lundi 7 juillet 2025

عاشوراء الحسين أولى بالإحياء من أوهام الظالمين (2)

 



يستهجن كل من لم يتعرّف على حقيقية التشيّع لأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله، صدور بعض التصرّفات الشيعية في مناسباتهم الدينية، خصوصا فيما تعلق بذكرى استشهاد سيد شباب أهل الجنة عليه السلام، في خيرة من أهل بيته وأصحابه، يرى فيها عموم الشيعة مواساة للنبي صلى الله عليه وآله بما حصل لأهل بيته من عدوان لا يمكن تبريره بأي حال، وقد جاءت هذه التعابير التضامنية معبّرة عن عمق انتماء متجذر لمنهج إسلامي يُعْتَبَرُ الأول في ظهوره حيث لم يكن هناك على الساحة الإسلامية غير فريقين: فريق صاحب حق وهو علي بن أبي طالب، وفريق صاحب باطل وهو معاوية بن ابي سفيان، ومن لم يكن منتسبا لأحد الفريقين، فهو خاذل للحق محجوج عند الله ولدى عباده دون أدنى شك، ولا حاجة لنا في أن نسترسل أكثر هنا، ولدينا حكم بات من النبي صلى الله عليه وآله قال فيه: ( إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الثاني منهما) (1) ونحن نعرف أن عليا بويع خليفة للمسلمين بيعة عامة، لم يتخلف عنه سوى من غلبته شقوته عن أداء واجب لا يجب التخلف عنه، فكيف يصبح من بات في حكم المقتول خليفة، يستعبد المسلمين ويمعن في ظلمهم، ويأتي بعد ذلك من يترضّى عنه تحت مبررات واهية، تسقط عند لقب اطلقه النبي صلى الله عليه وآله عليه وعلى أبيه: اذهبوا فانتم الطلقاء؟

ما يجب أخذه بعين الاعتبار أيضا، أن حركة تحريف الأحاديث النبوية بدأت في حياة النبي  صلى الله عليه وآله، محذّرا من مغبة الإقدام على ذلك بقوله: (من كذب علي يلج في النار) (2) ولم يكن ذلك ليمنع طلاب الدنيا - وما أكثرهم - عن مواصلة نهجهم التحريفي، خصوصا وقد تهيّأ ذلك لهم، باستيلاء معاوية على الحكم بالمكر والخديعة، فتعاظمت حركة وضع الروايات والمكذوبة ونسبتها إلى صاحب الوحي، وتزامن ذلك مع أعمال تشويه وبطش كبيرين بشيعة علي وأهل بيته، امتدت من المدينة الى الكوفة إلى اليمن، لم يسلم منها سوى من تركوا الديار، وفروا بجلودهم من أعمال بني أمية الانتقامية التي كانت بدافع حقد دفين ظهر ليكشف معادن خبيثة كان النبي قد أشار إليها: (لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلّا منافق) (3).

وطبيعي أن تتربى في المجتمع فئة من طلاب الدنيا، مستعدون لتنفيذ ما يأمرهم به سلطانهم، دون مراعاة لأي قيمة إسلامية يمكن أن تمنعهم من تلك الاعمال الموكلة اليهم، فمن قتل عليا، ودس السم لابنه الحسن، ومن حال دون وصول الحسين إلى الكوفة، وجعجع به في كربلاء، وقام بارتكاب مذبحة فظيعة بحقه وحق أهل بيته وأصحابه، ليس من العدل أن يوصب بالإسلام فضلا عن الايمان وأن يُترضّى عنه، لاحظوا هنا إلى أي مدى وصل بنا الأمر في خلط الحق بالباطل، فلا تمييز حاصل بينهما في ذلك الزمن إلا من رحم ربك، في مجتمع رضي بأن يكون مطيّة سوء أمويّة.

وعندما نستعرض ما جاءنا من تاريخ تلك الأزمنة القبيح أفعال اهلها، من انتهاكاتها الإنسانية، نستطيع أن نتبين مدى عمق آثارها المادية والمعنوية، على طائفة واحدة من المسلمين، رفضوا الخضوع لحكم بني أمية، على أساس أنهم مغتصبون ظالمون ومعتدون، وقد قابلهم هؤلاء الحكام ببطش وقوّة شديدتين، كما جاء مُدَوّنا: أخرج المدائني في كتاب الأحداث ما يلي:

(ألا برئت الذمة ممن روى حديثا في مناقب علي وأهل بيته وقامت الخطبة في كل مكان على المنابر بلعن علي بن أبي طالب عليه السلام والبراءة منه والوقيعة في أهل بيته واللعنة لهم بما ليس فيهم عليهم السلام. ثم اشتد البلاء بالأمصار كلها على شيعة علي وأهل بيته، وكان أشد الناس بلية أهل الكوفة، لكثرة من بها من الشيعة واستعمل عليها زيادا ضمها إليه مع البصرة وجمع له العراقين وكان يتبع الشيعة - وهو بهم عالم - لأنه كان منهم قد عرفهم وسمع كلامهم أول شيء، فقتلهم تحت كل كوكب، وتحت كل حجر ومدر، وأخافهم وقطع الأيدي والأرجل منهم، وصلبهم على جذوع النخل، وسمل أعينهم، وطردهم وشردهم، حتى انتزحوا عن العراق، فلم يبق بها أحد منهم إلا مقتول أو مصلوب أو طريد أو هارب. (4)

من خلال هذا النص الواضح، نستطيع أن نستجلي حقيقة ما تعرض له الشيعة من أعمال إبادة وتنكيل، لم يراعى لهم فيها أي حق من حقوق الإسلام البديهية في حرمة الأنفس المحترمة، فمحنة المسلمين الشيعة غير متعلقة بالإمام الحسين يوم عاشوراء وحدها، بل هي سلسلة من الإنتهاكات التي تعرضوا لها طوال فترات متباعدة من الزمن، وكانت عاشوراء منتهى الظلم والتعدّي والاجحاف بحق صفوة الإسلام من عترة النبي صلى الله عليه وآله الطاهرة، وبها انفجرت مشاعر الحب والمواساة لهم، وحقيق بمن مات محزونا عليهم أن لا يُلام، بل كان أجدى بمن استنكر أفعال حزن المكلومين، أن يكون عادلا باستنكار ما تعرض له أهل البيت وشيعتهم من اعتداءات، ولا يرى في من حزن على أبي الأحرار غضاضة بما فعله، تعبيرا عن حزنه مهما أتى، فخطب الحسين عظيم لو وعى المسلمين عظم الجريمة وتقصيرهم تجاهها.

من الخطأ الجسيم الإصرار على البقاء تحت تأثير موروثات خاطئة، تسببت في ظهور دابة تكفير الشيعة، لأمكن لهم الإبتعاد عن مجال أسّسه حكامهم، وبالغوا في التنكيل بفرقة إسلامية أصيلة، لا ذنب لها جنته منذ تأسيسها، سوى أنّها رفضت موالاة الظالمين، بدأ ممن اغتصب الحكم من أئمتهم، الذين آمنوا بهم قادة مرحلة ما بعد النبوّة، اصطفاهم الله سبحانه على خلقه، من أجل أن يمارسوا دورهم في حفظ الدين آدابا وأحكاما، ولا يمكن فهم المسلمين الشيعة على هذا الأساس، من دون النظر إلى أمّهات كتبهم، المعتمدة في أصولها وفروعها على روايات أئمتهم - وهي متاحة لمن يريد أن يعرف - وبالتالي تبديد أوهام خاوية، ركّبها عليهم من عملوا على إدانتهم  باطلا، وعملوا على التحريض عليهم دهرا طويلا.

لم يطلب أحد من هؤلاء الذين كفّروا الشيعة، أن يخرجوا من حصنهم الفقهي والعقائدي الذي شيده لهم حكامهم، باستبعاد فقه أئمة أهل البيت عليهم السلام، من إطار اعتماده كسائر مدارس فقهية، أقرّوها مناهج تعبّدية، وإن تخللها اختلافات فيما بينها، أدّى الى صدامات افتعلتها العامة، واعتداءات وقعت في مناطق مختلفة من بلاد الإسلام لأسباب تافهة، لا ترقى لاعتبارها مادة خلاف، من شأنها أن تُسبب كل ذلك التحامل والعداء وسفك الدماء عليها، ما كان مرْجُوّا منهم التماس الأعذار التي تسمح بالتعايش بينهم وتستبعد التعصب، وتلغي منهج التطرّف الذي ما فتئ يسوقهم إليه حكامهم.

المصادر

1 –  صحيح مسلم ج6ص23ح1853

2 – سنن الترمذي ج4ص395ح2660

3 – سنن الترمذي ج 6 ص 94 ح3736

4 – شرح  نهج البلاغة ابن ابي الحديد ج 3 ص 595 

 

dimanche 6 juillet 2025

عاشوراء الحسين أولى بالإحياء من أوهام الظالمين (1)

مثلما عمل بنو أميّة على تفادي انتشار خبر شهادة عمار بن ياسر، وهو يقاتلهم ضمن جيش علي بن أبي طالب عليه السلام، خوفا من تبعات تعْرِية أهدافهم المنحرفة، وإظهارهم في موقف البغاة على الحق، كما صرّح بذلك النبي صلى الله عليه وآله، (تقتلك الفئة الباغية)(1)، فنسجوا عليه شخصية نسبوها إلى يهودي أطلقوا عليه كنية ولقبا ليوهموا المسلمين بأنّ شخص حقيقي، سعى بين المسلمين ليحدث فتنة قاتلة، وقد صدّق ذلك من لم يحترز لدينه من الأقاويل والاشاعات التي لا تستند إلى دليل مقنع بوقوعها، ولو كان جيش علي مهيعا ينتسب اليه كل من هب ودبّ، لقبل بقاء معاوية على ولاية الشام فكيف به يرضى بيهودي ركّبوا عليه أقاويل ادّعوا أنّه صاحب صناعتها.

كذلك فعلوا، كي يتنصّلوا من تبعات مقتل سيد شباب أهل الجنة الحسين بن علي عليه السلام، وخيرة أهل بيته وأصحابه في كربلاء، يوم العشر من المحرّم سنة 61 هجرية، ولم يكن خروجه الى العراق الا طلبا للإصلاح في أمة جدّه، وقد شكّلت تلك الثورة العظيمة في أبعادها المعنوية، عامل دفع قوي نسج على منواله أحرار الأمّة حركات ثورية إصلاحية في أهدافها، لم تسفك دماء خصومها الا بالحق، وطلبا لإقامة العدل، كما حصل في ثورة المختار الثقفي، عندما ثأر ممن اشترك في مقاتلة سيد شباب أهل الجنة في كربلاء سنة 66 هجرية.

دهاء وخبث الأمويين، دفع بمروّجي أباطيلهم إلى اختلاق فضائل وهميّة، نسبوها إلى العاشر من المحرّم، لكي يُنْسوا المسلمين ما ارتكبوه من ظلم وتعدّ بحق الامام الحسين وأهل بيته عليهم السلام، لكنهم لم يستقروا على حال في هذا التلفيق الذي خرجوا به للناس، فتباينت ادّعاءاتهم واختلفت اختلافا كبيرا، برهن على أنّها روايات موضوعة، لغاية صرف المسلمين عن حقيقة أن عاشوراء لا تتعدى كونها حادثة إسلامية مؤلمة وحزينة حصلت بين معسكرين:

-        معسكر حق أظهر هدفه من وراء مجيء قائده إلى العراق، كان الإصلاح ولا شيء غيره، هذا المعسكر كان قليل العدد، لكنّه يحتوي على خيرة أهل الأرض أنفسا، فحوالي 73 شخص افزعوا طاغية العصر يزيد، ليرسل إليهم جيشا أمويا جرارا، تعداده كما أكثر من عشرون ألف مقاتل (2)

-        معسكر باطل حشد عشرات آلاف المقاتلين، أُرسلوا أولا من أجل منع الامام الحسين من دخول الكوفة، خوفا من استجابة أهلها لدعوته، واستطاع بدهاء قادته (ابن زياد نموذجا) من افشال ما مهّد له سفير الامام الحسين مسلم بن عقيل من تلاحم قام بين القاعدة الشعبية وقائدهم العظيم.

خطورة ما أقدم عليه الأمويون من مقتله يوم العاشر من المحرم، دفعت بهم إلى استنفار رواتهم لتزييف تاريخ ذلك اليوم، وتحريفه عاشر محرم حقيقي ارتكبت في مذبحة شنيعة بحق صفوة النبي صلى الله عليه وآله، إلى يوم خير وبركة، نجّا الله فيه موسى من فرعون، ففي رواية:

أنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَدِمَ المَدِينَةَ فَوَجَدَ اليَهُودَ صِيَامًا، يَومَ عَاشُورَاءَ، فَقالَ لهمْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: ما هذا اليَوْمُ الذي تَصُومُونَهُ؟ فَقالوا: هذا يَوْمٌ عَظِيمٌ، أَنْجَى اللَّهُ فيه مُوسَى وَقَوْمَهُ، وَغَرَّقَ فِرْعَوْنَ وَقَوْمَهُ، فَصَامَهُ مُوسَى شُكْرًا، فَنَحْنُ نَصُومُهُ، فَقالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ: فَنَحْنُ أَحَقُّ وَأَوْلَى بمُوسَى مِنكُم فَصَامَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، وَأَمَرَ بصِيَامِهِ (3)

وفي رواية أن عاشوراء كان يوما تصومه قريش في الجاهلية (4)

وفي رواية أن عاشوراء يوم نجا الله فيه عشرة أنبياء صادفت نجاتهم ذلك اليوم:

عن أبي هريرة مرفوعا: إن الله عز وجل افترض على بني إسرائيل صوم يوم في السنة يوم عاشوراء ... فصوموه، فإنه اليوم الذي تاب الله فيه على آدم، وهو اليوم الذي رفع الله فيه إدريس مكانا عليا، وهو اليوم الذي نجَّى فيه إبراهيم من النار، وهو اليوم الذي أخرج فيه نوحا من السفينة، وهو اليوم الذي أنزل الله فيه التوراة على موسى، وفيه فدى الله إسماعيل من الذبح، وهو اليوم الذي أخرج الله يوسف من السجن، وهو اليوم الذي رد الله على يعقوب بصره، وهو اليوم الذي كشف الله فيه عن أيوب البلاء، وهو اليوم الذي أخرج الله فيه يونس من بطن الحوت، وهو اليوم الذي فلق الله فيه البحر لبني إسرائيل، وهو اليوم الذي غفر الله لمحمد ذنبه ما تقدم وما تأخر، وفي هذا اليوم عبر موسى البحر، وفي هذا اليوم أنزل الله تعالى التوبة على قوم يونس ..وزاد بعضهم ادريس وسليمان وأيوب (5)

هناك من علماء العامة من أنكر روايات نجاة هؤلاء الأنبياء، واعتبرها من الموضوعات، ذكر ذلك الحلبي في سيرته، والسيوطي في اللاليء المصنوعة: موضوع. ورجاله ثقات، والظاهر أن بعض المتأخرين وضعه، وركبه على هذا الإسناد، أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات، وقالهذا حديث لا يشك عاقل في وضعه، ولقد أبدع من وضعه وكشف القناع ولم يستحي ... ولو ناقشناه على شيء بعد شيء لطال، وما أظنه إلا دس في أحاديث الثقات، وكان مع الذي رواه نوع تغفل، ولا أحسب ذلك إلا في المتأخرين(6).

فكيف بمن علم من المسلمين دراية، أن سيد شباب أهل الجنة قتل في خيرة من أهل بيته وأصحابه ظلما وعدوانا، ودون مراعاة لمودّته التي فرضها الله على الأمّة الإسلامية أجرا لرسالة نبيّه، أن يستأنس بمفتريات صنعتها عقول آثمة، سينالها من وزر ما اختلقت من باطل للتستّر على أفظع جريمة في تاريخ الإنسانية؟ وكيف يتفق يوم عاشوراء من شهر محرم القمري، مع تاريخ اليهود الشمسي؟

وكيف يستسيغ مسلم عاقل فيقبل بجهل النبي صلى الله عليه وآله، يوم نجاة موسى عليه السلام، وهو المتصل بالوحي مباشرة يوم نجاة موسى، فيقبله من اليهود وهم محرّفو دينهم وقتلة أنبيائهم؟ عجبا لعقول تصحّرت فلم يعد فيها ما يصلح للتمييز بين ما هو معقول ومقبول وبين ما هو خرافة ومرفوض، مع وجود تلميحات وإشارات صادرة من بعض عقلاء علمائهم رافضة جملة من هذه الروايات، فهل من عاقل يستعيد عافية فكره ليعتبر أن عاشوراء يوم واحد خاص بالمسلمين، عمل الطغاة الامويون وأتباعهم على محو اثاره بالأكاذيب، وهيهات أن يضيع حق الحسين وأهل بيته عليهم السلام، ستبقى عاشوراء الحسين مُلْهِمة الثوار والاحرار، ولن يستطيع الظالمون إخفاء جريمتهم النكراء في ذلك اليوم بافتعال الأكاذيب، وسيبقى الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة كما أخبر عنه جدّه الأكرم صلى الله عليه وآله.

المصادر

1 – حلية الأولياء أبي نعيم الاصفهاني ج2ص198

2– اللهوف ابن طاووس ص85/ الفتوح ابن الأعثم الكوفي ج5ص89/90

3 – صحيح مسلم ج3ص150ح1130

4 – صحيح مسلم كتاب الصيام باب صوم عاشوراء ج3ص146ح1125

5 – عمدة القاري في شرح صحيح البخاري للعيني ج17 ص135

6 – https://www.islamweb.net/ar/fatwa/361267/

 

 

 

 

mercredi 2 avril 2025

عيد بمرارة جرائم الصهيونية



أمّ قائد الثورة الإسلامية الخامنئي جماهير الشعب الإيراني، أوفياء نهجه صلاة عيد الفطر المبارك، وخطب من على منبر ضريح مؤسس النظام الإسلامي الإمام الخميني الراحل، وتابعه عشاق سبيل مقاومة الاستكبار والصهيونية في العالم، مهنّئا بحلول العيد واصفا إيّاه بعيد مرّ، نظرا لما يحصل من مجازر تركبها القوات الصهيونية، على مرأى ومسمع من العالم في غزة ولبنان وفلسطين بدعم أمريكي غربي، معتبرا أنّ هذا الكيان الغاصب هو وكيل الاستعمار الأمريكي الغربي، وهؤلاء من أسسوه وساعدوه على الاستقواء، وهو يدهم الطولى في المنطقة، يعربد فيها كما يشاء دون حسيب ولا رقيب، وقد كشف عن مدى عدوانيته باحتلاله أراضي جديدة في جنوب سوريا.

العالم اليوم أصبح يعرف جيّدا حقيقة هذا الكيان ويدرك المعنيون من شعوب المنطقة مدى خطورته على بلدانهم، وأنّه لن يتردد في شن أي عدوان من شأنه أن يخضع من حوله ليتوسّع فيهم، وقد اثبت تلك النوايا مرارا وتكرارا، وتاريخه مليء بالعدوان وجرائم القتل والابادة، لم يتغيّر منه شيء، ومع كل تلك اعمال الإبادة التي يرتكبها، تراه أمريكا ودول الغرب مدافعا عن كيانه، مسموح له بفعل أي شيء يتيح له البقاء مهيمنا على الارض وأهلها متصرفا فيهم تصرّف المالك الذي يجوز له القيام بأيّ شيء.

سياسة قلب الحقائق التي تمارسها أمريكا والغرب، في اعتبار مقاومة الكيان الصهيوني العنصري إرهابا يجب التصدّي له، من طرف المنظومة الدولية التي يسيطر عليها دوائر الإستعمار الغربي، في محاولة للتأثير على بقية الشعوب، حتى لا يناصروا أي حركة مقاومة لمشاريعه الاستعمارية في العالم، هذا الكيان الصهيوني يعتبر ظاهرة معادية للقيم الإنسانية والدينية، واجتثاثه من أرض فلسطين واجب ديني وأخلاقي ملقى على عاتق الجميع.

وأشار القائد الخامنئي أنّ مواقف الجمهورية الإسلامية تجاه قضايا التحرر مبدئية لن تتغير، وعداوة النظام الإسلامي في إيران لأمريكا ولقيطتها إسرائيل، باقية ببقاء السياسة العدوانية التي تمارسها بمنطق إستقواء يمارسه قادتها بعقلية التحكم بالعالم، منبّها ومحذّرا بقوّة (إذا فكّر الأعداء في إثارة الفتنة داخل إيران، فسيكون ردّ الشعب الإيراني حاسمًا، كما كان في الماضي، وإذا ما أقدموا على أيّ عملٍ شرير، فستكون عاقبتهم تلقّي ضربةٍ قويّةٍ وشديدة)(1)

خطبة الخامنئي في هذا العيد، هي عبارة عن ردّ لفظي لما جاء في رسالة ترامب، التي لم يأبه لها ولا أقام لها اعتبارا، وهي التي تعدد حمَلتها ووسطاؤها فلم تجد لها قبولا، أثبت قاد الثورة الإسلامية من خلال ردّه الغير مباشر عليها، أن إيران لا يمكن بأي حال أن تقبل منطق إستقراء وإبتزاز، ما فتئ يمارسه الرئيس الأمريكي ترامب على العالم، ولن تخضع بلاده تحت أي ظرف للسياسة الأمريكية المتعجرفة، وهي التي لا تزال تراها شيطانة كبرى تهدد العالم بالقوة العسكرية، وقد اثبتت إيران أنها ليست من تلك الدول الخاضعة لأمريكا وتأتمر بأوامرها.

مواقف إيران كما صرّح بها قائد ثورتها نابعة من صميم القيم والأحكام الإسلامية، التي تحرّم الركون إلى القوى الاستعمارية الظالمة، وتحثّ على مقاومتها، والدفع بها بعيدا عن التأثير في مسيرة ومستقبل وحرّية الشعوب الإسلامية، وهذه المواقف مبدئية وأساسية، يتكامل بها مشهد الحرية والعزّة في مجتمع اختار طريق الإسلام، ليسلكه في عالم إسلامي ابتعد عن دينه، بحيث أصبحت مبادئه بعيدة المنال عن عامة شعوبه التائهة والمضللة بثقافة الغرب المعادي لدينهم.

نجاح ايران في قيادة محور مقاومة مشاريع أمريكا والغرب، استفزّ الرأس المدبّر والحاكم المتغطرس بقوّته، فبدأ بشن حرب إعلامية واقتصادية وعسكرية بالوكالة استمرت ثماني سنوات، لكنّها فشلت في تحقيق شيء مما كانت تأمله القوى الغربية من إسقاط إيران، بل زادت من حظوظها في الثبات والتطوّر على جميع الأصعدة، واعتقد أن المتابع لتلك السنوات العصيبة التي مرت بها إيران، كانت سببا في شقّها طريق التوفيقات الإلهية، مؤمنة بأّنها حاملة رسالة الإسلام المحمدي على بقية الشعوب الإسلامية، من أجل تحفيزهم على التضحية والبذل في سبيل الإسلام العظيم.

ومرّة أخرى تثبت الحشود المليونية الإيرانية واليمنية للعالم، أن نهج المقاومة الذي أسسه الإمام الخميني، بدأ من اعلان يوم القدس العالمي، ومرورا بالإعداد العسكري والاقتصادي لمواجهة أعداء الأمّة الإسلامية، أنّ خيار مقاومة مشاريع أمريكا والغرب حتمي ومصيري، ولا يمكن لشعب ان يتطور وينمو، وهو يعيش تحت قوى غربية، تسعى لفرض أداتها الصهيونية عليه، يبقى الشعب الإيراني وفيّا لمبادئه في العزّة والكرامة، سبقا لغيره من الشعوب الإسلامية في هذا المضمار، مع أمله في نماء الوعي لبقية الشعوب، لتلتحق به متضامنة معه من أجل مستقبل أفضل يريده الله لخير هذه الأمّة، غدا ستتحرر فلسطين وتتخلص من كيان غاصب إلى الأبد، غدا ستكون القدس عاصمة الحرّية ورمزها العميق في العالم .   

المصادر

1 – في خطبة عيد الفطر .. الإمام الخامنئي يحذّر الأعداء: أي هجوم سيقابل بضربة شديدة

https://www.almanar.com.lb/13316657

jeudi 27 février 2025

حقيقة إيران ومسيرتها الموفقة لا تُعيقها الأكاذيب

 



يبدو ان فئة من التونسيين تدّعي المدنية والتحضّر محسوبة على الثقافة، انخرطت في سريعا في نقد الكتورة أنسية الخزعلي مساعد الرئيس الإيراني لشؤون النساء، بعدما قدّمت محاضرتها  يوم الأحد 9/2/2025 في قصر النجمة الزهراء بالعاصمة لتتحدث عن تجربة المرأة الإيرانية - وهي المؤهّلة لذلك بصفته ممثلة للحكومة  والمرأة الإيرانية - وهذا فيما يسمح به التبادل الثقافي بين البلدين الشقيقين، ووزارة الثقافة على دراية وعلم بالأسبوع الثقافي الإيراني التونسي، باعتباره مشتركا بين نُخَبِ علمية من البلدين، الهجوم المحموم الذي شنته بعض الشخصيات التي أدلت بدلوها في مجال تشويه صورة ايران صحفية من جريدة الشروق، لم تجد ما تقوله بشأن ما جاء في المحاضرة، فانبرت تقتات من نفايات الغرب وأخباره الزائفة بشأن إيران بالطّعن على نظامها، وتصويره نظاما متخلّفا عن ركب العالم المتقدم، مستبدا بحقوق شعبه، أملا في وقف اهتمام شعوبنا العربية والإسلامية بثورته الرائدة ونظامه الذي قام بعد استفتاء شعبي بلغت نسبته 98.2%(1)، وهو نظام مثّل هاجسا في وجوده ونجاحه، أقضّ مضاجع الغرب وعلى رأسه أمريكا، وكل من آمن بثقافته، وقوانينه الإجتماعية الفاسدة، فانبرت طوابير منخرطيهم، في مناسبة وبدون مناسبة،  يكيلون الإساءات لإيران وينخرطون في مؤامرات غرب المستهدفة لها.

ما ذكرته (أسماء سحبون) في مقالها على الصفحة 13  تحت عنوان : ( التونسيات لا يحتجن لدروس ومكاسبهن ثابتة)، بعيد كل البعد عن محاضرة الدكتورة أنيسة خزعلي، وهذه الدكتورة لم تاتي إلى تونس من أجل تقديم دروس للمرأة التونسية، بل لأجل التعريف بالتجربة الإسلامية الإيرانية فقط،  ومن حقّها القيام بذلك، في إطار التبادل الثقافي المشترك، بأسلوب عربي فصيح بعيد كل البعد عن الإثارة والتطاول والتجريح، بل كان ما دوّنته مجموع تشويهات، صادرة عن أعداء إيران، كل ما فعلته كان كيديا خارج الموضوع، وجدت في هذه المناسبة فرصة، لتلقي فيها ذباب جهلها على حقائق إيران الإسلامية، وهذه حال من لم يعد لهم دين يلتزمون به، ورضوا بأن يستدرجهم الغرب إلى متاهاته وثقافته المنحرفة عن الفطرة الإنسانية ( فطرت الله التي فطر الناس عليها ) (2)، الذي لم يرسل رسله بكتبه وقوانينها، إلّا من أجل إصلاح البشرية، وبناء مجتمعات ملتزمة بأحكامه، دون تحريف أو اسقاط، وهذا التوجّه الديني الذي طرحه الامام الخميني على شعبه وقبله بصدر رحب متفائلا بعصر جديد يحكم فيه الإسلام المحمدي بعد غياب طويل.

السياسة الخارجية الإيرانية مبنية على احترام الأشقاء والأصدقاء، رغم أنّها أوذيت من الكثيرين منهم، خصوصا أولئك الذين رضوا بأن ينخرطوا مع الدول الغربية، في مؤامراتها ضد إيران بدعوى ملفّقة عن الشأن الداخلي للبلاد، أثبت الوقائع والأحداث بطلانها بمرور الزمن، وفي هذا الإطار نرجو من الحكومة التونسية الالتفات إلى أيّ إساءة أو دعاية أو تشويه، تصدر من شخصيات داخلية بحق نظام بلد شقيق يكنّ لنا حكومة وشعبا كل الاحترام والتقدير، وهذا الذي صدر على صفحات الشروق إساءة متعمّدة لا نريد تكرارها في بلادنا، وإيقاف هذا التسيّب من صميم أخلاقنا الإسلامية عملا بقوله تعالى: (إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين)(3)

أما ما دسّته صاحبة المقال من بهتان وهو كما قلت خارج عن الموضوع، فرأيت التعريج عليه، إنارة للرأي العام التونسي والعربي، ودحضا لمفتريات من افترى على إيران كذبا وبهتانا، تأسّيا بمنظومات الغرب وأبواقها الإعلامية المشوّهة لإيران، إنّ للمرأة الإيرانية مكانة هامة في صلب المجتمع الإيراني على تعدد طوائفه، تعدد لم يمنعها من الإنسجام والإنصهار في صلبه، وشق طريقها المعرفي والمهني بكل اقتدار

مجالا للكيد ضد إيران والتعرف ايش مع ثقافة المجتمعات الأخرى، لم يعد لها ما تقدمه على الساحة التونسية، سوى الركوب على دابة الحدث الثقافي الإيراني التونسي المشترك، كما يحلو لهم الركوب ولو منكوسين، لا يدرون إلى أين يذهبون؟ لعلّ فيهم من لم يتبيّن أن سائقه ودافعه غربيّ أمريكي ذو نزعة صهيونية، هدفها دق إسفين في العلاقات الخارجية بين تونس وإيران، وتبدو غاية طابور التبعية التغريبي التونسي، ممثلا في شخصيات ممسوخة الفكر والعقيدة، سارعت متحاملة، لم تدرك حتى ما قالته الاكاديمية ونائبة رئيس الجمهورية الإيراني في محاضرتها التي ألقتها بمناسبة الأسبوع الثقافي الإيراني التونسي، والدكتورة الإيرانية لم تأتي لتروّج بل جاءت لتعرّف وتقدّم صورة واضحة للمرأة الإيرانية تحت ظل نظامها الجديد منذ 46 سنة.

فما الذي حرك طابور معاداة الانفتاح الثقافي على الأشقاء الايرانيين ليتقولوا عليهم ما لم يقولوه في ندوتهم الثقافية بمناسبة الأسبوع الثقافي التونسي الإيراني، فيحركوا بواطنهم الخبيثة إساءة واتهاما مع أن الحقيقة لا تحتمل كل هذا التحامل، ويبدو أن الأخوة الإيرانيين أكثر دبلوماسية وتفهما للواقع التونسي، وهم مدركون تماما، أن الساحة الإعلامية ملوّثة بدعايات وإملاءات قوى خارجية، لا تريد أن يقف التونسيون على حقيقة إيران، بما يطرد عنهم اشاعات الأبواق الغربية المغرضة، فلا ينساقون وراء ترّهات باطله بشأن إيران.

صيحات وكتابات الإساءة على ايران لن تغيّر شيئا من واقعها الداخلي المتماسك والمتضامن مع نظامها وليد ثورة إسلامية شهدها العالم بتفاصيلها فكانت بداية تغيير عالمي اقتحمه الإيرانيون بتجربة إسلامية لم يكن يتوقعها الغرب عدوّ الإسلام المتربّص بها، بعد أن غلبته ثورتها فلم يقدر على ايقافها، خطط بعد ذلك لإسقاط نظامها، بمختلف أساليب الشيطنة التي يمتلكها، عقوبات ودعايات ومؤامرات داخلية وخارجية، وسلسلة اغتيالات طالت كبار علماء وقادة إيران، عجزت عن تحقيق ما كان يصبوه زعماء الغرب من الخلاص من نظام، رفض بقوة ان ينضوي في سلك التبعية للقوى الغربية الحاكمة في العالم بزعامة أمريكا.

المراجع

1 – الدستور الإيراني

https://mauritania.mfa.gov.ir/ar/generalcategoryservices/10461

2 – سورة الروم الآية 20

3 – سورة الحجرات الآية 6

    

 

المرأة في إيران من التهميش إلى حياة العز والكرامة

 


على صفحة الشروق الثقافي عدد 12 تحت عنوان: (أين الثقافة في ندوة الأسبوع الثقافي الإيراني؟) انخرطت (نجوى الحيدري) في نفس أسلوب الإساءة التي رمتها بها زميلتها (أسماء سحبون) مستندة فيها بما روّجته وسائل الإعلام الغربية من تزييف لحقائق بشأن إيران نظاما وشعبا، لقد جاءت الدكتورة (خزعلي) في إطار التبادل الثقافي، للتعريف بتجربة المرأة الإيرانية، ولم تأتي لإعطاء دروس لأي كان - كما تبادر إلى أذهان من تلوّثت عقولهم بأيّ وهْمٍ خارجي يطرأ عليها-  بل كان هدفها تصحيح الصورة الخاطئة والمغلوطة، التي رسمتها المنظومة الغربية عن المرأة الإيرانية، ودحض أيّ شبهة متعلقة بها، فلِمَ كل هذا التهافت على أسبوع ثقافي درج عليه المشرفون منذ سنوات في اطار عملية تبادل ثقافي، يندرج ضمن اتفاقيات رسمية بين البلدين؟ وما الخطر الذي أصبحت تمثله الأيام الثقافية الإيرانية التونسية، حتى ينبري اتحاد الكتاب والصحفيين العرب فيدلي بدلوه مع من أدلوا بدلائهم فيه، مطالبا وزيرة الثقافة بإلغاء فعالياته؟  

ردود أفعال كشفت سرائر من رموا بأنفسهم في أتون مواجهة خاسرة مسبقا، عبّرت عن مستوى فكري إقصائي ضحل لهم، وبواطن مريضة بداء الحقد على إيران، منسجمة فيه مع أعدائها الذين هم قطعا أعداء الإسلام، متحالفين مع أمريكا ودول الغرب والكيان الصهيوني، من أجل عزل إيران عن محيطها، وغلق أسباب التواصل الأخويّ مع دوله، ولا ذنب لإيران سوى أنها رفضت أن تكون تبعا لإملاءات الغرب ومشاريع هيمنته، بعدما استنقذت بلادها من زمن الشاه عميله، بواسطة ثورة إسلامية عارمة، أنتجت منظومة حكمية جديدة، أظهرت فكرها وانتماءه الإسلامي، وأعلنت مشاريعها التحررية دون مواربة، وفي مقدمتها مشروع تحرير فلسطين، متحدية أمريكا وقوى الغرب في ذلك، وهذا ما سبب لها متاعب جمة في طريقها، ومع ذلك أصرت على المضيّ فيها، ولم تتراجع ولا غيّرت من أهدافها المُعلنة، وبقيت على العهد حافظة لها ملتزمة به ثابتة عليها.

لم تطلب الدكتورة خزعلي في محاضرتها من التونسيات الإقتداء بالإيرانيات، ولو فعلت ذلك، لكان هناك مجال ومستمسك يسمح لهؤلاء المتنمّرين عليها، بأن يعتبروا ذلك درسا مقدّم منها للنساء التونسيات، وكان مبرّرا تهجّمهم واستنكارهم، ولكن ليس إلى مستوى الافتراء على إيران وتشويه صورتها لدى الرأي العام التونسي، الذي لا يزال يجهل حقيقة إيران، ومع ذلك أقول ما وجه الضرر في أن تتعرف المرأة التونسية على أختها الإيرانية، فتزيل عنها غشاوة الأقاويل الباطلة، والتشويهات الإعلامية التي بثتها وسائل الإعلام المعادية لإيران؟ من حق إيران من خلال نشاطها الدبلوماسي الخارجي أن تدافع عن حقائقها بما يسمح لها العرف من نشاط ثقافي، بإمكانه أن يقدّم صورة حقيقة وواقعية عن ثورتها ونظامها، ومؤسسات حكمها وطبيعته ومستنداته ودستورها وفصوله، وما أتاحه للمرأة على سبيل المثال، لأنّ مجالها كلّه كان مستهدفا من دول الغرب بالإساءة.

اعتماد أصحاب الأفكار المعادية للنظام الإسلامي، على ما يروجه الغرب من باطل بشأن إيران، دون انتباه يلقي باللائمة عليهم، بسبب سرعة انسياقهم وراء تلك الدعايات وتصديق محتوياتها، لول أنهم تربصوا وبحثوا بصورة عادلة لما أقاموا وزنا لأراجيفه، من أراد أن ينتقد إيران في دستورها فليتخذ منحى علمي يمكن الردّ عليه بما يثري نقاشا متكافئا يترجّح فيه الأقوى حجة، أما أن يكون الغرب مرجعا يستند إليه المفتونون به، مثلا قبل أن يتحدث هؤلاء عن الإعدامات في إيران، يجب أن يذكر أسباب أحكامها الصادرة، بخصوص القتل العمد، مع ذلك هناك إمكانية اسقاط الحكم بعفو وليّ المقتول، وهذا غير موجود في سائر دول العالم.

من اطلع على الدستور الإيراني - وهو متاح للجميع - فهم من خلاله، أن كل ما روّجه أعداء إيران بحقّها، كان مجرد دعايات باطلة، لا أساس لها من الصحة، ومؤامرات خبيثة باءت فصولها بالفشل، إنّ للمرأة الإيرانية في مجتمعها مكانة مميّزة، باعتبارها شريكة الرجل في الحياة الأسرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعلمية والتعليمية، وفي مجال الخدمات المدنية والطبية والعسكرية، فلا يوجد مجال من مجالات الحياة لم تقتحمه المرأة الإيرانية وبكفاءة تامّة.

 فعلى مستوى التشريع الإسلامي: وقع إقرار مواد محدّدة في الدستور لحماية حقوق المرأة، ومنع ممارسة التمييز ضدها، بما في ذلك الفقرة 14 من المادة الثالثة من الدستور، التي تؤكد على تأمين الحقوق الشاملة لجميع الأفراد (للرجل والمرأة)، وايجاد الأمن القضائي العادل للجميع، وتحقيق المساواة العامة أمام القانون، إضافة الى المادتين 20 و 21 اللتين تؤكدان المساواة بين الجميع أمام القانون، وواجب الحكومة في ضمان حقوق المرأة في جميع الجوانب.

- إقرار قانون تخفيض ساعات عمل المرأة العاملة، التي لديها ظروف خاصة، بما في ذلك النساء ذوات الإعاقة، أو اللاتي لديهن طفل أو زوج مريض ومعوق، وكذلك النساء اللاتي لديهن أطفال دون سن 6 سنوات، كما يأتي في هذا السياق، أن ربات الأسرة يمكنهن العمل ستًّا وثلاثين ساعة في الأسبوع، لكنهن يتلقين راتبًا كاملاً على أساس أربع وأربعين ساعة في الأسبوع.

-  موافقة مجلس الوزراء الحكومي عام 2021 على الزيادة اللاحقة في إجازة الأمومة للنساء العاملات، في القطاعين العام وغير الحكومي من 6 أشهر إلى 9 أشهر، مع دفع الرواتب والمزايا، ولمساعدة الآباء على المشاركة بنشاط أكبر في رعاية الأطفال، حيث يحصل الآباء أيضًا على 14 يومًا من الإجازة عند ولادة طفلهم.

إقرار المادة 101 من خطة التنمية الخمسية السادسة بخصوص مهام الأجهزة التنفيذية بشأن مشاركة المرأة في صنع القرار والإدارة كأحد مؤشرات العدالة بين الجنسين.

ومن حيث مواكبة المرأة الإيرانية مع الرجل الحياة الوظيفية والمهنية نجد أنّ: 50% من المناصب الإدارية في وزارة الصحة تشغلها نساء، ارتفعت نسبة النساء العاملات في الحكومة من 34.64٪ عام 2009 إلى 41.67٪ عام 2018، مما يشير إلى الاتجاه التصاعدي لوجود المرأة في الوظائف الحكومية.

هناك 1121 قاضية تعمل في الجهاز القضائي، ارتفعت نسبة تولّي مناصب القضاء من قبل نساء قاضيات بمعدل 3٪ سنويًا من 2011 إلى 2017، كما ارتفع عدد القاضيات من 33 قاضية قبل الثورة إلى 1121 في السنوات الأخيرة. أكثر من 4000 سيدة أعمال ناشطات في الدولة و20٪ من مراكز ريادة الأعمال. إنشاء 250 شركة مختصة بالتطور العلمي من قبل النساء.

-  ارتفعت نسبة تعيين المديرات في المحافظات بنسبة 89.8٪ في السنوات الثلاث الماضية.

- تشكل النساء 56٪ من طلاب الجامعات الحكومية.

- زيادة عدد الطبيبات المتخصصات من 597 سيدة إلى 30 ألف سيدة بحلول عام 2016

-  تشكل النساء 40٪ من الأطباء المتخصصين و30٪ من الأطباء غير المتخصصين.

- زيادة عدد الطبيبات في "الطب العام" من 3500 طبيبة سنة 1977 إلى 60000 طبيبة سنة 2016
- زيادة تغطية الولادة الآمنة إلى أكثر من 98٪ بحلول عام 2016

- زيادة العمر المتوقع للمرأة من 56.2 سنة عام 1976 إلى 79.4 سنة عام 2018.(1)

هذه ارقام بسيطة وليست نهائية لكنّها تثبت مكانة المرأة في ايران وتطورها المطّرد لتتبوأ مكانتها الطبيعية في صلب مجتمعها عزيزة منيعة متمسّكة بدينها محافظة على آدابه وأحكامه بكل طواعية وإيمان راسخ، دون أن أنسى دورها الكبير والمشرف في الدفاع عن بلادها في الحرب المفروضة، وإعلاء رايتها في المحافل العلمية والرياضية الدولية، قالية لمسالك الشيطنة التي وقعت فيها نساء دول اخريات لم يجد الإسلام في حياتهن مجالا ليُحسبن منه.

المراجع

1 – بالأرقام.. المرأة في إيران "عزيزة" الجمهورية الإسلامية

https://www.alahednews.com.lb/article.php?id=48048&cid=125 

  

 

 

lundi 2 septembre 2024

ما يجب علينا تأمّله في ذكرى رحيل سيد المرسلين صلى الله عليه وآله

 

 

تصحيح تاريخنا الإسلامي يبدأ من أوّل مولد خير الأنام عليه وعلى آله الكرام خير صلاة وأقوم تسليم، ففيه مغالطات وتحريفات يجب التنبيه لها والوقوف على تزويرها حتى يُمرّر لنا نظام حكم وقع تزويره، وتقديمه على أساس أنه من الشورى لكنّه واقعا انقلاب على رأس النظام الإسلامي المتمثل في إمامة عليّ والأئمة من ولده عليهم السلام، كتعيين واختيار إلهي من أجل استكمال مرحلة حفظ الإسلام وتبليغه للعالمين.

منظومة الإمامة الإلهية تصدّى لها من تصدى من المهاجرين، رفضا كما جاء على لسان من تجنّد قولا وفعلا، لأجل منع إقامتها وسنح لهم ذلك، ولم يتحرج في إظهاره كأنما هو انجاز تحقق، أو تصحيح خطأ وقع تلافيه، عندما أسرّ لابن عباس بالقول: (كرهوا أن يجمعوا لكم النبوّة والخلافة، فتبجحوا على قومكم بجحاً بجحاً، فاختارت قريش لأنفسها فأصابت ووفقت)(1)

لقد جمعت محاولة الصدّ تلك، طلقاء النبي صلى الله عليه وآله في المقام الأول - فقد كانوا أصحاب سلطة ونفوذ بين القبائل ولِدارِ الندوة رمزيّة واضحة في ذلك - ومعهم كل من كان يرى في قريش مكانة وزعامة، (إنّها قريش وخيلاءها، ما آمنت منذ كفرت، ولا ذلت منذ عزت) (2) وعرف هؤلاء من خلال ما كان النبي صلى الله عليه وآله يقوله بشأن عليّ عليه السلام، أنه سيستخلفه على الأمّة من بعده، فلا أدلّ على ذلك من قوله له: (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي). (3) وقوله لبريدة وغيره من الحاسدين والمبغضين: (ما تريدون من علي إن عليا مني وأنا منه وهو ولي كل مؤمن بعدي) (4)

وجاء الأمر الإلهي بتنصيب علي عليه السلام مولى لكل مؤمن ومؤمنة في حادثة الغدير يوم 18 من ذر الحجة من السنة العاشرة للهجرة النبوية أي حوالي شهرين ونصف قبل التحاق النبي صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى عندما اعلنه وليا وهاديا بعده وأمر من كان حاضرا لتهنئته ومان من بين المهنئين من قال له: (بخ بخ لك يا بن أبي طالب، أصبح وأمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة)(5)

وكان نفر من الصحابة، عددهم اثناعشر رجلا، تعاقدوا على التنفير بالنبي صلى الله عليه وآله، عند منصرفه من غزوة تبوك في العقبة(6)، فأطلعه الله على مؤامرتهم وتدبيرهم، وكان معه عمار وحذيفة يسايرانه، فأخبرهما بذلك وطلب منهما كشف القوم، وهؤلاء الذين عرفهم حذيفة، واستأمنه رسول الله على كتمان أسمائهم، لكن المصادر السنّية أحجمت عن ذكر بعض أسماء هؤلاء فارتباطهم بأحداث السقيفة وما استتبعت من اختيار خلفاء.

فمن كان يسأل حذيفة ان كان من هؤلاء المنافقين، فينطبق عليه مثل كاد المريب أن يقول خذوني، زد على جرأته في التصدّي للنبي صلى الله عليه وآله عندما أراد أن يكتب وصيته (هلمّ أكتب لكم كتاب لا تضلوا بعده)(7) فمنعه بقوله إن النبي يهجر(8) وهذّب المقالة حفاظ الحديث بالقول إن النبي غلبه الوجع وعندنا كتاب الله حسبنا كتاب الله)(9) ومن بلغت جرأتهم على النبي بمثل هذه الوقاحة فليس غريبا أن ينخرطوا ويتورّطوا في أعمال قبيحة أخرى أشد وزرا كاغتياله بالسّم في مرضه الذي انتقل فيه الى الرفيق الأعلى، وقصة شاة اليهودية تبدو مفتعلة لا حقيقة لها، لأننا نستبعد قبول النبي شاة مشوية من يهودية، ولا نقبل كذلك بسكوت الوحي عن ذلك حتى يأكل منها النبي صلى الله عليه وآله، ما يفيد مشاركة الله في قتل نبيه نعوذ به من سقطات الحمقى والاغبياء، وقصة شاة اليهودية رُكّبت تركيبا، لأجل التغطية على من دس له السمّ في اللدّ الذي لدوه به، رغم أنه نهى عن لدّه (10)

وقد جاء ما أفادنا بأن النبي صلى الله عليه وآله تعرض لمحاولات اغتيال عديدة قبل الهجرة وبعدها، ومحاولة اغتياله من طرف يهود بني النضير، وما ذكرته من مؤامرة العقبة أنجاه الله منها، كان آخرها ما أجمل في وصفه عبد الله بن مسعود: لأن احلف تسعا أن رسول الله قتل قتلا، أحب إلي من أن احلف واحدة أنه لم يقتل)(11)

أماعن دوافع مقتل النبي صلى الله عليه وآله فهي أساسا متعلقة بمن سيلي الحكم بعده وهو علي بن ابي طالب الذي عبّرت قريش عن رفضها له منذ أن بدأت إخبارات الوحي تشير إليه، فتجنّد لمنع ذلك كل كاره مبغض له، وبذلوا من أجل ذلك جهودا كبيرة، ولما يئسوا من ازاحته من طريقهم، التجأوا الى اغتيال النبي بالسمّ ليقوموا بعد ذلك بتنفيذ خطتهم في الاستيلاء على الحكم بدأ من سقيفة بني ساعدة وانتهاء بمساعدة ابي سفيان رأس الطلقاء والمنافقين، وتحقق لهم ذلك مستغلين انشغال علي وبني هاشم وخلّص الصحابة، في تجهيز النبي صلى الله عليه وآله لدفنه في حجرته، حقائق يجب مرتجعتها لتعديل البوصلة وتصحيح المسار، أما ان نكون مع نبيّنا صلى الله عليه وآله، أو نكون مع من ارتكب بحقه ابشع الانتهاكات والجرائم، ولا خيار ثالث هنا.

المراجع

1 – شرح نهج البلاغة ابن أبي الحديد ج12ص53/ تاريخ الطبري ج3ص578 / الكامل ابن الأثير ج2 ص433

2 –  السيرة النبوية ابن كثير ج2ص394/ دلائل النبوة البيهقي ج3 ص107

3– جامع أحاديث البخاري كتاب فضائل أصحاب النبي ج5ص19ح3706 / مسلم كتاب فضائل الصحابة ج7ص119ح2404

4– سنن الترمذي أبواب المناقب باب مناقب علي بن اأبي طالب ج6ص78ح3712

5– البداية والنهاية ابن كثير الدمشقي ج11ص71

6– مسلم كتاب صفات المنافقين ج8ص123ح2779

7 – جامع أحاديث البخاري كتاب المرضى باب قول المريض قوموا عني ج7ص120ح5669

8 – مسلم كتاب الوصية باب ترك الوصية لمن ليس له شيء يوصي فيه ج5ص75ح1637

9 – جامع أحاديث البخاري كتاب العلم باب كتابة العلم ج1ص34ح114

10 –   كتاب المغازي باب مرض النبي ووفاته ج6ص14ح4458

11 – مسند احمد بن حنبل مسند عبد الله بن مسعود ج 6ص115ح3617 وج6ص418ح3873 وج7ص205ح4139/ المعجم الكبير الطبراني ج10ص109