أقنعة الخداع والزيف من وجوه الانظمة العربية، بدا هذه السنة متسارعا كأنه وباء  حل بقوم وعصف بهم، فلم يترك لهم شيئا يدفعونه به عنهم، ويأتي في مقدّمة هؤلاء تجار القضية المخادعون، الذين كانوا في الظاهر معها، ثم لم يلبثوا أن باعوها بالثمن البخس الذي قبضوه، معرضين عن ارادة شعوبهم الجامحة، المطالبة بوقف مظاهر واعمال التطبيع مع الكيان الصهيوني، والوقوف بصدق الى جانب القضية الفلسطينية ومساندة أهلها، مهما كلفهم ذلك من ثمن.
ما اقدم عليه رئيس الحكومة بتعيين (روني الطرابلسي) يهودي مقيم بفرنسا، وهو الابن البكر بيريز الطرابلسي، رئيس الجمعية اليهودية التونسية، التي تشرف على النشطات المتعلقة بكنيس الغريبة، في جزيرة جربة، من كبار رجال الأعمال في فرنسا وأوروبا، وهو الرئيس التنفيذي لشركة Royal First Travel الرائدة في مجال السياحة، كما يمتلك العديد من وكالات الأسفار العالمية، جدير بالذكر، أن روني الطرابلسي كان مقترحا في حكومة مهدي جمعة، لكن وقع التخلي عنه في ذلك الوقت، لما قد ينجر عنه من ردود افعال جماهيرية، من شأنها أن تضر بالمسار التطبيعي الماكر الذي تتوخاه أمريكا، وتعمل على فرضه بالترغيب  والترهيب.
أما تغيير وزيرة الشباب بأحمد قعلول رئيس الجامعة التونسية للتايكوندو، فيعتبر بدوره خطوة جديدة يخطوها رئيس الحكومة، دون استشارة رئيس الجمهورية، الذي يريد اعفاءه من منصبه حسبما راج مؤخرا، خطوة تبدو معاكسة لإرادة الشعب  التونسي، الوفيّ لقضايا أمّته العربية والاسلامية، والمؤكّدة من جديد على التمشّي التطبيعي ليوسف الشاهد، الذي ابتدأ به عهدته السياسية، بإقرار (خميّس الجهيناوي)  على وزارة الخارجية، بعد ان كان عينه رئيس الحكومة الاسبق الحبيب الصيد، رغم الاستنكارات العديدة التي شهدناها برلمانيا وشعبيا، بأن الرجل كان قد عين من طرف الدكتاتور بن علي، مديرا لمكتب العلاقات مع الكيان الصهيوني بتل الربيع سنة 1996  الى غاية سنة 2000، وما يعنيه ذلك التعيين من قبول طوعي منه على ذلك التعيين الذي كان برعاية امريكية غربية دون أدنى شك، وعادة من مشى على طريق الخضوع لإرادة الغرب أن ينصاع الى أوامرهم انصياع العبد الذي لا حول له ولا قوة أمام سيده.

لثلاثية التطبيع سوف تمضي في التمهيد له كل حسب مواقعه واختصاصه، في صورة ما اذا وقت تزكيتهم في مجلس نواب الشعب، ومع وجود معوقات الاقرار بها خصوصا في شأن روني الطرابلسي ذو الجنسيات الثلاثة ( اسرائيلية / فرنسية / تونسية) فهل سيكون منطقيا تونسيا قبل أن يكون اسرائيليا أو فرنسيا؟ وهل ضاقت البلاد من الكفاءات حتى نلتجئ لهذا الشخص؟
اذا سوف نشهد في قادم الايام زخما صهيونيا من شأنه ترويض تونس بما سيتيحه التعيين من انفتاح في مجال السياحة سيعود على القطاع بما افتقده في السنوات العجاف الماضية، وقريبا سيرفرف علم الكيان الصهيوني في ملاعبنا بمشاركات صهيونية، لا يرى وزير الشباب الجديد مانعا فيها، وبذلك تكون تونس ضمن البلدان المعترفة بالكيان الصهيوني والمطبعة معه الى ابعد مدى.
يوسف الشاهد لعب على حبل مكافحة الفساد، فلم يصمد فيه وانزاح عنه سريعا، واثبتت حكومته فشلا ذريعا على جميع الاصعدة، ولم يبقى له بعد ظهور نية اعفائه سوى الاستنجاد بالغرب، فأسقطوه في مخطط التطبيع المستعجل، حيث لم يعد هناك متسع من الوقت للتّمهل فيه، وقد ظهرت علامات نجاح مخطط محور مقاومة كيانه في التصدّي له ما يرفع من أمل انهائه والقضاء عليه.. فما سيكون موقف الشعب التونسي ونوابه من هذه المهزلة؟  


lundi 5 novembre 2018

التطبيع مع الكيان الصهيوني في أقبح مظاهره



شاءت الاقدار أن تسقط جميع الاقنعة، التي كانت تخفي معائب أنظمة عربية، طالما ادّعت خدمة العرب والمسلمين، ومساندة قضياهم العادلة، وخصوصا القضية الفلسطينية، سقوطا كشف مدى قبح تلك الوجوه وزيف إدّعائها، ورداءة ما أقدمت عليه، فقد انفتح علينا بجهود هؤلاء، باب التطبيع مع الكيان الغاصب لفلسطين والقدس على مصراعيه.
نعم أقولها بكل أسف، لقد أصبح التطبيع مع أكبر بؤرة للإرهاب الدولي، حلبة تتسابق فيها حكومات عربية عديدة - لنيل ودّها ارضاء لأمريكا - وفي مقدمتها انظمة خليجية، ماطت عن حقيقة أمرها، وما كانت تخفيه فيما مضى من زمن تأسيسها، وصفقة القرن التي أعدها اللوبي الصهيوني في الادارة الامريكية، تقتضي أن ينتقل حكام العرب من طور اخفاء علاقاتهم الحميمية مع الكيان الصهيوني، الى طور اظهارها واعلانها على الملأ، بلا ادنى حرج فيما اقترفوه من خيانة لالتزاماتهم الاخلاقية والدينية وحتى الانسانية، تجاه شعوبهم من ناحية، وتجاه الشعب الفلسطيني من ناحية اخرى، بخذلانه في استرداد حقوقه المشروعة، والتخلّي عنه بهذا الاسلوب الذي يعبّر عن لآمة متأصّلة فيهم.
لم يوجد للنظام المصري الاسبق مبرر واحد، يدفعه للتنصل من وعوده التي قطعها، للدفاع عن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني، فأمضي على اتفاقية كامب دافيد، ويسجل أول وصمة عار في العصر الحديث لتاريخنا العربي، ثم لم يلبث أن يتبعه على ذلك ملك الاردن، فأمضي اتفاق وادي عربة مع الكيان الصهيوني، ولم يبقى من دول المواجهة غير سوريا ولبنان.  
واليوم اذا نفتح ملف تطبيع الدول العربية مع الكيان الصهيوني، بظهور اعراضه على سياسات اغلبها، كلّ حسب ما توصّلت اليه من مراحل ونتائج، ايمانا منا بأن ما ظهر منها، ليس بمقدوره أن يغير من واقع الكيان الصهيوني الغاصب شيئا، ولا من سقوط الانظمة المطبعة معه اخلاقيا ودينيا، فالعار لن يتحوّل الى شرف، والخبيث لن يكون طيّبا، وإن أفرغ عليهما من زيف السياسة تمويها.
اسباق المحموم، الذي نراه اليوم على أشدّه بين دول الخليج دون استثناء، قد أظهر تفوقا ملحوظا للسعودية، باعتبارها ربّانة سفينته، وقائدة قافلته، وعازقة جوقته، وبدونها يبقى متراوحا مكانه، وهي التي بثت فيه روح حركته الشيطانية، ودفعت به أشواطا متقدمة، ورعته من أول أيامه التي درج فيها، الى أن يتحقق الوعد الامريكي في قيام اسرائيل الكبرى، بفضل هؤلاء الحمقى.
وتأتي الامارات العربية اصطفافا مع السعودية، لتعبّر عن مدى انسجامها في مسار التطبيع، ولا تتردد في التعبير عنه بأشكال مختلفة، للقيمة التي ستحظى بها عند وليّ نعمتها الأمريكي، وكثيرة هي اساليب التودد التي بدرت من دول الخليج فمنهم من قدم الاموال للكيان ومنهم من استقبل كبار سياسييه كما فعلت ذلك سلطنة عمان باستقبال رئيس وزراء الكيان والوفد المرافق له، ونحت نحوها دولة الامارات باستقبال وزيرة الثقافة والرياضة الصهيونية (ميري ريغيف  Miri Regev) مع وفد رياضي يشارك في بطولة الجودو الدولية.
هذه المرأة التي عبرت من قبل بمختلف الأشكال، عن حقدها الكبير على الاسلام والمسلمين، فلم تترك فرصة في اظاهر عدائها لهم، واستفزاز مشاعر المسلمين بالقول مثلا: ان الاذان بالنسبة اليها (تعبير لصراخ كلاب محمد )، وجدت من حفاوة الاستقبال الرسمي في الامارات، ما لن تحلم به حتى في امريكا، وكأن لسان حال الساسة الاماراتيين، يستبعد كل رباط وثيق يجمعهم بالإسلام، وهم يتجولون بها في مختلف ارجاء مسجد زايد، كأنما أصبح المسجد بالنسبة اليهم، متحفا يرتاده كل كائنا من كان، ولو علا صيته واشتهر بالعداء للإسلام والمسلمين.
علاقات إسرائيل بالإمارات العربية لم تكن ظاهرة ناسجة خيوطها في الخفاء شأنها في ذلك شان بقية دول الخليج والمغرب لكنها برزت بقوة في السنوات في السنوات الأخيرة، حيث ائتلفت وتوحدت جهود هذه الدول مع الكيان الصهيوني في معاداة ايران وتشكيل حلف ضدها بذريعة ملفها النووي، وبحسب التصريحات الصهيونية، فقد فتحت إسرائيل في أبو ظبي سنة 2015  بعثة دبلوماسية رسمية تحت مسمى (الوكالة الدولية للطاقة المتجددة) ( حسب موقع صحيفتي  Haaretz.com و  (The Times of Israel بتاريخ 28 نوفمبر 2015. 
Wayback Machine بتاريخ15 فبراير 2018
وتتجاوز هذه العلاقة الحميمية المجال الدبلوماسي، لتصل الى التعاون العسكري بين الجيشين الاماراتي والصهيوني، والاعلان عن قيام تدريبات بين الطيارين الصهاينة والاماراتيين سنتي 2016 و2017، ما يثبت بالدليل القاطع عمق ومتانة تلك العلاقات، لينفتح مجال  المشاركات الرياضية، وحضور وزراء ومسؤولين صهاينة على اعلى مستوى، لمتابعة تلك الفعاليات في أبو ظبي.
ويذكر التاريخ أنه يوم 19 /1/2010 وقع اغتيال الشهيد (محمود المبحوح) احد قادة كتائب عز الدين القسام، في فندق بالعاصمة الاماراتية، بعد وصوله بيوم واحد قادما من دمشق، وبزمن وجيز من عودته من اجتماع في القنصلية الايرانية، مع مسؤولين ايرانيين مهتمين بالشأن الفلسطيني، وسبل مقاومة الكيان الصهيوني، وتبين ان عملية الاغتيال قد رتّب لها من قبل- فالرجل تحت المراقبة المتواصلة ونجا من اربع محاولات سابقة - باستقدام فريق اغتيال صهيوني، غادر ابو ظبي بسرعة بعد انهاء مهمته، مما يجعلنا نعتقد أن التعاون الاستخباراتي الصهيوني قائم مع الاستخبارات الاماراتية، ولليمن المظلوم نصيب من هذا التعاون الآثم، واثار عدوان الامارات العسكري عليه بالتعاون مع دول عربية اخرى تتأكد فيه بصمات سلاح الجو الصهيوني .
وكاني بحكام الامارات قد نسوا انهم محسوبين على الاسلام والمسلمين وكأنهم بعلاقاتهم مع الكيان الصهيوني يريدون أن يثبتوا لنا عكس ما نظنّ وقد قال الله تعالى في محكم كتابه: ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوّي وعدوّكم أولياء تلقون اليهم بالمودّة وقد كفروا بما جاءكم من الحق...) (سورة الممتحنة الآية 60)
ومن باب التذكير لحكام الامارات  وغيرهم من الحكومات العربية وكل من مشى خطوة واحدة في اطار التطبيع مع العدو الصهيوني وخيانة القضية الفلسطينية نحذّره بما حذّر به الله عباده المؤمنين من موالاة اعدائه : (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين) ( سورة المائدة الآية 51 )
ما يجب قوله هنا كلمة حق لمن يعي خطورة ما وصلت اليه حكومات عربية من سقوط وتآمر ضد دينها وقيمه وشعوبها وقضاياه، اتركوا ايران الاسلام وشأنها لا تتعرضوا لها بالإثم والعدوان، ولكم عبرة بصدام التكريتي، جرّب ولم يفلح، فانهزم وباء بالخزي والعار، ولا تنافقوا الفلسطينيين بمعسول كلامكم وقد خذلتموهم، وابتعدوا عن اليمن، دعوا شعبه يقرر مصيره، بعيدا عن رجسكم وأوثانكم البشرية، التي اصبحتم تلوذون بها من دون الله، وتذكروا ان نسيتم، انه ينتظركم حسابان، حساب معجّل وآخر مؤجل، وويل يومئذ للمنافقين.